بدأت تناقضات أنصار الله تظهر وبسرعة شديدة نتيجة التحول السريع في مجرى المشهد السياسي اليمني أولاً، بإسقاط القوى التقليدية القبلية والعسكرية المتحالفة مع الخصم الإيديولوجي للجماعة ( حزب التجمع اليمني للإصلاح ) وثانياً نتيجة سوء الوضع الإقتصادي المتراكم للبلد ، و الذي يتحكم بالمزاج العام للناس و يتحكم بعملية الفرز الإجتماعي ، و أخيراً بسبب تخبط الوعي العام لشرائح المجتمع بذاتهم الطبقية و مصالحهم السياسية و المادية .
تمكن أنصار الله بعد عزلهم السياسي في المبادرة الخليجية ، من توسيع النشاط الإجتماعي و توظيف تناقضات القوى السياسية داخل جهاز الدولة و المبادرة الخليجية المحتكرة للعملية السياسية نفسها وتوظيف الحراك الشعبي لصالح توجه التيار السياسي ما خلق قوة دفع قضت بتغيير موازين القوى كما شاهدنا جميعاً أثناء ثورة 21 من سبتمبر الماضي ، و أيضاً أعادت توزيع التناقضات و جعلت التناقض الرئيسي السابق ( أي تناقض قوى ثورة فبراير 2011 مع منظومة النظام السابق ) تناقضاً فرعياً مغموراً بالتناقض الرئيسي الذي شكلت جماعة أنصار الله فيه طرفاً رئيساً ، ما يعني ان هذا التناقض الرئيسي هو العامل المؤثر على جميع القوى السياسية و الإجتماعية في البلد ، بل أن كل الأحزاب السياسية في اليمن وبدون أي استثناء تتعرض لإنقسامات حادة في بُناها الجماهيرية و الشعبية أشدها ما يتعرض له حزب الأصلاح بشكل رئيسي و حزب المؤتمر أيضاً مع فوارق كبيرة بين القوتين بعد تغير موازين القوى في المشهد .
حزب الإصلاح تفسخ وضعف كمركز قوة مؤثر بعد سقوط أجنحة القوى التقليدية القبلية و العسكرية التي تحكمت بقراره السياسي ، ما يقسم قاعدته الجماهيرية لفصيلين أحدهما تعود على النضال في ساحات الحرية و التغيير كما في ثورة فبراير وهذا الفصيل سينحاز للحياة المدنية ، و فصيل آخر سينحاز للإرهاب بفعل الشحن الطائفي و سقوط القوى التقليدية التي احتضنته ، كرد فعل على ما جرى ، وهذا التيار هو الخطير .
أما المؤتمر الشعبي صاحب القاعدة الجماهيرية العريضة سينقسم بين أنصار الله الذين يرثونه الآن بكل سيئاته الآن إن جاز التعبير و نفسه كمؤتمر شعبي عام .
وهنا تمكن إشكالية عدم وجود شكل معين للأنتماء في حزب المؤتمر الشعبي الغير مؤطر في إيديولوجيا ، فهذه القاعدة ستنقسم إلى تيار تخلص من كل الولائات السابقة يعبر عن إنتمائه للجماعة عبر تبني الإيديولوجيا الدينية ، و تيار آخر سيحافظ على مصالحة ويصنع الخيوط التي تربط بين تيار انصار الله و حزب المؤتمر الشعبي .
و ما يبقى هو تيار أخير لا ينتمي للجماعة و أنما يحافظ على أنتمائه للحزب و هو التيار الأصغر و في نفسه يعاني الحزب من وجود تيارين الأول ليبرالي و الأخر متطرف يقف على رأسه ( علي عبدالله صالح )
إن مشكلة أنصار الله الحالية الآن هي في هذه الإنقسامات التي جرت على أكبر حزبين سياسيين في اليمن ، سواء عبر إنتاج التناقضات و الخصومات أو عبر التشوية الداخلي ، إن إشكال أنقسام المؤتمر الشعبي العام هنا ليس بهذه الخطورة في إطار القاعدة الجماهيرية ، بل تكمن خطورته في إنقسام مشائخ التيار القبلية و القوى النافذة التي ستمارس الفساد و تحافظ على مصالحها الإنتهازية تحت عبائة جماعة أنصار الله التي لم تتمكن من صنع تحالفات سياسية حقيقية حتى الآن مع الكثير من قوى اليسار و التغيير ، بل في الحقيقة تغاضت الجماعة عن صور كثيرة لفساد هؤلاء النافذين الذين أنطوا تحت راية ( السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي ) لمصالح أنتهازية ، وخافت الجماعة من القيام بشيئ بصددها خوفاً على القاعدة الجماهيرية التي اصبحت تحضى بها من قبل هذا الحزب و المرحب بإنخراطها في الجماعة من قيادته السياسية .
بل أنها أصبحت تتحكم بالمزاج العام للجماعة ، وهذا خلط كبير بين التباينات و التناقضات التي حصل عليها تيار أنصار الله من خلط بين الايديولوجيات المتخلفة و منظومات الأفكار و المصالح السياسية و الطبقية .
أنصار الله يريدون أن يلعبوا دور المعارضة ، في حين أصبحوا هم السلطة في أمر واقع على الأرض ووعي جمعي للناس لا يمكن تغييره و هذا غير منطقي ، وهنا حين يغيب المنطق تقع الأخطاء ( إنتهاكات ، تجاوزات ، إحتجاز ،إختطاف ، و قمع لمتظاهرين سلميين ) أي ضرب عنيف في مصفوفات القيم و الأخلاق .
وهذه قله خبرة سياسية و ذهاب للهاوية بوعي كامل و إدراك ، و الحل الآن هو التخلي عن منطق القوة و الغلبة وتحقيق الشراكة الحقيقية، بتحرير الجماعة من شوائب الفساد السابق ، و إعادة صياغة تحالفاتها السياسية لآنها بهكذا عزل سياسي إجتماعي و تحالفات غير واضحة تعمل على تشويهها من الداخل، تثير حفيظه الجميع وتوجسهم ما يسهل تحريضهم على الجماعة التي تسلك مسلك الإصلاح نفسه لا محالة .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.