جار الله عمر.. وخطاب الوداع الأخير

السبت, 27 كانون1/ديسمبر 2014 22:36
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

فيما كان جارالله عمر، يتألق بكل نقاء وجرأة العالم مباشرة أمام مختلف وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، كان هناك قاتل متربص، بقلب يقطر بكل حقد وغباء الظلام، يندس بخفاء وينسل كالأفعى سراً بين أعضاء وضيوف المؤتمر.

كان جار الله عمر يتحدث بحماس وثقة عن الآمال والهموم الكبيرة للوطن والشعب، ويدعو إلى تجاوز «آثار التشظي والتفتت وويلات العنف والحروب الأهلية».. لمواجهة «التحديات الكبرى في المجالات المختلفة وأهمها تعثر التنمية وشح المياه وتكاثر السكان وتفشي الفقر والفساد والأمية وتهميش المرأة وتراجع الهامش الديمقراطي وسيادة التخلف العلمي والمعرفي».. وكان القاتل يتحسس بندقيته، ويقترب من المنصة..

في صباح ذلك السبت الأسود، تحدث جار الله عمر عن أشياء كثيرة، لكنه ركز بشكل ملحوظ على قضايا العنف والإرهاب، منوها بالحاجة للسلام، وضرورة تسخير «كافة الجهود والموارد لتحقيق التنمية بدلاً من شراء الأسلحة»، وأهمية «التصدي لثقافة العنف ومنع الثارات والإسراع في إصدار قانون ينظم حيازة وحمل السلاح ومنع المتاجرة به»، أنهى خطابه، وكانت البندقية قد أصبحت في كامل جاهزيتها، وفي زخم دوي التصفيق، تلقى صدره الكبير رصاصتين غادرتين، وسقط شهيداً..

قليلون جداً أولئك الذين نقشوا وجوههم ووجودهم عميقاً في أروقة الذاكرة، وعلى جداريات التاريخ، وظلوا بعد رحيلهم أيقونات بطولية زاهية، على عتبات الوعي والوجدان، غير قابلة للمحو أو النسيان، والشهيد جار الله عمر، بطل نادر، بطل ثقافي وسياسي كبير، الحديث عنه حديث عن حليفٍ قويّ، وخصم شريف، وعقل مستنير، وضمير حي.. صفات أهلته ليكون بجدارة أحد أبرز أعلام الحياة السياسية اليمنية المعاصرة، وأكثرها وعياً ونبلاً وفاعلية.

عاش جار الله عمر، بشكل استثنائي، ورحل بشكل استثنائي، كان رحيله صادما، ومثّل خسارة كبرى ليس على صعيد الحزب الاشتراكي اليمني الذي فقد أحد أهم وأبرز أعمدته فحسب، بل على صعيد الحياة السياسية اليمنية برمتها، وبرحيله عنها ترك ثغرة أتصور أنها ما تزال واسعة، وأن السياق السياسي العام لم يستطع سدها ولا تجاوزها بعدُ.

في خطابه، الذي أصبح خطاب الوداع الأخير، كأن جار الله عمر كان يعرف ويندد بقاتله، الإرهاب بمعناه الواسع، حيث التطرف والتزمت والغلو والانغلاق والعنف، والجهات الراعية والداعمة والمغذية لها فكرياً ومادياً، قائلاً للجميع: «نجدد إدانتنا ورفضنا للإرهاب بكل أشكاله وصوره.. ونرى أن التغلب عليه غير ممكن دون القضاء على أسبابه وتجفيف منابعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية».

كان «علي أحمد جار الله»، حاضراً، هذا الشخص ليس له خصومة شخصية مع جار الله، ويستحق الشفقة أكثر من الكراهية، فمثله مثل السلاح الذي بيده، ليس أكثر من أداة قتل مستلبة، وضحية من ضحايا الإرهاب الذي صار أقوى، لقد حُكم عليه بالإعدام، لكن أمثاله اليوم يتربصون بأمثال جار الله عمر في كل مكان، ويمارسون هواية القتل كل يوم.

 

قراءة 1298 مرات آخر تعديل على السبت, 27 كانون1/ديسمبر 2014 22:52

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة