الوهم مدفأة العجوز

الأربعاء, 31 كانون1/ديسمبر 2014 20:31
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

الوهم قد يصنع منك زعيما حقيقيا، صدق هذا، فقد جعل من علي عبدالله صالح زعيما يحب الارانب ويقول الشعر.

 كان يعتقد بأن اليمن أصبحت ملكه، وملك أولاده من بعده، ربما فكر بالخلود وبحيلة لتحقيق مثل هذا الأمر، وبدافع الوهم، راح يعد لكل الاحتمالات، الخطط، ومجتمع المرتزقة والمسوخ، والسوقية، وكل القبح الذي يمكن أن يخطر على بالك؟

 ثم أصبح البركاني ناطقا رسميا باسم قلع العداد.

لا أحد يعرف ما الذي قد يصنعه الوهم، لكن بعد أشهر فقط تم قلع العداد وإلى الأبد، وأصبح صالح بموجب ذلك زعيما.

 وللأسف فالأمر لن يتوقف عند هذا الحد، فالوهم الذي يصنع منك زعيما، لا يمكنه أن يخبرك بأنك أصبحت شخصا من الماضي، وعالة على الحياة. لا يمكنه اخبارك أنه مهما بدت الفرص مؤاتيه، ومهما تساقط الخصوم، وتعاظمت رعونة الحوثي، فإن العودة إلى الوراء مستحيلا.

لكن صالح مصر على العودة، وكل يوم تتضح لعبته الجديدة لتحقيق ذلك: لقد دفع بقاداته العسكريين وبالكثير من مرتزقته، لمساندة جماعة الحوثي، التي ستتفنن في اهدار مظلوميتها، ونصف آخر لمواجهة الحوثي واستعارة الدوافع الوطنية والطائفية أو حتى الثورية! هذا النصف سيتحرك ببطء، ستتقدمه في البداية الفئة الأخطر في مجتمع المرتزقة "أصحاب الدوافع الوطنية" ثم ستأتي كل الفئات تباعا.

لنضرب مثالا حتى تتضح الصورة: في محافظة تعز بذلت قيادات المؤتمر البارزة، جهودا كثيرة من أجل ادخال مسلحي الحوثي وتمكينهم من احتلال المدينة بعد احتلالهم لمدينة اب القريبة. أرادت تلك القيادات أن يتم الأمر عبرها، رغم ان الجماعة اصبح لديها مرتزقة أخرين وكثر، لكنها  أرادت ذلك وتحمست له، من أجل أن يصبح بمقدورها الانتقام من ثورة فبراير، في أهم معقل لها، ثم استعادة كل المصالح والوقاحات القديمة.

 يلخص هذا الحالة الكلية، وهي المشاركة الفاعلة في الثورة المضادة، وحجز مكان عبرها في الوضع الجديد الذي ستنتجه، وبما توفر من خبرة الشر والقدرة على صناعة الفوضى فبالإمكان الحصول على أكثر من ذلك.

لكن الأمر في تعز لم ينجح لأسباب غير واضحة، ثم مرت الايام ولم يتبقى سوى تعز فقط لم تسقط بيد المليشيا، طبعا من المهم التنويه أن سقوط المحافظات بيد الحوثي هو مجرد وهم آخر، باستثناء صعدة وعمران، فالأولى سقطت بغياب الدولة والثانية بالحرب، أما البقية فإسقاطها هو مجرد استعراض غبي للقوة، واستثمار لتبعثر الجيش وللتردد الذي أصبح يخيم على قرار الدولة.

تحتاج قيادات المؤتمر في تعز، كما يحتاج مجتمع المرتزقة بكامله، إلى انتصار وهمي يعيد إليه الحياة، لطالما عاش مجده استنادا لهذا الوهم، ومؤخرا أصبحت هذه القيادات من أكثر من يتصدى لجماعة الحوثي ويحرض عليها، باسم الدفاع عن تعز. وهذا لأن النصف المواجه أصبح منخرطا بالكامل، والمجتمع أصبح معبئا ضد هذه الجماعة الغبية، ويبدو أن لحظة الصفر أصبحت تلوح في الأفق.

تحتاج لحظة الصفر إلى عنوان كبير لكي تنطلق وليكن عنوانا غبيا ومناطقيا "لن نسمح بإسقاط تعز" ثم تشكيل مجلس عسكري، واغراء الأطراف السياسية التي لا يزال جرحها طريا بمنحها الانتقام، هكذا يبدو الأمر أو هذا ما يتناقش فيه الناس. وبعد انطلاق لحظة الصفر ستأتي الحاجة لعنوان أكبر هو الوطن وعدم السماح بسقوط الدولة ورد الاعتبار للجيش وعلى مستويات أخرى الانتقام لكرامة إب، الانتقام لريمة، الانتقام لتهامة ورد الاعتبار لصخر الوجيه، وأكثر الانتقام للصحابة ولأرحب العصية ونسائها البواسل.

عندما يوجد من لديه الاستعداد لتنفيذ الأشياء القبيحة؛ فإن الناس تبدأ بالتفكير عن حلول من ذلك النوع. وهذا ما يحدث مع صالح، فهو مستعدا لتنفيذ أي عمل، يمكن القول أنها الخبرة والوهم عندما يتلازمان إلى جانب غياب من لديهم الاستعداد لتنفيذ الأعمال الجسورة التي تبعث على الشموخ في نهاية الأمر.

كل هذه الأشياء متوقعة لكن هل يعني أن الأمور ستؤول في النهاية فعلا إلى صالح؟

لا أحد توقع أن يأتي قرار مجلس الأمن، ولا أحد يتوقع حتى الآن أنه سيتم سلبه كل تلك الأموال التي يديرها حافظ ومعياد وأخرون، في صنعاء وفي قرى بعيدة، كما في كل دول العالم، لا أحد متأكد أن هذه الفوضى ستنتهي عما قريب، لكننا نعرف جيدا، أن الوهم ـ مهما بدت المقدمات ـ لا يمكنه أن يمسك بزمام الأمر في النهاية.

واذا كان هناك شيء واحد نبيل يمكن للوهم القيام به، فهو أن لا يسلم اصدقائه للبرد، من الجيد أن يصبح الوهم مدفأة العجوز.

 

 

 

قراءة 1273 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة