عن عدن (العنقاء) التي ستنهض من تحت الرماد !!

الجمعة, 10 نيسان/أبريل 2015 19:47 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

في العام 2003  ،وقبل عام من وفاته، كنت برفقة الراحل الكبير الاستاذ زين السقاف في مدينة عدن، فقال لي وهو يلخص حديث متشعب وطويل عن المدينة وتاريخها،  ان عدن هي العنقاء(*) الحقيقية ،التي لابد ان تنهض معافاة  بعد كل كارثة.  

اذكر تماماً ان هذا الاستخلاص جاء بعد ان كنا نتناقش  في  حجم التدمير الممنهج لقيم عدن، في التسامح والتعدد والمدنية، والتي بدأت تطال ابناءها والمنتمين اليها، بفعل بذار الكراهية التي بدأت تعرش في النفوس حيال الاخر، بوصفه معتدٍ وغاصب .

مقابل كل ما هو مغلق ومحافظ ومتوحش، في حياة المكان في المناطق اليمنية، كانت  وخلال عقود طويلة  تبرز عدن كقيمة اخرى ،وبوصلة تشير الى حياة المدنية والتعايش، بفعل انفتاحها الطويل على الاخر والعالم، وخصوصياتها الجغرافية كميناء ومنفذ، لم يوصد في وجه  أي راغب بالاقامة فيها، من اجناس واعراق مختلفة، لجأوا اليها هرباً،  اما من الاخطار  التي كانت تحوطهم في بلدانهم الاصلية كأقليات مضطهدة، او في بحثهم عن تحققات  ذاتية في مدينة لم تُشعر أي من حطت قدماه ارضها بأنه غريب فيها .

خلال خمسين عاماً من تاريخها المعاصر، نقل المتصارعون (القبليون) جنونهم ووحشيتهم  وبارودهم  اليها، من اجل تصفية حساباتهم السياسية بحثاً عن سلطة مشتهاة،  وكانوا  يظنون في كل جولة عنف ودم، لابد ان تكون بوابتها السحرية هذه المدينة، التي لم تكن في ذات الوقت  تهب الجميع سوى ممكنات الحياة الجميلة في الطبيعة والفن والمعيش ،ويهبها المتحاربون هي وابناءها الوجه البشع للألم والقسوة والتدمير.

 صراع الاخوة الاعداء ـ الذي جمعهم هدف تحريرها وبقية مناطق الجنوب ـ مثلاً ادى الى نقل (التحريريين والقوميين ) القتال الى مناطقها الهادئة، ابتداء من العام ستة وستين من القرن الماضي ، وقبل عام واحد من استقلال الجنوب، في لهاثهم المسعور للامساك بالسلطة، التي كانت الادارة البريطانية قد قررت فعلا تسليمها لأبناء البلاد، بعد انهائها لمرحلة طويلة من الاحتلال،  امتدت لقرن وثلث من الزمن.

 دورة العنف هذه، سوف تفتح بوابات الاقتتال لكرَات متعاقبة في المدينة، التي تمتلك المفتاح السحري للسلطة بحسابات اطراف الصراع الآتين من خارجها ، ومثَل ضرب القصر الجمهوري في التواهي  في يونيو 1978 لإرغام الرئيس (سالمين) على ترك السلطة، لصالح الجناح المتشدد في قيادة التنظيم السياسي الموحد، اقلاق مريع لسكون المدينة الوادعة. غير ان احداث يناير 1986 ستشكل اللحظة الدموية الاعنف فيها، وستُحدث الهتك القاسي في نسج المجتمع جراء تصارعات  الرفاق على السلطة، التي استوت  على دماء وارواح الضحايا في الشتاء القاسي ذاك.

غير ان اجتياح الجنوب في صيف العام 94 ،من قبل تحالف الحرب (العسكري والقبلي والديني) ،كان الهدف منه الاخضاع الكلي لمناطق الثروة الجديدة ،وكان لابد ان تكون عدن هي الاختزال الواضح لهذا الاخضاع ،ومرموزه التام لأنها ايقونة الجغرافية في الجنوب ،التي ان اُخضعت انكسرت بعدها مناطق الجنوب كلها.

التحالف  ذاته وبعد عقدين وعام، مستبدلاً عنصره الجهادي ( ميليشيا الاصلاح والعائدين من افغانستان)  بعنصر جهادي اخر (ميليشيا الحوثي) بمحمولاته  (المناطائفية) الواضحة، هو الذي  يستبيح عدن الان، محاولا اختطافها مع الجنوب كرهينة، من اجل المقايضة بهما على تسوية  سياسية في اطار اللعبة الاقليمية والدولية، التي استدرجت البلاد الى فضاءاتها بالوكالة . وفي سبيل تحقيق ذلك يعمد (تحالف الحرب) الى التنكيل بسكانها ومحاصرتهم وقتلهم،  والاعتداء على البيوت الآمنة، وقطع الخدمات الضرورية عنها (ماء وكهرباء) بذرائع محاربة التكفيريين والدواعش!!

وحدهم ابناء عدن وشبابها ـ الذي عمد النظام طوال عقدين على استهداف تكوينهم الذهني وتهشيش روح الانتماء المديني بدواخلهم ـ من دافعوا عنها بإمكانياتهم المتواضعة خلال الايام الماضية، ضاربين اروع الامثلة في التضحية والبسالة، اما من دخلوها قبلاً بحجة الدفاع عنها، لم يكونوا اكثر من متفيدين لمخازن الاسلحة في جبل حديد والمعسكرات، مثلهم مثل من يستبيحها الان من قوى تحالف  الحرب الداخلي (الصالحوثي).

انها عدن، العنقاء التي لابد ان تنهض من جديد من تحت رماد الحرائق، التي اراد القتلة على الدوام  وضعها  كمكان وسكان في  مرجلها  المجنون، ليس لسبب سوى حقدهم الاعمى عليها.

(*) العنقاءُ طائر خُرافيّ زعَم القُدماء  أنَّه يُعَمَّر خمسة قرون وبعد أن يحرق نفسه ينبعث من رماده من جديد .

قراءة 2355 مرات آخر تعديل على الأحد, 12 نيسان/أبريل 2015 18:31

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة