دائما الأمر يتعلق بالسلطة

السبت, 14 أيار 2016 09:46 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

إلى أولئك الذين أصبحوا يقارنون بين عدن المدنية التي تطرد البسطاء وصنعاء القبلية التي قبلت بالجميع، دون أن يتفحصوا المنطلقات والأسباب: لا ارغب في تذكيركم بتلك الدعوة التي أطلقها مثقفين وكتاب حوثيين بطرد أصحاب تعز من صنعاء لمجرد أن قوات الحوثي وصالح هزمت في بعض أحياء مدينة تعز. لكن دعوني أخبركم عن شيء حدث لي، وهو أيضا من تلك الأشياء التي لن يرغب المرء في الحديث أو الكتابة عنها، لكنكم ترغموني على ذلك لطالما أصبحتم بارعين في التعمية على وعي البسطاء.

طبعا من المهم التنبيه إلى أنني هنا لا ابرر ما حدث في عدن من طرد وتهجير للبسطاء، ولا أدافع عمن قاموا بذلك الفعل المدان بكونه فعل لا انساني. ولمزيد من التأكيد على هذه النقطة، فإن الإجراءات التي قامت به السلطات السعودية قبل أعوام واستهدفت العمالة الأجنبية، رغم أنها إجراءات قانونية، إلا أن رفضها وادانتها كان واسعا. الأمر عند هذه النقطة لا يتعلق بقانونية الفعل والحق في اتخاذه، الأمر يتعلق بكونه ينال من حق الناس في الحياة. بالطبع انفصال الجنوب حق مشروع، لكن تعمد اهانة وإذلال أولئك الذين ليسوا بجنوبيين جريمة.

والآن لنعد لتلك الحكاية التي فضلت عدم نشرها.

بعد ثلاث أيام من بدء عاصفة الحزم في أواخر مارس من العام الماضي، آخذت تاكس من سعوان في صنعاء إلى الصافية.

صاحب التكس، يبدو رجلا مخلقا، ولهجته أغرتني في نقاشه حول السياسة والأحداث الأخيرة رغم أن الأمر ينطوي على مجازفة.

سألته من أين أنت؟ طبعا سألته بسبب لهجته. قال من عمران. من حرف سفيان. لم يسألني لأنه عرف من كلامي أنني من تعز.

قلت له كيف الشغل هذي الأيام، شكلكم أصحاب التكسيات تضررتم من الحرب؟

قال بأنه لا يعتمد على التاكس، لأنه عسكري مرتين، أي لديه راتبين، لكنها لا تغطي مصاريف البيت في القرية فلديه خمسة أخوة بلا عمل، ولهذا يضطر للعمل في التاكسي حتى يغطي بقية المصاريف. كان يتحدث عن العمارات وكيف نجح الكثيرين في بناء العمارات بينما هو يطارد لقمة العيش.

لم أعد أتذكر كيف دخلنا للنقاش في السياسة، لكنه قال أنهم ثاروا في عمران ضد بيت الأحمر الذين نهبوا كل شيء، وبأنه يفترض أن نعطي الحوثيين فرصة ليحكموا طالما وانهم يقولوا بأنهم يناهضوا الفساد.

طبعا لم يكن متحمسا للحوثي بذلك القدر الذي قد يجعلني حذرا مثلا، إلى جانب أنه شخص اربعيني بطريقة كلام محببة ويتحدث بهدوء مغري.

قلت له اذا أراد الحوثي ان يحكم يفترض أن لا يأتي من بوابة السلاح والقوة. وبعدين ايش من ضد فساد وقد تحالف مع راس الفساد علي صالح؟

قال: والله أنهم بيقتلوا علي صالح بس خليهم يتمكنوا سوى لا تستعجلوش يا أصحاب تعز، وبطلوا تؤيدوا السعودية، السعودية هذي قتلت الحمدي وقتلتنا من أول الزمان.

قلت له: شوف نحنا نكره السعودية ونحقد عليها أكثر منكم، لكن الآن عندما تدخلت ضد الحوثي وصالح نحن معها. تدري ليش؟

ـ ليش؟

ـ لأنهم استخفوا باليمنيين ولأنه لا يمكن أن تردعهم إلا قوة أعظم من قوتهم.

 كنت قد وصلت وجهتي، وبينما كنت أخرج له الحساب من جيبي، قال:

شوف والله اذا سقط الحوثي من الحكم بعد التضحيات الكبيرة اللي قدمها، والله إننا بأخذ لي واحد من أصحاب تعز وأذبحه وارجع ارقد لي البيت.

طبعا أنا لم آخذ الأمر بمعنى مناطقي أو طائفي بقدر ما آخذته كتعبير متوقع طالما أن السلطة ستفلت من يد من يعتبرون أنها ملكا لهم، أو أنها استحقاق لطالما شنوا عدد من الحروب وانتصروا فيها.

 الحصول على السلطة أو فقدها، هي من تجعل مثل هذه الممارسات، مثل هذا الخطاب وتلك التعبيرات الأخرى الشبيهة ترسو الى السطح.

 لطالما ظلت السلطة بيد الحوثي وصالح، فليس مهما من الذين يسكنون صنعاء ومن أين ينحدرون. وهنا أذكر البعض بخطاب البراغلة الذي تبناه بلاطجة صالح ضد شباب الثورة في أيامها الأولى لاعتقادهم أن اغلب المتظاهرين الذين يهددون السلطة هم من تعز.

بينما في عدن، هناك سلطة تريد أن تتشكل في الواقع وتواجه صعوبات كثيرة. سلطة فشلت حتى الآن في أن تستقيم على قدميها، لأن الإرهاب وخلايا صالح تقف خلف كل ذلك. طبعا الذين يقومون بالعمليات الإرهابية وخلايا صالح معظمهم من الجنوبيين، لكن القادة في الجنوب يحتاجون إلى وقت كافي للخروج من أوهامهم وإدراك هذه الحقيقة. وفي انتظار ذلك ولمواجهة الفشل في تشكيل سلطة تبدو مستعصية يتوجه الحقد والاحتقان باتجاه الشماليين الذين كان التحريض ضدهم طوال السنوات الماضية قد جعلهم في مركز الاهتمام، خصوصا مع وجود ذلك الحديث الطويل الذي يحمل سلطة صنعاء مسئولية هذا الفشل.

دائما الأمر يتعلق بالسلطة والمصالح، وليس بالجهات والمناطق أو حتى المذاهب. كل تلك الأشياء فقط بقدر ما تكون محفزة، فهي تستخدم لأجل الحصول على السلطة أو للتعبير عن فشل الاحتفاظ بها.

طبعا الآلاف من أبناء تعز يتعرضون للاهانة والمضايقات والاعتقالات شمالا وجنوبا، وقبل ثلاثة أشهر اعتقل 2 من ابناء قريتي في رداع لمدة 15 يوما مع قرابة 140 شخص آخر، لمجرد أن مسلحو النقطة الحوثية عثروا بين أغراضهم على "لحوح وكعك" وأتهموهم بأنهم سيذهبون بتلك الاشياء إلى مقاتلي المقاومة. بينما جلبوا معهم ذلك لكي يستطيعوا أن يظلوا على قيد الحياة لبعض الوقت في حال لم يعثروا على عمل، وهو الأمر المتوقع بسبب الحرب.

أما التفسير لكل هذه الممارسات فلابد أن يعود ويرتبط بالسلطة. وبالثقافة السياسية المشوهة والتي يتم الاعتماد عليها لترتيب أمر هذه السلطة. وهذا ينطبق على الشمال كما ينطبق على الجنوب.

 في الشمال يتعرض أبناء تعز للمضايقات لأن ثورة فبراير انطلقت من تعز، وأطاحت بكرسي صالح. وعندما جاء الحوثي وفر للجنوبيين فرصة ذهبية لاستعادة دولتهم بحسب ما أصبحوا يعتقدون الآن بعد أن تمكنوا من طرد تلك القوات بمساعدة الإمارات، وكانت الدولة ستستعاد لولا دور تعز التي قاومت الحوثي وصالح وأرست معادلة وطنية يصعب تجاوزها.

حتى الحوثي يحقد إزاء هذه النقطة، فهو كان سيقبل في نهاية المطاف أن يحكم الشمال مقابل أن يذهب الجنوب لأصحابه، وفقا لفهمه وتركيبة ذهنيته الطائفية والجهوية لكن تعز وقفت في وجه هذا المشروع.

لمتابعة قناة الاشتراكي نت على التليجرام

اشترك بالضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

قراءة 1796 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة