بعيدا عن القيادة.. قريبا من المشروع.. لماذا التعويل الان على الاشتراكي؟

الجمعة, 28 آذار/مارس 2014 22:26
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

لا يستطيع كائناً من كان القول بغير ان الحزب الاشتراكي اليمني (اكتوبر1978 ـ        ) ابناً طبيعياَ للحركة الوطنية اليمنية، وقد لعبت الكثير من الظروف الداخلية والخارجية ليتحول الى حزب قائد التحم بدولة لم تكن رقما سهلاً في محيطها الاقليمي على مدى عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، مستفيدة من لعبة  الحرب الباردة ، وتوازنات  الرعب للقطبين.

الروافد التأسيسية للحزب الاشتراكي اليمني لم تكن  يسارية صرفة، بل وكانت ايضاً قومية شديدة الخصوصية اجرت الفصائل القومية الي انضوت تحت مشروعه الوطني على تجاربها النظرية الكثير من المراجعات لتتماهى مع الخطاب اليساري الجاذب ايديولوجياً التي حاولت الحركات السياسية الحديثة في الوطن العربي ومنها اليمن الاحتماء به بعد الانهدام الكبير للحلم العربي  بعد نكسة يونيو 1967.

خليط هذه التوجهات السياسية التي التحمت بالمشروع الوطني الذي استقى مفاعيله الاولى من حركة الاحرار اليمنيين ونضالاتها الشاقة  التي افضت الى مشروع سبتمبر1962  ولحظة اكتوبر 1963 اللذان حملا حلم اليمنيين شمالاً وجنوباً  على جناح الرغبة في اعادة انتاج دولة حديثة خارج سياق مظلومية المقدس والارث التاريخيين تطابقت ربما مع الرغبة الجامحة  عند قادة الدولة في الجنوب (بمثالتيهم ) الثورية ورومنسيتهم الايديولوجية   في انتاج الانموذج السياسي المغاير في المنطقة ، والتي جعلت الجميع   يتبارون على اكثر من قاعدة لم تخل من لعب الدم و الازاحات القاتلة للشركاء والرفاق في سبيل انتاج  دولة قوية وحالة  مغايرة في بنية شديدة التعقيد لهذا كانت دولة (جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية) التي تحولت على مدى عقدين الى حضن جامع لكل مواطنيها وفي سبيل ذلك  سهرت على رعايتهم وتيسير وتسيير نشاطهم وحياتهم البسيطة (في التعليم والتطبيب والتوظيف)ولم تبخل عن فتح فضاءات بناء احلام مجتمع العدالة الاجتماعية، غير ان هذا التحقين الجاذب لم يخل هو الاخر من خضات  دموية عديدة وضخ امني مرعب في حياة الكثيرين.

لهذا لم تكن احداث يناير  1986 الا تتويجاً لمحطات التنازع على السلطة بين رؤوس متعددة ، بمحمولات لم تخل هي الاخرى من (مناطقية) احيانا اعادت التذكير بالبنية العميقة للمجتمع القبلي المعقد الذي حاول المنظرون الأيديولوجيون في الحزب القفز عليه قسراً ، لهذا كانت الاحداث هذه هي  الاكثر ايلاماً وايذاء لروح الحزب ، اذ شكلت المنعرج الاخطر في البنية التنظيمية والشرخ النفسي الكبير في المجتمع ،ومع ذلك ظل الحزب  يمثل للقوى الجديدة و للكثير من اليمنيين في الشمال والجنوب الملاذ الاخير للحلم الذي بدأ يتآكل بفعل تماسك القوى التقليدية المتربصة بحوامل التغيير في الشمال والجنوب ، وان دخول الحزب  في الوحدة الاندماجية في مايو تسعين تحت ضغط  الظروف العاصفة التي اجتاحت العالم بعد سقوط جدار برلين وبداية التجلي للقطبية الواحدة ورواج مقولات نهاية التأريخ والايديولوجيا ،لم يكن في سياقه الاوحد هروبا للأمام كما تحاول قراءات الخصومة الاعتداد بسلاحها السهل ،وانما بتلك المسحة الثورية الرومانسية والعاطفية المنغرسة في ذهنية قادته واعضائه معاً التي ارتأت في الوحدة هدفا استراتيجيا وطنياً متوجب التحقيق كما جاء في شعار الحزب المركزي طيلة عقدين (لنناضل من اجل أهداف الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية)،ولان الشارع برمته عول على الحزب اعادة انتاج اللحظة التاريخية المختلفة في الدولة الجديدة، بدلا عن القوى الظلامية التي ناصبت الوحدة ومشروع دولتها العداء من اللحظة الاولى عمدت هذه القوى بتطييفها الواسع (قبلي/ديني/ عسكري)الى نصب عشرات الكمائن للحزب بهدف تشتيته لتصل الى تصفية كوادره العسكرية والامنية والسياسية قبل جره الى مستنقع حرب صيف 94 التي خاضتها قلة قليلة من قواته دفاعاً عن الجنوب من الاستباحة. الوسائل القذرة التي اتبعها خصوم الاشتراكي على مدى عقود في التشويه والتدمير لم تكن بسيطة وعابرة ،كانت ممنهجة وعنيفة واكثرها عمقاً تلك التي رافقت حرب صيف اربعة وتسعين وما بعدها التي وصلت الى مصادرة مقراته وممتلكاته وافراغه من كوادره ومع كل ذلك استطاع الحزب الصمود وانجز مراجعات ذاتية لتجربته في منتهى القسوة والشجاعة ابتداء من العام 1987 لم تنجزها غيره من الاحزاب .

مراجعات اوصلته الى ان يكون حزباً مؤثراً في المعارضة غير مسنود بمليشيات واذرع امنية وعسكرية (بعد ان كان السلطة كلها او مشاركاً فيها فعلا بعد بين مايو 90 ويوليو 94)،مراجعات سياسية مهمة قادته الى ان يكون ضمن معادلة المعارضة بالتشارك مع خصوم سياسيين شكلوا لسنوات طويلة شوكة الايذاء الخرافية لمشروعه السياسي والاجتماعي(على نحو حزب التجمع اليمني للإصلاح) ،لأنه ببساطة غدا حزب سياسي يؤمن بالتحالفات السياسية التي من شأنها اثراء التجربة الديمقراطية مادام الجميع يؤمنون بالتغيير السلمي .

 حزب مثل هذا خرج من اقسى الظروف والمنعطفات متماسكاً يحمل على كتفه المشروع الوطني ويحضر في كل شير من تراب الجغرافيا في اليمن لابد ان نعول عليه كثيرا ليكون احد عوامل الانتقال بحلم اليمنيين الى فضاء التعايش والاستقرار.

الملاحظات القاسية التي قيلت وتقال في خطابه وفي اداء قيادته التنظيمية والسياسية من اقرب حلفائه واحياناً من كوادره(ومن موقع الحرص والخوف عليه اصلاً)  لا تقلل من اهمية مشروع الحزب والرهان عليه ليكون قائدا للمرحلة عوضاً عن صوت الموت الذي تسوقه القوى التقليدية المحافظة التي تتقاتل بنا في الشمال والجنوب

فالحزب الاشتراكي ليس هو القيادات الصنمية المتكلسة في مكتبه السياسي وامانته العامة التي اضعفت دور الحزب وقتلت صوته الرائد في اكثر المحطات حسماً  خلال الاعوام الثلاثة المنفرطة وجعلت من حضوره تابعا ذليلاً لمشاريع الابتلاع الرخيصة ،لتعيد التذكير بتلك الغلطة القاتلة حين ارتضت الذهاب الى التقاسم مطلع الوحدة بذلك الهلع المريب.

الحزب الاشتراكي ليس هو القيادة التي تتوزع ادوار التفتيت الثلاثة ( اما مع الاصلاح او الحوثيين او مع الصوت الضاج في الحراك) .

الحزب الاشتراكي سيظل هو تلك القيمة الوطنية المتجذرة في المشروع الوطني وفي شبابه غير الملوثين المتخففين من الخصومات والثارات السياسية التي استغرقت الكثير من قياداته على مدى عقود.

الحزب الذي عركته التجارب القاسية وتوعك طويلاً لكنه لم يمت تماماً في حياة اليمنيين .

قراءة 1464 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة