زَمـنُ الطَّوَائِفْ (1-2)

الأحد, 09 شباط/فبراير 2014 20:41
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تعليقاً على الصراع الدائر بين "الحوثي ـ وآل الأحمر" في اليمن

-----------------------------------------

الإهداء إلى الرفيق/ مطيع دماج.. تعبيراً عن اندهاشي بفرّادتِهِ ووعيهِ المتميز...

عيبان السامعي

----------------------------------------------------

يثير الصراع الدموي الدائر اليوم في محافظة عمران وقبله في دماج وكتاف ومحافظة الجوف تساؤلات عديدة, منها: ما حقيقة هذا الصراع, ما هي أسبابه, دوافعه, وأهدافه, ومن المستفيد منه؟ هل يحمل محتوى اجتماعي كما ينظر إليه البعض, أم أنه صراع من نوع مختلف؟ ثم هل الاتفاقات الأخيرة التي أبرمتها الأطراف المتصارعة وبرعاية رسمية ستقود إلى السلام, وبسط سيادة الدولة, أم أنها تؤسس لجولات جديدة من الصراع الدامي؟ وما حقيقة الانتصارات التي يحرزها الحوثي, وهل ستخلق موازين قوى جديدة على الأرض, ما طبيعتها, وما حدود تأثيرها؟

ويبقى السؤال الجوهري: ما موقع الدولة والمجتمع من هذا الصراع؟؟ هل هناك مصلحة اجتماعية وطنية في ذلك؟ وهل ثمة رابط يربط بين ما يجري في عمران, وما يجري في حضرموت والضالع, بل وما يجري في البلاد بصفة عامة من حالة فوضى وأعمال قتل يومي واغتيالات وتخريب وإرهاب ومظاهر انفلات أمني وتعاظم مؤشرات انهيار الدولة والمجتمع؟؟

للإجابة على هذه التساؤلات وغيرها, دعونا ننظر في الآتي:

فائض قوة وفائض ثروة:

يمكننا القول ـ بصورة أولية ـ إن الدافع المباشر لهذا الصراع يقوم على معادلة (القوة والثروة). من المعروف أن الحوثي يمتلك ترسانة ضخمة من السلاح والعتاد تحصّل عليها طيلة فترة الحروب السابقة التي خاضها أو كان طرفاً رئيسياً فيها, وأصبحت هذه الترسانة تشكّل ـ لدى الحوثي ـ ما يمكن أن نطلق عليها "فائض قوة", وفائض القوة يولد لدى صاحبها الحاجة إلى مزيد من التوسع والنفوذ والغطرسة, هذا ما يؤكده علم النفس السياسي, وما تؤكده أيضاً الوقائع اليومية.

إن الحوثي يتصرف بذهنية المنتصر, فالشراهة التوسعية التي يبديها, ستزداد وتيرتها مع التقدم الذي يحرزه على الأرض, وهو تقدم سيكون له تأثيره في تغيير طبيعة التوازنات وسيخلق شروط تفاوض جديدة لصالحه. وربما سيذهب بعيداً في ممارسة شراهته تلك لفرض تواجده كأمر واقع في المناطق التي سيطر عليها وتلك التي تقع في مرمى هدفه, تمهيداً واستباقاً للإعلان عن مشروع الـ6 الأقاليم الذي يمنحه فرصة مواتية ليشكّل  إقليمه الخاص!( )

في مقابل ذلك يأتي دافع الطرف النقيض "آل الأحمر" والمتمثل في الدفاع عن ارستقراطية خرافية متخمة وشبكة مصالح وامتيازات "فائض ثروة"( ), تكوّنت بفعل عمليات النهب المستمر وممارسات الفيد التي مورست على مستوى الدولة والمجتمع طيلة العهود السابقة كتجسيد موضوعي للمنطق الداخلي المحدِّد لموقعهم الطبقي والاجتماعي, كشيوخ قبائل.

وهذا بالضبط هو الإطار الخارجي الذي يتحدد فيه الصراع. بيد أن الاكتفاء بهذه القراءة "السهلة" ستقودنا إلى التسطيح, بل إلى التضليل والتزييف الذي لا يتسق مع المنهج العلمي ناهيك عن منطق الأشياء, ذلك أن فائض القوة ينطوي أيضاً على فائض ثروة, وفائض الثروة ناتج في الأساس عن فائض قوة.

حري بنا إذن أن نتناول هذا الصراع كظاهرة موضوعية, لها خلفياتها, التي تأخذ أوجهاً متعددة وفقاً لإيقاع حركتها الداخلية والتأثيرات الخارجية الواقعة عليها والوسط التفاعلي الذي تنشأ وتتحرك فيه.

الاقتصاد السياسي للصراع:

فالصراع القائم يؤدي وظيفة اقتصادية في إطار ما يمكن أن نطلق عليه "اقتصاد سياسي للصراع", حيث يسهم في مراكمة ثروات النخب المتصارعة, التي تتلقى تمويلات ضخمة من أطراف محلية وخارجية, وتوفر فرصة ثمينة لتجار السلاح وأمراء الحرب للاستفادة من هذا المناخ المواتي لإنعاش تجارتهم وجني المزيد من المكاسب والأرباح. في المقابل يترتب على هذا الصراع فواتير وتكاليف باهظة الثمن من خلال عملية استنزاف الثروة الوطنية وإنتاج مزيد من الأعباء الاقتصادية وتردي في الأوضاع المعيشية وتكبيد ميزانية الدولة, والذي سيوكل أمر سدادها في نهاية المطاف إلى الدولة والمجتمع والمواطن البسيط.

إلى ذلك, فهو يعكس حقيقة تطابق المصالح للأطراف المتصارعة, يتضح ذلك في سلوكها "التوافقي الضمني" الذي يعتبر الدولة كياناً مجرداً و"غنيمة", وليس وطناً بشعب, فالدولة بحسب هذه الذهنية "ذهنية الغنيمة" عبارة عن أرض وثروات طبيعية صالحة للفيد والنهب. فيأخذ الصراع بينها طابعاً تنافسياً وتسابقاً في الحصول والاستيلاء على أوفر نصيب من تلك "الغنائم"..!

أسباب اجتماعية وأهداف سياسية:

إن هذا الصراع يجسد حقيقة أنه صراع اجتماعي ـ سياسي في الأساس, في إطار الرابط الجدلي الذي يربط الاجتماعي بالسياسي, والسياسي بالاجتماعي, كنتاج للاختلال القائم في معادلة السلطة والثروة ـ وهو ما يعني غياب العدالة الاجتماعيةـ. إن جُلّ الأزمات السياسية والانشطارات المجتمعية تأتي في الأساس من مصادرة القرار السياسي واحتكار الثروة عبر ممارسات الاستبداد والاستئثار والفساد وغياب التوزيع العادل والمتكافئ للثروة الوطنية.

لكن هذا التفسير العلمي للصراع لا يروق لنخبه وأطرافه المحرّكة  التي تعمد إلى التغطية عليه, وتصويره بأشكال مختلفة, تتفق ومقتضيات مصالحها النابعة من طبيعتها الفئوية وبنيتها الطبقية المتجانسة, وذلك في شطب المسألة الاجتماعية, ليفسح لها المجال توظيف مناخات العنف لتكريس وجودها وتعزيز أدوارها ونفوذها الاجتماعي والسياسي على حساب حضور الدولة, بل إلغاءها من خلال إعادة صياغة علاقة الدولة بالمواطنين, وذلك في ربط المواطنين وشئونهم بها (كأطراف وأشكال سلطة اجتماعية), الأمر الذي يحولها إلى شكل توسطي بين الدولة والمجتمع, فهي من ستعبّر عن الناس وحاجاتهم, وسيكون على المواطن اللجوء إليها بدلاً من اللجوء ـ وكما يفترض ـ إلى مؤسسات الدولة مباشرة.

إن هذه القوى تلتقي ومن مواقع تناقضاتها الشكلية واتفاقها الفعلي, على هدف تصفية أي إمكانية لإجراء تحول اجتماعي سياسي ديمقراطي في البلاد. فكلما لاح في الأفق ممكنات التحول الديمقراطي, وتهيأت فرصة تاريخية لليمنيين في بناء دولتهم الضامنة, تستنفر هذه القوى التخلفية بأشكالها المتعددة (قبائلية, طائفية, تكفيرية, ومناطقية) وتعبئ طاقاتها للانقضاض عليها (أي تلك الفرصة التاريخية)؛ لأنها تدرك ما سيترتب عليها من مخاطر حقيقية ستهدد بينة مصالحها وتحجِّم من أدوارها ووجودها.

إن ما قامت به هذه القوى وما تقوم به إلى اليوم من أعمال عنف في إشعال بؤر الصراع, وأعمال القتل اليومي, وحوادث الاغتيالات, والدعوات المريبة للكفاح المسلح في الجنوب, وتمدد القاعدة في المناطق الشرقية, ومحاولة بعث الهويات الفرعية والتاريخية كالهوية الحضرمية والجَنَدية والسبئية والمعينية..! تهدف من خلالها إلى إدخال البلاد في حالة من الفوضى لتقويض العملية الانتقالية في البلاد والالتفاف على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني, والاستحقاقات والمهمات الوطنية التي ترسمها.

لا سبيل لهذه القوى في مواجهة الاستحقاق الوطني إلا بجر البلاد إلى أتون صراعات طائفية وجهوية, و"تصفية حساباتها الثأرية" بتوصيف اليساري اليمني الشاب/ مطيع دماج.

إن من الأهداف السياسية لهذا الصراع, إعادة صياغة تحالف السلطة القائم بما يجعل من الطرف "الخارج حالياً من السلطة" (وهو الحوثي) طرفاً رئيسياً فيه, وهو ما يعني إعادة تشكيل خارطة مراكز القوى والنفوذ باستيعاب عناصر جديدة فيه. لذلك فإن اشتداد الصراع مهما بدا عليه, فإنه لن يقود إلا إلى تسوية بين أطرافه سيكون الخاسر الوحيد فيها الدولة والمواطن, وهذا بالضبط ما يميز هذا النوع من الصراعات الذي يتخذ الشكل الطائفي, فقد أدت الاتفاقات المبرمة بين أطرافه, اتفاق دماج والاتفاق الأخير, إلى تكريس حالة غياب الدولة ونشوء موازين قوى جديدة, وإعادة انتشار لقوى قديمة( ). الأمر الذي يؤكد صحة المقولة التي تقول: "إذا اختلفت الطوائف علينا أن نقلق وإذا اتفقت علينا أن نقلق أيضاً..!" فالصراعات الطائفية لا تنتج إلا الطائفية, سواءً عندما تتقاتل أو تتصالح (...), فبعد كل تقاتل بينها كأطراف متحاربة تأتي بتسوية لا تعكس في الجوهر سوى موازين القوى الطائفية التي كرّسها التقاتل, أي أنها لم تكن تلغي الغلبة الطائفية والقهر الطائفي."( )

وللحديث بقية...

--------------------

هوامش:

1. يتعين في هذا الصدد ملاحظة أن الحوثي اليوم يتوسع ويتمدد في مناطق ومحافظات ستشكّل "إقليم معين أو إقليم صنعاء" كما يردد, وهو ما يحققه له مشروع الـ6 الأقاليم, الذي وقعت عليه غالبية الأطراف المتصارعة وتحالف القوى المسيطرة, ووقف الحزب الاشتراكي اليمني وحيداً في مواجهة هذا المشروع المجهول الذي يقسّم اليمن على أسس طائفية وجهوية, ويستجيب لمطامع الشركات الأجنبية ومصالح بعض الدول الخارجية. إن هذا الأمر يبعث مخاوف جدية عن إمكانية سعي الحوثي في السير نحو تحقيق خيار مجنون كهذا..!

غير أن ذلك يعزز من صوابية موقف الاشتراكي الرافض لهذا المشروع المجهول والمحاذير التي يطرحها حياله, بل ويعزز التخوفات من احتمالية وجود اتفاقات سرية تمت تحت الطاولة بين الأطراف المتصارعة قضت بتسليم "هذا الإقليم" للحوثي مقابل تقاسم بقية الأطراف للأقاليم الأخرى..!! وإلا كيف يمكننا أن نفسر توقيع الحوثي على مشروع الـ6 الأقاليم الذي تقدم به تحالف الحرب (حزبي المؤتمر والإصلاح) بورقة مشتركة, رغم الحالة التناقضية بينهما كأطراف متصارعة في الماضي والحاضر, ورغماً أيضاً على تأكيدات الحوثي بأنه يقف مع خيار الجنوبيين في تقرير مصيرهم..؟!

 2. إن ما تناقلته وسائل الإعلام من تفاصيل خبر خروج "حسين الأحمر" مرغماً من عمران وانتقاله إلى صنعاء على رأس موكب ضخم, ضم حوالي أربعين عربة محملة بمقتنيات شخصية وأملاك وخيول تابعة له, فضلاً عن قاطرة محملة بالأسلحة, يكشف جانباً بسيطاً عن مدى حجم الأرستقراطية المتخمة التي يمتلكها أولاد الأحمر.

3 . المقصود هنا إعادة توزيع السلفيين بعد تهجيرهم من معقلهم الرئيسي في دماج على بعض المحافظات, ومنها صنعاء وتعز والحديدة بناء على الاتفاق الذي أبرم بينهم والحوثي.

الجدير بالملاحظة هنا أن الاتفاق تم برعاية رسمية, لكنه في المحصلة النهائية لم يسهم في بسط سيطرة الدولة على أراضي النزاع, بل على العكس من ذلك, فقد تم تسليم تلك المناطق للطرف المنتصر..! السؤال الملفت للانتباه: كيف قَبِل السلفيون مثل هذا الاتفاق, رغم ما أبدوه خلال المعارك من تماسك واستماتة في الدفاع عن مناطق تواجدهم, وكيف لهم أن يقبلوا بمغادرة مركز "دار الحديث" الذي يحمل دلالة دينية ورمزية وتاريخية هامة بالنسبة لهم؟؟ ألا يطرح هذا تساؤل آخر حول احتمالية حصولهم على مكاسب وامتيازات فضلوا معها المغادرة على البقاء في دماج. وما صحة التسريبات الإعلامية من أنهم قد حصلوا على وعود رسمية باستيعابهم في مؤسستي الأمن والجيش, وهل إعادة توزيعهم في بعض محافظات الجمهورية هو تنفيذاً لبنود في الاتفاق لكي يتمكنوا من نشر دعوتهم..!

4 . نحو دولة علمانية, المحامي ألبير فرحات, دار الفارابي, بيروت, ط1/2001م, ص110.

قراءة 2059 مرات

1 تعليق

  • تعليق عبدالله العيسائي (السامعي) الثلاثاء, 21 تشرين1/أكتوير 2014 09:53 أرفق عبدالله العيسائي (السامعي)

    تلسلم الانامل التي كتبت صدق الحرف وضمير الكلمة .. فحقاً انت عقل يحتاج الى التفكر في ابداع الرحمن فيه .. يدوم عزك أخي عيبان السامعي

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة