صنعاء في ذكرى رحيل البردوني تحتشد للموت

  • الاشتراكي نت/ خليل الزكري

الخميس, 28 آب/أغسطس 2014 18:54 كتبه 
قيم الموضوع
(1 تصويت)

 

تصادف اليوم الذكرى الخامسة عشر لرحيل شاعر اليمن الكبير ومفكرها الاستاذ عبد الله البردوني.. والمحزن في الامر إن سلطات الاستبداد والقهر لا تزال حتى اليوم تصادر عدد من نتاج البردوني دواوين شعر ورواية وكتب سياسية وفكرية.. افرجوا عن نتاج البردوني ايها المنافيخ فراغا وزيفا.. واعطوا الرجل حقه.

ما احوجنا اليوم في هذا الزمن الرديء إلى شخصية بحجم البردوني المثقف التنويري والمفكر الفيلسوف الشاعر.. وما احوجنا في هذا الوقت إلى اعادة قرأته.. قراءة منهجية ليست كتلك القراءات التعسفية في محاولة لتشويه نتاجه بقصد او بغير قصد.

لنقرأ البردوني في صنعاء والموت والميلاد.. وصنعاء والحلم والزمان.. والطريق الهادر.. ويوم 13 حزيران 1974م.. ووجوه دخانية في مرايا الليل.. ومن أرض بلقيس.. واللّيل الحزين.. واليوم الجنين.. ومأساة حارس الملك.. والغزو من الداخل.. وابا تمام وعروبة اليوم.. وجواب العصور.. ورواغ المصابيح.. ومدينة الغد.. إلى رجعة الحكيم ابن زيدون.. وفي كل نتاجه الفكري والادبي سنجده يعيش تفاصيل اوجاعنا ويترجمها في كثيرا من نصوصه لأن ايامنا تتشابه، والحلم الذي اشعل حواس البردوني هو امتداد لحلمنا اليوم وهو ان يكون هناك وطن تزهر فيه أمانينا ويستوعب انسانيتنا.

لنقرأ البردوني في قصيدته صنعاء الموت والميلاد وهو يتتبع مسيرة صنعاء كرمزية جدلية للوطن في ميلاده وموته من سبتمبر حتى مايو مرورا بالمخاضات العسيرة التي شهدها الوطن ويترقب ميلاده الجديد الاخضر المفعم بالحياة والذي لن يتأخر  فصنعاء الوطن الان تعيش اوجاع الولادة تلفظ في غثيانها كل هذا الخبث الذي يفرزه الواقع اليوم، حيث يقول:

ولدت صنعاء بسبتمبر     كي تلقى الموت بنوفمبر

لكن كي تولد ثانية         في مايو … أو في أكتوبر

في أوّل كانون الثاني                 أو في الثاني من ديسمبر

ما دامت هجعتها حبلى          فولادتها لن تنأخّر

رغم الغثيان تحنّ إلى :          أوجاع الطلّق ولا تضجر

ويقول البردوني في القصيدة نفسها

ينبي عن مولدها الآتي        شفق دام فجر أشقر

ميعاد كالثّلج الغافي          وطيوف كالمطر الأحمر

أشلاء تخفق كالذكرى        وتنام لتحلم بالمحشر

ورماد نهار صيفي           ودخان كالحلم الأسمر

ونداء خلف نداءات         لا تنسى (عبلة) يا (عنتر)

أسماء لا أخطار لها         تنبي عن أسماء أخطر

كان البردوني يدرك بحسب قرأته العميقة للمعطيات الواقعية أن صنعاء الحلم.. الوطن.. الامل المرتحل عبر عصور التشظي والاحتراب لم تحن ولادتها.. الوطن المؤجل في كل اجندات السلطات المتعاقبة عليها، لكن يوم دام ينتظرها لكي تخرج من هذا التيه الكبير وهي في سبيل ذلك تحتاج إلى عاشق يتحد بها ويلتحم بأحلام واوجاع الشعب.. وبالتأكيد ليست هذه الاسماء التي تتنطع اليوم على الامها وتوسع من جراحها.

إلى أن يصل البردوني في قصيدته بقوله:

هل تدري صنعاء الصّرعى    كيف انطفأت ؟ ومتى تنشر؟

كالمشمش ماتت واقفة           لتعدّ الميلاد الأخضر

تندى وتجف لكي تندى         وترفّ ترفّ لكي تصفر

وتموت بيوم مشهور                        كي تولد في يوم أشهر

ترمي أوراقا ميتة                وتلّوح بالورق الأنضر

وتظلّ تموت لكي تحيا          وتموت لكي تحيا أكثر

هي صنعاء تموت كل القوى العابثة بها صنعاء مدينة الحلم والحزن ولا تقبل غير الحياة حتى وان ماتت نتيجة العبث فهي كذلك لكي تحيا أكثر كما أبصرها البردوني.. اليوم يحتشد البارود على اطرافها وينتشر الموت في ازقتها.. لكنها في دورة حياتها الطبيعية تموت لتولد من جديد وتحيا أكثر وأكثر.. إن يوما منظورا ستشهده صنعاء لولادة الحلم.. هذا هو البردوني يترجم في نصوصه حلمنا القديم الجديد الممتد بين ازمنة الجليد والشمس وهذه صنعاء الوطن الحلم المحاصر بالقبائل والموت ويتوغل في تفاصيلها ظلام دامس لكنها تستعد لميلادها الاخضر الواعد بالحياة.

قراءة 3355 مرات آخر تعديل على الإثنين, 10 تشرين1/أكتوير 2022 20:31

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة