مفهوم التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي

السبت, 21 آذار/مارس 2015 18:29 كتبه 
قيم الموضوع
(2 أصوات)

    يشهد الواقع الدولي اليوم العديد من نماذج التدخل الخارجية التي تتفاوت في أشكالها وصورها من حيث آلياتها ونطاقها, ومداها وأطرافها , وأهدافها , ومبرراتها وأثارها ونتائجها .

   فمفهوم التدخل الخارجي يقدم إطاراً شاملاً لفكرة تأثير الخارجي في الداخلي , وهو ما يثير قضايا متعددة , مثل تراجع السيادة المطلقة للدول وتزايد انتشار القوة كمياً وكيفياً ( لاسيما إلى الفاعلين من غير الدول ) , وتنامي الاعتماد المتبادل , وتزايد انكشاف الدول للعالم الخارجي , بما يمكن أن يصل إلى مرحلة التبعية في بعض المجالات , وغيرها من القضايا .

  وبهذا المعنى فإن مفهوم التدخل الخارجي أكثر اتساعا وتندرج تحته مفاهيم مثل , التبعية , والتدخل الدولي لنشر الديمقراطية و وتدخل المنظمات الدولية لإعادة هيكلة السياسات الاقتصادية للدول ودور الأطراف الثالثة في النزاعات والصراعات ,  والتدخل الدولي لحسابات إنسانية وغيرها .... وينبغي هنا التمييز بين التدخل عن مجرد الدخول في علاقات خارجية .

   وللتدخل سياقات : داخلية محلية وخارجية – فالسياقات الداخلية المحلية , التي تفرز احتمالات التدخل الخارجي وتوسع نطاقه في المجالات المختلفة , ومنها الأزمات السياسية والاقتصادية , مع ضعف القدرات المؤسسية , والتبعية السياسية والاقتصادية والعسكرية للخارج , وارتفاع حدة الصراعات الداخلية , كلها عوامل من شأنها فتح المجال للتدخل الخارجي .

  وأما السياقات الخارجية الإقليمية والدولية .. فهي تتضمن  حتى مستوى التدخل العسكري لدواع إنسانية وبصور مختلفة : لتطوير المؤسسات والمنظمات الدولية وتفعيل أدوارها في توفير الأمن الجماعي وحماية حقوق الإنسان والتدرج في استخدام آليات التدخل , بحيث يكون التدخل العسكري هو الملاذ الأخير , وتلاؤم الوسائل مع الأهداف والتقييم المتوازن للنتائج والتداعيات بحيث لا تفوق أثار التدخل وسلبياته خيار عدم التدخل , وفي المقابل , يغلب اتجاه أخر, منظور مصالح الدول المتدخلة أو المرشحة للتدخل .

   وبالإضافة إلى سياقات التدخل الخارجي المحلية والخارجية توجد مصادر أساسية للتدخل الخارجي وتزايده , بالإضافة إلى الانكشاف الخارجي الذي يولد تأثيرا تراكميا مضاعفا لذاته , عادة تتمثل في :  إخفاق الدولة في أداء وظائفها وأدوارها الاجتماعية والاقتصادية أو السياسية الأمنية , وهو ما تغطيه المؤشرات الأخرى لمقياس الدول الفاشلة .

     ويأتي المتغير الثقافي ممثلا بسياسة ثقافة التبعية كأحد المصادر الأساسية للتدخل الخارجي – مثل الشعور بالعجز والدونية والانكسار تجاه القوى الكبرى , وثقافتها ومؤسساتها وقيمها , وقدراتها الاقتصادية والعسكرية وضعف الثقة في القدرات الذاتية الفردية أو الجماعية , والاستلاب الفكري والثقافي , والاستهانة بالقيم والثقافات الوطنية , والخصوصية الحضارية والثقافية للمجتمع وانتشار موجات التقليد الأعمى لقيم وممارسات أجنبية وبخاصة في صفوف النشء والشباب دون تقييم موضوعي لها .

   ولكي نحد من التدخل الخارجي في شؤوننا الداخلية , يتوجب علينا إصلاح أوضاعنا الحقوقية حتى لا نفتح النوافذ والأبواب ونقدم الدوافع لمن يريد أن يستغل ذلك , ربما لأهداف لا علاقة لها بحقوق الإنسان .

  فيبدو من العبث إغلاق خيارات الإصلاح وإغلاق الإفهام عن العالم الذي يتشكل من حولنا , فنحن بحاجة إلى عقلية تفهم هذا الجيل وتدرك متغيرات العصر وتحولات المفاهيم في منطقتنا والعالم , حتى نستطيع التعاطي معها بخطاب عقلاني وبرؤية رشيدة تبني وطنا حرا وكريما ومستقلا ومستقرا ومحترما .

  وفي الوقت ذاته  فإننا عندما نتحدث عن مخاطر التدخل الأجنبي , فإننا نستحضر في الذاكرة عواقب التدخلات الأجنبية السابقة لكثير من البلدان في الخارطة العالمية , ولعل أبرزها وأكثرها فداحة التدخل الأمريكي في الشأن العراقي والفيتنامي وفي بنما وغيرها ...

   يتحتم على الباحث اليوم وبشكل جدي الوقوف عند مفهوم السيادة الذي كاد أن يتلاشى كليا أمام كل ما ذكرناه وتحديدا منذ نهاية الحرب الباردة ومحاولة فرض سيادة القطب الواحد والتحكم بقضايا الشعوب والتدخل في شؤونها دون احتراز أو وجل مع هيمنة القوة بترسانة من الأسلحة الاليكترونية الذكية .

   إن المدخل الرئيس الذي يلمس بجوهر ما نريد الوصول إليه وتحديدا ما يتعلق بمصدر من مصادر التدخل الأجنبي وبالمفهوم المعاصر للتدخل – فكرة العولمة وتحدياتها التي أثارة أسئلة الهوية الثقافية في المجتمعات المتأخرة ... " فالهيمنة الثقافية التي رافقت العولمة , هددت بتفكك الهويات والثقافات , وكان اللجوء إلى الثقافة الوطنية نوع من الممانعة والوقوف في وجه طغيان العولمة وهيمنتها الثقافية على العالم .

    إلا أن هذا الاحتماء بالهويات أخذ أشكالا عديدة ووصل في بعض النماذج إلى حد تفتيت الهوية الوطنية والبحث عن هويات سابقة على فكرة الوطن مثل , الطائفية أو الأثينية أو القبلية أو المناطقية  , وقد ظهرت مع العولمة التي حولت العالم إلى قرية واحدة , صراعات قسمت الأوطان إلى جماعات متناثرة , وبرزت الهويات المتحاربة كحروب يوغسلافيا والبوسنة والجزائر وفي لبنان وفي العراق .

  فالوطن اليوم يتراجع عن الهوية الوطنية الواحدة ليتمزق في هويات متعددة ومنقسمة ومتحاربة , ما يمكن الدول الطامعة في موارده من عملية التدخل وتنفيذ مأربها بسهلة منقطعة النظير , للحكم الفردي دور بارز في تسليم الأوطان للأجنبي.

  حيث أصبح اليوم من الأهمية بمكان التفكير أكثر من أي وقت مضى , التأسيس للانتقال من الوطن إلى المواطنة , في حين أننا قد اجتزنا في تجربتنا السياسية المعاصرة مراحل عديدة في الانتقال من مرحلة الاستعمار إلى النظام الفردي المستبد ومحاولات التوريث إلى تعزيز مفهوم الديمقراطية وتجربة الحوار الوطني الشامل لإنجاز مشروع بناء دولة المواطنة المتساوية , إلا أننا لم نعمل على تعميق هذا الاختيار السياسي ودعمه بعمل ثقافي مواز يجعل الحداثة الثقافية اختيارا ضروريا , تعمل على نقد وتفكيك الهويات التقليدية وما تحمله من دعوات سياسية ماضوية  , تقسم المجتمع اليمني إلى طوائف وفئات , وتقلص مفهوم الوطن والمواطنة , كما ترفض أن يكون أبناء الوطن مواطنين متساويين .      

  

قراءة 5324 مرات آخر تعديل على السبت, 21 آذار/مارس 2015 19:17

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة