أخـــر الأخبــــار

 

تلمس طريق الاشتراكي في النضال (1)

الإثنين, 23 تشرين2/نوفمبر 2015 19:05 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

لن نسمح بتجاوز الديمقراطية وكل تضحياتنا..

 ربما في احدى ايام فبراير من العام الماضي، (لا أتذكر على وجه التحديد)، كان أحد الأصدقاء قد عاد من مديرية النادرة في محافظة إب، حيث كان في زيارتها لأربعة ايام ضمن وفد حقوقي في مهمة بدت متأخرة. هذا الصديق كان قد قرأ مقالة لي تعلن عن فشلي طوال عام من البحث عن ايجاد منفذ للشروع في كتابة ادبية قد يحلو لي اعتبارها رواية في النهاية. وهو من الاصدقاء المقربين ويعرف مدى انتقائيتي المضجرة التي ربما كانت بسبب قراءة نظرية كثيفة حول كتابة الرواية.

لقد كنت ابحث عن قصة حقيقية انطلق منها لطالما كان لدي عطب في الخيال الأدبي، ولطالما اعتقدت بأني سأبرع في كتابة الواقع. على اية حال لا يزال الأمر مجرد بحث وفي حال نجح، كنت قد اعلنت انني سأحتاج لسنوات من اجل الشروع في الكتابة.

أخبرني بجذل بأنه قد عثر على قصتي أخيرا، وان ما ينقصني فقط هو الذهاب الى ذلك المكان الذي قدم منه، والاستماع الى نفس الاشخاص الذين استمع إليهم، وسأحصل على قصة "قبول الورد" كاملة. أعرف من قبل انها أحد تلك القصص شديدة المأساوية، والتي لا يعرفها حتى الآن سوى قلة وبقليل من التفاصيل رغم أنها قصة تختصر تاريخ نضالي عاصف، جرت احداثه في مسرح عرف يوما باسم "المناطق الوسطى" ثم ظل تاريخ مجهول كما هو الحال مع قصة "قبول الورد".

 لكننا على بعد اسابيع من الحرب وهذا الصديق يحدثني عن الرواية. ان اعلاني ذاك لم يكن سببه الفشل، ولكن ايضا هو أن لدينا اوقات عصيبة تنتظرنا وعلينا الانصراف لنراقب تحولاتها.

سأفضل الاستماع لتفاصيل قصة "قبول الورد" في وقت لاحق.

 ـ "والآن قولي كيف وجدت الناس هناك؟"

 ـ "الناس هناك هم الناس في كل مكان، ينتظرون الحرب، ويبادلون الاطراف التي تسعى الى اشعالها كل حقدهم وغضبهم". ـ "كيف هي احوالهم المادية؟"

 ـ "لا يزالون يعيشون عقاب جماعي منذ احداث المناطق الوسطى، لم تصل الدولة اليهم بعد، لا توجد مشاريع خدمية، يعيشون حياة زراعية قاسية".

 وبنفس الحس الذي التقط فيه تفاصيل قصة "قبول الورد" التي كدرتني لأيام وتشغلني حتى هذه اللحظة. كان قد التقط من حياة الناس هناك هذا التفصيل:

 ـ "انهم يعيشون لحظات التوجس طوال الوقت، وكأن الحرب التي نشبت ذات يوم، قد جمدت نفسها في حياتهم وإلى الأبد. يتوجسون من كل غريب، ويعودون الى منازلهم مع بدء حلول الظلام ثم لا يغادرونها لأي سبب. رغم التحول الذي احدثته ثورة فبراير على كامل المشهد الوطني، أولئك السكان، من شد ما عانوه، لم يعتقدوا ان الزمن الأسوأ قد غادرهم. لديهم الحدس بأنهم سيعودون مخربين في أية لحظة، ثم أنها تهمة لم تسقط عنهم حتى الآن".

 أعادني هذا الحديث الى تلك الفكرة التي كنت قد قلبتها في راسي طوال ما فكرت بمستقبل الحزب الاشتراكي. ماذا سيحدث لو أن هذا الحزب استطاع لملمة نفسه من جديد والعودة الى ميدان الصراع بنفس جاهزيته القديمة وبكل هذه الامكانيات الجديدة التي مدته بها ثورة فبراير؟ ان حالة الحظر التي عاشها الاشتراكي على مدى سنين قد اسقطتها الثورة وجماهيره التي هبت الى الساحات والميادين من كل صوب، لكن ما الذي ينقصه يا ترى؟

بالتأكيد هناك جملة من العراقيل التي ستعترض محاولة من هذا النوع، غير انها لن تؤثر في عودة الحزب الى سابق عهده، خصوصا تلك العراقيل التي تأتي من خارجه، يستطيع الحزب تجاوزها اذا ما توفرت الارادة والتقدير المناسب لحساسية الظرف الذي يمر به البلد وايضا جسامة الدور التي من المفترض انه سيقوم به. كان الحزب صوت الناس، ويجب ان يظل كذلك ويعمل من أجلهم بل ويكون بمثابة رافعة لكل أحلامهم التي اشهروها في الساحات والميادين متحديين أعتى آلات البطش والقتل. غير أن هناك اشكاليات وعوائق ستبرز من داخل الحزب هذه المرة، هي الآن مطمورة في مكان ما، بسبب ان الظرف ليس مؤاتيا تماما لكي تبرز. ان مغادرة زمن الضعف وظهور معالم التعافي لجديران ببعث كل ما يختبئ تحت الركام، وعلى الاشتراكي ان يكون عند مستوى التحدي لمعالجة الاشكاليات وتجاوز العوائق. أحد تلك المسائل التي لم يتوقف عندها الاشتراكي بمسئولية طوال العقدين الأخيرين، هي قضية الناس ومظالمهم في المناطق الوسطى جراء الحروب التي عاشتها هذه المناطق ايام الجبهة الوطنية. ملف الجبهة ملف ثقيل ومرهق ويحتاج لحنكة لمواجهته والنضال من أجل اجبار الدولة على معالجته. وحتى الآن يشعر الناس بخيبة أمل مريرة غير انهم لم يفقدوا الأمل ولم يفقدوا حقهم لمجرد ان الظروف لم تسمح بإعادتها. قتلوا، شردوا، عذبوا، طوردوا، فصلوا من وظائفهم، وصمّوا كمخربين، واشعل جنود ومرتزقة محمد خميس وعلي صالح النار في جسد قبول الورد وابنتها الحامل أمام مرأ ومسمع كل اهالي القرية والقرى المجاورة. يعرف الجميع ان تهمة ملفقة قد الصقت بقبول، لكن سيطرة القوات المناوئة للجبهة على المنطقة جعلتهم غير قادرين على قول الحقيقة، ثم اجبروا جميعا على حضور مهرجان الحرق، لأن من يتخلف سيحرق هو ايضا، ومن سيبكي أو سيصرخ سيحرق. اعترضت ابنتها الشابة عندما ركت احد الجنود فألقي بها الى وسط النار وشاهد الجميع طفلها الذي لم يولد بعد وهو يخرج من بطن امه ويحترق. لقد حكم الضليمي (وهو الرجل الذي يتعامل مع خميس وصالح مباشرة ويرسل لهم برؤوس قادة الجبهة واعضائها) على أخت قبول الورد ان تعد الغداء للجنود الذين سيقومون بالحرق، والقدوم به من قرية بعيدة، ولولا اخفاء النساء لتلك الفتاة التي هالها المشهد ولم تستطع لجم صوتها، لكانت قد حرقت ايضا. تلك الفتاة كانت في سطح منزل الضليمي الى جوار اخريات. كان هناك طفل ربما هو ابن قبول الاصغر، لم يتجاوز الثامنة، من هول ما شاهد، سقط مغميا عليه والدم ينزف من أنفه، حملوه الجنود وألقوا به في النار ايضا.

 لو أنني ارغب حقا في رواية قصة حقيقية، فإن مأساة "قبول الورد" لن تكون تلك القصة، فهي تحتاج لجسارة لا أمتلكها ولن امتلكها. عندما غادرني ذلك الصديق عدت الى فراشي باكيا وغير مصدق ان البشرية قد وصلت الى هذا الحد من الوحشية. لكن قبل ذلك سألته:

 ـ "ماذا يقول النا

قراءة 1528 مرات آخر تعديل على الإثنين, 23 تشرين2/نوفمبر 2015 19:39

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة