في ذكرى احداث اغسطس 68م المشؤومة

الأربعاء, 07 أيلول/سبتمبر 2022 16:29 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

راجت في الفترة الاخيرة نشاطات مشبوه من بعض الاطراف السياسية في اثارة صراعات الماضي في جنوب اليمن وشماله، تعبيرا عن مؤامرات تحاك ضد استقرار اليمن وسيادته، وفي نشر احقادها وتشويه نضالات القوى الوطنية الديمقراطية اليمنية، وهو ما عبرت عنها بعض تلك الوسائل الاعلامية في احداث اغسطس 1968م

ـــــــــــــــــــــــــــ

في ذكرى احداث اغسطس 68م المشؤومة

حفل التاريخ الحديث لشعبنا اليمني بانتصارات رائعة: قيام ثورة26 سبتمبر62م المجيدة، وانتصار السبعين يوما الخالدة، وانتزاع الاستقلال الوطني للشطر الجنوبي من الوطن، وتحقيق الخطوة التصحيحية فيه، ومع ذلك فلم يخلى تاريخنا الحديث عن الانتكاسات والهزائم ومنها مأساة احداث اغسطس68م.

 *وكان للانتصارات والهزائم ثمن غالي الا وهو قوافل الشهداء من الطلائع الوطنية والثورية، الذين دفعوا أغلى ما لديهم في سبيل انتصار قضية التقدم والثورة في بلادنا.. ففي ايام الامامة فقد شعبنا، المطاع، والموشكي، والوريث، والعزب، والعنسي، والسياغي، وجمال جميل، في سبيل الدستور والحد من سلطة الحكم الكهنوتي الأسري المطلق في 1948م، ثم الثلايا عام 1955م والعلفي والهندوانه عام1960م.

وفي الشطر الجنوبي من الوطن قدمت حركة التحرر الوطني العديد من الشهداء من بين صفوف العمال والطلبة، في غمرة النضال ضد الاحتلال البريطاني طوال اربع سنوات استشهد العديد من الوطنيين والثوريين من اجل الاستقلال وتأسيس نظام وطني وكان من بينهم غالب بن راجح لبوزه وعبدالله عبدالمجيد السلفي، وعبود ومدرم وبدر وغيرهم كثيرون.

وفي سبيل الدفاع عن ثورة سبتمبر دفعت الجماهير الشعبية الالوف من الشهداء من الحرس الوطني، والقوات المسلحة بلغت حسب التقديرات( مائة الف شهيد)، ابرزهم علي عبدالمغني، والشراعي، واحمد الكبسي، واحمد حميد العماد وحمود هادي النمر، وغيرهم كثيرون.

لقد علمتنا تجربة شعبنا الكفاحية، وتجارب حركة الثورة العربية والعالمية أنه لا يمكن لقوى الاستغلال والظلم مهما كانت وسائل القمع والبطش التي تتبعها تصفية الحركة الثورية. وان كل قافلة تتقدم الى ميادين الاستشهاد في سبيل التقدم انما هي تمهد الطريق لانتصار لاحق، وهذا كان جوهر اسهام حركة المعارضة التي طالبت بالإصلاحات في الاربعينيات من القرن الماضي، والتجمعات الوطنية الجديدة منذ اوائل الستينات، وهذا ايضا خلاصة تجارب النضال الطبقي على المستوى العالمي منذ اوائل القرن الماضي، ففي خضم هذا الصراع فقدت حركتنا الوطنية الجديدة العشرات من كوادرها في مجرى النضال، من اجل انتصار الثورة والنظام الجمهوري، ومن اجل المضمون الوطني الديمقراطي للثورة والجمهورية تجسيدا لمصالح شعبنا.. امام مؤامرات رجعية محلية وعربية واستعمارية..

وكان للحزب الديمقراطي الثوري اليمني/ ولسابقته ( حركة القوميين العرب) المعادية للاستعمار نصيبا وافرا من شهداء الحركة الوطنية الجديدة.

فأثر اندلاع ثورة سبتمبر استشهد الرفيق أحمد الكبسي اثناء الدفاع عن الثورة ضد العدوان الرجعي العربي والامبريالي عام 62م تلاه العشرات من الشهداء في أعوام 63، 64، 65، 66، 67 من ابرزهم الرفيق محمد صالح عبده وشائف محمد سعيد القاضي، الذي استشهد في انتفاضة 3 اكتوبر67م الرافضة لكل اشكال التدخل والوصاية على ثورة شعبنا، في محاولة لمسخ احد مكاسب الثورة والنظام الجمهوري.

وفي حرب الـ (70) يوما وفي غمرة التحضير لتأسيس الحزب، كان العديد من الرفاق في المواقع الامامية المدافعة عن الثورة وقد استشهد اكثر من (37) رفيقا من الضباط القادة من ابرزهم الرفاق احمد عبدالوهاب الانسي، وعبده قاسم المحبشي، ومحمد علي علويه، وأسعد فضل، واحمد صالح المعمري، وحسين احمد صالح اليافعي، واحمد فضل سعيد، وعبده قاسم احمد الشيباني، وثابت محمد عثمان، ومحمد محسن حيدرة، واحمد محمود شحطره، وعبدالله هلال الاكحلي .

ومن اجل مقاومة الهجمة الرجعية الشرسة على الحركة الوطنية في اعوام 68 ، ،69، 70م أستشهد كوكبة من المناضلين على رأسهم بطل السبعين يوما عبدالرقيب عبدالوهاب رئيس الاركان وقائد قوات الصاعقة وكذلك عدد من الرفاق  سرا وعلانية، وهم أصاحب الملاحم البطولية في السبعين يوما محمد صالح فرحان قائد سلاح المشاة في احداث اغسطس68م ومحسن الرياشي، وسعد الرياشي،  محمد مهيوب الوحش قائد قوات المضلات، على يد عملاء الرجعية المحليين، اقطاب سلطة 5 نوفمبر67م الرجعية.

وفي اعوام 71-73م فقد الحزب ابرز المناضلين الرفاق الشهداء يحيى الظرافي، واسماعيل الكبسي عضو اللجنة المركزية للحزب، وعبدالجبار عبد الحميد علوان عضو اللجنة المركزية المرشح وسكرتير منظمة تعز، والنقيب محمد سرحان، والنقابي الكبير على قاسم سيف عضو اللجنة المركزية،  والجعدبي، والسالمي ومحمد عبدالله سيف، والنقابي يحيى عبدالملك الاصبحي عضو اللجنة المركزية المرشح، والنقيب علي سعيد معمري، والمقدم يحي مذكور  والعشرات  تم اغتيالهم في غرف التحقيق او فيالميادين العامة.

لقد تربى الرفاق الشهداء بروح الوطنية، وحب الشعب والانسانية وتقدمها داخل صفوف الحزب الديمقراطي الثوري اليمني، وقبل ذلك في منظمة حركة القوميين العرب. وكان الرفيق الراحل عبدالقادر سعيد طاهر، احد المناضلين البارزين الذين قاموا بتربية الشهداء ورفاقهم المناضلين داخل المنظمة ثم في الحزب، والذي امتاز طوال حياته النضالية كقائد بارز طليعي في افكاره وسلوكه، وكان لمنشأه الاجتماعي وايمانه بالفكر الاشتراكي العلمي كمخرج عملي من ضبابية وانتقائية وضيق الفكر القومي الذي كان سائدا في الحركة في الخمسينات واوائل الستينات. وكان يتمتع باحترام وتقدير رفاقه في الحزب وكل المناضلين الوطنيين الديمقراطيين في الفصائل الوطنية والسياسية الاخرى. ولهذا فقد اعلن الحزب يوم 18 مايو يوما لتخليد شهداء الثورة اليمنية. انها ذكرى حزينة.

في الذكرى الخامسة لتأسيس الحزب

انعقدت الدورة الثانية للجنة المركزية ل(حدثي) في مارس 74م وقد وقفت بمهابة واجلال دقيقة حدادا على ارواح شهداء الحزب والوطن على درب النضال لحماية مكاسب الثورة اليمنية الجذرية، وحيو البطولات والصمود التي اجترحوها الشهداء في نضالهم التي خاضها الشعب اليمني، كما حيوا الذكرى الخامسة لميلاد الحزب، منذ الوهلة الاولى الذي ولد في خضم الثورة باعتباره فصيل متقدم من حركة التحرر الوطني وهو متواجد في قلب النضالات التي تخوضها الجماهير الشعبية في سبيل السيادة الوطنية وتحقيق المهام الديمقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية ووحدة الوطن اليمني.

منذ ان وطأت اقدام المستعمرين الوطن العربي ومنها اليمن، ضلت سيادة الانتاج الاقطاعي في شطريه تعمل على اضعاف العلاقات الاجتماعية وجعلها في خدمة الاستغلال والاضطهاد للفلاحين، وحافظ الاستعمار على هذا النمط المتخلف، وقد استطاع مع القوى الاقطاعية الامامية في شمال اليمن، اعاقة نشؤ برجوازية منتجة، فنشأت برجوازية تجارية مرتبطة كوسيط لشركاته الاحتكارية او تعمل في مجال الخدمات ، وقد اخذت فئات جديدة تظهر وهي البرجوازية الصغيرة في تصدر النضالات الوطنية وارتباطها بالاحزاب ذات الامتداد القومي العربي، فأنتشر الحماس والاندفاع القومي في المنطقة فبدأت تظهر الاحزاب في اليمن في اواسط واواخر الخمسينات "حزب البعث، حركة القوميين العرب، الناصريين، الماركسيين".

 وقد تأسس الحزب الديمقراطي اليمني على انقاض تنظيم حركة القوميين العرب، وكان نتاج التحولات الفكرية والخبرات النضالية التي مر بها هذا التنظيم منذ تأسيسه في اوائل عام1958م، كانت نشاطاته بين فئة البرجوازية الصغيرة والعمال في المدن في المشاريع الصغيرة وفي الخدمات، وقد حدد القوميون اهدافهم في تلك الفترة بالعمل على اسقاط النظام الامامي المتوكلي في الشمال وتحرير الجنوب من الاستعمار البريطاني والاقطاع والبرجوازية العميلة، وتحقيق الوحدة اليمنية، وكان من ابرز نشاطات الحركة قبل ثورة 26 سبتمبر هي المبادرة في تكوين اول نقابة عمالية سرية في تعز عام1961م، والاشتراك في المظاهرة قبل الثورة بأشهر قليلة، واصبحت تمارس نشاطها السياسي اكثر منذ اليوم الثاني لقيام الثورة بمظاهرة 27 سبتمبر62م، واستهدفت الحركة تعبئة وتنظيم الجماهير للدفاع عن الثورة، وتمكنت بفعل موقفها من تأييد القاهرة في البداية، وتهيأت بفعل الثورة ظروف جديدة للتحضير للكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، بعد نفاذ دور النضالات السلمية والتمردات العفوية التي خاضتها الجماهير طوال الفترات الماضية، فكان للحركة دور في عقد المؤتمر التأسيسي للجبهة القومية في اغسطس63م في صنعاء والانطلاق لتفجير ثورة14 اكتوبر63م.

بيد ان دفاع حركة القوميين العرب المستميت عن عبدالناصر وعن الوجود المصري في اليمن قد جعلها تكسب حقد القوى الرجعية التقليدية، وحزب البعث ايضا الذي كان على خلاف صريح مع التجربة المصرية بعد فشل الوحدة العربية بين مصر وسوريا عام 61م، لكن سرعان ما اصطدمت الحركة بمواقف الاجهزة المصرية في الشمال من قضية قطيعة الثورة في الجنوب، واتبعت مواقف انتقادية نتج عنها استقلال فرع الحركة عن مركز حركة القومين العرب في بيروت عام64م..ومنذ ذلك الحين دخلت فرع الحركة في صراع مع الاجهزة المصرية بلغ حد استخدام الاخيرة الارهاب ضد اعضاء التنظيم وحدوث اشتباكات في شوارع تعز عام66م، كما تعرضت عناصر التنظيم الى المطاردات والسجون والفصل من العمل..الخ وكانت كل هذه المواقف تعبر عن استقلالية الحركة عن المركز ، وتبعا لذلك فقد ترتب عليه أن تنهج فرع حركة القومين العرب في اليمن نهجا خاصا أدى الى الانفتاح على الفكر الاشتراكي العلمي، والى اتخاذ مواقف سياسية تعبر عن فهم الحركة لطبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، والى اتباع أساليب تنظيمية ساعدتها على الالتصاق بحركة الجماهير العمالية والفلاحية وفئة البرحوازية الصغيرة التي اخذت تتسع بفعل التطورات الجديدة التي احدثتها الثورة، كما اخذت الحركة تنفتحعلى قوى العمل الوطني وبالذات الاتجاه الماركسي، والاشتراك في قيام التنظيم الشعبي للقوى الوطنية عام60م.

ان دور الحركة في تحقيق الاستقلال الوطني في الجزء الجنوبي ودورها في المساهمة في قيادة المقاومة الشعبية في الشمال في ضل التطورات السياسية المستجدة عام 67م يعد من ابرز نضالاتها وهي فترة تحقيق تلاحم قوى الثورة اليمنية في مجابهة الهجوم الاستعماري الرجعي على المنجزات اتي حققتها الثورة اليمنية.

لقد انتكست مفاهيم وشعارات البرجوازية الصغيرة وقدمت 5يونيو/ حزيران67م حقائق ومفاهيم امام الشعوب العربية، وبدأت تدرك السير في الطريق المسدود، واخذ يبرز لدى البعض توجه صادق للفكر الاشتراكي العلمي، وبالذات بعد نزول الموضوعات النظرية عام66م تحت عنوان "الايديولوجية والتنظيم والتركيب الطبقي في المجتمع اليمني" والبرنامج الفكري الذي شدد على التثقيف الفكري والسياسي، وكانت نشاطات التنظيم موحدة في عموم اليمن، في الجنوب ( ج.ق) وفي الشمال ( ف. ح. ق) حتى عام68م.. وحدثت تبدلات في الخارطة السياسية والتي تميزت بعودة الهيمنة السياسية للأقطاع المتحالف مع البرجوازية الكمبرادورية في 5 نوفمبر67م في ( ج.ع.ي)  وسيطرة احتياطي الاستعمار الجديد في (ج. ي، ج.ش) واخذ الصراع بين اليمن واليسار في الجبهة القومية، وكان لذلك اثرا قويا في تقييم القوميين للتجربة ولمحتوى الصراع في اليمن الذي اخذ يتفرع في المجتمع اليمني وعلى ضوء هذه التراكمات عقد القوميون العرب في يونيو67م مؤتمرا قيموا فيه تجربتهم السابقة، وادانوا مواقف التعصب القومي عند الحركة، وشكلت لجنة حوار مع بعض المثقفين التقدميين، توصلت الى ايجاد حزب جديد يحسم مسألة الهوية الفكرية والسياسية للحركة، وكان ذلك انعقاد مؤتمر للحركة من الفترة 8 - 22يوليو68م، ضم ممثلي قواعد تنظيم الحركة وانتهي المؤتمر الى تحول الى مؤتمر تأسيس الحزب الديمقراطي الثوري اليمني.. 

فقد خلق داخل التنظيم السابق جيلا من المناضلين الذين تعلموا واكتسبوا الخبرات في خضم النضالات اليومية ضد قوى الظلم والقهر، وتطورت مفاهيمهم في ضل عوامل مرتبطة بتطور القوى الاجتماعية وفي عصر يشتد فيه الصراع بين الاشتراكية والرأسمالية.

وقد اقر الحزب البرنامج والنظام الداخلي، الذي حدد الاهداف المباشرة والبعيدة للنضال انطلاقا من تحديد طبيعة القوى الاجتماعية والصراع الموجود، واعلنت اللجنة المركزية للحزب مواقف الحزب ازاء مجمل الاوضاع اليمنية في الشمال والجنوب والقضايا العربية والعالمية.

ووعد في بيانه ان الحزب سوف يوزع برنامجه السياسي على الجماهير في وقت لاحق.. لكن الظروف الجديدة قد حالت دون تحقيق ذلك.

فالسلطة الرجعية في الشمال وسلطة اليمين في الجنوب قد اولت هذا الحديث، اهتماما خاصا بسبب قوة تأثير الحزب في المجتمع، وبسبب فهمها لنوعية تفاصيله، فأخذت تدبر المؤامرات لتصفيته سياسيا وجسديا.

السلطة في الشمال اعتبرت أي ضربة قوية توجه للحزب خطوة على طريق تقليص النفوذ السياسي للقوى الوطنية كي تتمكن من تحقيق أهدافها في اعادة توحيد قوى الاقطاع بشقيه الملكي والجمهوري، واعلان التصالح مع السعودية واحكام الهيمنة الخارجية للإمبريالية على البلاد.

 سلطة اليمين في الجنوب كانت تعتبر أي ضربة توجه للحزب سوف يساعد على اضعاف دعم الفصيل التقدمي في تنظيم الجبهة القومية، في حين انها كانت تعد لسحق هذا التيار حتى يتسنى لها السيطرة كليا على الاوضاع. واعلان التصالح مع قوى الثورة المضادة، وابقاء المصالح الاستعمارية في المنطقة.

فكانت احداث20 مارس68م في عدن وفي اليوم الثاني 21مارس في الحديدة في تحرك قوات عسكرية وقبلية معززة بالدبابات والمدفعية واحتلت مدينة الحديدة ودكت مقر المقاومة الشعبية الذي كان مقر اتحاد العمال، ودارت معارك عنيفة بين فصائل من الجيش والامن والمقاومة الشعبية والعمال والطلاب مع القوات المهاجمة، ورافق ذلك التحرك في الجنوب في اعتقال اكثر من 300 مناضل في الجبهة القومية والفصائل الوطنية الاخرى ، تلك هي من العمليات التي استعجلت لتصفية الوطنيين والتقدميين في الشطرين.

وقد افرزت احداث مارس في شمال الوطن سلسلة من الاجراءات منها:

- ابعاد القيادات العسكرية الفرعية بالمحافظة بتهمة التعاطف مع المقاومة الشعبية.

- تزويد مشائخ القبائل بالسلاح والمال ووضع ميزانية شهرية لهم لتكوين حاميات عسكرية قبلية لمواجهة المقاومة الشعبية.

- تنظيم مؤتمرات مشائخية قبلية والتي اخذت قراراتها على الشكل التالي:

1- الغاء المقاومة الشعبية.

2- منع دخول الكتب العصرية الى اليمن بدعوى انها شيوعية.

3- محاربة الحزبية ودعاتها، وهم يستهدفون محاربة من يرفع شعارات وطنية وديمقراطية واشتراكية.

وفي 19 اغسطس اتخذت السلطة قرار بإعفاء بعض ضباط الجيش من مناصبهم ما ادى الى رفض الجنود والضباط لذلك القرار ووقفوا يؤيدون قياداتهم وضباطهم السابقين الا ان السلطة الحاكمة رفضت الانصياع لهذا الموقف الديمقراطي الذي عبر عنه الجنود والضباط، ولم تقف المسألة عند هذا الحد، فقد كانت الحكومة تدرك ان قرارها سيولد حالة معاكسة، وكانت قد اعدت جيشا عن طريق شيوخ القبائل وادخلتهم الى صنعاء وتمركزوا في المباني والشوارع وتقاطع الطرق المحيطة بالعاصمة، كما ضمت اليها الوحدات العسكرية الموالية لها وهذا ما ادى بالحكومة الى ان تدفع بنشوب الحرب الاهلية يومي ٢٣ و٢٤ اغسطس 68م.

ومن المفارقات العجيبة انه وفي الوقت الذي ظلت القوات الوطنية الحديثة تدافع عن مواقعها دون ان تقوم بهجوم مضاد فوجئت بقوات من المرتزقة الملكيين، تضرب عليها من الخلف..

هذه المسائل وظفتها تلك القوى في الحسبان، في حين أن الاستقلال الوطني الذي تحقق في 30 نوفمبر67م وتسلم (ج.ق) السلطة السياسية قد دفع بالقوة الرجعية في الشمال بالتركيز على الحزب الديمقراطي، انطلاقا من العلاقات السابقة بين فرع حركة القوميين العرب في الشمال والجنوب، على الرغم من استقلالهما التنظيمي، وانما طبيعة الصراع في حد ذات بين معسكر الثورة الوطنية الديمقراطية.. والمعسكر المضاد قد حددت هذه النظرية في حين ان الحزب الديمقراطي كان له مواقف واضحة سواء ازاء السلطة في الشمال او ازاء السلطة في الجنوب في تلك الفترة.

وقد زاد من حدة تأمر هذه القوى على الحزب طبيعة يقظة القوى التقليدية المتخلفة وظروف المولد الذي اتسم بحدة في الصراع الدائر في المنطقة، فحتى لا يتمكن هذا الحزب من بناء نفسه على هدى النهج الثوري الجديد، وخوفا من نفوذه السياسي، كشفه من تأمراتها الرامية الى تصفية الحركة الوطنية اليمنية، بحيث تكون الضربة الاولى موجهة للحزب الديمقراطي، وجعلت من مطالب العناصر الوطنية مبررا للهجوم، تلك المطالب الاصلاحية التي تقدمت بها في اوائل اغسطس 1968م. والتي تضمنت الاصلاح المالي وتسخير الامكانيات في بناء الاقتصاد الوطني واصلاح مفاسد الجهاز الإداري، الذي اصبح يشكل عبئا ثقيلا على الشعب، وصيانة السيادة الوطنية، وافساح المجال لنشاط الوطنيين...الخ.

كما عملت على استغلال المواقف الفوضوية لبعض العناصر وعلى استغلال علاقة القوى الوطنية الغير ناضجة ببعضها.

وقد برزت أحداث 24،23 اغسطس1968م المشؤومة التي جندت لها السلطة كل قواها العسكرية والقبلية والتي استهدفت الحزب الديمقراطي والمؤسسات الجماهيرية "المقاومة الشعبية- الاتحاد العام لعمال اليمن" كما استهدفت العناصر الوطنية في الجيش والامن التي صمدت وقاتلت بعناد ودحرت الهجوم الملكي السعودي الامريكي والبريطاني على مكتسبات الثورة اليمنية. وفكت الحصار على صنعاء الذي دام سبعين يوما. والحقيقة لا مناص منها هي:

ان الصمود البطولي للقوى الجديدة في الحرب قد اذهل اعداء تحرر وتقدم وحدة الشعب، الأمر الذي دفعهم الى ان يرموا بثقل كبير في المعركة ضد قوى الثورة.

لم تكن احداث اغسطس68م سوى عملية واحدة في سلسلة عمليات والتي قامت بها السلطة ضد جماهير الشعب قبل هذا الحدث وبعده.

لقد قامت السلطة بعد هذا الحدث باعتقال وتشريد المئات من اعضاء الحزب ومن العناصر الوطنية، وتعرض بعض الرفاق للاغتيالات، وايضا بعض الوطنيين من قبل السلطة، وتم ضرب المؤسسات الجماهيرية التي قامت بعد الثورة وساد البلاد جو من الارهاب البوليسي، واخذت السلطة توجه ضرباتها لمنجزات الثورة، ونهجت سياسة عدائية للقوى التي وقفت الى جانب كفاح شعبنا لاسيما المنظومة الاشتراكية، وكانت هذه الحوادث مقدمات للإعلان عن التصالح الإقطاعي الملكي الجمهوري- في حين شهدت حركة التحرر الوطني اليمني حالة انحسار في هذه الفترة في شمال الوطن، بينما كان في الجنوب فد تحقق اندحار يمين الجبهة القومية بقيام حركة 22يونيو69م.

لم تقم المصالحة مع السعودية على سلام متكافئ. على اساس الحفاظ على السيادة الوطنية وعلى منجزات الشعب اليمني الوطنية والديمقراطية، اذ ان السلطة انتهجت انطلاقا من مصالح قواها سبل الاستسلام مع الاعداء وتحقق للسعودية ولأصدقائها انتصارات لم تكن تتوقعها امام صمود الشعب اليمني، وعلى اثر اتفاقية مارس1970م استطاعت السعودية وأمريكا ان تعزز نفوذها على نطاق واسع في المنطقة، وهكذا عادت القوى التقليدية تعزز حلفها مع بعضها ومع الغرب في سبيل اخضاع الشعب اليمني.

كانت احداث اغسطس68م اختبارا قاسيا للنقلة النوعية التاريخية التي كان ينتظر ان يحققها المؤتمر التأسيسي للحزب، ونتج عن تلك الاحداث نكسة خطيرة أدت الى تحول الحزب من حزب فعال يشارك في مجرى العمل السياسي والكفاحي في البلاد، الى حزب مضروب منهك، يعمل في ظروف قمعية قاسية.

وتميز عمله بالتراجع لإعادة ترتيب أوضاعه، وانتهج سياسة صامتة ازاء اجراءات السلطة الرجعية، وعمل على الابقاء على نشاطه في المؤسسات الجماهيرية بشكل سري، وركز على المطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين والتقارب مع الفصائل الوطنية الأخرى ودعوتها لتشكيل الجبهة الوطنية الديمقراطية.

لقد صمد الحزب امام الهجمة الشرسة وتجنب المواجهة حتى يستطيع اعادة بناء نفسه ويخوض النضالات في المجتمع والتي تركزت حول كشف المخطط المحلي والسعودي والامريكي على استقلال وسيادة بلادنا وتقدمه الاجتماعي.

لقد ادان الحزب السياسة الاستسلامية لسلطة نوفمبر مع اعداء الشعب اليمني من اجل الحرية والديمقراطية والسلام، ووقف يدافع عن المطالب الديمقراطية للعمال وسائر الفئات الاجتماعية، وكان موقفه المساند للمظاهرة العمالية في اول مايوعام70م ونسف الكيانات المزيفة التي نصبتها السلطة بعد احداث اغسطس68م والتي طالبت بحرية العمل النقابي العلني. ومن ابرز نضالات الحزب العلنية آنذاك موقفه الى جانب مطالب الفلاحين في مناطق متعددة بالحد من التعسف المشائخى وموظفي الدولة، وتعدد مصادر الابتزاز ومجابهة المجاعة التي ضربت البلاد آنذاك والاوبئة وتوفير الخدمات التعليمية والصحية وشق الطرف.

ان تلك الاحداث المؤسفة قد عبرت عن نجاح القوى الرجعية في تقسيم الجيش وقوات الامن وتحطيم معنوياتها، وضرب الوحدات العسكرية ببعضها، كما نجحت في استخدام ابناء القبائل الفقيرة الذين قاتلوا مع القوات المسلحة اثناء حصار السبعين والدفع بهم ضد اخوانهم وابنائهم في القوات المسلحة، كما عملت القوى الرجعية على تغذية الشعور الطائفي الذي لا يخدم سوى الاقطاع والعناصر المنتفعة، وبعد سيطرتها بدأت سلسلة من الاعدامات والاعتقالات التي شملت المقاومة والقادة النقابيين والمثقفين الوطنيين وضباط من الجيش والامن.

*ان احداث اغسطس كانت تكملة للتآمر على ثورة سبتمبر وقواها الوطنية الجمهورية.

الخلاصة

- انقلاب 5 نوفمبر67م جلب الى السلطة الاطراف المعنية المتفق عليها في الخرطوم وفتح شهية السعودية في انتزاع مكاسب اكثر بعد خروج القوات المصرية وكان حزب البعث والاخوان المسلمين هما الوحيدون من الاحزاب اللذان ايدا انقلاب  5نوفمبر

- الذين تكتلوا من اجل صنع الانقلاب كانوا مجموعة غير متجانسة في توجهها السياسي والايديولوجي، لهذا لم تستطيع السعودية تنفيذ كامل مخططها فشرعت بالحصار

- كانت حركة القوى الوطنية في تحالف واحد جرى بصورة عفوية فرضته ظروف النضال اليومي لمواجهة اعداء الثورة، وكان هذا التحالف يجب ان يتطور الى جبهة وطنية ديمقراطية، ذات ارضية مشتركة بوثيفة برنامجية تحدد اهدافها القريبة والبعيدة، وقد برهنت تجربة المقاومة الشعبية ان قوة الحركة الوطنية تكمن في الاساس في مدى تلاحمها.. في مواجهة العدو المشترك، وكذلك كانت حركة القوى الرجعية التقليدية تريد ان تقضي نعائيا على النظام الجمهوري في صنعاء.

- كان رئيس اركان الجيش علي سيف الخولاني وكبار الضباط قد هربوا الى القاهرة، وقد اختاروا السلامة، وهدد بعضهم بالهروب من صنعاء اذا لم يوجد حل سلمي لإنهاء الحصار، وبحثوا عن هذا الحل خارج صنعاء، وكان اختيار عبدالرقيب عبدالوهاب رئيسا لهيئة اركان الجيش قفزة نوعية في تغيير اسلوب وطريقة القتال ولدوه البطولي مع فرقته الصاعقة وفي اول تصريح صحفي له بعد تعيينه رئيسا لأركان الجيش وترقيته الى رتبة مقدم قال انه لا يريد ان يحمل رتبة مقدم، لأسباب تتعلق بدور المقدمين والضباط الكبار الذين هرب اغلبهم من المعركة وخانوا الشعب في اللحظات الحاسمة.

- حاول العمري اكثر من مرة الهروب من صنعاء، بمختلف الحجج الا ان الجيش لم يسمح له، وفي احدى المرات عومل بقسوة بقصد ابقائه فيها.

- لقد ذهل العمري حين سمع أن عاملات مصنع الغزل والنسيج بدأن بالتدريب على السلاح، واذهلته ايضا برقية المناضلة كرامة اللقية بأسم نساء صنعاء "نطالبكم بتسليحنا للدفاع عن وطننا أسوة بالرجال".

- لم تنتبه القوى الوطنية وفي المقدمة الحزب الديمقراطي الى ان فك حصار السبعين ليس هو الهدف النهائي، وانه مجرد وسيلة او هدف مرحلي نحو تطوير الثورة وتحقيق اليمن الثوري الموحد.

- اثبتت الاحداث ان هدف الوطنيين اليمنيين لن يتحقق الا بوحدتهم، وان هدف الرجعيين مبني على تفكيك القوى الوطنية، وليست احداث اغسطس68م المشؤومة الا دليلا قاطعا على صحة هذا الرأي.

- في احداث اغسطس ضربت الرجعية اهم المؤسسات الحضارية في صنعاء وعلى رأسها الجيش والمقاومة الشعبية والمنظمات العمالية والمهنية والقوى الوطنية، ودب الصراع بين هذه الجهات.

- في اول يوم من احداث اغسطس، بدأت بقايا فلول الملكيين خارج صنعاء باطلاق القذائف على مواقع الجيش الوطني الحديث، مساندة بذلك للرجعيين "الجمهوريين".

- قبيل احداث اغسطي68م في الحديدة ارسل ( الفريق) حسن العمري برقية الى كبار المشائخ يدعوهم الى دخول صنعاء لمواجهة الجيش والامن والمقاومة الشعبية، ودخلوا بالفعل.

- بعد احداث اغسطس، وضرب القوى الجديد، دخل (الفريق) قاسم منصر قائد المحور الشرقي الملكي الى صنعاء لدعم السلطة وتوطيدها.

ـــــــــــ

عبدالجليل عثمان

6 سبتمبر 2022م

 

قراءة 1532 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة