ما الحل إذاً؟

السبت, 05 تموز/يوليو 2014 01:39
قيم الموضوع
(0 أصوات)

أصحيح أن الغرب الإستعماري يتآمر علينا؟ ولكن لماذا يتآمر علينا؟ من نحن حتى يسخِّر اقتصادييه وسياسييه ومراكز بحوثه وأجهزة استخباراته للتآمر علينا؟ ألسنا تابعين طائعين له مسخَّرين، نحن وحكامنا، لخدمته. أليست ثرواتنا ملك يمينه، في ظاهر الأرض وفي باطنها؟ ماحاجته إلى التآمر؟ ولماذا نظن أنه وراء تفتتنا وتخلفنا وصراعاتنا وضعفنا وعدم تحقيق وحدتنا العربية؟

تساؤلات وخواطر جالت في ذهني وأنا أقرأ ماسجله الصحفي الأمريكي سيمور هيرش، عن الرئيس جورج بوش الإبن وأركان حكمه، في كتابه، الذي صدرت ترجمته العربية عام 2005م، بعنوان (القيادة الأمريكية العمياء). يقول هيرش: "هناك الكثير عن هذا الرئيس ورئاسته لانعرفه. ولربما لن نعرفه أبداً. بعض أهم الأسئلة لم تُطرح. كيف فعلوا ذلك؟ كيف استطاع ثمانية أو تسعة من المحافظين الجدد، الذين اقتنعوا بأن الحرب على العراق هي الرد على الإرهاب الدولي، كيف استطاع هؤلاء تنفيذ قناعاتهم؟ كيف أمكنهم إعادة توجيه الحكومة وإعادة ترتيب الأولويات الأمريكية الراسخة وسياساتها، بكل تلك السهولة؟ كيف استطاعوا التغلب على البيروقراطية وروعوا الصحافة والإعلام وضللوا الكونجرس وهيمنوا على الجيش؟ ... إن فهماً كاملاً لما جرى خلال بضعة السنوات الأخيرة هذه سوف يشكل تحدياً للصحفيين وعلماء السياسة والمؤرخين".

نعم كيف استطاع أولئك النفر أن يستغفلوا الشعب الأمريكي وهيئاته الحاكمة ويضللوا العالم وينفذوا مؤامرتهم ويدمروا بلداً، تفصله عنهم آلاف الكيلومترات ولايشكل تهديداً مباشراً على بلدهم؟ كيف استطاعوا أن يبتدعوا الأكاذيب ويروجوها ويقنعوا الناس بها ويمرروا تحت ستارها مؤامرتهم؟ كيف تبلَّد العالم وصدق أكاذيبهم، ولم يلتفت إلى الأصوات المشككة بتلك الأكاذيب، ولا إلى ملايين الأوربيين، الذين خرجوا إلى الشوارع يدينون تحالف حكوماتهم مع بوش وعصابته؟ كيف لم يسمع العالم أصوات المفتشين الدوليين، الذين جابوا العراق طولاً وعرضاً وفتشوا حتى غرف النوم، المشكوك في وجود أسلحة دمار شامل فيها، كيف لم يسمع أصواتهم، وهم يؤكدون عدم العثور على أي دليل على وجود تلك الأسلحة؟ وكيف صدق الناس أن النظام الحاكم في العراق حينذاك تربطه علاقة ب (المنظمات الإرهابية)؟ وهي تسمية كانت تبدو مضحكة وهزلية، عندما تنطلق من أفواه بوش وعصايته، سادة الإرهاب في العالم دون منازع. 

سلسلة من الأسئلة قد لاتنتهي، قبل أن يتم كشف تفاصيل المؤامرة، التي حُبكت بدهاء ومكر غير مسبوقين، والتي وظف فيها حادث تدمير برجي التجارة العالمية، في الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، توظيفاً متقناً وموجهاً، باتجاه حشد التأييد الشعبي العاطفي، الذي أرادت إدارة بوش أن تعتمد عليه في غزوها للعراق. ولئن بدأت تظهر بعض المؤشرات، التي تخالف الرواية الرسمية لذلك الحادث، فإن كشف تفاصيله وخفاياه مايزال بحاجة إلى مزيد من الجهود، التي يبذلها الآن علماء وصحفيون ومهتمون، ينتمون إلى (الغرب الصديق)، الذي أشرنا إليه في مقال سابق، والذي يعاني من أزمة ضمير، إزاء جرائم (الغرب الإستعماري) المتوحش، غرب بوش وبلير وتشيني ورامسفيلد وغيرهم من رموز الإرهاب العالمي. إن أولئك العلماء والصحفيين والمهتمين يتحرَّون ويدققون ويتساءلون ويتشككون ويبذلون قصارى جهودهم لكشف الغموض وإظهار الحقيقة، منطلقين في جهودهم من رفض كامل للرواية الرسمية عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، موجهين الأنظار إلى الدور الخفي في تلك الأحداث لأجهزة الإستخبارات ولرجال الإقتصاد والسياسة، الصهاينة والمتصهينين، وللتغطية الإعلامية المتواطئة.

هؤلاء، من ذوي الضمائر الحية في الغرب، يقومون بما كان يجب أن نقوم به نحن. ولكننا أعجز من أن نخوض في هذا الأمر. ليس فقط بسبب ما للآلة الإعلامية الإستعمارية، التي يهيمن عليها رجال المال الصهاينة، من تأثير على عقولنا، بل أيضاً لتواضع قدراتنا وإمكانياتنا العلمية والبحثية. ولسبب آخر مضاف، وهو أن بعض مثقفينا قد أصيبوا بعقدة إنكار وجود المؤامرة. ولذا يخشى هذا البعض حتى من مجرد طرح التساؤلات، خوفاً من أن تقوده تساؤلاته إلى الوقوع في المحذور، فيعترف بالمؤامرة، ويضبط متلبساً بالجرم المشهود، ويوضع في دائرة القائلين ب (نظرية المؤامرة). وهذا مالايرغب فيه، ولايدخر جهداً لتحاشيه. 

وإذا قرأنا ماكُتب من مقالات وماصدر من كتب، تلقي الضوء على مصالح بوش وعصابته، فرداً فرداً، فسنجدهم جميعهم، إما أصحاب شركات نفطية، كما هو الحال بالنسبة لبوش نفسه، أو مساهمين في شركات نفطية كبرى، أو موظفين ومستشارين كباراً فيها، يتقاضون منها رواتب خياليه. وكلهم، دون استثناء، ترتبط مصائرهم الإقتصادية والسياسية باللوبي الصهيوني في أمريكا وبالكيان الصهيوني في فلسطين وبالإستحواذ الدائم على منابع النفط العربية.

هذا الإطار العام للإرتباطات والمصالح والأهداف والوسائل، كفيل، إذا ماتمعنا فيه، بأن يسهل لنا فهم ماجرى من تدمير وتمزيق للعراق، وما يحدث اليوم من تعميم (الفوضى الخلاقة) في أكثر من قطر عربي، تمهيداً لفرض الخارطة الجديدة للشرق الأوسط الجديد، التي يراد بها محو معالم الوطن العربي وإنهاء وجود الأمة العربية الواحدة، تاريخاً وجغرافيا، من منطلق المصالح الإقتصادية، لامن منطلق الأحقاد التاريخية. فليس للعواطف الإنسانية مكان في عالم المصالح المادية المباشرة، التي يتحكم فيها عمالقة الصناعة والتجارة والمال والإعلام. 

لا شك في أن ماتمتلكه الأمة العربية، من ثروات وموقع جغرافي وكثافة بشرية وعمق تاريخي ودور مشهود في بناء الحضارة الإنسانية، لاينكره أحد، لاشك أن هذا كله يشكل، في نظر الغرب الإستعماري، خطراً على مصالحه الحيوية وعلى أمنه القومي، إذاما توحد الوطن العربي وتكاملت قدراته وأصبح العرب يتحكمون بثرواتهم ويمسكون قرارهم السياسي بأيديهم. وهذا هو السر الذي لم يعد خافياً، وراء اهتمام الغرب بالوطن العربي وحرصه على تفتيته ومنع تحوله إلى كتلة موحدة قوية، قادرة على حماية مصالحها والدفاع عن وجودها.

فالمسألة هنا تبدو، في نظر الغرب الإستعماري، على النحو الآتي: ليبقى الغرب قوياً لابد أن نبقى نحن ضعفاء، إذ لايمكن أن نكون نحن والغرب أقوياء في آن معاً. لأن قوتنا تعني امتلاك مصادر ثرواتنا وإنهاء هيمنة الغرب الإستعماري عليها وعلينا. وهذا سيفضي إلى إضعاف الغرب وتراجع دوره الإقتصادي والسياسي في العالم. وهو أمر لن يسمح به، حتى لو اقتضى الحال تدمير الشعب العربي كله. وللإستعمار الغربي تاريخ معروف في تدمير الشعوب والإستحواذ على بلدانها، منذ بدأت حركة الكشوف الجغرافية، في أواخر القرن الخامس عشر، وحتى اليوم. وقد تحدثنا في مقال سابق عن رأي وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، مادلين أولبرايت، في أن قتل مليون ونصف المليون طفل عراقي ثمن مقبول لإسقاط النظام الحاكم في العراق، الذي نجح عام 1972م في تأميم ثروته النفطية وإدارتها، إدارة مستقلة. وهو رأي متسق مع تاريخ الإستعمار الغربي، ومعبر عن طبيعته.

ماالحل إذاً، وماهو السبيل إلى تحقيق استقلالنا الإقتصادي والسياسي وبناء دولتنا العربية الواحدة القوية، القادرة على حماية مصالحنا والدفاع عن وجودنا؟ سؤال إذاما طرحناه على أنفسنا وتمكنا من الإجابة عنه، فسوف نكون قد قطعنا نصف الطريق، نحو الإنعتاق والتحرر والحياة الكريمة، وبناء علاقة ندِّيَّة مع الغرب، لاتقوم على العدوان والإستغلال والظلم، ومايولده ذلك من كراهية ونفور، بل تقوم على قاعدة الإحترام المتبادل والصداقة النزيهة والتعاون المثمر، لما فيه خير الطرفين، نحن وهم، وخير العالم كله.     

قراءة 1875 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة