المشهد السياسي الجنوبي إلى أين؟(1)

السبت, 27 كانون1/ديسمبر 2014 20:14
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

يستمر المشهد السياسي والوطني عموما في جنوب اليمن، ظاهريا وكأنه يقف عند نقطة ساكنة، لا تعرف التغيير، وقد قلت ظاهريا لأن فكرة السكون هذه هي فكرة غير واردة حتى في علم الستاتيكا، (الذي يدرس الأجسام الساكنة)إذ إن كل جسم حتى وإن بدا ساكنا فإنه يقف بين قوتين متحركتين في اتجاهين متضادين تحفظان له توازنه وسكونه الظاهريين.

ليست هذه قضيتنا لكن ما نحن بصدده هو ما يعيشه المشهد السياسي الجنوبي من حالة اختلاط للأوراق وتمايز بين ظاهرتين متناقضتين لا بد من حل التناقض بينهما، وهما: اصطفاف جماهيري عريض يمتلك إرادة منقطعة النظير وتصميم لا يضاهى على مواصلة السير على طريق الحرية والاستقلال واستعادة الدولة الجنوبية المخطوفة بالحرب، ونخبة سياسية مفككة وتعترف بتفككها لكنها لا تمتلك الاستعداد للارتقاء إلى مستوى التحدي الذي يفترض أنها ترشح نفسها للتصدي له لتقضي على أسباب هذا التفكك.

هذان العنصران المكونان للمشهد السياسي الجنوبي جعلا الحالة السياسية في الجنوب تبدو مرتبكة ومشوشة الملامح، وهو ما يفتح أبواب ونوافذ كثيرة ليس فقط لاستسهال القتلة والمجرمين العبث بأرواح الناشطين السياسيين الجنوبيين، تارة باسم الإرهاب وتارة أخرى من خلال أجهزة القمع التابعة للسلطة، بل ولتسلل العابثين والمزايدين والمزروعين إلى داخل صفوف الحراك، وما يترتب على ذلك من تبعات غير محسوبة العواقب لا تنجم عن غياب الاستراتيجية الواضحة والرؤية السياسية الممنهجة فحسب بل وعن حالة التسيب السائدة المعبر عنها في الانفصام بين الشارع الجنوبي والنخبة السياسية الجنوبية فضلا عما توفره من فرص لاستمرار سياسات النهب والسلب والعبث بمقدرات الجنوب وبمستقبل أبنائه وبناته.

ومرة أخرى يمكننا القول أن الشارع الجنوبي لا يكترث كثيرا لصراعات السياسيين ومكائدهم وحساباتهم الضيقة بقدر ما يهتم فقط بالقضية المحورية وهي إحراز التحرير والاستقلال واستعادة دولته بعيدا عن الخوض في السفسطات اللغوية التي تكشف عن سوء النوايا أكثر مما تبين وجود اختلافات جوهرية، ومن ثم  فإنه (أي الشعب الجنوبي) يراهن على الشروع في بناء الشرعية الدستورية الجديدة المعبرة عن الجنوب الجديد، أما السياسيين ( أو بعضهم) فإنهم إذ يطرحون نفس الشعارات ويتبنون نفس المطالب ويحددون نفس الأهداف فإنهم يبدون كمن انشغل بحساباته الخاصة، يتنابزون بالاتهامات والمناكفات ويقف كل منهم عند التفكير في ما هي حصته من الكعكة بعد استلامها، وهم بهذا لا يختلفون عن القوم الذين قرروا اصطياد النمر، لكنهم وقبل انطلاقهم اختلفوا في من سيأخذ جلد النمر بعد اصطياده فتنازعوا واقتتلوا وفشلت رحلة الصيد وبقي النمر حرا بعيدا عن متناولهم بسبب حماقتهم وعدم كفاءتهم لرحلة الصيد هذه.

    *     *     *

خلال الاسبوع المنصرم تلقيت عشرات الرسائل عبر خدمة الوتسأب من خلال بعض الأصدقاء أو من خلال المجموعات التي ضمت رقم هاتفي إليها وكذا عبر خدمة الفيس بوك والبريد الإلكتروني ، كلها تتحدث عن انقسام الشارع الجنوبي، بين فريقين هما فريق "استعادة" الدولة وفريق "بناء" الدولة، ويقول لي بعض المشاركين في الساحات أن هناك حالة من الاحتقان داخل الساحة قد تؤدي إلى انفضاض الاعتصام وعودة الناس إلى بيوتهم إن لم تؤدي إلى ما هو أسوأ من ذلك.

إنه لمن المؤسف أن هناك من يعيشون هذا البذخ السفسطائي الذي يشغلهم عن كلف شيء دون أن يرف لهم جفن وهم يرون شلال الدماء يتدفق وأرواح الشهداء تزهق على أيدي قوات السلطة الغاصبة، بينما يستمر هؤلاء في البحث في الفذلكات اللغوية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

أعرف أن الاختلافات السياسية ليست لغوية فحسب بل إن كل مفردة من تلك المفردات تحمل وراءها نوايا وأهداف سياسية، لكن من يفجر هذه الخلافات ويسعى إلى تمزيق الناس على أساس الموقف من مفردتي "بناء" أو"استعادة" (الدولة) إنما يلحق من الأضرار بالقضية الجنوبية أكثر مما يقدم لها من منافع (هذا إن كانت هناك منفعة ما) وهو بذلك إنما يقدم خدمة مجانية إضافية للمحتل من حيث يعلم أو من حيث لا يعلم.

أيها القوم!

إن الآلاف الذين يحتشدون في ساحات الاعتصامات ومعهم مئات الآلاف من المتعاطفين في المنازل ممن لم يتسنى لهم الوصول إلى ساحات الاعتصام، ليسوا فاضيين حتى يحلوا لكم هذه الفذلكات اللغوية، وعندما انطلقت الثورة الجنوبية في العام  2007م لم يكن الناس يطرحون غير تحرير الأرض والإنسان والثروة واستعادة الدولة الجنوبية كاملة السيادة، ولم تظهر هذه السفسطات إلا عندما صدق البعض أن الدولة الجنوبية على مرمى حجر وإنه آن الأوان للعبث بوعي الناس وتمزيق وحدتهم قبل أن يقطفوا ثمرة نضالهم.

إن وحدة الصف الجنوبي تأتي على رأس أولويات الثورة الجنوبية، ومن يسعى لتحقيق مآرب وأهداف وقتية ضيقة لا تخدم إلا أجندته  السياسية  الخاصة على حساب تضحيات شعب الجنوب ونضاله الممتد منذ نصف قرن فإن الناس ليست على استعداد لتصطف خلفه ليدمر ما بناه الجنوبيون خلال عقدين من مواجهة سياسات الضم والإلحاق والإقصاء والسلب والنهب والقتل والتنكيل.

وللحديث بقية!

برقيات:

*    سيكون من الحماقة الاعتقاد أن استعادة الدولة سيعني استعادة الدستور والنهج السياسي والحزب الحاكم وشكل النظام السياسي الذي كان قائما قبل 22 مايو 1990م، لأن الجنوب المنتظر لن يكون إلا دولة ديمقراطية مدنية تعددية متنوعة، يقوم فيها الحكم على التداول السلمي للسلطة بين متنافسين سياسيين أنداد.

*    استعادة الدولة تنطلق من حقيقة تاريخية وهي أن هناك دولة جنوبية معترف بها دوليا كانت عضوا في الأمم المتحدة والجامعة العربية توحدت طوعيا مع دولة أخرى، ففشلت هذه الوحدة وقضي عليها بالحرب.

*    وفي القانون الدولي لا يمكن الاعتراف بأي كيان سياسي يريد إلغاء اتفاق ما،ما لم يكن طرفا في الاتفاق الذي يراد إلغاؤه، أما شكل نظام الحكم واسم الدولة ودستورها فلن يكون إلا ما تقره المؤسسات الدستورية الشرعية المنتخبة من الشعب (بعد اصطياد النمر).

*    قال الإمام الشافعي عليه رحمة الله:

نعـــيبُ  زماننا والعيبُ فيناوما لزماننا عـــــــيبٌ سوانا

ونهجو ذا الزمان بغير ذنبٍولو نطق الزمانلنا هجانا

 

قراءة 1713 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة