قبل كم يوم حضرت حفلة للموسيقار العالمي"ياني"، ورأيت الفارق الكبير بين الحفلات الموسيقية العربية التي حضرتها من قبل وبين هذه الحفلة.

ربما الناس في كل الحالات كانت سعيدة بالموسيقى ولكن الفرق في حفلة "ياني" كان"الإبداع والتجدد وروح التوحد مع الجمهور ومع فرقته". لاحظت في الحفلة إبداعات العازفين التي تعمد ياني أن يظهر كل شخص منهم وهو يؤدي "سولو" لوحده ويذكر اسمه ونصفق له. كان كل شيء مختلفاً، الحفل كان في مكان مفتوح، ومن كثر الانسجام مع الموسيقى الجميلة شعرت بأن الأشجار تميل معها.

الموسيقى ارتبطت دائماً بالحضارة. إذا أردنا أن نعرف تطور حضارة أو تدهورها ما علينا إلا أن نرى مستوى تطور الفن في ذاك الوقت. في شمال اليمن مثلاً في السبعينات كان هناك تغييرات تحدث ومحاولات للنهوض بالبلد: افتتح التلفاز وبدأ الشعراء في كتابة الشعر وظهرت أغاني جديدة يمنية عن الحب والوطن وتشجيعاً للعلم. كان هناك إبداع... ألحان جديدة... كلمات جديدة!

لم يستمر هذا طويلاً للأسف، وجاءت فترة التطرف وتحريم كل شيء جميل: الموسيقى حرام، الغناء حرام، الرسم حرام... ومع الأيام مات الإبداع. حالياً لا نزال نسمع موسيقى يمنية لكنها لم تتغير من عشرات السنين. نفس التراث يعاد ويعاد. الفنانين لا يبدعون... الشعراء لا يبدعون... لا أحد يبدع. وإذا جاء فنان جديد فغالباً بيقلد، إلا من رحم ربي من الذين ظهرت مواهبهم ولكنهم لا يلقون التشجيع الكافي ومات إبداعهم أو تركوا البلد بسبب مجتمع أصبح لا يهتم بهذه الأمور، إما خوفاً بسبب فكرة أن هذا الفنان يفعل "الحرام" والنظرة له وكأنه أقل من غيره، أو بسبب الاعتقاد بأن الاهتمام بالفن رفاهية مش وقتها الآن وفي أشياء أهم بسبب تدهور الوضع العام. وهذا يؤكد فكرة أن التطور الحضاري مرتبط بتطور الفن.

نرجع لحفل ياني، أكثر ما عجبي هو عزفه الذي وحد العالم، ينتقل من بلد لبلد دون أن يهتم أي شخص بجنسيته أو يخاف منه. كسر كل الحدود بين الدول، وتحدث لنا في نهاية الحفل قائلاً بأن رجال الفضاء عندما يتطلعون للأرض من الفضاء يجدوها واحدة دون الفروقات أو حدود. فصرخ أحد الموجودين في الحفل "موسيقاك أيضاً وحدت العالم!".

فعلاً، ما أجمل الموسيقى! لغة مفهومة للجميع توحد العالم بكل اختلافاته. وكما يقول الشاعر الصوفي الفقيه جلال الدين الرومي واصفاً الموسيقى "وما الموسيقى إلا أزيز الجنة".