خالد سلمان كرمز للحرية الصحفية

الثلاثاء, 23 تموز/يوليو 2019 20:53 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

     خالد بن سلمان قلم شجاع، وإنسان عظيم. لا أعرف الكثير عن بدايات وحياة هذا الإنسان والصحفي المقاتل بالحرف إلا بعد حرب 94.

حرب 94 هي الكارثة الأم والأب التي توجت كوارث الحروب قبلها: حروب الشمال 62 -68، وصولاً إلى انقلاب 5 نوفمبر 67، وأحداث أغسطس 68، وحروب الجنوب بين القومية والتحرير، والصراعات والانقلابات داخل القومية، مروراً بكارثة يناير 86، وكوارث حروب الشمال والجنوب 72 و79، وصولاً إلى أم الكوارث كلها– الحرب ضد الجنوب-، ومن ثم حروب صعدة الستة، وانتهاءً بالحرب الشاملة الأهلية والإقليمية والدولية عقب انقلاب سبتمبر 2014.

عرفت العزيز الإنسان الرائع والعظيم بعد حرب 94، وبداية تأسيس صحيفة الثوري في صنعاء. تكون طاقم الصحيفة بعد سكوت المدافع من أحمد صالح باشراحيل، وذكرى عباس، وبيان الصفدي، وحسن عبد الوارث، وصادق ناشر. ومن الكتاب خالد سلمان، وعلي منصر، وقاسم عبد الرب، والعراشة، وصالح الحميدي، وآخرين.

خالد سلمان كان الضمير المستتر الغائب الحاضر بل الأكثر حضوراً. كان ابن سلمان بسبب مرض ابنته المستدام، وعدم قدرته على توفير سكن للعائلة قليل الاستقرار في صنعاء،؛ فقد كان يمضي وقته في الضالع ويطلع نهاية الأسبوع، وأحياناً يبعث بمقاله الأسبوعي، وكنا جميعاً نعرف ونقدر حالته؛ فهو يعيش ظروفاً غاية في القسوة، و في حالة حزن تصل تخوم الاكتئاب. جسم نحيل هزيل لا يتكلم إلا فيما ندر. يصوم عن الكلام المباح. ترغمه نكات وقفشات الوارث وابن عبد الرب على الابتسام أحياناً. مقاله مكتوب بدم القلب، ومعجون بماء الصدق والضمير. لا تعجزه الشجاعة، ولا تنقصه القدرة على توجيه رصاصة الكلمة، وقذيفة الجملة بعيدة المدى.

كنا في الصحيفة -كحال الحزب الذي يصدرها- محاصرين بظروف معيشية قاهرة، وبلادة سلطة غاشمة مزهوة بنشوة النصر والانتقام من الخصم التاريخي (الحزب الاشتراكي اليمني) المدموغ والمدان بالردة والانفصال. اللفظتان: الردة من صناعة واختراع الإصلاح كحزب ديني يطالب الاشتراكي بالتوبة بشروطها الخمسة حسب عبد المجيد الزنداني، أما مفردة الانفصال فمصطلح المؤتمر الشعبي العام. توحد المؤتمر والإصلاح في أم الحروب، واختلفا على القسمة والتفرد فيما بعد.

خالد سلمان الصحفي المقاتل كان سلاحه الكلمة النظيفة والفادية. كان الأمن السياسي وظيفته رقابة ومصادرة الصحيفة عقب الصدور في زمن ما بعد الحرب. كانت الثوري هي كل ما تبقى لدولة وحزب. كان لها بالغ التأثير والحضور، وكانت الصحيفة لعلي عبد الله صالح الشاهد الوحيد على استقرار الأوضاع، وعلى وجود تعددية سياسية وحزبية، وعلى التزامه بتعهداته الدولية، وكنا ندرك ذلك، وكان الرجل كثير الاغترار بديمقراطيته الزائفة.

مقالة خالد متعددة العناوين كانت التعبير الأمين والصادق عن حالة ووضع اليمن بعد حرب 94. لم يكن خالد يراهن أو يساوم على جاه أو وظيفة أو مال، وكان قليل التعويل على المساعي التي يبذلها أصدقاؤه للحصول على  منحة علاجية لابنته المريضة. حضوره لمقر الصحيفة عشية الإصدار لفترة تتسع لكتابة المقال ثم الانصراف كانت محل احتفاء وترقب الجميع. مقالاته النارية في الثوري كانت مائزة وذات دوي أقوى من دوي مدافع صالح والأحمر. عندما رأس تحرير الصحيفة تحولت المقالة إلى افتتاحيات مزلزلة، والأهم فتح ابن سلمان الصحيفة أمام الشباب: نايف حسان، ونبيل سبيع، ومنصور هايل، وعبد الكريم الخيواني، وإبراهيم حسين الباشا، ومحمد عبد الوهاب الشيباني، ومصطفى راجح، وسامية الأغبري، ومحمد عبده العبسي، وعبد الرحيم محسن، وجمال حسن العديني، ومحمد عايش، وميفع عبد الرحمن، وعبد الرحمن نعمان.

كان العام 2005 بدايات الحراك الشعبي ضد سلطة صالح وحرب 94. بدأت الهبة الشعبية من حضرموت 2005، وامتدت- فيما بعد- إلى عدن كاحتجاج شعبي 2007، ومهدت للربيع العربي في اليمن 2011.

كانت الثوري الرئة النقية المعبرة عن هذا الرفض الشعبي لحرب 94، وسلطة صالح الفاسدة والمستبدة، وكان الصحفيون الشبان والجدد في الصحف الأهلية الأسبوعية: الأيام، والشورى، والأسبوع، والنداء والوسط، وفيما بعد الشارع والأولى- هم الضمير الوطني والديمقراطي المناوئ للحرب وأبواقها.

صدر بحق الصحفي القدير خالد قرابة أربعة عشر حكماً بعضها بالتغريم، وجلها بالسجن. ظل خالد سلمان في المواجهة والواجهة. وللتخلص من حرج اعتقاله أو قتله أخذه صالح في رحلة معه إلى بريطانيا للخلاص من "أذيته".

مقالات ابن سلمان في الثوري وافتتاحيتها، ودوره الرائع في رفع سقف الحريات الصحفية شأن الصحف الأهلية الأخرى تستحق الإشادة والدرس والتوثيق، كما أن الأحكام الصادرة بحقه وبحق زملائه من رؤساء الصحف، وبالأخص عبد الله سعد، والخيواني، وسامي غالب، وجمال عامر، ونبيل سبيع، ونايف حسان - بحاجة إلى توثيق. والأخيران حوكما بتهمة الخيانة العظمى، وكان الادعاء العام يطالب بتنفيذ حكم الإعدام لتغطيتهما الحرب ضد صعدة، وقد عوقب الزميلان: نايف، وسبيع من قبل أنصار الله بأكثر مما عوقبا من قبل سلطة صالح، وتعرض سبيع لمحاولة القتل العمد في وسط الشارع بعز الظهيرة.

خالد سلمان علم من أعلام الحريات الصحفية. نزيه، شديد التواضع والشجاعة؛ فله التحية والود والعرفان في منفاه، ولابنته الشفاء.

قراءة 3570 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة