كيف نشيّد لحراك اشتراكي ديمقراطي؟* مميز

الإثنين, 23 آذار/مارس 2015 16:02 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

فهل هذا ممكن قياسا على تجارب الاحزاب الاجتماعية الديمقراطية في العالم العربي منذ اندلاع ثورات الربيع العربي؟

التجربة اليمنية*

"1"

    انتهز هذه الفرصة لأقدم لكم الحزب الاشتراكي اليمني، هذا الحزب في التاريخ الحديث والمعاصر للشعب اليمني تخلق في مختلف مراحل التطور السياسي للبلاد وخلال فترة زمنية ممتدة لنحو ستة عقود ونيف، كمؤسسة وطنية جامعة ومشتركة بين اليمنيين جميعهم أكان هذا قبل تحقيق الوحدة اليمنية، حين كانت اليمن الطبيعية تعكس جغرافيتين سياسيتين لم تكونا مختلفتين فحسب بل كانتا متضادتين انخرطت فيهما الدولتين: ج. ي. د. ش**. و ج. ع. ي***، ضمن تحالفين دوليين واقليميين زمن الحرب الباردة.

    وكان حزبنا طوال ذلك التاريخ ولا يزال معقلاً رئيسيا من معاقل الحفاظ على الهوية الوطنية اليمنية، ليس من منظور الاصالة والمعاصرة - على ما في هذه العلاقة بينهما (اي الاصالة والمعاصرة) من تعقيدات بالنظر الى طبيعة الاوضاع الاجتماعية المتخلفة وخصوصياتها المحلية في اليمن - وحسب، بل إن نضالاته الاساسية تركزت فكرا وممارسة على العمل من اجل اعادة انتاج الهوية الوطنية اليمنية بشروط العصر. وفي السياقات النضالية التي كانت متطلبة من اجل تحقيق ذلك الهدف:-

1-    استطاع الحزب الاشتراكي اليمني ومن بعد أن تمكنت الجبهة القومية وهي الفصيل الرئيسي المؤسس للحزب الاشتراكي اليمني من طرد الاستعمار البريطاني بالكفاح المسلح وتحقيقي الاستقلال الوطني واقامة دولة واحدة على انقاض "21"سلطنة ومشيخة في جنوب اليمن، أن يبني دولة حديثة ويحقق فيها للشعب عدالة اجتماعية تأسست على نص ايديولوجي ينحاز الى الطبقات الاجتماعية الفقيرة والكادحة.

2-    كما أسهم ايضا في تحقيق الوحدة اليمنية، إذ شارك مع غيره من القوى السياسية الوطنية الديمقراطية وأخرين في اقامتها، إلا انه بنى سياساته تجاه الوحدة على ما هو متخيل بشأنها وعجز عن تحويل هذا المتخيل الجمعي مشروعا سياسيا يتجسد في دولة يمنية ديمقراطية

3-    وفي السياق المذكور أعلاه ليس من الانصاف عدم الاعتراف للحزب الاشتراكي اليمني ان سياسته من أجل تحقيق الوحدة وأخذا في الاعتبار للمستجدات التي طرأت على المشهد السياسي العالمي بعد انهيار الحرب الباردة، قامت على جدلية العلاقة المركبة بين الوحدة والديمقراطية، ويؤخذ عليه في هذا الصدد عدم تدقيقه في شرط الديمقراطية الاول وهو الوعاء الذي يحتويها حين قام بتوقيع اتفاقية الوحدة مع ممثلي الطبقات الاجتماعية الإقطاعية والطفيلية، وأهمل غيرها من الطبقات والفئات الاجتماعية العريضة، غير ان نضاله على هذا الصعيد مازالت ثمرته باقية حتى اليوم وهي التعددية الحزبية السياسية والتي تأسست على قاعدتها أو ارضيتها تحالفات سياسية جديدة ونوعية مهدت للمرحلة الرئيسية الثانية من تاريخ الجمهورية اليمنية.

    وفي الخلاصة فالحزب الاشتراكي اليمني حزبا سياسيا وأصالة وطنية هو بالنسبة لليمنيين وفي سجلهم التاريخي الحديث والمعاصر رافعة للتقدم الاجتماعي، وللحركة التاريخية اليمنية إلى أمام، وهو في هذا السجل التاريخي صاحب الاسهام الاكبر في بذر ورعاية التعبيرات الديمقراطية على هشاشتها والتي تتجلى في المشهد السياسي في اليمن اليوم، فهو الذي اختط بداية طريق العمل السياسي بالتحالفات السياسية من بعد قيامه بتنحية التقارب الايديولوجي شرطا للتجاور سياسيا مع الأخر المختلف (تحالف مجلس التنسيق، تحالف أحزاب اللقاء المشترك).

"2"

    نستطيع أن نطلق على المرحلة الثانية من التاريخ السياسي للجمهورية اليمنية تسمية تختزل المحركات الاساسية التي حكمت مسارات النشاط السياسي في البلاد وتبلورت هذه في "الارادة الشعبية" وكان فيها للحزب الاشتراكي اليمني حضور نضالي وكفاحي متنوع قامت المرحلة التأسيسية لها على المبادرات الفردية لمناضلي الحزب الاشتراكي المني بالتضامن الكفاحي مع غيرهم من مناضلي الاحزاب السياسية الاخرى في البلاد، وهي المرحلة التي تلت حرب صيف 1994م ضد الجنوب وفيها ظهرت:

1-    المواجهات بين السلطة الحاكمة والقوى المجتمعية المختلفة خلال حراك جماهيري بدأ مطلبياً فتطور وأتخذ فيما بعد تعبيرات سياسية، وكانت في مقدمة هذا الحراك نقابات المعلمين والمحاميين والصحفيين وكتاب الرأي، وفي هذه المرحلة من الصراع قامت تلك التكتلات الجماهيرية ولو بتعبيراتها المهنية والفئوية بالدفاع عن الحريات وعن المعتقلين وأدانوا العنف والقمع، بل وقاموا بالجهود المشتركة بين مجموع تلك الفئات بفضح الاجهزة الامنية القمعية، كما فضحوا زيف الادعاءات الامنية ضدهم، وبدا بشكل واضح داخل هذا الصراع السلمي في مواجهة السلطة حالة من الفرز بين قضاة المحاكم الذين عملوا بضمائر نقية وأولئك المتواطئين مع السلطات.

2-    وفي المسار السياسي للنضال السلمي الجماهيري برزت في الجنوب حركة سلمية جماهيرية واسعة في العام 2007م عرفت فيما بعد بالحراك السياسي السلمي الجنوبي باعتباره تعبيرا عن "ثورة الكرامة" الانسانية ضد التمييز الشطري والمناطقي والتهميش الذي مارسته السلطة ضد الجنوبيين من بعد حرب صيف 1994م. وشمل الحراك كل محافظات الجنوب ومديرياتها الادارية، مستخدما اساليب نضالية سلمية متنوعة من المظاهرات والاعتصامات والمسيرات، وإحياء ذكرى الشهداء وتخصيص ايام واسابيع متواتره للتضامن مع المعتقلين، والتذكير بهم والدفاع عنهم، حيث اتخذت تلك الفعاليات عنوانا ثابتا بيوم الاسير الجنوبي، كما استخدم الحراك اسلوب الاحتفال بالمناسبات الوطنية التي كان يتم الاحتفال بها في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وكانت هذه بمثابة تعبيرات عن الذاكرة الجمعية لدى الجنوبيين واليمنيين بصفه عامه.

3-    خلال أربعة سنوات تلت انتفاضات الجنوبيين أختمرت فيها كذلك عوامل ثورة سلمية أخرى في الشمال عرفت بالثورة الشبابية الشعبية في فبراير 2011م، وكلاهما عبرا عن الارادة الشعبية وشكلا الحامل الموضوعي والفعلي للمكتسبات الوطنية والثورية للحراك السياسي السلمي الجنوبي والثورة الشبابية الشعبية، وبصرف النظر عن اتساق المواقف تجاه تلك المكتسبات بين المكونات المختلفة للإرادة الشعبية فقد تمثلت هذه في:

أولاً- اسقاط النظام السياسي الذي كان شغله الشاغل التمديد للرئاسة مدى الحياة والتوريث ومنح النفوذ للمقربين أصهار أو عائلات أو زبانية، وكانت العملية السياسية تدار فيه بواسطة انتخابات دورية مزيفة ومزورة تعمل على تأبيد ما هو قائم.

ثانيا- إنجاز الحوار الوطني الشامل وتحديد خارطة طريق نحو المستقبل وهي مبينه بشكل جيد وواضح في مخرجات الحوار والمؤسسات النظامية التي انبثقت منه هي بمثابة الأطر الحاضنة لمشاركة القوى الجديدة**** في صنع القرار السياسي في البلاد، وهي حتى اللحظة لاتزال على الصعيد النظري وحسب إلا أنها تشكل في حال تطبيقها متاحات كبيرة لمشاركة القوى السياسية الجديدة والشبابية والمرأة في السلطة.

ثالثا- خرج مؤتمر الحوار الوطني الشامل***** بتصور موضوعي وعملي للحل العادل للقضية الجنوبية في إطار دولة يمنية اتحادية من اقليمين، وهذه الاخيرة من مقترحات الحزب الاشتراكي اليمني وقد قامت نظرته للحل على قاعدة بناء وطنية يمنية جديدة دستورية عابرة للجهوية والمناطقية والمذهبية.

رابعا- إنجاز مسودة الدستور الجديد وفيها دسترة لأهم مطالب الحراك السلمي الجنوبي والثورة الشبابية الشعبية، كما تضمنت المسودة موادا دستورية وقانونية تحدد طبيعة التوجه الاقتصادي للدولة بما يضمن عدم إقصاء الطبقات والفئات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة، على قواعد سياسية تنموية تكفل مبادئ المساءلة والمشاركة الشعبية والتوزيع العادل للسلطة والثروة عبر المستويات الثلاثة للحكم في الدولة الاتحادية (المركز، الاقليم، الولاية، وما دونها من التقسيمات الادارية وتوزيع الانصبة من الثروة الوطنية وكذلك بالنسبة إلى المهام والاختصاصات والمسؤوليات).

"3"

    بالمعطيات - سالفة الذكر - مثَّل مؤتمر الحوار الوطني الشامل أرضية تأكد عليها حضور الارادة الشعبية كطرف مقرر في السياسة وجرى فيه صراع الافكار والخيارات التي ظهر فيها تفوق الارادة الشعبية في رسم خارطة طريق اليمن إلى المستقبل، الأمر الذي جعل من مؤتمر الحوار الوطني الشامل، مؤسسه وطنية توفر فيها موقعا للإرادة الشعبية، في ميزان القوى السياسي داخل البلاد. غير أن الاحداث التي تلت اختتام مؤتمر الحوار الوطني الشامل. جاءت بنتائج عكسية، كشفت عن أن ممثلي قوى الجديدة على الصعيد العملي لم يتصرفوا باعتبارهم تمثيلات فعلية لإرادة سياسية تقدمية واضحة "فالإرادة لا يعبر عنها بالوعي فقط، ولكن بدرجة رئيسية بالفعل الذي يتمخض عن حاجة ضرورية وبدوافع قصدية وأدوات عملية نحو تحقيقها" فالتمثيلات التي أشرنا اليها أكانت أحزابا أو منظمات مجتمع مدني أو حركات وتيارات سياسية جديدة لم تسعى جميعها بشكل مشترك إلى تحويل مخرجات الحوار الوطني إلى مشاريع وبرامج سياسية واستراتيجيات قابلة للتحقق.

    وهكذا فإن الارادة الشعبية يمكن أن تخسر هذا المنجز الذي حققته - ولو أنه حتى اللحظة في المستوى النظري- ان لم يتم العمل وبسرعة - وهذا قياسا على التداعيات السلبية التي تمر بها البلاد حاليا - على بناء تكتل شعبي كاستجابة للتطورات الراهنة ومعطياتها ومتطلباتها الانية والمرحلية.

"4"

    وعلى ما سبق توضيحه فمناقشة تشييد حراك اشتراكي ديمقراطي في هذه الظروف السياسية شديدة التقلب وقد تولدت فيها تعبيرات متطرفة وارتدادية في المجال السياسي وخاصة في البلدان العربية التي شهدت ثورات "الربيع العربي" ضد الأنظمة الاستبدادية والتسلطية. ناهيك عن أن يكون هذا  الامر في سياقات التجربة اليمنية، هو نوع من الترف وذلك للأسباب التالية:

1-    إن اي مقترح سياسي له ارتباطاته بالشروط السياسية والمجتمعية وأي فعل سياسي بعيدا عن تلك الشروط سوف يفشل. ولن يكون له حظ من التطبيق العملي. فالواقع الموضوعي هو بدرجة أساسية من المؤثرات الفاعلة على أي مقترح سياسي فبلادنا (اليمن) في هذه الايام تعاني من مخاطر انفجار حرب اهلية بما يستتبعه هذا النوع من الحروب من تقسيم او تفتيت الدولة.

2-    إن تصوراتنا السياسية وإذ يجب ان تنطلق من السياق السياسي وحواضنه الموضوعية هي التي تفرض وتحدد طبيعة ونوعية الاساليب، والادوات التي يجب استعمالها وعلى ذلك يجب علينا الابتعاد عند محاولاتنا تحديد المواقف أو الخيارات عن اللجوء إلى منطلقات ذهنية خالصة غير ذات صلة بالواقع.

* ورقة قدمها  الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني الدكتور عبد الرحمن عمر السقاف إلى المنتدى الاجتماعي العربي في دورته الرابعة المنعقدة في العاصمة التونسية "تونس" بتاريخ 23/3/2015م

.

 

قراءة 2000 مرات آخر تعديل على الإثنين, 30 آذار/مارس 2015 22:16

من أحدث د. عبد الرحمن عمر السقاف

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة