أخـــر الأخبــــار

 

تلمس طريق الاشتراكي في النضال (2 - 5)

السبت, 28 تشرين2/نوفمبر 2015 20:02 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

"ان كل سياسات اليسار معتمدة على الجماهير، وعلى وعيها بها، فإذا ما أختل هذا الوعي فسيفقد اليسار جذوره وسينهار على الرغم من أن اليسار كما هو الشأن في البرازيل يظل يوهم نفسه بأنه يستطيع تحقيق الثورة عن طريق العودة السريعة إلى الحكم". (فرانسيسكو ويفرت. من كتاب " تعليم المقهوين" لـ باولو فرايري.) ونحن نتلمس طريق الحزب الاشتراكي اليمني في النضال، نستطيع أن نقول، أن هذا الحزب واحد من أكثر الأحزاب اليسارية تجذرا في الوجدان الشعبي، ان لم يكن الأكثر على الاطلاق مقارنة بالأحزاب التي تحمل ذات التواجه في كل الاقطار العربية الأخرى.

بالطبع هناك اسباب كثيرة لهذا التجذر، منها أنه حزب ولد من رحم النضال، وعركته تجارب عاصفة تطور في اثناءها. ان النواة الأولى للاشتراكي هي من قادت الثورة في الجنوب، ثم تكاملت مع نوات اخرى وطنية وانتجت حزب سياسي استطاع ان يحكم دولة عبرت على نحو جلي عن طموحات الجماهير الواسعة. كان المشروع الوطني والانساني الذي حملته تلك الفكرة، أن أصبح مركز جاذبية لكل التطلعات الأخرى، ومن ذلك كله أنبثق الاشتراكي ليعيش ويستمر من أجل الناس وبهم. في مراحل لاحقة وربما ظروف مختلفة كان التجذر الشعبي للاشتراكي كفيلا في عدم تواجد أكثر من فصيل يساري في اليمن، على عكس ما حدث ويحدث في عدد من الدول العربية، واذا كان لهذه الصلابة ما يعززها، فهو اداء الاشتراكي الذي ظل يتمحور في صلب القضية الوطنية، رغم اختلاف الظروف، ظل قريبا من هموم الناس وتطلعاتهم، وحمل قضاياهم بحسب الامكانيات التي أتيحت أمامه أو تلك التي ظفر بها.

في فترات مظلمة، كان من غير المستبعد ان نجد الاشتراكي اليمني وقد تحول الى حزب نخبوي، لكن جماهيره الواسعة، كانت هي من تبادر في أوقات الشدة، لتمنع هوة كبيرة من التشكل وما سيلحق ذلك من فصل القمة عن القاعدة. اذا كان الاشتراكي يدين لأحد لأنه صمد طوال هذه الفترة وبقى رقما صعبا، فإنه يدين لجماهيره في المقام الأول، يدين لذلك التجذر الشعبي الذي تحدثنا عنه. رغم التخلف الثقافي الذي تعيشه بلادنا، ورغم التحولات السريعة والمتلاحقة، كل ذلك لم يمنع جماهير الاشتراكي من تمييز ملامح الصراع لتتواجد دائما في الميدان الصحيح. ربما كان نظام الاستبداد قد استطاع ان ينال من الحزب كمؤسسة ليضعفها أشد الضعف، غير ان الدور الذي كانت تضطلع به الجماهير ما بين وقت وآخر، هو من حفظ لنا هذا البيت النضالي الذي لا يكفي أننا نمتدحه الآن ونفخر به دائما. لأن ثمة عمل مهم علينا القيام به.

نعرف جميعا الوضع الذي يعيشه الحزب اليوم كمؤسسة، بالطبع لم يختلف كثيرا عن السنوات السابقة او تلك التي سبقت اندلاع ثورة فبراير، لكن هذا لم يعد مرضيا، خصوصا اذا ما عرفنا بأن هناك حجاب سميك آخذ في التشكل ويغطي تلك المساحة التي تصل بين القمة والقاعدة، بين الجماهير الواسعة والقرار الحزبي. حتى وقت قريب كان القرار الحزبي مواكبا لحركة الجماهير وان اختلفت ادوات كل منهما، وهذه المواكبة كانت تعني ان القيادة الحزبية تسترشد بالنضال اليومي لأعضائها الذين بدورهم لا ينتظرون توجيهات رسمية لكي يميزوا خط الحزب العام. هذا هو السبب في ان النظام الحاكم كان يكتشف في كل مرة أنه قد فشل في اضعاف الاشتراكي أو التقليل من شأنه.

حركة جماهير الاشتراكي ليست بمعزل عن الحركة العامة للشارع كما اثبتت لنا ثورة فبراير، مع التمييز بين حجم الاندفاع بالنسبة لجماهير لديها وفرة من الثقافة الثورية كما وفرة من الألم والمعاناة، وبين جماهير أخرى واسعة ايضا لكنها فقط تحمل تلك الرغبة الجامحة في الخلاص وتجهل بقية التفاصيل تقريبا. هناك ظروف استثنائية وشديدة الحساسية، هذه الظروف تتكرر ما بين وقت وآخر، لتحمل لنا ذلك الانسداد في الأفق السياسي، وما يشبه الصدمة في حركة الجماهير بحيث تصبح غير قادرة على التعبير عن نفسها أو على مد القوى السياسية بخيوط يمكن تبينها. عندما دخل الحوثيين صنعاء في 21 سبتمبر، كان آخر مشهد علق في ذاكرة الصدمة هو ذلك المشهد الذي يجمع قادة سياسيون وحكوميون يتقدمهم رئيس الجمهورية وقد آخذ يوقع على وثيقة سميت يومها بـ"اتفاق السلم والشراكة" ثم ساد جمود قاتل إلا من تحركات مقلقة للفاتحين الجدد أو لنطلق عليهم من ذلك التاريخ اسم "المحاربين القتلة". في الأوقات الحساسة، وهي نفس هذه التي تعيشها صنعاء اليوم في ظل القبضة الأمنية للمليشيا، في هذه الأثناء يكون تعبير من قبيل ما ردده طلاب مدرسة الكويت قبل ايام في وجه الحاكم الحوثي، هو فعل جريء ويحمل في تعبيراته ثورة، يفتح نافذة واسعة ليتسلل الضوء منها رغم انه يمكن النظر لنفس الحدث في أوقات أخرى على انه حدث بسيط.

من اين يستمد فعل بسيط عظمته اذن؟ يستمدها من كونه استطاع التعبير عن غضب وتمرد يغلي في نفوس الغالبية وانسداد بالغ في الأفق السياسي، ولم يعد هناك من يجد متنفس ليعبر من خلاله عن كل ما يعتمل في داخله. ومن هذا الحدث البسيط يصبح لدينا طريق يمكننا تلمسه وتبين منعطافاته كل يوم ومراكمة ذلك لينتج لنا عمل كبير في المدى القريب. انه عمل بسيط لكنه في جوهره يقدم لنا تلك الفرصة الكاملة للمضي قدما، وبالنسبة لأي قوى سياسية لا تزال تطمح للبقاء على قيد الحياة هو يوفر لها ايضا فرصة اعظم. هكذا كان "ايلول الأسود" المانشيت الذي حمله عدد صحيفة "الثوري" بعد اربع ايام من دخول الحوثيين العاصمة صنعاء في سبتمبر من العام الماضي. كان ذلك بمثابة تدشين لمرحلة نضالية عصيبة آخذ شباب الاشتراكي وطلابه يعبدون طريقها.

لقد عودتنا جماهير الاشتراكي على المبادرة في أول فرصة تتبين فيه الممكن، وعودتنا قيادة الحزب أن تكون عند مستوى الحدث الآن ومن هنا وليس في عالم طوباوي من الأوهام والتخيلات. في تلك الفترة، ولأن قيادة الحزب لم تتجاوب مع حركة الشارع، كان يمكن اتهام شباب الاشتراكي المندفعين بأنهم يعملون لصالح اطراف يستهدفها الوضع الجديد وليس لصالح ما يؤمنون به. حسنا من كتب التقرير الذي حمل عنوان "ايلول الأسود" هو خالد عبدالهادي ذلك الشاب الاشتراكي والصحفي الجريء، وهو نفسه من كتب قبل ذلك بأشهر افتتاحية صحيفة الثوري التي هلل لها الانقلابين ورواد الثورة المضادة، في تلك المرة  كان قلم خالد يستهدف خصومهم وكانت أن اصبحت بعض عباراته المقتبسة بمثابة ايقونات تتحدث عن "عويل المهزوم الذي عاد من معركة خاسرة".

هل يحق لنا اعتبار شباب الاشتراكيين الذين احتفلوا بعيد 26 سبتمبر في الشارع العام وقد أوشك على أن يمر كذكرى مغدورة، هل يصح اعتبارهم واقفين في صف الاصلاح؟ في ذلك الوقت ولأشهر قادمة لم يشارك اصلاحي واحد في الفعاليات التي تعرض فيها شباب الاشتراكي للضرب والاعتقال، وهذا ليس موضوعنا على أية حال. موضوعنا هو كيف أن قيادة الاشتراكي وقد فشلت في توصيف الحالة الجديدة وهي التي كانت تبرع في هذا الميدان في أسوأ الظروف، كيف ان هذا الفشل لم يساعدها على تلمس درب النضال القادم، وفي نهاية هذا كله هي ايضا لم تسترشد بحركة جماهير الحزب وتختط لنفسها درب نضالي واضح يوازي ذلك الزخم. ليس هذا فقط، بل أن الاشتراكي أظهر وكأنه لا يعرف حقيقة هذا الذي يحدث، هل هو انقلاب أم ثورة مضادة، أم أوهام تاريخية تريد أن تعيد تمثيلية مكلفة على مسرح حياة اليمنيين؟ تقول ادبيات الاشتراكي أنه من المهم دائما تقديم تحليل دقيق للحالة العامة، وبناء التحركات السياسية انطلاقا من ذلك.  للأسف هذا بالضبط هو الذي لم يحدث حتى الآن، لهذا ربما علينا أن نتحدث في حلقات قادمة عن أشياء من قبيل (القوى الثالثة)

قراءة 1651 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة