ما الذي يمنح مدينة ما سيماء مدينة كوزموبوليتية "قراءة في رواية بخور عدني"

الإثنين, 25 آب/أغسطس 2014 20:14 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

ما الذي يمنح مدينة ما سيماء مدينة كوزموبوليتية؟ هل هو اللغة؟ العرق؟ الدين؟.. الخ أم هو موهبتها في صهر الناس في بوتقة الرغبة في العيش المشترك بحيث تعلو هذه الرغبة على التباينات فيما بينهم والى الحد الذي يصير فيه مألوفا ان يستقي ساكن المدينة صفته من المكان الذي يقيم فيه كأن يوصف ساكن باريس بالباريسي وساكن صنعاء بالصنعائي وساكن عدن بالعدني وهكذا دواليك؟! بطبيعة الحال فإن الخيار الثاني هو الأقرب الى الصواب، على الأقل الى ما قبل العولمة وثورة الاتصالات وهي الحقبة التي في جزء منها تدور احداث الرواية التي بين ايدينا. والحال كذلك، يحق لنا أن نعد مدينة عدن، في حقبتها تلك، أعني حقبتها الاستعمارية، مدينة كوزموبوليتية

ذلك هو الرهان في رواية (بخور عدني) للروائي اليمني علي المقري. ففي روايته هذه التي تعد الرابعة في سلسلة رواياته ينقلنا الروائي صوب وجهة وزمن مختلفين عن الوجهة والزمن في رواياته الثلاث السابقات. والوجهة هي هنا –كما اشرنا سالفا- مدينة عدن ابان الفترة ما بين اربعينيات وستينيات القرن المنصرم. وذلك لكي يحملنا على أن نتلمس معه الخاصية التي لطالما استمدت منها المدينة هويتها المميزة: أقصد كوزوموبوليتتها المتأتية من مكونها السكاني المتنوع عرقيا واجتماعيا وثقافيا والذي دان على الرغم من ذلك بهويته العدنية المشتركة الى المكان، الى الجغرافيا التي تبرز هنا بوصفها المحدد الاساسي لهوية ساكني المدينة (ألم يكن يطلق على كل من يسكن عدن صفة العدني؟!) الذي كد المؤلف في تقديم عينة نوعية لهم تتألف من مزيج من الاشخاص من بينهم من جهة الفرنسي واليمني والهندي والصومالي، ومن جهة أخرى المسلم والمسلم المتصوف والمسلم المتزمت واليهودي والزرادشتي ...الخ والذين حظوا بالفرصة ذاتها في ممارسة معتقداتهم الدينية. كما أن اسماءهم ذاتها، وهي بالمناسبة اسماء قادمة من كل حدب وصوب كميشائل وشمعة وماما والعارف...الخ دلت وعلى نحو غير مباشر على هذا التنوع الذي أشار بدوره إلى كوزموبوليتيةالمدينة التي تظل مع ذلك –الكوزموبوليتية- غير ناجزة وغير مضمونة، بل وأكثر من ذلك مهددة بالصعوبات والعوائق احاقت بها والتي تنبع من طبيعة ذلك العصر الذي زخر، على المستوى الدولي، بتأجج وتنامي الصراعات الإيديولوجية وعلى المستوى القومي والمحلي بصعود حركات التحرر العربية بما فيها حركة التحرر الوطني الرامية الى التحرر من الاستعمار والتي ستلح أكثر ما تلح على يمنية عدن. في هذا المناخ بالذات ستشهد المدينة أولى العمليات الاقصائية الموجهة ضد اليهود بالتزامن مع تهجيرهم الى فلسطين. تلت ذلك مشاهد العداء والاعتداء على الصوماليين المقيمين في المدينة قبل ان تستحوذ عليها مشاهد الكفاح المسلح ضد الانجليز لتنتقل من ثم الممارسة الاقصائية الى داخل المكون الوطني نفسه الذي سيقصي بعضه بعضه الآخر قبل ان يفضي الصراع بين مكوناته المختلفة الى افراغ المدينة من ثراءها البشري والثقافي الذي اتسمت به خلال حقبة الاستعمار.
الأجمل ان علي المقري، اذ يسرد سيرة المدينة خلال أكثر من عقدين تقريبا فاتحا أعيننا على الانكسارات والتهرؤات التي اصابتها في الأثناء، يفعل ذلك دون ان يسقط في المباشرة أو في النزعة التاريخانية وكذلك دون تنازلات عن خصوصية فن الرواية التي يظل الملموس والفردي هو محط اهتمامها الأثير.

قراءة 2562 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة