"الخيارات" تضيق بأصحابها

  • الاشتراكي نت/ خالد عبدالهادي

الأحد, 24 كانون2/يناير 2016 22:13
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الأفق الذي كان, حتى وقت قريب, صافياً أمام ناظري السلطة الحاكمة في صنعاء بدأ ينسد وإن صفا مؤقتاً سرعان ما تتجمع غيوم قاتمة لتحيله, مجدداً, إلى صفحة سوداء.

وجاء قرار سلطة صنعاء الرافض لاستئناف محادثات السلام وإخفاق الوسيط الأممي إسماعيل ولد الشيخ في إقناعها بالانفتاح عليها ترجمة للإحباط الذي يطبع رد فعلها, جراء جملة عوامل ضربت ما بدا أنها حيوية رافقت أداءها قبل بضعة أسابيع.

فالصواريخ الباليستية التي تمكن اثنان منها من إلحاق وجع حقيقي بقوات الحلفاء العرب؛ مرةً في مارب وثانية ً في باب المندب, صارت تتشظى في الفضاء, ومن ثمً فقدت قيمتها بعدما نشر الحلفاء بطاريات منظومة دفاعاتهم الجوية في النطاقات الجغرافية التي تسيطر عليها قواتهم وقوات الرئيس عبدربه منصور هادي.

وعزز اعتراض تلك المنظومة لصاروخ من طراز توتشكا وتفجيره في الجو هذا الموقف بعدما كانت قوات صالح والحوثي أطلقته على معسكر للقوات الحكومية وقوات التحالف في منطقة البيرق بمحافظة مارب مطلع الأسبوع.

في سبتمبر من العام الماضي, نزف العسكريون الخليجيون بغزارة في صحراء صافر بعدما ضرب صاروخ من هذا النوع معسكراً لهم هناك, موقعاً فيهم نحو60 قتيلاً, إضافة إلى قتلى آخرين من قوات الحكومة.

وبصاروخ من طراز توتشكا أيضاً, فقد السعوديون في ديسمبر الماضي واحداً من أرفع الضباط في قواتهم الخاصة في منطقة باب المندب. كان العقيد عبدالله السهيان قدم لتوه لقيادة قوات بلاده المشاركة في العمليات القتالية البرية ضد قوات صالح والحوثي.

بالتوازي مع تحييد فاعلية صواريخها الباليستية, لا تسير المعارك في معظم جبهات القتال لمصلحة سلطة صنعاء, بل تعرضت خطوط قتالها لاختراقات جوهرية ومؤثرة.

إضافة إلى ذلك, أخذ مردود آلة هذه السلطة الدعائية يتبخر بعدما عجزت عن تسويق الأكاذيب وإقناع الرأي العام المحلي والدولي بها.

وفي قضية حصار تعز مثال جيد لتبيان كيف أن آلة نظام صنعاء الإعلامية الضخمة بما تشتمل عليه من محطات تلفزة وإذاعة ومطبوعات انهزمت أمام الإعلام الجماهيري البديل, المعتمد في مجمله على مواقع التواصل الاجتماعي,  في تسويق تضليلها بنفي أن تكون قوات صالح والحوثي محاصرة للمدينة.

في المقابل, استطاعت جهود نشطاء بإمكانات متواضعة ومخنوقة لفت الحركة الإنسانية العالمية إلى معاناة تعز في ظل الحصار, إلى حد أن وسم "إرفعوا الحصار عن تعز" راج أكثر من 100 مليون مرة في مواقع التواصل.

وبقدر ما أن هذه الواقعة جزء من صراع محموم فقد بدت بمنزلة معركة قيمية, أظهر فيها سياسيون وإعلاميون في سلطة 21 سبتمبر قابلية مطواعة للدناءة الأخلاقية كلما استبعدوا بلجاجة أن تكون تعز تحت الحصار.

يكمن وجه آخر من عطل الدعاية العاملة في خدمة نظام صالح والحوثي في عجزها عن مواصلة الاستثمار في الأضرار التي تلحقها ضربات جوية خاطئة للتحالف العربي بالمدنيين بعدما اتضح في وقائع عدة أن مسلحي الحركة الحوثية يتمركزون في المنشآت المدنية وبين المدنيين, فيتشاطرون بذلك الجناية بحق الأخيرين.

ووجدت صحافة الحوثيين في قصف دار لرعاية المكفوفين في صنعاء بصاروخ لم ينفجر فرصة لاستعادة دورها في تأليب الداخل والمجتمع الدولي على عمليات التحالف الجوية, لكن إثبات التحقيقات أن مسلحين حوثيين كانوا في أحد طوابق الدار, أفسد الفرصة مجددا.

وعلى الرغم من أن ضربات جوية عدة تقتل مدنيين وتلحق أضراراً بليغة بمساكنهم وبالمرافق المدنية, غير أن ثبوت جناية المسلحين الحوثيين بالتمركز داخل المنشآت المدنية ونشر أهدافهم المحتمل تعرضها للاستهداف داخل الأحياء السكنية قد سحب البساط من جهازهم الدعائي الجاهد لتوظيف تلك الوقائع.

مثلما تتراجع سلطة 21 سبتمبر, عسكرياً, على الأرض فهي خسرت رهانها الأساس على تسويق نفسها لدى الشعب كسلطة ثورية, صعدت إلى الحكم محمولة على ثورة شعبية طبقاً لزعمها.

فعلاوة على أن هذه السلطة مزيج من دكتاتورية عسكرية رجعية تتجسم في طريد الكرسي علي عبدالله صالح وثيوقراطية ظلامية تتجسد في زعيم الجماعة الحوثية عبدالملك الحوثي, فقد تكفل سيل من وقائع الفساد منذ خريف 2014 بإزالة القشرة الخارجية التي غلًفتها بها الدعاية الصرفة, وأطلعها على الشعب عارية من بهرجها المضلل.

حتى السياسيون والإعلاميون المؤتلفون في سلطة سبتمبر الانقلابية والطامحون في الوقت نفسه إلى تحسين مراتبهم داخل مواقعها شرعوا في رفع أصواتهم بانتقاد الفساد الذي جردها من كل القيم الثورية والأخلاقية المدعاة.

وسلطة سبتمبر تتولى بنفسها تعريف الناس بحقيقتها الخالصة؛ إذ لم ينحدر سوء السلطات السابقة وفسادها إلى حد أن تطلب فدى لقاء إخلاء سبيل معارضيها السياسيين الذين اعتقلتهم تعسفا.

أما سلطة 21 سبتمبر فاهتدت بحيلة وضيعة إلى المضاربة بحرية معارضيها السياسيين والإعلاميين الذين أودعتهم معتقلاتها, مشترطة قبض أموال طائلة مقابل إطلاق سراحهم.

ويروي أهالي معتقلين ونشطاء خاضوا مساومات مع مسؤولين في السلطة, وغالبيتهم من الحوثيين, أن الأخيرين يشترطون على ذوي المعتقلين أو الأحزاب السياسية التي ينتمون إليها دفع مبالغ نقدية – معظمها في خانة الملايين- للإفراج عنهم.

بهذا السلوك, تقدم سلطة سبتمبر أفضل تعريف لنفسها, يتفوق على ما عداه من التعريفات التي قد يضعها لها المجتهدون والباحثون؛ عصابة مسلحة, متفلتة من عقال المسؤولية والأخلاق تخطف من تراهم مجرد رعايا وتشترط فدى مالية لإخلاء سبيلهم.

هذا نمط جديد من الاستثمار؛ استثمار في الحريات! وهو سلوك فريد من نوعه في تاريخ أنظمة الحكم, لم تسقط فيه حتى سلطة الرئيس السابق علي صالح حين كانت خالصة له.

ويمتد تأثير فساد هذه السلطة الطارئة وتحللها من المسؤوليات المترتبة عليها بوصفها سلطة أمر واقع إلى مستوى آخر, فنزع الغلاف الثوري والأخلاقي المتدثرة به يجعلها تنتصب أمام الرأي العام كاشفة إحدى حقائقها الأخرى الماثلة في أنها سلطة أقلية مستبدة, طالت الحكم بالعنف والقهر خلافاً لما تدعيه من أنها انبثاق معبر عن غالبية شعبية.

وهناك في العاصمة صنعاء وعواصم المحافظات الخاضعة لحكم سلطة صالح والحوثي انفلات أمني وشيوع للجريمة المنظمة على نطاق واسع.

فلا يكاد يمر يوم دون أن تشهد صنعاء عمليات قتل أو سطو مسلح في وضح النهار, يقابلها تخبط نظامي في إدارة الحالة الأمنية ينبع في الأصل من فلسفة الحكام الجدد الأمنية.

فإضافة إلى أن تصورات مسؤولي نظام سبتمبر لإدارة الحالة الأمنية في منتهى البساطة وتجنح, أساساً, إلى تحقيق القمع والسيطرة على المجتمع لا تحقيق أمنه، عمدت الجماعة الحوثية التي تحتل واجهة النظام إلى تفكيك أجهزة الأمن, على ما فيها من اختلال وضعف وفساد, وألغت جوهر وظيفتها كي تحل محل أفراد تلك الأجهزة أعضاءها المسلحين الذين رأت إدماجهم في الجيش والشرطة استحقاقاً لها حتى قبل أن تسيطر على الحكم.

وبعدما غصبت الجماعة الحكم, ترقى طموحها من إدماج مسلحيها في الجيش والشرطة إلى إحلالهم محل أفراد تينك المؤسستين.

وبينما كانت الحركة الحوثية تنهمك في وضع أسس نظامها القمعي المنغلق في محافظة صعدة خلال الأعوام الماضية بواسطة إطباق قبضتها الغليظة على المجتمع المحلي هناك وخنق حرياته, كان ساذجون كثيرون يروون تلك الحالة بتحريف غير واعٍ, قائلين إنها قدرة عجيبة على ضبط الأمن.

حتى السمعة التي تأسست على تلك الروايات التحريفية واقتاتت منها الحركة الحوثية لترسخ انطباعاً زائفاً عنها قد تحطمت تحت وقع الاغتيالات وحوادث الجريمة المنظمة في العاصمة صنعاء.

تواجه سلطة الرئيس هادي في عدن تحدياً أمنياً مماثلاً لما تواجهه سلطة صنعاء وإن كان تحدي الأولى ينصرف في جانبه الأعم إلى عمليات الإرهاب الأصولي والإرهاب السياسي الهادفة إلى نسف الاستقرار في العاصمة المؤقتة.

لكن في حين يتنامى إيمان سلطة عدن في أنها سلطة المستقبل, مستمدة من هذا العامل تصميماً على استعادة الأمن في المدينة الساحلية وإعادة بناء الجهاز الأمني, تساعدها في ذلك جغرافية عدن ذاتها, يذبل الأمل يوماً إثر آخر لدى سلطة صنعاء في مواصلة الحكم بالقوة فيما باتت قوات خصومها تعسكر على بعد أميال قليلة منها, مثلما تغدو المسألة الأمنية شأناً متطفلاً على شأن الحرب الأهم.

ويزيد من إخفاق سلطة صالح والحوثي في إدارة الأمن, تسخيرها الكلي للموارد المالية والبشرية لخدمة حربها, بمن في ذلك أفراد الجهاز الأمني الذين من المفروض أنهم يسهرون على حفظ الأمن.

لم تنتهِ القصة, فالضربات الجوية التي تشنها مقاتلات التحالف العربي, تحسن مفعولها إلى حد كبير مقارنة بما كانت عليه خلال الأشهر الأولى من الحملة العسكرية.

ولعل للخبرات العسكرية التي يقدمها حلفاء السعودية الدوليون أثر كبير في ذلك.

فقد نقلت صحيفة التيليجراف البريطانية يوم 15 يناير الحالي عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير وناطق باسم وزارة الدفاع البريطانية قولهما إن خبراء عسكريين بريطانيين في غرف العمليات الخاصة بالحملة العسكرية يقدمون مساعدات للتحالف في تنظيم الضربات الجوية داخل اليمن.

ومع أن المدنيين ما زالوا يسقطون بفعل ضربات خاطئة, إلا أن غالبيتها صارت أكثر تركيزاً وتعطي نتائج فعالة إلى حد ما.

لكل ذلك, يمكنكم الآن رؤية العبوس في تلك الوجوه التي كانت متهللة بغرور مفرط قبل عام.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية
للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
https://telegram.me/aleshterakiNet

 
قراءة 5426 مرات آخر تعديل على الثلاثاء, 26 كانون2/يناير 2016 19:46

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة