القضية الجنوبية.. الخطر ماثل واللحظة مواتية

الجمعة, 16 كانون2/يناير 2015 19:29
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

هناك أكثـر من مشروع لمكونات الحراك مطروح على الساحة.. ولمّا كانت تلك المشاريع, بصرف النظر عن مسمياتها واختلاف عناوينها, تلتقي ولا ريب عند حق شعب الجنوب فـي استعادة دولته.. فإن السؤال الذي يضع نفسه فـي ضوء ذلك هو: ما هي الدولة (ليس المسمى) وبأي آلية/ خارطة طريق آمن وسلس يحظى بدعم ورعاية إقليمية ودولية يمكن استعادتها؟

للإجابة على هكذا سؤال دعونا بهدوء وبعيداً عن الضجيج والتضجيج والشحن العاطفي ولغة التخوين والاتهام نجتهد ونحاول قراءة ما تيسر من المشهد وننظر في الآتي:

أولاً: إن الدولة كيان ديمو سياسي وسيادة وطنية, أمن واستقرار, حقوق وحريات خاصة وعامة, بنى تحتية, مؤسسات دفاعية أمنية اقتصادية اجتماعية خدمية ثقافية حقوق وواجبات تجاه مواطنيها...الخ, ومسؤولية تجاه أمن ومصالح المحيط الإقليمي والعربي والمجتمع الدولي.. والتزام وإيفاء بمعاهدات واتفاقيات وقوانين دولية.. وليست فقط مجرد مسمى وعلم وشعار ونشيد وخطاب إعلامي وكرسي للحكم..

ثانياً: إن القوى المتنفذة في صنعاء ثالوثها القبلي والعسكري والديني ما تزال ثابتة على موقف الممانعة؛ ليس ضداً على حق الجنوب في استعادة دولته ولا ضداً على دولة اتحادية مزمنة من إقليمين وحق تقرير المصير, ولكن ضداً على دولة اتحادية من عدة أقاليم بل ضداً حتى على رفع المظالم واستعادة الحقوق ومبدأ الشراكة وهو ما حال دون تنفيذ ما تم التوافق عليه وإقراره في مؤتمر الحوار بما في ذلك النقاط العشرون والإحدى عشر... يبطنون غير ما يقولون, ويلتفون على ما يوافقون عليه.. ينقلبون على ما يوقعون عليه, ويسايرون ويراهنون على عامل الوقت, والأصل عندهم «ما بدا بدينا عليه».. والشواهد على ذلك كثيرة؛ بدءاً من الانقلاب على اتفاقيات ودستور دولة الوحدة ووثيقة العهد والاتفاق، وانتهاءً بمؤتمر الحوار والانقلاب على استحقاقات القضية الجنوبية –بعدها السياسي– وفقاً لوثيقة الجذور والمحتوى بل وعلى مصفوفة الضمانات والحلول المرتبطة بالأبعاد الحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والشراكة وفقاً لمبدأ %50 - %50.

ثالثاً: إن الفيدرالية من إقليمين أو من عدة أقاليم, أو حتى بدونها, بحاجة إلى الدولة المركزية القوية والضامنة, وهو ما لا يمكن تحقيقه طالما كان في وارد قاموس تلك القوى ثالوثها المتغلغل في كل المفاصل؛ دولة مراكز قوى ونفوذ ومصالح وفساد وإفساد, لا دولة مدنية حديثة دولة مؤسسات ونظام وقانون وحقوق وحريات وعدالة اجتماعية ومواطنة متساوية وشراكة وطنية. وهي, أي تلك القوى, ما زالت متمترسة عنده منذ نهاية عام 67م, باستثناء عهد حكم الرئيس الحمدي وقد دفع حياته وحياة رفاقه ثمناً لذلك, ومنذ انقلبت على وحدة الشراكة والتراضي بين الدولتين وذبحتها بالحرب واستباحت الجنوب أرضاً وثروة ودولة ومؤسسات ومصالح وشعباً وحقوقاً وحريات والحق في الحياة الحرة والعيش الكريم عام 94م فضلاً عن النزعة العنصرية «ما في رئيس دخل من باب اليمن» وهو ما أفصح عنه الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر حين واجه علي سالم البيض بعد الإعلان عن الوحدة بالقول بما معناه «وأنت صدقت أنك اجيت باتحكمنا».. والمقارنة بما قاله عن علي عبدالله صالح أثناء ترشيحه للرئاسة وهو في أوج خلافه معه «جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفوش».. وما يتم مواجهة عبدربه منصور هادي به وعلى نحو ما جرى ويجري بعد أن سقط رهان كل منها – الموقعين على المبادرة الخليجية – عليه وأنه سيكون فقط بمثابة منفذ لأجندته ومجرد رئيس ديكور.

رابعاً: إن المعادلة القائمة هي أن الجنوب يريد دولة، فيما الشمال قواه المتنفذة بثالوثها لا تريد دولة ما لم تكن مفصلة على مقاسها وبحجم مصالحها واستمرار نفوذها (تستعبد الشمال وتستمر في استعمار الجنوب) وهو ما بات يدركه المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي ولا ريب في ذلك.

خامساً: إن قوى الإرهاب ومن يقف خلفها ويدعمها ويتستر عليها وما في حكم ذلك بما يشتمل عليه من خلط للأوراق متواجدة على ساحة الجنوب، مترافقاً ذلك مع وضع أمني يسير من السيئ إلى الأسوأ وانفلات واختلالات أمنية وبصورة غير مسبوقة.

سادساً: إن سقوط ما تبقى من دولة لا يمكن له أن يكون لمصلحة الجنوب واستعادة دولته, والعكس صحيح؛ لا سيما وأن هناك قوى لا تخطئها عين جاهزة لتلقف أي سقوط ناهيك عن أن ذلك لو تم -أي السقوط- سيفجر حروباً ومواجهات محلية وتحت أكثر من غطاء مذهبي – طائفي – جهوي – مناطقي وسيكون الجنوب ولا ريب جزءاً من ساحتها.

سابعاً: إن المشروع الذي أطل على الساحة الجنوبية مؤخراً وبقوة: التحرير والاستقلال وبناء دولة الجنوب العربي لا يستهدف فقط القضية الجنوبية من خلال العودة بها إلى ما قبل عام 67م وأن الاحتلال قد تم عام 67م وأن بريطانيا كانت قد التزمت بمنح الجنوب الاستقلال عام 68م وان انتزاعه قبل ذلك في 30 نوفمبر 67م مجرد اغتصاب.. ولكنه في جوهره يستهدف أيضاً طمس التاريخ الوطني التحرري لشعب الجنوب وتضحياته وإلغاء ثورته واستقلاله ودولته.. يستهدف مشروعية وعدالة قضيته التي أنتجتها حرب صيف عام 94م، ناهيك عن كونه بذلك يمنح تحالف قوى الحرب براءة الذمة وإخلاء المسؤولية جراء كل ما اقترفوه بحق الجنوب الأرض والشعب والدولة التي تم الدخول بها الوحدة «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» بفعل تلك الحرب واستمرار نهجها.. من حق أي جنوبي فرداً أو مكوناً أن يقول رأيه وأن يقدم مشروعه وفق ما يراه ومن حق الآخر التذكير، أين كان هذا المشروع مخبوءاً منذ أن كان أصحابه مشاركين وبفعالية في دولة جمهورية اليمن الديمقراطية مروراً بعام 2006م وعلي عبدالله صالح مرشحاً للرئاسة وتغيير مسمى الكيان ومبادرات: المواطنة السوية – الحكم المحلي- المخاليف الفيدرالية من إقليمين, أين كان مخبوءاً حتى الآن؟

ثامناً: إن مشروع دولة حضرموت يسير على قدم وساق, ولا يهم القائمين عليه أن يأتي من بوابة تقسيم الجنوب أو من بوابة مشروع بناء دولة الجنوب العربي الفيدرالية؛ المهم تحقيق النتيجة.

تاسعاً: إن شعب الجنوب وحراكه السلمي بنضاله وتضحياته ومليونياته وإصراره وصموده ومرابطته في ساحات وميادين النضال السلمي, وفي المقدمة جيل الشباب, قد أخرج قضيته من تحت الأرض ووضعها تحت ضوء الشمس ونجح نجاحاً منقطع النظير في تقديمها للمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحقوقية، حيث صارت اليوم أكثر من أي وقت مضى محل اهتمام وتداول ومتابعة وتعاطف العالم أجمع وبصورة غير مسبوقة... فيما تخلفت مكونات الحراك, يا للأسف, وفشلت في إنتاج الخطاب السياسي والإعلامي الواحد والرؤية والقيادة السياسية الواحدة, وبما يساعد ويشجع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي على التعاطي والتعامل معها وقراءة الجنوب القادم من خلالها بعد أن بات على قناعة تامة بحق الجنوب في استعادة دولته, ليس انطلاقاً من عدالة ومشروعية حق الجنوب في استعادة دولته وحسب, ولكن من مستجدات ومتغيرات المشهد السياسي الراهن وأهمية موقع الجنوب الاستراتيجي ارتباطاً بمصالحه وأمنه أيضاً.

عاشراً: إن وضع الجنوب حين أعلن عن دولته عام 94م قد كان الأفضل بكثير عن وضع اليوم, ليس قياساً بما تقدم وحسب, ولكن كانت هناك القيادة التوافقية الواحدة وكانت البنى التحتية والمؤسسات والمصالح موجودة باستثناء ما تم من تفكيك وما لحق ببعضها جراء الحرب أيضاً, ومع ذلك لم تصمد وسقطت حين تركها المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي مكشوفة.

حادي عشر: إن مواقف المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي لا تنطلق ولا تُبنى على مجرد عواطف وقناعات, ولا تتسم بالثبات, ولكن تنطلق وتُبنى وترتبط ارتباطاً وثيقاً بمصالحهم وتتغير تبعاً لها.

وخلاصة القول: من لا يستطع مساعدة نفسه عليه أن لا ينتظر مساعدة الآخرين له... الفرصة مواتية والخطر ماثل..

3/1/2015

قراءة 1233 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة