11فبراير 2011م.. في دلالة الحدث ومآله (3 – 4) مميز

الخميس, 16 شباط/فبراير 2017 18:43 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

ضمن ملف استعادة تفاصيل الأيام الأولى للثورة وأبرز المحطات، وبحث أسئلتها، وهو الملف الذي يفتحه موقع "الاشتراكي نت" بمناسبة الذكرى السادسة لثورة فبراير، كخطوة أولى على طريق تدوين الحدث الأبرز في تاريخ اليمن المعاصر من زواياه المختلفة، ننشر هنا تباعا الكتابات المتصلة بموضوع الثورة تحت عنوان "أسئلة الثورة وتفاصيلها".

...........

  (7)

ما يميّزُ ثورة 11فبراير عن كلّ الثورات السابقة, أنَّ الشعبَ كانَ الفاعلَ الرئيسيّ فيها. حيث خرج الشعبُ من تلقاءِ نفسهِ دون إيعازٍ من طرفٍ سياسيٍّ معين, ودون أنْ تقوده نخبة معينة, بل كان الشعب هو القائد, وهو روح الثورة.

هذا وضع يبعث على الاطمئنان من جهة صعوبة قيام طرف ما بتوجيه الشعب باتجاه معين, أو أن يختطف ثورته, لأنَّ الشعبّ امتلك وعيّ بذاتِهِ وبمصالحِهِ. ويرفض قيام أيّ طرف الإنابة عنه أو التحدث باسمه.

إنَّ الطابعَ الاجتماعيّ لثورة 11 فبراير, قد تجلَّى من خلال مشاركة مختلف فئات الشعب وقواه السياسيّة وشرائحه الاجتماعيّة في مسار الثورة وأحداثها, وحسبنا في هذا المقام, أنْ نُسلّطَ الضَّوءَ على بعض الفئات والشرائح الاجتماعيّة التي كان لها إسهاماً مميزاً في مسار وأحداث الثورة, لنبيّن كيف أَعطت الثورةُ دلالات اجتماعيّة جديدة لهذه الفئات والشرائح.

أُولى هذه الشرائح الاجتماعيّة, شريحة سائقي الدراجات النارية: تشغل هذه الشريحة موقعاً لا يُستهان به في الخارطة الديمغرافيّة اليمنيّة, فهي تضمُّ مئات الآلاف من اليمنيين, معظمهم من الشباب واليافعين من عمر (13- 35) عاماً.

توسَّعتْ هذه الشريحة وازدادَ عديدُها في العقد الأخير نتيجة ضَّآلة فرص العمل وحالة الإفقار والضغط المعيشيّ الذي يثقل كاهل الإنسان اليمنيّ.

لقد أَضْحَتْ الدَّراجة الناريّة (أو المُوْتُور كما يُطلق عليه في اليمن) وسيلةَ نقلٍ رئيسيّة وأكثرها عمليّة, فهي صديقة الفقراء, وتتلاءم مع طبيعة الشوارع في المدن اليمنيّة التي تتسم بالعشوائيّة وضِيْق مساحاتها. لدى المجتمع نظرة توجُّسِّيّة إزاءَ هذه الشريحة, ناشئة من سلوكيّات بعض أفرادها والتي تتّسم بالتمرد على المألوف وعدم الانصياع للسائد, ما يجعل المجتمع يُصدر أحكاماً أخلاقية بحقِّها وبشكلٍّ تعميميٍّ.

وبقدر ما غيَّرتْ الثورةُ الكثير من القناعات المُسبقة والصوّر الذهنيّة تجاه فئات وشرائح معينّة, فإنّها غيّرتْ من الصوّرة النمطيّة القاسية تجاه هذه الشريحة, فقد ضرب سائقو الدراجات الناريّة أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام وركوب المخاطر, حيث لعبوا دوراً محوريّاً في إسعاف جرحى ومصابي المظاهرات الذين أصيبوا برصاص جلاوزة النظام وعساكره. لقد أضفى الدّور الثوّريّ لهذه الشريحة على الثوّرة صِبغة اجتماعيّة مُميزة, جعلتْ منها بحق ثوّرة مجتمعيّة, كسرت القوالب وأَعادت التفكير في الكثير من الأفكار والصوّر والرموز والأنماط السائدة, وعبَّأت طاقات المجتمع بمختلف شرائحِهِ وفئاتِهِ في مواجهة نظامٍ رانَ على البلاد فساداً واستبداداً سنينَ طويلة.

(8)

وساهمتْ شريحةُ الباعة المتجولّون إسهاماً كبيراً في الثوّرة, إِذْ مَثلّت الثورة لها ملاذاً وأملاً في الخلاص من ضَنّكِ الحياة التي تُكابِدُها, حيث يتعرض أفراد هذه الشريحة إلى الملاحقة الإداريّة اليوميّة من السلطات المحليّة والبلديّات بذريعة أنهم مخالفون ويشوّهون المنظر العام, كما يتعرّضون لابتزاز النافذين أو ما يسمى بـ (عقال السوق) حيث يفرضون عليهم جبايّات وإتاوات تحت مسميّات كثيرة, إيجار, حراسة, وغيرها. ومن بين الفئات الاجتماعيّة التي شاركت في الثورة, فئة عمال القطاع الهامشيّ وَهُم طيفٌ من أصحاب المهن الحرة, من عمّال البناء والنجّارين والسمكرّيين والحدّادين والخيّاطين وعمّال النّظّافة وعمّال قطاع الخدمات في المطاعم والفنادق ومختلف المؤسسات العامة والخاصة وغيرهم, هؤلاء يبيعون قوةَ عملهِم لقاءَ أجورٍ زهيدةٍ, ويتعرّضونَ لأسوأ أصناف الاستغلال من أرباب العمل في وقتٍ لا وجود لقانون يَحميهم ويَكفلُ حقوقَهم في الأجر العادل والإجازات والضّمان الاجتماعيّ والضّمان الصحيّ والتأمين بعد التقاعد. وعلى الرغم من طبيعة علمهم الشَّاق والظروف الخَطِّرَة التي يتعرَّضون لها, في ظل غياب كليّ لمعايير السلامة, فإنَّ غالبيتهم يعملون في إطار علاقة عمل غير واضحة, فلا عقود كتابيّة ولا لوائح ولا ضوابط تحدد علاقتهم بربِّ العمل, عدا الاتفاق الشفوي على الأجور وفق منطق السوق (العرض والطلب).

وتزداد مأساويّة هذا الوضع مع عمّال الأجر اليومي, الذي يمكن لربِّ العمل الاستغناء عنهم في أيّ لحظة بسببٍ أو بدونه, ولا يجد هؤلاء العمّال من يُمثلهم ولا من يُدافع عنهم.

ويحضر الفلاحون من أبناء الريف في مقدمة المشهد الثوّريّ, فالريف اليمنيّ شكّل رافداً مهماً للثوّرة, وإذا جَازَ لنا أنْ نطلق تسميةً أخرى لثوّرة 11فبراير فستكون (ثوّرة الريف). إنَّ المجتمعَ اليمنيّ مجتمعٌ ريفيٌّ في الغالب, إِذْ يستأثر الريف ما يزيد عن 70% من المساحة الديمغرافيّة اليمنيّة, ورغم موجات الهجرة الداخليّة التي شهدتها البلاد منذ سبعينيّات القرن الفائت, إلا أن تلك الهجرات لم تقطع صلة أبناء الريف الذي قطنوا المدن عن مناطقهم الريفيّة.

يحتوي الريف على مخزون بشريّ هائل, وبفعل الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة الصعبة التي يعيشها, واستبعاده من الخطط التنمويّة الحكوميّة, فضلاً عن تناقص هطول الأمطار, وتزايد الجفاف الذي أتى على الزراعة المصدر الرئيسيّ لمعيشة الأسر الريفيّة, يُضافُ إلى ذلك هيمنة الرموز القبليّة والمشائخيّة على المجتمع الريفيّ وتدخلاتهم التعسفيّة في حياة الناس؛ كل ذلك راكمَ الاحتقان في المجتمع الريفيّ, وجعله قابلاً للانفجار في أيّة لحظة, فكان أنْ اندفعَ إلى الثورة بقوّة وبعنفوان.

(9)

لقد فتحتْ الثوّرةُ البابَ واسعاً أمام مشاركة الشّعب بفئاتِهِ المختلفة في رَسْم المصير المشترك, وكَسْر القيود السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة, وفي هذا السياق لعبت المرأةُ اليمنيّة دوراً محوريّاً في الثورة. فقد حضرتْ المرأة السّاحات, وهتفتْ, وقادتْ المسيرات الثوّريّة, وحاورتْ, وجادلتْ, ورفضتْ, وحققتْ إنجازات كبيرة. بالثورة, انتفضت المرأةُ اليمنيّة على واقعِهِا, وعلى النظام السياسيّ والاجتماعيّ الذي كبّلها بكثير من القيود والأغلال في ظل مجتمع تهمين عليه الثقافة الذكوريّة, ونظام سياسيّ يُقصي المرأةَ والرجلَ من الحياة العامة.

وبالثورة حققت المرأة اليمنيّة ذاتَها, واستطاعتْ أنْ تكون حقيقة من حقائق السياسة في اليمن, ورقماً صعباً في الخارطة الاجتماعيّة اليمنيّة. ولعبت الحركةُ الطلابيّةُ اليمنيّةُ دوراً محورياً في الثورة, فهي طلّيعةُ الثورة و"شرارتُها التي أشعلتْ السَّهل".

وهي بدورها هذا, إنما ثارتْ احتجاجاً على النظام التعليميّ الرديء وسياسة التجهيل عبر المناهج والوسائل التعليميةّ التي تقوم على التلقين والحفظ, وتنبذ قيم الإبداع والابتكار والتحليل والتفكير والعقلانيّة, وتكّرّس قيم الامتثال والطاعة والتسليم. نظام تعليميّ يستمد وجوده من وجود النظام السياسيّ الجاثم ويلبيّ حاجته في البقاء والاستمراريّة. لقد ثارت الحركة الطلابيّة على المستقبل المجهول الذي ينتظرها في أرصفة البطالة والضياع. إنّ ثورة 11 فبراير, هي ثورة المُعطّلّين (العاطلين عن العمل), وهي ثوّرة كل الطّبقات الشعبيّة الكادحة التي وجدت نفسها أمام وضع مأزوم لا يُطاق, فقررت أن تنتفض في وجه دولة النهب, بروحٍ اندفاعيّةٍ, واقتحامٍ للمجهول, غيرَ مباليةٍ بالموت أو ما قد تتعرضُ له من أذىً أو يَلحقُ بها من ضررٍ, فليس هناك ما تخسره سوى الأغلال. لقد أطلقتْ الثورةُ الطاقات المجتمعيّة المكبوتة, وولّدتْ حالة سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة مغايرة, وأوجدتْ روابط مشتركة, جعلت "اليمنيين يكتشفون أنفسهم, ويكتشفون بعضهم بعضاً, يبحثون عن ذواتهم وهويتهم السياسية والوطنية المصادرة. وجعلتهم يكتبون تاريخهم الخاص, كأفراد وكشعب." [13] و أعطتْ الثورةُ قيمةً لعاملِ الزمن في حياةِ النّاس, حيث لم يكن الزمن قبل ذاك سوى توالي أيام من المعاناة والكَبْتْ, ومع الثورة أَضحى الزمنُ عنصراً فاعلاً في صَوْغِ الأحداث والوقائع وصنّاعة التاريخ.

___________

الهوامش: [13] قادري حيدر, الحضور التاريخي وخصوصيته في اليمن, صنعاء, ط1/2012م, ص144.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

قراءة 2916 مرات آخر تعديل على السبت, 25 شباط/فبراير 2017 20:33

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة