حتى لانُخذل من جديد!!

السبت, 10 أيار 2014 19:31
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

الإسنادات المعنوية الكبيرة ، التي حظي بها جنود القوات المسلحة والامن في معركتهم (المقدسة) ضد مسلحي القاعدة، والجماعات الدموية في ابين والبيضاء وشبوة خلال الايام الماضية ،اثبتت ان ثمة خيط لم يزل يربط المجتمع بالمؤسسة العسكرية والامنية باعتبارهما مؤسستان وطنيتان(مهما اهتزت صورتهما في وقت من الاوقات)،ويمكن لهما اداء ادواراً اخلاقية مهمة حيال الوطن وامنه، بعد ان قطعت الكثير من الحبال بينهما ، بسبب مركز الحكم الذي عمل (وضمن مخطط قبيح ) ، على مدى العقود الماضية على افراغ هاتين المؤسستين من مخزونهما الانضباطي وجاهزيتهما القتالية ،وقبل كل شيء من حضورهما الاخلاقي ، وباعد بينهما وبين المجتمع ،حتى يستطيع ادارة منظومة الحكم في مساحة الولاءات ، التي تفضي في نهاية المطاف ، الى تكثيف مركز القوة في الحاكم نفسه، و المستقوي بمثل هذ الولاءات(التي تكون في الغالب مناطقية وعائلية) مقابل الإضعاف المميت لبقية المؤسسات وعلى رأسها المؤسسة العسكرية بتكوينها الوطني المتنوع .

والناظر لتاريخ المؤسسة العسكرية ، سيرى في احداث اغسطس من العام 1968 ، المنعطف الاخطر في تاريخها ، حين تعرضت للطلقة الاولى والفاجعة في نسجها الوطني من قبل ـ اعدائها ـ الذين تسربلوا بلباسها الجمهوري، حين استطاعوا تهيئة الجميع للتنازع الطائفي ، من اجل التخلص من الطاقات الشابة الجديدة التي اعادت للجيش قيمته الاخلاقية والقتالية اثناء حصار صنعاء، ودحر القوى الملكية ومرتزقيها من على ابوابها، بعد هروب كل القادة الكبار منها ،الذين عادوا بعد فك الحصار من اجل انجاز مثل هذا السيناريو (التأمري )،والذي سيعقب باختراع قسم الفائض ، الذي سيتيح لهؤلاء مرة اخرى تحويل كل الضباط الجمهوريين غير المرغوب فيهم اليه.

بعد التسوية الملكية الجمهورية في مارس 1970 ـ برعاية السعودية ـ التي غدت اللاعب الاوحد في الساحة بعد تسلمها الملف اليمني باتفاق مع القيادة المصرية ـ سيصار الى تكوين اولى الخلايا العسكرية المنظمة لجماعة الاخوان المسلمين داخل الجيش بدفع منها ،واليها سينظم مجموعة من الضباط الصغار الذين لعبوا ادواراً مزدوجة في الاحتراب الجمهوري الملكي بين 62 و1967،حين تولوا مسألة التنسيق مع محاصري الخارج من القوى الملكية، لضرب الاهداف داخل المدينة المحاصرة.

بعد العام 1978 سيتقوى هذا الجناح بشكل لافت ،لأسباب عديدة ، منها ان الحاكم الجديد (علي عبد الله صالح) ـ القريب من السعودية والمنتمي الى ذات المنطقة التي ينتمي اليها ابرز الوجوه فيه ـ سيمكنهم ضمن اتفاق اقتسام السلطة من السيطرة الكاملة على اهم المفاصل في الجيش والحكم ، على حساب قادة بقية الصف الجمهوري وبقية الضباط المحسوبين على مناطق تعز واب، الذين شُردوا بعد احداث الحجرية مطلع العام 1978.

خروج الجناح العسكري ـ الاخوا قبلي ـ ومعه مليشيات الجبهة الاسلامية من احداث المناطق الوسطى وعتمه وريمه واب وتعز وحروبها (باقل الخسائر) بعد تسوية العليين(صالح/ناصر) الامنية ـ التي راح ضحيتها العشرات من الحزبيين 0مدنيين وعسكريين زادت من استشراسه وتمكين الاقرباء من السيطرة على قيادة اهم الاسلحة في الجيش ومنهم اخوة الرئيس، قبل ان يٌولى اكبر ابنائه لاحقاً قيادة اهم التشكيلات العسكرية ، وقوى النخبة التي جهزت بأحدث العتاد والسلاح.

بالمقابل سيتعرض جيش( جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) في يناير من العام 1986 لأكبر هزة في تاريخه القتالي، اقلها انقسامه الحاد بين الجناحين المتصارعين على السلطة ، ونتج عن هذا التصارع تصفية عشرات الضباط والقادة ولم ينج منها المثقفين ايضاً. الطرف المنهزم في احداث يناير بقواته العسكرية وبعض عتاده ، سينتقل الى شمال البلاد ،ليعود الى الجنوب مجددا في جائحة 94 ، ضمن تحالف عريض من العسكر ورجال الدين ومشايخ القبائل الباحثين عن مواطئ اقدام في خارطة الحكم الجديدة .

المستهدف من جائحة 94سيكون ما تبقى من جيش جمهورية اليمن الديموقراطي ، وحاضنته الحزب الاشتراكي اليمني، والذي سيترتب عليها ،عملية تصفية وتقعيد لكبار الضباط العسكريين والامنيين من الخدمة ،لتتخلق في الشارع شريحة كبيرة من المسرحين العسكريين والمدنيين ،الذين سيشكلون النواة الاولى للحراك السلمي المنطلق في اوائل العام 2007،والذي سيستقطب الشارع الجنوبي الى صفه في غضون اربعة اعوام لتتحول قضيتهم ـ بسبب عجرفة النظام ورأسه ـ من معطى حقوقي الى لحظة سياسية فارطة ، ارتفع فيها منسوب سقف المطالبة الى استعادة الدولة.

بين 1994 و2011 ستجرى مياه كثيرة في النهر ،اذ ستتحول المؤسسة الواحدة الى تكوينات هلامية متنافرة ،ذات ولاءات متعددة مناطقية وجهوية، لا تنظمها عقيدة وطنية متماسكة ، وما سيعبر عن هذه الحالة، تلك الروح الانهزامية التي رافقت معاركها مع القوات الاريتيرية على جزيرة حنيش في سبتمبر1995،وحروب صعدة الستة بين 2004و2009.

انصرافات بعض قادة الوحدات والتشكيلات العسكرية في سنوات (الرخاوة الطويلة) الى الاثراء من نشاطهم اللاقانوني خارج وظائفهم ، من اعاشات الجنود البسطاء ومخصصاتهم وحتى من العتاد، الذي وجد طريقه الى مخازن الجماعات المسلحة والمليشيات الارهابية وكذا استقوائهم بوظائفهم في عملية نهب الاراضي والتهريب وممارسة التجارة (بشقيها) ، انتج صورة سلبية عن القوات المسلحة في اذهان الجميع، لهذا رأينا كيف ثارت المعسكرات خلال العامين الماضيين ضد قادتها الفاسدين، في عمليات تمرد لم تناظرها أي عمليات في تاريخ المؤسسة العسكرية خلال الخمسة عقود الماضية.

تعدد الولاءات ،ساهم بشكل فاعل في انقسام الجيش في العام 2011، وضاعف من عمليات الاختراقات الفاضحة للمليشيات المسلحة وجماعات العنف الدموي والارهابيين للجيش ، حتى صار لمراكز النفوذ من الواجهات العسكرية والامنية اذرعها المليشاوية ولها ايضا ـ قاعداتها التي تتسلح وتعتاش من مخازن ومؤن الجيش ـ وتوقظها مع كل صفقة.

الان ونحن نستعيد بعض الامل في هذا الجيش بجنوده البواسل، وقادته الميدانيين في معركة المجتمع (المقدسة) ضد الارهاب وجماعات العنف المسلح ،نتمنى ان لا نخذل من جديد بتحويل انتصار هؤلاء الابطال الى كسب جديد لطرف من اطراف مراكز النفوذ المتصارعة ، وافراغ مثل هذه اللحظة من حلم الخروج من النفق الذي طالت اقامتنا بداخله !!.

قراءة 1383 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة