في الكتابة يجب ان تنسى امر الخطة

الخميس, 14 آب/أغسطس 2014 18:38
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

في الكتابة كما في لعبة الشطرنج يجب أن تنسى امر الخطة التي فكرت بها قبل النقلة الأخيرة، دوما عليك المواكبة، واكتشاف النقلة الذكية، يجب أن تنسى أمر الخطة نهائيا وأن تحتفظ فقط بالاطار العام للعبة، في النهاية ستجد أن النصر حليفك، أو أنك كنت على وشك الظفر به، في كلا الحالتين سيعني هذا أنك نجحت، فمن حسن الحظ أن الكتابة ليس فيها انتصار كامل. وكما في الرقص«عليك الذهاب مع الموسيقى وحسب، عليك أن تنسى ان لك أقداما يجب أن تحركها، أو بالأصح دع جسدك كله يفعل الشيء الذي يرغب به حقا، دون توجيهات مسبقة أو محاذير، بإمكانك الرقص على طاولات الناس المحترمين الذين لا يهتمون كثيرا لما تقوم به، الناس المتأنقون ذوو ربطات العنق الملونة، قد يزعجهم الأمر، لكنك ستسمع تصفيقا حارا يأتي من نهاية القاعة، هناك حيث يحتسي المجانين عادة المزيد من الشراب، وحيث يقف الناس الذين يكرهون الجلوس على المقاعد أو أولئك الذين لا يسمح لهم بالجلوس.

إذا اردت الرقص فوق طاولة تجلس قبالتها سيدة جميلة، سيكون عليك أن تتعلم الرقص بأقدام هامسة، دون أن تفقد الرقصة روحها فالسيدة الجميلة لن يكون لديها ربطة عنق، وإذا كان لديها قليل من التأنق أو العجرفة، فبإمكانها التعويض عن ذلك بسهولة، ومهما يكن فهي تستطيع أن تسرق لك ابتسامة صغيرة قبل أن يلحظها ذلك الرجل السمين أو الرجل الممل الذي لا يعجبه شيء في هذا العالم سوى نفسه، لكنه لسوء الحظ يشاركها الطاولة نفسها، عليك أن تتقبل الأمر، فهي تخشى من نظراته الحاقدة. لا تبادلها الابتسامة، ستكون غبيا ان فعلت ذلك، ولكن بإمكانك ان ترد عليها بمزيد من الرقص، وستفهم هي ذلك، اذا لم يكن على شكل مواعدة، فعلى الأقل على شكل قبلة مسروقة في الخيال. أرقص وفي بالك أن جميع الرجال المحترمين لا يعنون لك شيئا، لا يعنون للرقصة بالأصح، وأن الرقصة التي تؤديها الأن هي الشيء الأهم الذي حدث في الأرض منذ أن تم اختراع الألة الكاتبة.

تذكر أن رقصتك هذه هي الوحيدة القادرة على إحداث الفارق لصالح كل من خانهم الحظ، الوحيدة من تستطيع بث السعادة في نفوس الفقراء، أنت أصلا ترقص لأجلهم، لأجل قضية كبرى، أطفال الشوارع في كل الأزمنة هم قضيتك، وعليك أن تؤدي الرقصة ببراعة، سيفرحون لذلك حتى وان كنت ترقص وحيدا في غرفة مظلمة. وكما في كرة القدم، عليك أن تبلغ الهدف، ان تحتفظ بالكرة أكبر قدر ممكن من الوقت، ليس على طريقة جارديولا. في
الكتابة لا يمكنك أن تعطي لوحة المفاتيح للشخص الذي يجلس بجوارك لكي يكتب عبارتك القادمة، الأمر يختلفا قليلا، أنت وحيد في هذا الملعب، وأنت من يطلق صافرة البداية، ومن يكون الهجمة من الصفر.

لا تهتم لأمر الخطوط البيضاء الغبية، بإمكانك أن تبدأ الهجمة من خارج تلك الخطوط، الأهم هو أن تنجح في أن تقذف الكرة داخل الشباك، بطريقة فاتنة إن استطعت، مثلا، إفعل ذلك وكأنك تقبل فتاة يافعة تحت أذنها تماما، او كمن يفشي لشخص غريب تعرف به للتو بسر العائلة، هكذا ستنجح في اختراع ذاكرة للشباك، وسيبقى يتذكر هدفك إلى الأبد.

سجل الهدف وستعرف ما الذي سيحدث، فرغم أنك الوحيد في الملعب، إلا ان هناك جموعا غفيرة تحبس انفاسها كلما اقتربت من الشباك، وعندما تلج الكرة ستسمع الصلوات تتلى، والهتافات الصاخبة تدوي في المكان، سيخيم الفرح على المدرجات، ستشعر بذلك وانت منشغل في الاعداد للهجمة الجديدة، لكنك لن ترى سوى قدر بسيط من العناقات الطويلة والقبلات الحارة التي صنعتها بإحرازك الهدف، هو ليس هدفك وحدك، بل هدف الجميع، وسيتذكرونه دائما على أنه هدفهم. وكما في حكايات الجدات التي نتمنى أن لا تنتهي، عليك أن تجد دوما ذلك السر الذي يبعث على اللهفة، أكتب وفي بالك أن الجميع ما يزالون صغارا ، ويحبون التجمع على شكل حلقة أكبر بقليل من نصف دائرية وأن عليك أن تكمل الدائرة بنفس ثقة الجدات وبسحرهن الذي لا تعرف مصدره، وفي كل مرة يجب أن يكون لديك حكاية جديدة، أو حتى قديمة ولكن تعلم أن تحكيها بطريقة أخرى وبالشغف نفسه.

وكما في الحب لأول مرة، عليك أن تشعر بالخوف وبالارتباك من دقات قلبك المتسارعة، لكن عليك أيضا أن تذهب خلف قلبك، حتى وان كان سيقودك إلى بيت الجيران وستلقى هناك حتفك، عليك أن تصطحب ورودا حمراء او حزمتين من زهر البنفسج، لا يمكن لقلبك أن يدق بشكل متسارع، وأن تذهب خلفه إلى مصرعك وأنت لا تحمل وردا، الورد ضروري في هذه الحالة، وإذا ما حدث مكروه، ستكون قد وفرت على المشيعين حد الطقوس المملة...

* أردت أن أتحدث لنفسي بشأن الكتابة فكتبت هذا .

 

قراءة 1465 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة