إلى توفيق القباطي

الإثنين, 12 تموز/يوليو 2021 19:18 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

كان يدعوه أبي "العصفور" لفرط عذوبته وغنائية حضوره الذي لا يكون إلا شعرًا جيدًا للغاية..

ظل "العصفور" رفيق أيامنا التي نقضيها تسكعًا على أرصفة شوارع روتينية في مدينة لا يحبها، لكنه لم يأنس سواها رغم وحشيتها؛ لا لأنه استأنس الوحشة! بل لأن الإفقار ومصادرة الخيارات وسيلة هذه المدينة في إخضاع الأفراد وهدم سيكولوجياتهم. 

طالب فلسفة مميز في مقتبل العمر، كان توفيق يكتب القصائد: "عام سعيد يا رنا" التي استحالت ثيمة غزل أثيرية يتبادلها العشاق في المكان نفسه منذ ٣٠ سنة.. يا لها من لحظة ندية للعصفور قبل أن تُنهش أيام عمره بالقهر وانتظام أجهزة أمن الدولة على التنكيل بالناس وطردهم خارج استحقاقات الجدارة والمغايرة. تلك الممارسات التي خلفت آثار جريمة مصممة بحيث لا يمكن محوها أبدًا.

توفيق "الاكسر" سيرة مكثفة عن كلفة الخيارات المرهفة في البلاد القبيحة. 

لا أتذكره إلا بهيًا، حتى في لحظات انتكاساته النفسية كان يفيض بالود ولا يضمر غيره، يخفي شروده فيما يشبه إغفاءة قصيرة، بعدها يرسل صوته نحوي برفق:

"لعل قصيدة نيرودا في وداع لوركا هي أجمل نصٍّ قرأته في حياتي، سيما ترجمة كميل قيصر داغر.."

يا صاحبي بحثت عن نسخة كميل داغر لقصيدة نيرودا ولم أجدها.. وها أنا أترجم المقطع الأول من قصيدة (أغنية إلى فيديريكو جارسيا لوركا) وأعلم أنها إغفاءة طويلة هذه المرة يا توفيق.

(أغنية إلى فيديريكو جارسيا لوركا)

"لو أستطيع لبكيت خوفًا في بيتٍ مهجور

لو أستطيع لاقتلعت عينيّ وابتلعتهما

لفعلت ذلك من أجل صوتك البرتقالي الحزين

ولأجل شعرك الذي يعبر هادرًا.

فمن أجلك يطلون المستشفيات بالأزرق

والمدارس، والسواحل البحرية تنمو،

والملائكة تحشو جراحَها ريشًا.

ومن أجلك صارت محلات الخياطة بأقمشتها السوداء الرقيقة متسربلة بالدم

فمن أجلك صار الرفاق يزدردون شرائطهم الحمراء الممزقة،

ويفنون أنفسهم بالقبلات

ويتشحون بعد ذلك بالبياض."

قراءة 2912 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة