القاعدة تمظهراتها والإرهاب والتكوين

الجمعة, 06 آذار/مارس 2015 17:39 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

إن إنتاج تنظيم إرهابي كتنظيم القاعدة أو تنظيم داعش، هو في العمق عملية معقدة نسبياً، ترتبط بمصالح قوى دولية إقليمية رأس مالية وأهدافها الإمبريالية، تقوم ببرمجة الإنتاج الاجتماعي لمجموعة مناطق نفوذها الكلونيالي (الاستعماري) الاقتصادي، مستفيدة من الواقع الاجتماعي الرث الذي يحمل في أروقته علاقات إنتاج متخلفة تقوم هذه القوى بالحفاظ على تخلفها، وتستغل خصائصها (العرقية / الدينية / الجغرافية) في هذا السياق عبر أجهزة المخابرات والمال السياسي، فتخلق بيئة مناسبة لعزل جماعة ما عن الآخرين وتُسطح الوعي العام للشريحة المستهدفة بهذا العزل الاجتماعي، فتربط الجماعة بمنهج دموي يعيد برمجة عقلها بعيداً عن كل التطور الاجتماعي الذي مر به الإنسان عبر التاريخ وتعيدها لمراحل ما قبل تكوين الحضارة، مراحل التوحش والسلوك الحيواني، مُحولة هذه الجماعة لمجموعة من المسوخ تقتل كل ما هو جميل، وكل ما هو مختلف عنها، لأنها وفي ذاتها بهذا العزل الاجتماعي فقدت الشعور بنفسها نتيجة غياب الآخر والذي يعني وجوده الشعور بالذات وانعكاسها عليه.

الجماعة المعزولة تعيش في فضاء منفصل على كل الأفكار الانسانية والأخلاقية وتربط القتل بمفاهيمها التاريخية والدينية ومشروع الدولة المشوهة في ذهنها وكذا استقطاب الناس بالجنة والحياة الآخرة، مستثمرة مجمل التناقضات الاجتماعية وتخلف كل مفاصل الحياة وبهذا يكتمل الطور الأول من تكوين هذه التنظيمات.

إن هذه التنظيمات الإرهابية (القاعدة) تحديداً، والتي تمارس العنف بكل وحشية، تقوم بتحويل هذا العنف في مزاجها العام وذهنها لسلوك ولمفهوم ركيز ورئيس في حل تناقضاتها الكثيرة مع المجتمعات التي تزرع فيها، ولأنها معزولة، وفقدت شعورها بذاتها وبالآخر تنفذ عملياتها دون وضع أدنى اعتبار لما قد ينجم عنها من ضحايا من المدنيين والبسطاء في المجتمع رغم اختلافات مكوناتهم الاجتماعية، وهنا هي لا تهتم أبداً بهذا الجانب من الموضوع، ولنا أمثلة كثيرة في اليمن (العرضي، السبعين، التحرير، وكلية الشرطة.... وغيرها).

إن العزل الاجتماعي أولاً، وبقية خصائص التنظيم المختلفة والمرتكزة على أسباب التكوين والمال السياسي والواقع الاجتماعي وتناقضاته في الطور الأول لتكوين جماعة إرهابية... وغيرها من الخصائص، هي ما ترسم شكل التنظيم وأسلوبه في العمل وتحدد مكاسبه بعد كل عملية، ومن الواضح أن التنظيمات المعزولة (القاعدة) على وجه التحديد، لا تحقق تقدماً ميدانياً على الأرض سواء على الصعيد السياسي أو الانتشار الاجتماعي، وهذا يعني أن مكسبها الوحيد هو الخوف، خوف المجتمع وتعطيل الحياة وحالة القلق والتوجس التي يعيشها الناس نتيجة هذه الأعمال الممنهجة، هي إذاً أداة سياسية موظفة تخدم مصالح معينة لأطراف سياسية هي في العادة داخل السلطة وتحرك من قبل قوى عالمية وإقليمية، تستطيع هذه القوى عبرها توظيف هذا الخوف، وهذا الارتباط عميق كون السلطة والقوى العظمى هي المكونات الوحيدة القادرة على استيعاب هذه التناقضات وهي التي تحدد كل علاقات الإنتاج الاجتماعي وكيفية ربطها.

ولأن المكسب الوحيد هو الخوف من أن يتشكل تنظيم القاعدة كخلايا سرية تعمل في الظلام، كانعكاس للخوف نفسه الذي تبثه هي في المجتمع، ولأن ميدانها هو العمل السري والجُنحُ للظلام، هي إذاً تحارب بالطريقة نفسها، إن الحرب مع تنظيم القاعدة هي حرب أمنية في مقامها الأول، وهذا المقام الأول لتبلور تنظيم القاعدة وأيضاً الحل لحربنا معه في اليمن، وكما أفهمه من وجهة نظر شخصية، ثم تصبح الحرب بعدها اقتصادية وفي الأخير فكرية وهذا لإنقاذ المجتمع من السرطان في الطور الثاني لتشكل التنظيمات.

إن الطور الثاني وهو الأخطر نسبياً، هو في إيجاد البيئة الحاضنة اجتماعياً لمثل هذه التنظيمات الإرهابية، وتحويلها لفصيل سياسي أو ديني ومناطقي، ومكون اجتماعي في تركيبة النسيج الكلي للبلد.

وهذا الاختلال سببته السلطة التي تلاعبت بالتنظيم، ووظفته ثم لم تستطع احتواءه على غرار عدم قدرتها على احتواء بقية المكونات الاجتماعية، فالتعقيد الذي يحف التجربة اليمنية، مرتبط بشكل أساس بتنوع أشكال السلطة نفسها، ومراكز قواها، وانقسامها أيضاً، ما أدى لتعدد وتنوع أشكال المعارضة وتلون المجتمع نفسه وانقسامه بفعل السلطة والعملية السياسية في البلد، كما لا نغفل استخدامها للتنظيمات الإرهابية في تصفية حساباتها سواء مع نفسها (كونها سلطة انقسمت)، أو مع فصائل المعارضة المتنوعة، ما أدى لحدوث تنوع وفرز اجتماعي ضخم، وحين أتحدث هنا عن التنوع والفرز لا أقصد بكلامي التنوع الفكري أو المناطقي والسياسي بشكل منفرد بل بشكل متزامن وبخليط لا يفهم لونه بسهولة من الوهلة الأولى.

إن تجربة تنظيم داعش في العراق، شكل صريح لتتطور هذا النوع من التنظيمات وتحولها لفصائل اجتماعية تخضع لعملية الاستقطاب والفرز وهذا خطير، وتنظيم داعش لا يختلف عن القاعدة من حيث الحيثيات التي أدت للتكوين من عملية عزل وارتباط بأجهزة الاستخبارات وضخ المال السياسي، وهذا ما قد ينتج في اليمن بسبب، غياب جهاز الدولة وتفككه، وتداعيات الفرز الاجتماعي الموجود على الأرض، والمُغذى بكم هائل من الشحن الطائفي، والتناقضات الطبقية.

تمظهرات القاعدة فـي اليمن

القاعدة في اليمن تمظهرت بأشكال عدة خلال ما مضى من زمن ظهورها كتنظيم إرهابي عالمي.

أولاً: أداة سياسية وآلة حرب استخدمت في تفتيت الاتحاد السوفيتي فيما مضى وغذيت من قبل منظومة دول الاستكبار وحلفائها النفطيين.

ثانياً: عدو مرن وغير قابل للتحديد بشكل دقيق يُستهدف لتوسيع رقعة التوسع الامبريالي للولايات المتحدة الأمريكية.

ثالثاً: أداة من أدوات الصراع السياسي داخل اليمن بين القوى التقليدية التي تبنت هذا التنظيم، في تصفية الخصوم السياسيين وعمليات الاغتيال المبررة بالإيديولوجيا.

رابعاً: تمثيل صريح لمصالح القوى التقليدية التي حكمت البلاد لما يزيد عن الثلاثة عقود وأداة تخوض معركة هذه القوى من أجل العودة للسلطة مع قوى سياسية واجتماعية قامت بإسقاطها.

حول مفهوم الإرهاب

يجب أن يتم تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية.

ليس هناك حرب على الإرهاب، هناك حرب على تنظيم القاعدة فقط، فالأخير يمثل طرفاً حقيقياً في تفاصيل المعركة والصراع، بينما الأول يمثل تكتيكاً عسكرياً تستخدمهُ الجماعات المستضعفة والأقليات في معركتها مع التكتلات الكبيرة كالدول العظمى على سبيل المثال (أمريكا وغيرها من دول الاستكبار).

فهل بالإمكان خوض معركة حقيقية مع تكتيك عسكري أو سلوك معين؟.

عبر فوهات البنادق والقنابل والرصاص وحتى صواريخ (F 16؟

الإرهاب مصطلح سياسي مرن، يخدم مصلحة لحظية فقط، ويمكن إطلاقه على أي جهة كانت لاستحداث الحرب في حال تغير المشهد السياسي، أو شكل المصلحة اللحظية، قد يطلقونه غداً علينا كشعوب أو تيارات سياسية ومكونات اجتماعية، والإدراك يجب استحضاره هنا.

قراءة 1682 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة