على هامش الانتخابات المصرية الأخيرة

الجمعة, 06 حزيران/يونيو 2014 20:29
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

أثارت الانتخابات الأخيرة في مصر العربية كثيراً من الأحاديث إنصبّت في أغلبها حول عزوف غالبية من المواطنين عن الإدلاء بأصواتهم لأسباب ذهب كل فريق سياسي إلى تفسيرها وفقاً لهواه. ومن التفاسير الجديرة بالتأمل تلك التي تذهب إلى القول بأن الإنسان العربي لم يعد يؤمن بالديمقراطية، بل أنه لم يؤمن بها في يوم من الأيام لأن الممارسات الخاطئة التي رافقتها لم تضع أسساً حقيقية للتغيير في شكل الحكم ولم تنجح في محاربة التخلف، كما لم تغير شيئاً ملموساً في مجال القضايا الاجتماعية وإنصاف الغالبية الساحقة من الفقراء والمهمشين. وهناك من ينكر على الأقطار العربية كلها أن تكون قد بدأت الخطوات الأولى في الديمقراطية. حتى مصر التي يفخر بعض الساسة التقليديين فيها أنها شهدت حالة من الديمقراطية وتبادل السلطة في عهود ما قبل ثورة 23 يوليو، وهم يتناسون أنها كانت ديمقراطية شكلية يديرها الأغنياء ورجال الإقطاع، وكان تبادل السلطة –إن حدث- يتم بين أركان هذه الجماعات مما جعلها تجربة فاشلة بكل المقاييس.

وللذين يقولون إن الإنسان العربي غير جدير بالديمقراطية وأنه غير مؤهل لممارسة الحكم الديمقراطي نقول لهم: إن الإنسان هو الإنسان عربياً كان أو أوروبياً أو أمريكياً، آسيوياً أو أفريقياً، وأن الخصائص الإنسانية واحدة لا تختلف من جنس إلى آخر، وأن القيادات المخلصة والنزيهة التي نذرت نفسها لخدمة شعوبها هي التي تقود التحولات، والنخب السياسية الشريفة هي التي تعرف كيف تحرك الإرادات والطاقات وتتبنى البرامج العملية واضحة الدلالات، والتي من شأن الالتزام بتنفيذها أن تتجاوز الشعوب منعطفات التردي والنكوص. ومن الثابت والمؤكد أن الأقطار العربية لم تحظ بمثل هذه القيادات إلاّ نادراً. كما كان حظها من النخب السياسية سيئاً لذلك فقد كانت التجربة السياسية العربية المعاصرة على درجة من السوء والفشل المتلاحق، وظل الشعب العربي، لذلك كله، يتخبط في تجاربه وانتقالاته. وكان دور الأحزاب -تحت الأرض أو فوق الأرض- سلبياً في كثير من الحالات بعد أن تحولت إلى قبائل متصارعة على الحكم.

ومن الثابت والمؤكد أيضاً أن المقولات البديعة الكبرى التي كانت وما تزال تتردد في خطب الأحزاب وبياناتها، كالديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية التعبير، واحترام الرأي والرأي الآخر. لم تخرج عن نطاق الشعارات ولم تخضع في فترة من الفترات للتطبيق، وما تزال الهوة قائمة بين الأقوال والأفعال، وإذا كانت الأحزاب العربية قد نجحت في أمر ما فإنه نجاح سلبي وتدميري وأعني به تنمية الصراع الذي دار فيما بينها وترك جروحاً وندوباً ليس في الحياة السياسية ذاتها وإنما في الواقع العربي بأكمله. ولو أن بعضاً من ذلك الجهد الذي بذلته الأحزاب المتصارعة في الحرب فيما بينها قد تم من أجل بناء الأوطان واستشـراف المستقبل الذي طال انتظار المواطنين له لكان واقع الأمة قد تغير منذ سنوات طويلة وصار في إمكان أبنائها أن يمارسوا الانتخابات وغيرها من مظاهر الديمقراطية على درجة عالية من الوعي والرقي الحضاري والإنساني.

إن على المواطن العربي الآن، وأقصد به هذا المواطن الناشط سياسياً وفكرياً واجتماعياً أن يبدأ في مراجعة خطواته السابقة وأن يتوقف طويلاً عند تلك المواقف الكبيرة أو الصغيرة التي جعلته ينفق جانباً من وقته وجهده لمحاربة مخالفيه في الرأي، وأن يسأل نفسه عن حقيقة هذا الخلاف وهل كانت هناك إمكانية أو حتى نصف إمكانية لتجسير فجوة هذا الخلاف للوصول إلى نقطة التقاء حول المصلحة العامة وما تفرضه من ضرورة التقارب وحشد الطاقات للخروج من دائرة التخلف التي تحيط بالوطن العربي ولا تسمح لقطر من أقطاره بأن يدعي تفوقه على بقية الأقطار سياسياً واجتماعياً، فالجميع في داخل الدائرة متساوون كأسنان المشط، ولن يكون في مقدور أي قطر عربي الإفلات منفرداً من قبضة الدائرة مهما كانت إمكاناته وتعددت محاولاته.

قراءة 1450 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة