أخـــر الأخبــــار

 

شيطنة القيادة أم شيطنة الثورة؟

الأحد, 18 كانون2/يناير 2015 17:23
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

تعالت الكثير من الأصوات في الساحة الجنوبية التي تتهم قيادة الثورة السلمية بالتقصير والفشل ، والعجز، ووصل الأمر بالبعض إلى الاتهام بالخيانة، وبيع الثورة وقبض الثمن، وما إلى ذلك  من المفردات التي اعتدنا في الساحة الجنوبية على سماعها تتجه إلى كل من يخالفنا الرأي أو لا يعجبنا موقفه، لكن أصحاب هذا الموقف لم يحددوا أي قيادة يقصدون، هل يعنون بذلك قيادة ساحتي الاعتصام في عدن والمكلا أم قيادة الثورة، وهل هناك قيادة واحدة للثورة؟

*        *         *

سأتوقف عن الإجابة على هذا السؤال مؤقتا لأتناول هنا ظاهرة "القيادي في الحراك الجنوبي" التي تطلق جزافا على كل من أعلن انتسابه إلى الحراك، وأتفهم أن الكثير من هؤلاء يطلقها بحسن نية، لكن لا يمكننا استبعاد أن تكون هناك أصابع وأيادي تلعب دورا خفيا، وربما معلنا، من خلال إطلاق لقب القيادي على كل من هب ودب ليس حبا في هذا أو ذاك من الناس،  لكن لإرباك المشهد ودق الأسافين بين نشطاء الحراك السلمي الجنوبي، ولأنه لا توجد جهة تمتلك الحق في تأكيد اعتبار هذا الفلان أو ذاك العلان قياديا أو لا فإن الكثير يستعذبون هذا اللقب ، ولم يتواضع واحد من هؤلاء ليقول للجهة التي نشرت عنه، أنه ليس قياديا ولكنه ناشط سياسي،  ليست المشكلة هنا فبإمكان الكل أن يكون قياديا في أي تنظيم أو منظمة أو حزب أو نقابة أو مكون سياسي، إن شاء،  حتى لو كان هو العضو الوحيد فيه ، لكن هذه (القيادية) لا تكون بلا قاعدة وبلا إطار سياسي، وإلا انطبق علينا قول الزميل د عبد الرحمن الوالي عندما قال إن مشكلتنا في الحراك الجنوبي أن (لدينا خمسه مليون قيادي ولكن ولا مواطن واحد).

*          *         *

والآن لنتوقف عند إشكالية السخط على القيادة، وفي الحقيقة يمكن تفهم الكثير من الأسباب التي يعبر من خلالها شباب الثورة عن غضبهم واستياءهم عن عدم تحقيق ما كانوا ينتظرون من نتائج، وفي تقديري أن ذلك يعود إلى عدة أسباب أهمها الحماس الزائد لدى بعض الغاضبين، وربما الرهان المبالغ فيه على حصول شيئا حاسما للقضية الجنوبية قبيل 30 نوفمبر 2014م، لكن السبب الجوهري والرئيسي يكمن في مكان آخر وهو غياب القيادة، وبالتحديد غياب القيادة الموحدة للثورة الجنوبية، وفي هذا الإطار علينا التمييز بين قيادات الساحة الذين هم مناضلون شرفاء اختارهم المعتصمون لتسيير أنشطة وتنظيم ساحة الاعتصام، وبين من يفترض أنهم القيادة السياسية للثورة الذين هم متوزعون على مجموعة من التشكيلات المتقاربة ، والمتباعدة، والتي تأبى أن تلتقي عند قواسم مشتركة تمكنها من بناء كيان سياسي تحالفي يعبر عن كل ألوان الطيف السياسي الجنوبي، لتمثيل الجنوب وثورته على المستويات المحلي والإقليمي والدولي.

لا يمكن القول أن قيادات المكونات السياسية الجنوبية قد أنجزت كل ما هو مطلوب منها فبإمكان هذه القيادات القيام بالشيء الكثير لكنني قبل أن أشير الى المطلوب من القيادات سأبدأ بالتنويه إلى أن المعركة على الساحة الجنوبية ليس بالبساطة التي يتصورها البعض، وبالتالي لا يمكن العثور على سوبر مان قيادي يحقق كل ما يحلم به الجنوبيون بضربة عصا أو بجرة قلم،. . . . . قد يقول قائل أن المطلوب من القيادات ليس معجزة ولم يطلب أحد أن يحقق كل شيء بجرة قلم، وهذا صحيح لكن بالمقابل علينا أن نعلم أنه حتى الآن لا توجد قيادة مخولة بمهمة قيادة الثورة حتى النهاية، وكل ما هو موجود مكونات وأطراف يعبر كل منها عن المنتميين إليه ولا يعبر عن كل الثورة وكل الثوار، ومن هنا يمكننا الإشارة إلى المطلوب من القيادات لتكون فعلا قيادة قادرة عن التعبير عن السواد الأعظم من الثوار وقابلة للمساءلة والمحاسبة إذا ما اقتضت الضرورة.

كان كاتب هذه السطور قد تناول في سلسلة من المقالات أهمية قيام جبهة وطنية جنوبية عريضة، وأعود للتأكيد على إنه لا يمكن الحديث عن قيادة في ظل تباعد المكونات السياسية الجنوبية وتنافرها بل وإصرار الكثير على الانفراد بالساحة ورفض الشركاء بسبب وبلا سبب، وأحيانا لأسباب مصطنعة تكمن وراءها أسباب خفية لا يراد البوح بها، على الأقل في اللحظة الراهنة، ولتحقيق تقدم معين في مسار الثورة الجنوبية السلمية المعقد والطويل، وفي ظل تعدد الكيانات وتباين الرؤى، فإنه لا بد من وجدود صيغة تحالفية جامعة تقوم على ما هو مشترك بين الرؤى والمكونات وهو ما أسميناه بـ"الجبهة الوطنية الجنوبية العريضة".

إن الجبهة الوطنية الجنوبية العريضة (أو أي صيغة تحالفية مشابهة) تجمع بالضرورة بين أمرين هامين وأساسيين هما: تكتيل كل قوى الثورة في كيان تحالفي واحد يقوم على القواسم المشتركة بين الكيانات المنخرطة فيها، هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى احتفاظ كل كيان باستقلاليته وتميزه وحقه في التعبير عن نفسه بما لا يلغي الصيغة التحالفية تلك.

إن تلك هي الخطوة الأولى نحو وجود قيادة قادرة على التعبير عن  إرادة السواد الأعظم من الشعب الجنوبي وقواه الحية، بعدها يمكننا الحديث عن قيادة قابلة للمحاسبة ومسئولة عما يطرأ على الساحة السياسية الجنوبية من نجاحات أو تعثرات.

إن الكثير ممن يستمرؤون شيطنة القيادة إنما يسوقون ثقافة الإحباط واليأس والتشاؤم وبالتالي الاستسلام لأي نتائج حتى وإن كانت مخيبة، وهذا النوع من الشيطنة حتى وإن صدر عن حسن نية فإن قد يغدو مدخلا لشيطنة الثورة الجنوبية، وهذا بطبيعة الحال لا يلغي المسئولية الكبيرة الملقاة على عاتق النخبة السياسية التي يمكن منها وبتوافقها صناعة قيادة حقيقية للثورة تتحمل المسئولية ولا تتسابق على كسب الشهرة وتبادل الاتهامات مع من سواها.

والله ولي التوفيق والرشاد

برقيات:

*    اختطاف د أحمد عوض بن مبارك مدير مكتب رئاسة الجمهورية من قبل جماعة أنصار الله يفتح الأبواب على مصاريعها، لكل مسلح لا يوافق على بعض القرارات والسياسات ليخطف من يشاء ويطالب بما يشاء، لكنه بالمقابل ينزع من أنصار الله صفة القوة السياسية ليدمها على أنها عصابة من قطاع الطرق الذين لا يحققون مطالبهم السياسية إلا من خلال البلطجة والخطف ونظام الرهائن الممقوت.

*    قال الشاعر الحكيم أبو الطيب المتنبي:

وَالهَمُّ  يَخْتَرِمُ  الجَســـــــــيمَ  نَحَافَةً        وَيُشيبُ  نَاصــِيَةَ  الصّبيّ  وَيُهرِمُ

ذو العَقلِ  يَشقَى  في  النّـعيمِ  بعَقْلِهِ        وَأخو الجَهالَةِ  في  الشّقاوَةِ  يَنعَمُ

لا يَخْدَعَـــــــــــنّكَ  مِنْ  عَدُوٍّ دَمْعُهُ        وَارْحَمْ  شَبابَكَ  من  عَدُوٍّ  تَرْحَمُ

لا يَسلَمُ  الشّرَفُ  الرّفيعُ  منَ  الأذى      حتى  يُرَاقَ  عَلى  جَوَانِــبِهِ  الدّمُ

 

قراءة 2068 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة