اليمن ... تدمير الهوية وتفكيك التراب !!

الجمعة, 16 كانون2/يناير 2015 22:39
قيم الموضوع
(2 أصوات)

 

لم تشهد اليمن في تاريخها المعاصر، تدميرا لهويتها وتمييع لحالة الانتماء اليها، ولم تشهد فرزاً طائفياً ومناطقياَ وجهوياً مقيتاً، في اوساط نخبها وعوامها ،ولم تر عبثاً بمقدراتها وبنيتها الهشة من قبل متنفذيها ،ولم تشهد تأكلاً مريعاً لقيم ابنائها، و لم تعش تقويضاً لبناها السياسية كدولة، وتفكيكاً لترابها كوطن، مثلما هو حاصل اليوم !!

ما مر على البلاد خلال الاعوام الاربعة الماضية، ساعد على بروز وتفاقم هذه المشاكل، التي كانت كامنة  تحت رماد سلطة الحكم ،التي عملت على عدم  معالجة اسبابها ، وعملت فقط على ترحيل ظواهرها، حتى صارت كجبل الثلج، الذي لا يمكن ان تذيبه الا النيران الحارقة، بل وعملت ـ سلطة الحكم ـ  على انتاج غيرها من المشاكل، من اجل ادامة حكمها العضوض، او بربط الحاجة الي رأسها السابق، في حلها الان والذي يعمل على ارباك الجميع، بصراعات بدأت تأخذ ابعاداً مدمرة شمالاً وجنوباً.

 لم تصل البلاد الى مطلع العام 2011 ،الا وهي مثخنة ومثقلة ،ولم تكن ثورة فبراير(المغدورة) الا عدسة المجهر، التي اظهرت هذا الداء المستعصي والمستشري، وليس سبباً فيه، كما يحاول اعلام الرئيس السابق وحلفائه افهام العامة به ،بل وجر صوت قوي في الشارع، ممن كانوا مناوئين له، الى مساحة  التقول هذه !!

اليمن في ورطة كبرى، ولا حلول  تبدو في الافق،  حتى ان الترقيعات ،  التي كانت تخلق نوع من الامل والاستكانة المؤقتة، خلال الاعوام الثلاثة المنقضية، لم تعد ذات جدوى مع تكشف العورات كلها !!

فمن اين يبدأ حل المعضلة ؟! هل من الرئيس، الذي توجه له سهام  النقد القاتلة، من اعلام خصومه و حلفائه القدامى والجدد على حد سوا ؟!

فالرئيس الذي ارادوه بالأمس  ان لا يحكم، الا بتوافقاتهم،  وبحصصهم التي يمتلكونها فيه، ولم يستطع خلال اعوام ثلاثة من مغادرة هذا المربع، حتى وهو يحاول التخلص من مكبلاته الكثيرة، باعتماده الاسلوب الاكثر خطورة ،على نحو ضرب القوى التي تظن بمديونيته لها  ببعضها البعض، مستجلباً الى حلبة الصراع ما هو اخطر وانكى  من هذه القوي، ونعني القوى المتعطشة لـ (سترداد) الحكم والثروة!!

 رئيس لم يستثمر دعم الخارج، وقبلها الداخل لمقام الرئاسة، الذي يشغره، فراح ضحية حسابات صناعة مركز نفوذ جديد، اراد به مزاحمة  المراكز التقليدية الضاربة عميقاً والتي حاول التخلص منها، فتعمل الان مجتمعة ومتآزرة للتخلص منه، وباتت اقرب لهذه اللحظة، بعد تعبئة الشارع ضده، واظهاره كشخص ضعيف، ومستضعف في آن!!

 هل  تشخص المشكلة في القوى السياسية؟! التي دخلت في صفقات كبرى، مع قوى النظام واللاعبين الرئيسيين، من اجل اتمام المبادرة الخليجية، التي مكنتهم من اقتسام (فتات) الحكم مع النظام ،حتى ان قيادات هذه القوى هرولت نحو مصالحها الخاصة، دون الالتفات الى الموضوع الوطني، الذي ظلت تزاود به، مما جعل الشارع  ينفض عنها ويتجه نحو قوى جديدة، استفادت من هذه التناقضات، لتفرض نفسها كقوى رئيسية، بعد استبعادها في اكثر من محطة للتسوية.

هل مشكلة اليمن، نتاج طبيعي لحالة الاستقطابات الاقليمية، التي ادت الى بروز قوتين رئيستين، تتخذان من العنف المتبادل، وتنطلقان  من ارضية دينية تقليدية، لتحقيق اهدافهما السياسية، على حساب التعايش المشترك ؟!

هل المشكلة في التعطيل المستمر لحلول القضية الجنوبية، والتي تحولت عند كثير  من القيادات المتكلسة، الى موضوع للارتزاق، على حساب شارع بدأ يعبر عن ملله، وفقدان الامل،  بتعظيم خطاب الكراهية ضد كل ما هو شمالي ؟!

هل المشكلة في بقاء الرئيس السابق بكل نفوذه، وموارده المالية الضخمة، لاعباً رئيسياً داخل المشهد السياسي، ومحكوماً بغريزة الانتقام  من الجميع؟!

ام ان  المشكلة مجتمعة من هذا وذاك ؟!

غياب مشاريع التنمية، واستشراء الفساد والفقر، وتخلف التعليم، وتحلل سلطة الدولة على الارض وغياب الحريات، وحالة الضم والالحاق، وتهميش الاطراف  وتركيز الثروة والقوة في مناطق المنتمين الى دوائر الحكم،  وارتهان القرار السيادي للخارج، كلها مسببات ساهمت في انتاج المشكلة، وتعظيمها الى الدرجة التي تبدو فيها الحلول معدومة، في ظل سيلان العنف هذا .

انعدام التنمية ،واستشراء  الفساد والفقر، وتخلف التعليم انتج الأف المتطرفين، الباحثين عن حل لمشاكلهم في الآخرة، وغياب الحريات وتحلل سلطة الدولة، ساهمت في بروز قوة جديدة الى السطح، حاملة لواء المظلومية بمنطوقها المذهبي وقدرتها تالياً على شغر فراغ الدولة بالقوة ، اما  حالة الضم والالحاق  وتهميش المدن وسكانها ،ونهب ثرواتها وتركيزها في ايدي  المنتمين للمركز الحاكم، خلقت الارضية الصلبة للقضية الجنوبية، التي تحولت بمرور الوقت والإبطاء في معالجة جذورها، الى صوت هادر يطالب بفك الارتباط عن الشمال. اما التنازعات الاقليمية  بين (السعودية وايران )فقد عكست نفسها جلياً في لحظات الدم التي تشهدها البلاد ،ويديرها وكلاء الحرب المرتهنين لطهران والرياض.

الامل معقود فقط، على بروز قوة سياسية جديدة، تلتقط رغبة الجميع في العبور الى الدولة القادرة على صون مصالح الناس بكل فئاتهم وتعبر عنها.   

قوى متخلصة من الامراض الكثيرة، التي تحكم غيرها من قوى الهلاك المتنازعة.

 

 

 

قراءة 1362 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة