القضية الجنوبية ومخاطر الولادة المتعسرة(١- 2)

الأحد, 20 أيلول/سبتمبر 2015 22:47 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

كثيرا ما شبهت ما يجري في الجنوب خلال فترة الحرب السوداء (مارس - يوليو ٢٠١٥م) بحالة الولادة المتعسرة بالنسبة للقضية الجنوبية، وذلك بالنظر الى مستوى التطلعات التي يحملها أبناء الجنوب والمخاطر المحيطة بعملية المواجهة والتصدي للغزو والعدوان، والآلام التي صاحبت فترة الحرب اللعينة، وغالبا ما كنت أرد على الزملاء الذين أدخل معهم في نقاش حول الوضع في الجنوب بأن "الولادة متعسرة، لكن الجنين ما يزال سليما إن شاء الله".

وبعيدا عن لغة المجاز فإن المأثرة العظيمة التي صنعها شعبنا الجنوبي والتضحيات الجسيمة التي قدمها  قد مثلت برهانا ساطعا على إصرار شعب الجنوب على الخروج من حالة الارتهان والتبعية ورفض وحدة السلب والنهب والقتل والتنكيل والدمار واستعادة دولته الحرة كاملة السيادة على أرضه.

بيد إن خوض الحرب وهزيمة الخصم شيء والحفاظ على النصر وتسويره بانتصارات أخرى شيء آخر، وما ينبغي إدراكه هو إن مخاطر ما بعد الولادة ما تزال ماثلة فالجنين لم يخرج إلى النور بعد والرياح والعواصف والأدواء تحيط به من كل مكان وستكون مخاطر ما بعد الولادة أكبر وأكثر من تلك التي رافقت فترة الحمل والولادة المتعسرة

لقد أبرزت الأحداث العاصفة التي شهدتها المواجهة مع تحالف (الحوثي - صالح) جملة من المفارقات التي تخفي وراءها مجموعة من المخاطر المتعلقة بمضمون القضية الجنوبية ومآلات نضال الجنوبيين من أجل تقرير مصيرهم وأهم هذه المخاطر:

١. نضج الظروف الموضوعية لحل القضية الجنوبية وتخلف العامل الذاتي عن التفاعل مع تلك الظروف واستلهامها وتسخيرها لتحقيق تطلعات الشعب الجنوبي في الحرية وتقرير المصير، وقد تجلى ذلك في عدم قدرة النخب السياسية الجنوبية على التقدم بمشروع سياسي شامل يحتشد حوله كل الجنوبيين رغم غياب وانهيار وهزيمة الطرف الذي يخوض معه الجنوبيون صراعهم الوجودي.

٢. في هذا السياق، يمكن الإشارة إلى عجز النخبة السياسية الجنوبية عن التمييز بين ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي، والخلط بين المهام الآنية والمهام المرحلية، فلقد انصرف الكثير من أفراد هذه النخبة في التنازع على المسميات، جنوب عربي أم جنوب اليمن، استعادة الدولة أم بناء الدولة، وقد جر التنازع  على هذه المسميات الشركاء السياسيين إلى معارك جانبية انستهم المعركة الرئيسية التي من أجلها سقط آلاف الشهداء وأضعافهم من الجرحى والمعوقين ومئات المختطفين والمفقودين.

٣. يمثل الملف الأمني تحديا كبيرا لقيادة الجنوب ما بعد أغسطس ٢٠١٥م وقد لاحظنا كيف اكتفى المقاومون الأبطال الذين سطروا ملحمة النصر العظيمة، اكتفوا بدحر العدو وإخراجه من الأرض، وأهملت قضية السيطرة على الوضع الأمني والتصدي للأعمال الإرهابية التي ليست سوى جزء مكمل للمعركة، وما لم يتم تدارك هذه النقطة بمزيد من التلاحم والتكامل بين رجال المقاومة الجنوبية وما توفر من الأجهزة الأمنية، وما لم تطهر هذه الأجهزة من ميراث ما قبل ٢٠١٥م فإن قنابل موقوتة كثيرة ما تزال كامنة في داخل الجهاز الأمني الهش والضعيف والمخترق من قبل الأعداء وهذه القنابل ستظل قابلة للانفجار في أي لحظة.

وللحديث بقية

 (٢)

كنا في الجزء الأول من هذا الحديث قد أشرنا إلى بعض المخاطر التي تحيط بالانتصار الكبير الذي حققته المقاومة الجنوبية والتي قلنا إنها قد تطيح بهذا الانتصار ما لم يسور بانتصارات إضافية جديدة وعميقة ونضيف هنا عدد من المخاطر أهمها:

٤. لقد توقع كثيرون أن المقارمة وبمجرد دحرها للغزاة ستتحول إلى قوة مسيطرة على الساحة، وقد كان بإمكان قادة المقاومة الإقدام على إجراءات عملية فاعلة تجعل من المقاومة أداة قوية مساهمة في صناعة القرار، ومن ثم في تقرير مصير الجنوب، دون أن يستدعي هذا بالضرورة التصادم مع السلطات المحلية التي معظمها من رجال المقاومة أو المتعاونين معها، ومع ذلك فلم يفت الوقت بعد لتشكيل جبهة عريضة من جميع فصائل المقاومة، جبهة تتجاوز المقاومة بها مناكفات السياسيين ومماحكاتهم والإمساك بزمام المبادرة على النحو الذي يلبي تطلعات الشعب الجنوبي في اختيار المستقبل الذي يريده، وبمعنى آخر إن نشأة المقاومة الجنوبية المسلحة والدور الذي لعبته في مواجهة الغزو والعدوان، قد أضاف متغيرا جديدا في المعادلة السياسية الجنوبية، وهذا المتغير يجب أن لا يتوقف عند دحر العدوان وكسر شوكته، بل يجب أن تتحول المقاومة إلى فاعل سياسي ذي رقم غير قايل للتجاوز أو التجاهل

٥. من أهم مخاطر ما بعد الولادة في ما يخص القضية الجنوبية تأتي خطورة غياب التمييز بين مهمات حرب المقاومة ودحر العدوان وبين مهمات استعادة وبناء منظومة الدولة، إن استعادة الدولة وإعادة بنائها تستدعي مستوى من المهارة السياسية والإدارية والفنية (التخصصية)، بمعنى أن الدور العظيم الذي لعبه المقاتلون الأبطال في دحر العدوان وإفشال مخططاته قد يفقد أهميته إن لم يرفد بجيش من المتخصصين الإداريين والقانونيين والسياسيين والاقتصاديين والديبلوماسيين والأطباء والمهندسين والتربويين المهرة الذين سيتولون تثبيت وتنمية منظومة الدولة وتوسيع دائرة الخدمات واستعادة ما دمره الغزاة منذ العام ١٩٩٤م، إن هذه الكفاءات موجودة وهي فوق ما لديها من مؤهلات تمتلك من الروح الوطنية وثقافة الانتماء إلى الجنوب ما يؤهلها للاضطلاع بمهام ترسيخ حضور الدولة وانتقالها إلى معالجة المهمات الخدمية والتنموية والأمنية والدفاعية لكن دورها يتوقف على مدى استيعاب من سيدير دفة السياسة في تحويل هذه الطاقات البشرية الى قوة فعالة في مسيرة البناء والنهوض القادم.

٦. ربما تكون المواجهات العسكرية مع قوات الغزو والعدوان قد توقفت لكن حربا جديدة قد بأت مباشرة بعد اندحار الغزاة، إنها الحرب النفسية والإعلامية، فالعدو الذي يعمل بإمكانيات دولة وخبرة ثلث قرن من الدس وصناعة الوقيعة وزراعة الفتنة، قد جند مئات وربما آلاف الأفراد والمواقع والصفحات والأسماء المستعارة (التي بعضها أسماء جنوبية) للدس والوقيعة بين الجنوبيين ونشر الشائعات واستزراع الضغائن باستدعاء بعض الحساسيات السابقة بين بعض المنااطق والقبائل في الجنوب، حتى يتسنى له ضرب الجنوبيين ببعضهم وإلهاءهم بمعاركهم فيما بينهم بينما يعيد رسم خططة للتعويض عن الهزيمة.

إن هذا النوع من الحرب قد تجاوزه الجنوبيون أثناء معارك المواجهة مع العدو، لكن هذا لا يعني تجاوز ذلك الخطر بل لا بد من حملة توعية لتحصين المواطنين وفي المقدمة قادة المقاومة والقادة المجتمعيون لقطع الطريق على مخطط العدو الساعي لوأد الثورة الجنوبية قبل ترسيخ جذورها على الأرض

وختاما إن الأوطان لا تبنى بدون الإخلاص لمفهوم الانتما والتضحية والإيثار وتسخير المصالح الصغرى للمصلحة الوطنية العليا والكبرى، وهو ما يعني أن الجنوب القادم هو جنوب الجميع وهو لن يكون إلا لكل الجنوبيين ولن يبنى إلا بهم كلهم، ولا يمكن لمنطقة أو قبيلة أو طبقة أو شريحة اجتماعية أن تستمتع بوطن مزدهر وآمن ومتقدم بدون شراكة بقية المناطق والقبائل والطبقات والشرائح الاجتماعية في معركة البناء وفي حصد الثمار والاستفادة منها.

قراءة 2318 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 22 أيلول/سبتمبر 2015 21:23

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة