عن الاشتراكي مرة ثانية والنصف الاخر للمعركة مميز

الأربعاء, 19 آب/أغسطس 2015 17:35 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

كان من المفترض ان اكتب هذا المقال خلال الاسبوعين الماضيين، استكمالا لمقال سابق نشر هنا وتحدث عن بعض مواقف الاشتراكي من التطورات المتلاحقة التي تشهدها البلد.

كان التأخير بسبب انقطاع شبكة الانترنت عن مدينة تعز. وبالعودة الى المقال السابق سنجد انه حمل ردا عفويا على بعض التخرصات والاتهامات الموجهة للاشتراكي. ولأن قضيتنا مختلفة فسيستمر الرد هنا ايضا بنفس تلك العفوية المقصودة. هناك اشخاص يظهرون في الفضائيات بربطات عنق يهاجمون الاشتراكي بمناسبة وبدونها، لعل هذا هو عملهم. عملي مختلف ليس حتى الدفاع رغم أنني سمعت عبدالناصر المودع في اكثر من مناسبة يهاجم الاشتراكي، اخرين ايضا يهاجمون بنفس الطريقة، لا داعي لذكر الاسماء، لكن الملفت في الأمر هو ظهورهم كفريق واحد بمهمة وحيدة، وكأن هناك ارادة في الظل تسعى لاستغلال الحرب واستثمارها مرة اخرى في فتح جبهة مع الاشتراكي. حقا ذلك مستفز غير أن هذا الحزب الذي اثبت انه عصيا سيظل يثير مخاوف من يحملون مشاريعهم الخاصة على حساب تغييب المشروع الوطني. اما الهدف من تلك الحملة فهو محاولة توجيه ضربة استباقية لتصفية الخصوم السياسيين. في قائمة الخصومة الاشتراكي يأتي اولا، وذلك التيار الذي يتصدى للمهمة ليس من الغريب انه يتكون من خليط بهذا الحجم: اصحاب مشاريع قديمة مندثرة، انصاف ليبراليين، انصاف متطرفين او يحنون على استحياء الى ايام التطرف التي كانوا فرسانها. بالمجمل هم ثلة معجونة بثقافة المخلوع صالح. هذه الثقافة تنزع على الدوام الى تخريب الارضية السياسية لصالح الفوضى والاستثمارات المشبوهة، ولو ان اولئك النفر ينطلقون من مشروع سياسي مسئول فإنه سيخطر ببالهم على الاقل، ان محاولة النيل من طرف سياسي هو نيل واضعاف للعملية السياسية وللمشروع الذي ينخرطون في اطاره. لكنهم مجرد دمى تحركها مراكز نفوذ تؤمن بمصالحها وحسب.

سيكون من الجيد الاشارة الى ان تماسك الاشتراكي اثناء دخول الحوثي صنعاء ورفضه الانقلاب او تشكل سلطة بديلة بعيدا عن الحوار والتوافق السياسي قد شكل حماية لحزب الاصلاح الذي كان يهدد بالاجتثاث.

هناك من يتعامى متعمدا عن هذا، حتى انه يريد ان يجرك الى حديث من نفس النوع الذي لديه. مثلا عليك ان تقول ان حزب الاصلاح كان جبانا عندما رفض اشعال الحرب في العاصمة وانه لم يتحرك الا عندما دخلت السعودية على خط الصراع. لكن زاوية النظر الاخرى تفرض علينا القول عكس ما يتمنون. لقد كان موقف الاصلاح ايجابيا وله اثر كبير في حدوث فرز حقيقي محليا واقليميا لتظهر المعركة بعد ذلك بشكلها الصحيح: معركة وطنية تخص جميع اليمنيين وليس حزب الاصلاح وحده. لمجرد ان هناك اصلاحين في الحملة التي تستهدف الاشتراكي كان على اي اشتراكي مسئول ان يخيب امل تلك الحملة. لعلهم انتظروا ان نطل من شاشة فضائية مناوئة او حتى محايدة لنقول ان الاصلاح كان جبانا عندما اعلن تأييده للعاصفة ولم يصدر موقف مماثل اتجاه المقاومة الشعبية، لكننا ندرك ايضا ان الاصلاح كان ولا يزال يواجه مؤامرة الاجتثاث او جعله يسقط في احضان ردة الفعل المتطرفة، وأي تواطؤ مع هذه الرغبة معناه تواطؤ مع عودة التسلط. فالمخلوع صالح اراد العودة من بوابة خلط الاوراق واشاعة الفوضى واكثر بعث الرغبات الانتقامية من تحت الركام. الاشتراكي بالطبع لم يتواطأ رغم ان هذا يحدث في مرحلة يسودها فتور عام ومبرر في علاقته مع الاصلاح.

لم يكن الاشتراكي لينجر الى لعبة تصفية الخصوم وبعث رغبات الانتقام لمجرد ان الظروف باتت تسمح بذلك، بالمقابل كان موقفه لا يزال ثابتا من مراكز القوى والنفوذ سواء كانت في الاصلاح او خارجه. لندخل في موضوعنا وهو تحليل طبيعة الحرب الدائرة اليوم ومصلحها اطرافها وأين يقف الاشتراكي من كل ذلك.

طبيعة الحرب

قبل ايام كنا مجموعة من الاصدقاء في المقيل نتساءل عن التاريخ الحقيقي لبداية الحرب، اتفق الأغلبية على أنها بدأت في مارس الماضي، وبقى الخلاف هل بدأت عندما أنطلق الحوثيون والمخلوع صالح صوب عدن لملاحقة الرئيس هادي ومحاربة "الدواعش" أم بدأت مع التدخل السعودي وعاصفة الحزم؟

أحد الأصدقاء أراد أن يفصل في الأمر بطريقته، قال: الحرب بدأت في عام 1994.

ذكرني هذا بحديث لينين في كتابه (الحروب العادلة والحروب غير العادلة) فهو يقول ان الحرب يشنها الطرف الذي لم يعد يستطيع بلوغ أهدافه بالوسائل "السلمية". لقد حرص ان يضع السلمية بين قوسين لأن تلك الوسائل هي حربية اذا جاز التعبير، فهي تعتمد على التنكيل والقمع والاضطهاد في سبيل بلوغ تلك الاهداف غير المشروعة. وافقت صديقي على الفور في ان الحرب فعلا كانت قد بدأت في العام 94م لأن الحرب الأخيرة ما هي إلا أحد تجلياتها، فالسياسات الحربية التي اعتمدها نظام صنعاء بعد انتهاء المعركة، شهدت تخلخلا في السنوات الأخيرة، ولكي يتم تحقيق الاهداف التي كانت تحققها كان لابد من اشعال الحرب.

مبدئيا هذا يوضح طبيعة الحرب التي تشهدها بلادنا، ولمزيد من الايضاح يقول كلاوزفيتس الذي يصفه لينين ايضا بأنه من أشهر الكتاب في فلسفة الحروب وتاريخ الحروب، يقول بأن "الحرب استمرار للسياسة بطريقة أخرى". بمعنى ان سياسة الاطراف التي اشعلت الحرب، تلك المكرسة من قبل ان يبدأ السلاح بالعمل، هي الآن في حالة استمرارية ولكن من خلال الحرب. أما نحن قبل ان نقول اننا مع الحرب ام ضدها، قبل ان نصطف الى جانب أحد الأطراف المتقاتلة يجدر بنا أن نعرف سياسة تلك الأطراف، وهل من الممكن أن تكون شبيهة بالسياسة التي ننتهجها، أو حتى تدعمها؟ على ضوء هذا التحديد حتى وان لم نكن مساهمين في اشعال الحرب نستطيع ان نتخذ القرار الصائب، بخصوص أي الجهة التي سنحارب معها وأيضا الجهة التي سنحارب ضدها.

لنحاول أن نسقط هذا التحليل النظري على أرض الواقع، ولنتساءل قبل ذلك: ترى ما هي سياسة الحوثي السابقة لإشعال الحرب؟ ما هي سياسة المخلوع السائدة؟ بالمقابل ما هي سياسة حزب الاصلاح؟ ما هي سياسة المملكة العربية السعودية؟ ولأن الحديث عن الحزب الاشتراكي نتساءل ايضا، اذا كان الحزب الاشتراكي يحي المقاومة الشعبية واعضائه المنخرطين فيها فما هي السياسة التي كان ينتهجها الحزب قبل الحرب، وعلى ضوئها اتخذ هذا الموقف، ولماذا لم يكن طرفا مباشرا في المعركة؟

الاجابة على كل هذه الأسئلة ستجعلنا نستشف موقف الاشتراكي من الحرب، الموقف الذي ينتقد ويهاجم الحزب بسببه وغالبا بسبب مواقف لا علاقة للاشتراكي بها، ولكن تنسجها خيالات اعتادت ان تجنح للتأليف ثم الالصاق وبعد ذلك نصب منصة الصواريخ الهجومية من على شاشة الفضائيات. بقدر ما نسعى هنا الى تمحيص موقف الاشتراكي بقدر ما نسعى الى الكشف عن مكامن الالتباس الذي وفر لأولئك الموتورين فرصة للتحامل الفج الذي يعبرون عنه بكل ذلك التكلف.

للإجابة على السؤال الأول، نجد أن جماعة الحوثي كانت تنتهج سياسة الحروب واختلاق المبررات لها، وكل ذلك بهدف التوسع بقوة السلاح ومن ثمة السيطرة الكاملة على السلطة. في البداية، واعني هنا حروب صعدة الست، فإن اهداف هذه الجماعة كانت غامضة، مستترة على نحو متعمد، لم تحن الفرصة بعد للإفصاح عنها. هي جماعة الفرص بامتياز غير ان الطابع الحربي لها كان قد أصبح سائدا. فتحت ثورة فبراير 2011 لهذه الجماعة نافذة بل بابا للخروج من العزلة ومساحة محترمة للمشاركة في المجال العام. لم تكن قد تمكنت بعد، وبمجرد ان وجدت السند لكي تفصح عن نفسها أكثر، بادرت الى اشعال الحروب في طريقها الطويل نحو الدمار.

كانت تختلق مبررا لها في كل حرب، في دماج قالت انها تحارب التكفيريين الذين قدموا من كل بقاع الارض لتفخيخ معقلها، استثمرت منطق عدم القبول الشعبي بوجود جماعات دينية بدون اطار قانوني على رقعة من ارض الوطن، وهو وجود ملتبس ومهدد للسلم الاجتماعي. استثمرت ذلك بشكل وقح كما هي عادتها في الاستثمارات اللاحقة، ثم نجحت في طرد السلفيين. بعد ذلك وهذه قصة يعرفها الجميع اتجهت صوب عمران لإشعال معركة أخرى لكن هذه المرة تحت يافطة الثورة الاجتماعية التي تستهدف بيت الأحمر. لقد استثمرت النقمة الشعبية اتجاه احد مراكز النفوذ المعيقة لبناء الدولة اليمنية، بالمقابل فإن تاريخ جماعة الحوثي لا يزال غامض. لأن قليل من الوضوح كان سيسعفنا اذا لم يكن في تقدير الى أي مدى سوف تصل هذه الجماعة، على الأقل في مقارنتها ببيت الأحمر، لكن المقارنة ظلت بعيدة حتى الآن.

بعد ذلك اتجهت الجماعة نحو معسكر القشيبي، وهذه المرة تحت يافطة أنه متمرد، أما اليافطة الكبيرة والتي باتت واضحة وتعمل تحتها هذه الجماعة فهي التخلص من الاخوان المسلمين كفرصة ثمينة توفرها الارادة الإقليمية المؤثرة على نحو بليغ في صناعة سياسة الدول المحيطة. سيكون من العجيب حقا كيف ان نهاية هذه الاستثمارات كلها قد اختتمت باستثمار من نفس النوع، ولكن هذه المرة في صف شعب منهك أصبحت أمامه صورة متكاملة عن مدى بشاعة هذه الجماعة. تدخلت الارادة الاقليمية المستثمرة سابقا، لتقف الى جانب اليمنيين، ليصبح مصير الجماعة هو الاجتثاث الكلي نظير ذلك الكم الهائل من الاستخفاف بالشعب خلال زمن قصير.

لكي لا نتشعب أكثر في تقصي سياسة هذه الجماعة، علينا أن ندرك أن دخول الحوثيين صنعاء كان قد حمل معه طابعا جديدا مفاده، أنهم جماعة انتقامية وثورة مضادة تسعى الى اعادة الاستبداد وقهر اليمنيين مجددا.

اذن من مصلحة الاشتراكي أو أي قوى فاعلة في المجال العام وتكترث لمستقبل البلد أن تعيق هذا الطوفان بكل الوسائل، غير ان وسيلة الحرب التي تبرع فيها الجماعة يجب ان تكون هي الوسيلة الأخيرة اضطراريا، لهذا قلنا ان موقف حزب الاصلاح كان موفقا عندما انحنى للعاصفة وفوت على الحوثي وحليفه صالح فرصة اجتثاثه ربما بمباركة اقليمية حينها.

الاشتراكي ايضا آخذ على عاتقه مهمة الكبح ولكن بالوسائل السلمية، ورغم كل التودد الذي ابدته جماعة الحوثي اتجاه هذا الحزب وابدائها الاستعداد للانتقام له ومحاولة بعث النزعات البدائية من تحت الركام، إلا أن الاشتراكي كان اصيلا في رفضه كل ذلك، اصيلا لأنه قرر منذ زمن بعيد التخلي عن لغة العنف والانتقام، مؤمنا بالعمل السياسي والحوار والعمل السلمي في حل كل القضايا.

لم تحصل جماعة الحوثي على مجرد تلميح من الاشتراكي يبارك اجراءاتها الانتقامية، وكان أول حزب يدعو لاستئناف العملية السياسية بعد ركود أستمر لأسابيع. أما مغزى هذا التشبث بالعملية السياسية فهو عدم السماح لجماعة الحوثي بالتمادي أكثر، وهكذا بدأت الحوارات السياسية بمشاركة الجميع، وتوقفت عجلة الطوفان عن الدوران لبعض الوقت.

لنذهب الى السؤال الثاني، قبل ان يكتمل الحديث عن جماعة الحوثي، لأننا سنضطر ان نعود الى هذا الحديث مع بداية اندلاع الحرب الشاملة.

سياسة المخلوع صالح السائدة قبل اشعال الحرب، هي اشاعة أكبر قدر من الفوضى بهدف الحفاظ على المصالح غير المشروعة، وأيضا فتح نافذة لمحاولة العودة وترميم خارطة هذه المصالح التي آخذت بالتآكل. اذن نهج صالح هو نفسه نهج حرب 94م، ورفضه التخلي عن كل مكتسباته الشخصية والعائلية التي جناها من الاستبداد ومن تلك الحرب وايضا السياسات اللاحقة لها. قبل اندلاع الحرب قال صديقي شائف فاضل ان صالح سيحارب لمدة ستين عاما، فقط لكي يحافظ على مصالحه في الجنوب. اعتقد بأن هذا دقيقا خاصة ونحن نراه يستبسل في معركة يعرف سلفا انها خاسرة.

لم يتعلم المخلوع من الدرس ولم يقدر أن اليمنيين قد تنازلوا له بالكثير مقابل ان يتخلى عن السيناريوهات التدميرية التي تعمل في راسه ليل نهار ويستطيع ان يحدسها أي عابر لا يهتم بالسياسة. وليست مفارقة أنه بات يحرض على حكومة الوفاق في اعلامه بحجة أن هذه الحكومة خذلت الثورة والثوار، فهو من هذا النوع الذي يستطيع استثمار كل التناقضات وجعلها تخدم مشاريعه ونوازعه المريضة.

كان الحوثيين بالنسبة لصالح بمثابة حصان طروادة الذي من خلاله سيحرق الجميع وسيبسط سلطته من جديد. وكثعلب خبير في المكر تظاهر بأنه قد انتهى ولم يعد لديه من وسائل الحياة، وان مهمته الوحيدة مؤخرا هي التباكي على الجيش المهيكل والملاسنات الاعلامية وفي أحسن الأحوال بعث التعازي والتهاني واستقبال جموع من يتحلون بالإنسانية لأجله.

كان الاشتراكي خلال هذه الفترة وحيدا تقريبا من لديه الرؤية الثاقبة، غير متواني عن خوض المعركة الرئيسية التي لم تنتهي بعد، لقد نادى الى حد التعب باستكمال نقل السلطة، ووقف منيعا أمام كل المحاولات الحثيثة الساعية الى القفز فوق الاستحقاقات الوطنية التي ضحى لأجلها اليمنيين في ثورة فبراير.

واذا ما اقتربنا سنجد ان مؤتمر الحوار الوطني أنقسم الى جبهتين، جبهة الاشتراكي برؤاه الوطنية المسئولة اتجاه مجمل القضايا الكبرى، وجبهة صالح التي حرص على ان تكون غير واضحة حتى يتمكن من استقطاب من يفترض انهم خصوما، وقد نجح في هذا الى حد بعيد. مثلا لم يصغي أحدا الى مطالب الاشتراكي في استكمال نقل السلطة وكان هذا يخدمه، وفي قضية العدالة الانتقالية انصرفت القوى الأخرى الى الملاسنات وفي أحايين كثيرة الى التواطؤ ضد هذه القضية في انسجام تام مع رغبة المخلوع. لا نحتاج أن نذكر أيضا بأن مشروع قانون استرداد الأموال المنهوبة قد جلب للوزير الاشتراكي محمد المخلافي كل صنوف الويل، بينما ظل المخلافي صامدا في معركة متكافئة ولم ينحني حتى عندما وصل الأمر الى محاصرة منزله والتعريض بأخلاق مرافقيه.

سياسة صالح كانت واضحة للاشتراكي، وليس لديه فرصة لمهادنتها كما قد يفعل الأخرين.

لنأتي الى السؤال الثالث المتعلق بحزب الاصلاح بصفته طرفا في الحرب. هذا الحزب الكبير ساهم الى حد بعيد في افشال مشروع التغيير، واذا كان هذا بسبب غياب الرؤية، فهو ايضا بسبب التداخل القديم بينه وبين سياسة صالح القائمة على تحقيق المصالح غير المشروعة. على أن هذه المصالح باتت تتركز في أيادي بعض مراكز النفوذ داخل الحزب وليس في يد الحزب بدرجة رئيسية، غير أن المشكلة ظلت في عدم قدرة الاصلاح على تجاوز تلك المراكز.

وبغض النظر عن كثرة الأخطاء، وتململ الاصلاح اتجاه شركاء الأمس، وشعوره الباطني بأنه أصبح الوريث الفعلي للنظام السابق الى درجة انه مستعد ان يتصالح مع رموزه الفاسدة وأدواته القاهرة للشعب، فإن الطابع الذي وسم به الاصلاح نفسه، وهذه هي الكارثة، هو غياب الأفق الوطني لديه، وعدم القدرة على انتاج مشروع يساهم في بناء الدولة اليمنية.

كان موقف الاصلاح في مؤتمر الحوار مرتبك ازاء مختلف القضايا الوطنية الكبرى وكثيرا ما وجد نفسه في نفس جبهة نظام صالح، فهو يقبل بالفيدرالية على استحياء وبدون اقتناع، كما أن لديه تحفظات عند مناقشة القضية الجنوبية، ثم متماهيا مع صالح في مسألة عدم تحقيق عدالة انتقالية تنتصف لضحايا نصف قرن وضحايا ثورة فبراير التي أوصلته للسلطة.

أنجر الاصلاح ايضا الى معارك جانبية، وكانت خطورة ذلك أن هذا الحزب لم يتخلى بعد عن لغة السلاح، كما أنه يمتلك نزعة اقصائية بادر في اعمالها ضد الشركاء قبل الخصوم، وأكثر أنه لا يمتلك دروعا واقية من أي نزعات طائفية قد تضعه الظروف في اطارها.

رغم ان الطائفية التي يمكن مقارباتها مع نزعات حزب الاصلاح هي طائفية خطابية مقارنة بالطائفية الفعلية التي يشهرها الحوثي اتجاهه واتجاه الأخرين، غير أن أمر التواجد مجددا في خندق واحد مع الاصلاح أصبح بحاجة الى كثير من التأني، ثم أن غياب الأفق الوطني والهم الرئيسي المتمثل في بناء الدولة الحديثة يعزز من هذا التأني وكان هذا الى جانب الطابع السياسي الذي تكلمنا عنه في الفقرات السابقة هو من جعل موقف الاشتراكي بهذا القدر من التوجس، بل وعامل رئيسي في تراخي الاشتراكي عن الاشتراك المباشر في المقاومة الشعبية.

اذا كانت الحرب استمرار للسياسة، فمعنى هذا ان الاصلاح سيعود الى نفس وضعه السابق عندما تتوقف المعركة، غير أن هناك دوافع أخرى تدعو الاشتراكي الى تأييد المقاومة الشعبية.

وصلنا الى سياسة السعودية، وهنا علينا التفريق بين نوعين من هذه السياسة، الأولى تاريخية، عرفت بأنها تحارب أي مشروع وطني قد يتخلق على أراضي الجوار، لصالح دعم قوى الكبح والتخلف، والنوع الثاني من السياسة هو متغير ويفرضه الصراع الدائر في المنطقة، كما حدث مع الاخوان وايران.

لنقل أن النوع الثاني هو ما دعا السعودية للتدخل المباشر في الشأن اليمني، وطبيعة هذا النوع من السياسة وقائي بالنسبة للجارة الشقيقة، غير أن الجديد في الأمر هو ان هذا التدخل يوفر امكانية حدوث تبدل نوعي في السياسة التاريخية لصالح قيام دولة قوية في اليمن والتخفيف من دعم القوى التقليدية.

أعتقد بأن وجود نوع جديد من السياسة السعودية قد جعل من لهجة الاشتراكي اتجاهها غير متوقعة، اعني ان اللهجة لم تكن متشنجة وهو الحزب الأكثر عداء من كل الأطراف الموجودة على الساحة والأكثر تضررا من سياسات السعودية التاريخية، غير ان هذا التبدل يفرض على الاشتراكي هذا النوع من عدم استشعار الخطورة، وايضا لأن هذا التدخل جاء لأول مرة ليصطف الى جانب غالبية الشعب اليمني في توقيت حساس للغاية، كانت البلد ستذهب بدونه الى الهاوية.

يدرك الاشتراكي ان تقاطع مصالح الجارة مع مصالح الشعب اليمني قد حدث، ومهما يكن الأمر، حتى وان تكفلت السعودية في دفع كلفة الحرب، يبقى التعويل المطلق على دورها الايجابي مستقبلا أمر يعوزه الكثير من الدقة. يتعلق الأمر ببنية وتركيبة النظام السعودي، وتلك السياسة التاريخية الراسخة والتي تحتاج الى عقود من أجل أن تتغير.

يبدو أننا وصلنا الى السؤال الأخير، ماهي سياسة الاشتراكي قبل الحرب، وكيف يجب أن تستمر اثناء الحرب؟

اعتقد بأن الكثير من اجابة هذا السؤال قد تم طرحه في ثنايا اجابة الأسئلة الأربعة الأولى، ولكن لمزيد من الايضاح، نقول ان سياسة الاشتراكي تتجه نحو نبذ العنف ورفض الحرب، هذا أولا، وثانيا رفض الانقلاب والتفرد في السلطة. لنقل أن هذا نصف المعركة، وهو النصف الذي اصبح على وشك الحسم بالحرب، فالانقلاب لن يتم وصالح سيذهب اخيرا الى مزبلة التاريخ، أما النصف الآخر للمعركة فهو عدم التفريط بمخرجات الحوار الوطني واستحقاقات الشعب اليمني، بعبارة: بناء الدولة اليمنية الفيدرالية الحديثة ومعالجة كافة القضايا العالقة.

من أين جاء الالتباس اذن طالما وان جماعة الحوثي وصالح اصبحا المعيقان الرئيسيان لذلك الهدف الذي يزعم الاشتراكي أنه يحمله؟ لماذا لم يشترك في الحرب بصورة مباشرة لكي يضمن تحقيق ذلك الهدف؟

نقول ان الالتباس جاء من طبيعة الحرب، جميع الأطراف المشتركة فيها، لديها سياسات مختلفة عن السياسة التي يتبناها الاشتراكي، ثم أن رفض العنف ليس مجرد تصريح اعلامي، بل موقف ثابت واصيل بالنسبة للاشتراكي، وهو مفروض عليه ايضا بسبب أن الحزب ليس لديه الامكانيات الفائضة التي تدعوه لتسليح عشرة اشخاص، عوضا عن المسئولية الاخلاقية اتجاه الضحايا الذين ستخلفهم الحرب. يفضل الاشتراكي ان لا يكون مساهما في تعميق الجرح الوطني، على الأقل في أن لا يكون لديه يد في اشعال الحرب كما قد تفعل الأطراف الأخرى. يستند هذا الموقف ايضا الى تجربة تاريخية كانت محط دراسة طوال العقود الثلاثة الأخيرة.

اذن لماذا اصدر الاشتراكي في الجنوب بيانا يعلن الانخراط في الحرب؟ لماذا فضل الجعدي وهو نائب رئيس اللجنة المركزية أحد قادة المقاومة الشعبية في الضالع؟ لماذا سكرتيتر أول منظمة الاشتراكي في تعز محمد عبدالعزيز يظهر في مهرجان المقاومة حاملا السلاح، وقد جعل الكثير من الاشتراكيين ينخرطون في القتال الى جانب المقاومة الشعبية؟ ولماذا يحيّ الاشتراكي المقاومة الشعبية ويحيّ انتصاراتها؟

هذه الأسئلة كلها، لديها اجابة وحيدة كما اجابات كثيرة. الاجابة الوحيدة هي أن كل هذا لا يعني ان الاشتراكي قد أصبح أحد اطراف الحرب. أما الاجابات الأخرى فهي أن الاشتراكيين في عموم اليمن من حقهم أن يدافعوا عن انفسهم وعن مدنهم ومناطقهم بصفتهم يمنيين مثلهم مثل غيرهم. لا يمكن للاشتراكي ان يقفز على مبدأ الدفاع عن النفس، ثم ان ذهاب الحوثي وصالح الى اشعال الحرب في الجنوب والشمال، معناه أن الانقلاب يواصل عمله وأنه لم يعد هناك مساحة للعمل السياسي لهذا يحي الاشتراكي المقاومة واذا ما اضطر واصبحت العملية السياسية تواجه تهديدا وجوديا فإن الدخول كطرف في الحرب لن يحتاج لقرار.

لم يسعى الاشتراكي الى ركوب الحرب من بوابة الانتهازية وما قد يوفره مثل هذا الأمر من استحقاقات مستقبلية، غير أن التسليم بمنطق الانقلاب على العملية السياسية والسلطة الشرعية التي تمسك بها الاشتراكي حتى آخر لحظة، أمر لا يمكن تجاوزه.

ثم لنسأل بصدق متى يا ترى يكون الحزب السياسي مطالبا بأن يصبح طرفا في الحرب؟

حتى بدون كلام لينين الذي ورد في هذه المقالة، فإن المنطق والتجارب التاريخية تخبرنا أن الحزب السياسي لا يكون طرفا في الحرب الا اذا كان قائدا لثورة شعبية تصطدم بتعنت النظام الحاكم الى درجة انه يجبرها على الدخول في حرب سواء بادر هذا النظام الى اشعالها ام لم يبادر.

ولأن هذه الحرب هي امتداد لأحداث العام 2011، لم يجد الاشتراكي حرجا من التصريح بكونه يقف الى جانب الشعب، على أن التخلص من صالح وردع القوة العمياء يوفر اغراء لإصدار مثل هذا الموقف.

وكملاحظة أخيرة سنجد أن مصلحة الشعوب العربية في الظروف الحالية لم تكن لتحثها على تفضيل خيار العنف على الخيار السلمي، ولكن لأن حدس الشعوب لا يخطئ، فإن العمل السلمي رغم كلفته كان أكثر بلاغة ونجاح في التعبير عن الثورة المتراكمة، أما السبب في ذلك فهو أن الأنظمة العربية كدست اسلحة لمحاربة شعوبها المجردة من السلاح، واذا حدث ان هناك امكانية لسلوك طريق العنف الثوري فإن الأطراف المساندة ستكون مراكز نفوذ وأجنحة منشقة عن نفس النظام ولديها نفس ثقافته، وتستطيع أن تصادر أي انتصار قد تحرزه ثورة من هذا النوع.

قراءة 3329 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 19 آب/أغسطس 2015 23:24

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة