عن اتجاهات الصراع في الشمال "تحليل" مميز

  • الاشتراكي نت / خاص - فتحي أبو النصر

الإثنين, 08 شباط/فبراير 2016 18:17
قيم الموضوع
(0 أصوات)

من المرجح ان العاصمة ستخضع لمفاوضات وفاقية ، مالم فان انهيارها الامني بسبب كارثية التصلب وعدم التنازل وسوء التقدير- سيكون الطامة الكبرى للمشهد ولقرابة 3 مليون يقطنونها ، بينما لن يعود وضعها بسهولة لاحقاً كما قد يتخيل البعض

معلومٌ انه لايمكن العبور لأمانة العاصمة دون خلخلة تلك البني الولائية للقُبل التي تحيط بها كالسياج : ارحب ، نهم ، همدان ، بني مطر، بني حشش ، بني بهلول وسنحان ..ففيما يتكثف وجود الاصلاح في ارحب مثلاً ، يسيطر المؤتمر على بني مطر وبني بهلول وسنحان، اما بني حشيش ففيها التواجد الحوثي اكثر ، بمقابل ان همدان تتقاسمها الثلاث القوى ، واما نهم فالاصلاح والمؤتمر اكثر المسيطرين
والمؤكد ان هذه ليست المرة الأولى في التاريخ التي تحدد قُبل صنعاء وضعها المستقبلي ، علماً ان القبيلة عموماً براجماتية وتبحث عن مصالحها كما لاتخوض معارك خاسرة او بدون استراتيجية
وفي الوقت ذاته فإن تيار هادي والسعودية سيعمل كما يبدو واضحاً على استمالتها او تحييدها على الاقل ، اما الحوثي فقد حاول بوثيقة الشرف القبلية ان يكونوا بولاء جاهز له دون اي تمحيص ، متناسياً ان كل قبيلة ستبحث ليس عن الثقة فقط فيمن سيمنحها المال او السلاح ، وانما فيمن سيؤمن مصالحها بجهاز الدولة أيضاً ، على ان القبيلة نفسها هي اكثر من تفهم ماذا يعني حصول المتغيرات الجوهرية محليا وإقليميا ودوليا ، اضافة الى ماذا يتطلب اخضاعها للتحول لصالح الكرت الناجح
كل ذلك السيناريو سيكون في حال اتجه الصراع ناحية امانة العاصمة ، بينما مؤشرات عديدة تفيد بأن اجراءات تفكيك التحالفات القبلية الموالية للحوثي حولها قد بدأت
ولكن في حال اتجه الصراع ناحية عمران وصعدة ، فعلينا ان نتذكر انها رقعة تحتدم فيها أكثر من غيرها اضمارات المصالح الحاشدية البكيلية ، بما يعني ان الصراع قد يتحول الى حاشدي بكيلي ينطوي على وعي ثأراتي، وهو ماستعمل القبائل على تجنبه بشتى الطرق
على ان المؤتمر والاصلاح يسيطرون على أجزاء واسعة من حاشد، وهناك اجنحة مشائخ مع الحوثيين، اما بكيل فمعظمها حوثية مؤتمرية وهناك اجنحة مشائخ مع الاصلاح
ولقد كانت احداث 2014 التي تغلغلت عبرها الجماعة الحوثية للعاصمة اسفرت عن انقسام كبير لحاشد هو الأبرز من نوعه في تاريخها، في حين ان آل الاحمر كانوا من الاسباب المهمة لذلك الانقسام، كما كانوا ضحاياه ، إذ نجح الحوثي في استغلال خلافات الزعامات القبلية التي تتصارع مع آل الاحمر على النفوذ المشيخي هناك ، كما استغل الوضع صالح أيضاً لتأديب خصومه في تلك الرقعة شديدة المراس قبلياً ، و التي ما ان اجتازها الحوثي حتى احكم قبضته مع حلفائه على تقويض دولة هادي
على ان آل الاحمر كانوا من اشد الذين فاقموا فساد دولة صالح وترعرعوا فيها ، قبل ان ينفرطوا منه ، لتبدأ بعدها مرحلة "الضحك على الذقون "، بل ان الصراع في الشمال كاد ينحصر بين صالح وانجاله وحلفائهم والشيخ عبد الله وانجاله وحلفائهم ..و هكذا : أي بدون ادنى اعتبار حقيقي لمصالح وحاجات الشعب في همومهم ، حتى ان الطرفين كانوا ومازالوا مثل الحوثيين لا يطيقون حلم الدولة المدنية الحديثة، دولة النظام والقانون والعدالة والمواطنة المتساوية ، كما بسبب تلك الترويكة " المشيخة والفندمةوالمسيدة " ضرب التفسخ والبؤس العقل السياسي والثقافي والاجتماعي اليمني ، إلى ان تم تكريس ماهو أسوأ من الاوضاع المتدهورة التي ثار الشعب ضدها في 11فبراير 2011 ، ذلك اليوم التاريخي الفارق في حياة اليمنيين.
لكن وبالرغم من كل الخذلانات والكوابح والامراض التي انتجتها مختلف التراكمات والتداعيات والأخطاء التي استمرت في دأبها المعتوه على تجريف الاجماع الوطني اللائق بإنقاذ اليمن: مايزال الحلم قائماً بأهمية تعاون جميع القوى والتيارات و الأفكار -من أقصى الشمال الى اقصى الجنوب -للاتحاد من اجل حل القضايا العالقة واخراج اليمن من هذا الوضع الخطير الذي يعد الأفظع فى تاريخنا المعاصر ، خصوصاً بعد تغول الميليشيا ومحاولات تطييف الصراع السياسي وغياب المفاعيل الوطنية الناضجة ، وهي العوامل التي قادت رويداً رويداً إلى أعلى مستويات الانحراف والتدهور فى جميع المجالات بدون استثناء ، مايتطلب حالياً وجوب تفعيل جذوة المشروع الوطني واستعادة روح الوحدة والجمهورية وكيان الدولة المغتصبة وشرعية التوافق السياسي والعملية الديمقراطية ، وكذا ضرورة مغادرة عقلية الانتقامات والهيمنات، ورسوخ إرادة انتشال اليمن واليمنيين من معمعة الطغيان والفساد والحروب والفوضى والعبث و المظالم والتمزقات والانهيارات المهووسة والمتسارعة
في السياق يبقى من البديهي القول ان القبيلة ليست بعقيدة مذهبية او ايديولوجية سياسية متشددة وانما العكس تماماً
فالقبيلة استمرت كأكثر من يفهم التجاذبات والتحولات في مراكز القوى، ولذلك فهي تميل للعاصفة تاريخياً ، كما ترجح طرف على طرف الى حين ترى الأفق الجديد الذي سيتشكل..واما اليوم فلايمكنها استساغة مايسمى بالحق الإلهي لآل البيت في الحكم مثلاً مهما تظاهرت في ذلك ، وعلى هذا الأساس كان يعول صالح في الانقلاب على حلفائه الحوثيين قبل ان يدخل التحالف في الخط ويقلب موازين المعارك رأسا على عقب..
والحال ان الحوثية كانت قد اقدمت على عمل اجتماعي وثقافي كبير على الأرض ماساهم في تحويل الالاف من ابناء القبائل الى وقود حرب
غير ان القبيلة لاتستكين للوضع كما هي عادتها كونها تتغير مع تغير الظروف،
ولعل مزاج الإمامة الذي كان قائماً ماقبل قيام الجمهورية، لايمكنه ان يتكرر رغم كل شيء الآن مع انه الحلم الاول بالنسبة للحوثيين
والأصح ان العصبية القبلية مازالت اكثر من غيرها هي التي تتجلى في النهاية ، كما ان تعاون أبناء القبيلة شرط ضروري لدرء خطر داهم قد يكلف كثيراً من الأنفس والخسائر والثأرات
وعليه فقد كانت القبيلة تاريخياً تبحث عن سند يلبي رغباتها ويمكنها من الحفاظ على مصالحها
ومن هذا المنطلق ظلت قبائل الشمال اكثر ارتباطاً بالسعودية على مدى عقود بعد 8 سنوات من الحرب بين الجمهورية والإمامة التي كانت السعودية آنذاك تدعمها
وفيما هناك إجماع على ان أبناء المشائخ ورموز القبيلة الذين تبوأوا اهم المناصب العسكرية والأمنية والسياسية في جمهورية الدولة الهشة لاحقاً ، لطالما عملوا على اعاقة وجود دولة يمنية حقيقية حفاظا على نفوذهم ، فقد كان من الطبيعي ان تنهار فكرة الدولة التي كانت بحاجة الى التمتين وليس العكس، جراء الممارسات الازدواجية لهؤلاء، وابتهاج السعودية بالأمر حينها، إلى ان تبين لها ان عدم تحقق دولة في اليمن هو ماقاد الى كل هذه الفاتورة الرهيبة يمنياً وسعودياً
والثابت ان الرئيس الاسبق ابراهيم الحمدي مثلاً كان على خطأ كبير وهو يقول بعد سنة فقط من مشروعه التحديثي التصحيحي الحالم والنبيل بأن مراكز القوى قد تساقطت وانه لن يُسمح بعودتها وأن المؤامرات ضد الدولة تحاك من قبل أصحاب الميزانيات الضخمة والبطون المنتفخة الذين احترفوا التجارة بالشعب
ذلك ان هؤلاء هم الذين اغتالوه بمباركة السعودية نهاية السبعينيات ، وهم انفسهم الذين بسبب مساهمتهم الحثيثة في تردي الأوضاع كان من الطبيعي ان ينفذ الحوثي الى العاصمة في 2014
لكن في خضم ماسبق يظل من المهم التذكير بان القبيلة اليمنية لاتستيغ اجندة ايران خصوصاً وان المذهب الزيدي يرفض الغلو المستورد وهابياً كان ام اثنعشرياً ، كما ان الحوثي قد خسر جزءا كبيرا من قواته التي شتتها شرقاً وجنوباً ومعظمهم من ابناء القبائل الذين انضموا لاحقاً كونهم يعتمدون على اقتصاد الحرب اكثر من غيره
والواقع ان السواد الأعظم من ابناء القبائل البسطاء الذين كانوا يضطهدون من قبل مشائخهم مازالوا أنفسهم يضطهدون من قبل الحوثيين كذلك
على ان هؤلاء صاروا يدركون كل يوم أكثر بأن اللعنات التي تطلقها الجماعة الحوثية لا تصيب إلا اليمنيين
وبما ان المعارك في الشرق والوسط والجنوب لم تمشي على مايرام للحوثيين وحلفائهم ، فإن القبائل بلاشك ستسعى لخطوة جديدة مفارقة لخطوتها السابقة كما كانت تفعل دائماً في كل المنعطفات الكبرى
ثم ان أزمة التفكك التي تشهدها البلاد حالياً ستجعل الجميع ضحاياها على السواء " الذين مع والذين ضد"
وباختصار شديد فإن مايزيد الطين بلة هو استمرار غياب مفهوم الدولة، فضلاً عن ان المعارك العسكرية وحدها لن تعيد العافية لليمن ، باعتبار ان العافية الفعلية ستنبثق من مدى تنفيذ الاستحقاقات الأمنية والاقتصادية العاجلة اضافة الى الضمانات السياسية الواقعية بالطبع
والخلاصة انه بدلاً من الاستمرار في قبلنة الدولة، صارت الضرورة المستقبلية تقتضي تمدين القبيلة، بينما لن يتمكن أي طرف من ذلك سوى من يستطيع ادارة التناقضات المعقدة بمشروع وطني شامل لا بمناطقية او بمذهبية او بحزبية على الاطلاق.

 

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية
للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
https://telegram.me/aleshterakiNet

قراءة 2076 مرات

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة