حزب «أهلاً بالرفاق»

الثلاثاء, 25 آذار/مارس 2014 19:18
قيم الموضوع
(0 أصوات)

«هل فقدت شيئاً» فجأة ظهر رجل ذو بشرة سمراء وأخذ يحدثني عن السبب الذي يجعلني أقف أمام بوابة الحزب الذي ينتمي إليه منذ عشرين عاماً, يعمل الرجل حارساً مزوداً بابتسامة وكلمات - وحين وصلت لم يكن في الغرفة الخشبية المطلية باللون الأخضر والنجمة الحمراء المتواجدة خارج المبنى أحد غير كرسيين وعلبة سجائر من تلك التى يحرص على اقتنائها ذوو الشوارب الكثيفة والنظرات الثابتة أو هكذا رافقتني صورة مرسومة في طفولتي للأشخاص الذين كنت نادراً ما ألتقي بهم.

قدم الصوت الذي خاطبني من غرفة أخرى بالداخل ممتلئة بالحضور الذين يمكن معرفة تعدد مناطق قدومهم من وضوح الملامح، عاد الى مجلسه بعد أن رأى يد الزميل فؤاد الربادي تمتد لمصافحتي وحتى يوضح قال: «استغربت من وقوفك الطويل أمام الباب».

نادراً ما يمكن رؤية هذا الباب مغلقاً وها هو مفتوح رغم ان المساء بدأ يقترب «ليس لدى الحزب الاشتراكي ما يخفيه» قال الربادي العبارة بصورة متفرقة.

يقف مبنى الحزب كغريب في منطقة لم تدافع عنه يوم تمت مهاجمته في العام 1994 قبيل اندلاع الحرب وبعد ذلك بسنوات كانت حادثة الاقتحام تتردد بين السكان القريبين الذين ساهموا في مداهمة مقرات تابعة للاشتراكي بحثاً عن شيء يغنموه عن حزب كان في عامه الثالث في صنعاء التى رحبت به عقب إعلان الوحدة في الثاني والعشرين من مايو.

يبدو أن الحزب أراد تجاوز تلك المحنة ولكنه يظهر عاجزاً عن نسيان مصيبة أخرى ألمت به في العام 2002 يوم قتل أمينه العام المساعد الشهيد جارالله عمر وهو يتحدث عن السلام وتزين صوره جدران المقر الى جانب عبارات تجعل حضوره أبهى – في الأعلى يرفرف علم اليمن على مسافة قصيرة من علم الحزب الذي تتوسطه نجمة حمراء كانت مصدراً للكثير من الهجمات، وكثيراً ما أصغيت إلى تحذيرات من متشددين يتحدثون عن النجمة الحمراء وكأنها أداة من أدوات القتل بينما لم تكن غير رمز سياسي لحزب انطلق من الجبهة القومية التي ناهضت الاستعمار البريطاني في عدن وورث عن الإنجليز الحكم وتعقيداته وواجه الكثير من الامتحانات الصعبة التى كادت تؤدي به إلى فصل النهاية.

تتمسك ذرات الغبار بجدران المبنى مغطية على جمال هندسي وتخلق شعوراً قوياً لدى من يشاهدها أنه ومهما طمر هذا الحزب القادم من أفكار اقتصادية واجتماعية نمت ثم ازدهرت ثم قهرت لكنها لا تموت كما يقول أحد أهم مفكريه «كارل ماركس».

«كنت اتمنى أن تأتي أثناء اجتماعات الحزب كي تخرج بصورة كاملة، أما الآن فحضور الأعضاء طوعي» قال فؤاد الربادي المحرر في صحيفة الثوري الناطقة باسم الحزب وهو يسير في ممر متصل بالغرف المخصصة للأعمال التنظيمية.

«أهلاً يارفيق» سمعته همساً أولاً ممن عرفت فيما بعد أنه أسعد عمر وهو من الكوادر النشيطة- نظمت تسمية (رفيق) العلاقة بين الاعضاء لعقود ماضية وكانت تكتسب قوة وأحياناً ضعفاً حسب الوجود الميداني للحزب لكنها تحمل معنى عميقاً، فالرفيق يعني أن الاثنين في سفر وأن كلاً منهما رفيق للآخر يحمل عنه اتعاب الرحيل المتواصل ويخفف عنه طول الطريق.

يتوالى قدوم الأعضاء تدريجياً ويجلسون في أماكن متباعدة نظراً لكبر مساحة المجلس الخاص بالمقيل أحدهم من الدائرة التنظيمية والآخر من تكتل جديد داخل الحزب اسمه اتحاد الشباب الاشتراكي وفور جلوسه أخرج من كيس صغير صحيفة خاصة بالاتحاد متواضعة بالشكل والتصميم والألوان مع أنه كتب عليها للتواصل مع المجلة. لقد ذكرني مقاسها وطريقة توزيعها بتلك الأوراق التى كان يخبئها الاشتراكيون في منطقتي القريبة من تعز وهم يواجهون حروباً مختلفة سبقت وأعقبت الوحدة – اعتمد الحزب على توزيع المنشورات منذ كان يقود حرباً على الاستعمار البريطاني ووصل عبرها إلى مختلف المناطق والقلوب وكان عدد من أعضائه يتولون مهمة التوزيع السري، كما عاشت كتب مفكري الحزب ظروف المنشورات وتعاملت معها جهات دينية وسياسية كخطر لا بد من مواجهته «هذه الكتب لها وقع السحر على الجسد» كما اختصر أحد الخطباء الدينيين الخطر وهو يتحدث إلى المصلين قبل عقدين تقريباً – تبين فيما بعد أن ما يحذرون منه ما هو إلا كتب تدعو إلى المساواة وتنظم العلاقة بين الدولة والرعية وتنظم الاقتصاد وفقاً لنظريات تحتمل الصواب والخطأ.

نحو الجدل

خلافاً لكثير من الأحزاب أخذ الحديث السياسي يدور واتجه النقـاش نحو الجدل بين الحضور الصغير، كان أسعد متمسكا برأيه بأن الحزب مطالب بتوضيح وجهة نظره لكل الأعضاء حول قضية الأقاليم حيث كانت رؤية الحزب لصالح إقليمين أحدهما في الشمال والآخر في الجنوب وهو ما اصطدم مع وجهات النظر المنادية بستة أقاليم والتي تم اعتمادها، ووفقاً لأسعد فإن الحزب كان معنياً بنشر وجهة نظره وتوضيحها لقواعده الشعبية وسـرد الحيثيات والمبررات حتى يشكلوا أداة ضغط قوية ومؤثرة وهو خلاف ما يقوله العضو الآخر الذي يعتقد أن وجهة النظر وصلت إلى الجميع وأن وسائل إعلام الحزب قد أوصلتها وأن المقابلات المتلفزة لأعضاء في القيادة قد أدت دورها.

دخلت مواضيع أخرى حيز النقـــاش بين الحاضرين الذين اكتفى بعضهم بالاستماع والنظر حيث المتحدث وقد غلب على النقاش الرغبة في إيجاد آليات عمل للحزب أكثر وضوحاً وحرصاً على خلق وجه جديد للعمل السياسي داخل الحزب وخارجه.

والمتتبع لسيرة الاشتراكي يلحظ التغيير الكبير في طريقة العمل والعلاقات مع الآخرين، فقد اكتسب مهارة التعامل كحاكم من خلال تجربة امتدت لعقود في ما كان يعرف بالشطر الجنوبي وقد اكتسب فن التعامل مع السلطة لكنه كان مقيداً بالنظام الاشتراكي الذي يحتضر حينها في عدد من البلدان خاصة الاتحاد السوفيتي الأب كان الأكبر للاشتراكية ذات الكلفة العالية في إدارة شؤون دولة لا يجيد مواطنوها شيئاً أكثر من الانتظار لعطاء الحكومة المطالبة بتوفير حياة أفضل – وللحزب تجربة في المعارضة تقترب زمنيا من مدة وجوده في السلطة لكنه كمعارض أصبح يراهن على قاعدته الشعبية التي لا يمتلك سواها وتكلفه مواقفه التنازل عن كتل كبيرة منها وإن كان يريد وضع حلول لمشاكل مصيرية.

يعمل الحزب الاشتراكي ضمن إطار اللقاء المشترك مع احتفاظه بحرية التفكير الانفرادي حيث يخرج في أحيان كثيرة برأي مخالف للقاء المشترك لكنه يحرص على أن يبقى السقف قائما وإن تصدع.

فيما يتعلق بغير الاشتراكيين وآرائهم حول الحزب فلا توجد نبرة عداء لدى الأغلبية ويكتسب الحزب سمعة جيدة رغم أن عدداً من قياداته السابقة قد تنحت عن أهداف الحزب السامية وأصبحت ترعى مصالح شخصية ضيقة لا تتناسب مع الأفق الواسع للحزب.

قراءة 1459 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة