مناضل لا يطاله النسيان

الإثنين, 09 آذار/مارس 2015 17:00
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

العصبوي لا يعرف الوطن ولا المواطن وهما غائبان في ممارسته ايضا؛ وفي منطقه تظهر العلاقات الاجتماعية على هيئة روابط طائفية أو عشائرية، ولأن العصبوي نقيض لدولة المواطنة يتجلى الإنسان في لبوس الرعوي وتحضر الأرض الوطن في نطاق الغنيمة؛ العصبوي لا يرى في اليمنيين مواطنين موجودين ضمن روابط وعلاقات اجتماعية هي نتاج للنظام الاجتماعي، كما أنها في تفاعلها جزء من شروط إنتاج ذلك النظام.

يدرك العصبويون جيدا ان مشروعهم السياسي بصبغته الطائفية والعشائرية لا تتحقق له فرص الوجود في حضور الدولة الوطنية، وكل قراءة للتجربة التاريخية للدولة الوطنية اليمنية، ـ وهي تجربة حديثة في التاريخ لا تتجاوز عمرها الثمانين عام ـ والتي أصبحت واقعا حاضرا ومعاشا في حياة الناس بانبلاج فجر ثورتي 26 سبتمبر 1962؛ و14 أكتوبر 1963؛ نستطيع أن نلحظ بوضوح ان الوطنية اليمنية بوعيها ومشروعها السياسي كانت وما تزال هدف اول لعدوان القوى الطائفية والعشائرية بمختلف مسمياتها.

من الواضح ان حالة العدوان المستمر تجاه الحالة الوطنية لم يعد خافيا بانه ضمن ادراك القوى الانعزالية ـ طائفية وعشائرية ـ أن الوحدة الوطنية للقوي الاجتماعية الشعبية على قاعدة الهوية اليمنية بأفقها العروبي مثلت أبرز محطات انهيار المشاريع الطائفية والسلطانية، وان الانقسام الوطني أثبت بأنه كان وما يزال احد الشروط الضرورية لسيطرة زعماء الطوائف والعشائر على الوطن، ضمن كل هذا وتبعا للشروط الاجتماعية الناتجة عن طبيعة التركيبة الاجتماعية التي تشكلت بفعل التعليم والارتباط بالعمل لاكتساب الرزق وهو ما جعل الغالبية السكانية من أبناء محافظة تعز تندرج ضمن فئات شعبية حديثة تجد مستقبلها ومصالحها الاجتماعية خارج اطار النظام الاجتماعي القديم لنظامي الامامة والسلطانات والنظام الاستعماري وبمساهمة من النشاط الفعال للحركة الوطنية اليمنية تجلت تعز كأحد أبرز حواضن العمل الوطني والتقدمي في اليمن، هذا الحضور الكثيف لتعز في التاريخ السياسي المعاصر لليمن الجمهوري جعلها دوما في دائرة الاستهداف المناطقي والطائفي ضمن إدراك واعي بأن هذا الاستهداف يسهم في كبح النضال الشعبي بأفاقه الوطنية والاجتماعية عبر إعادة توجيه حركته باتجاه صراعات مثقلة بحمولات الصراع الجهوي التي تودي إلى انقسام حاد بين الفئات الشعبية في قاعدة المجتمع، مع احتفاظ التركيبة الاجتماعية للنظام بالتحالفات التي تؤمن وحدتها الاجتماعية وتماسك مصالحها، بما يتيح لها إعادة إنتاج نظامها ومصالحها على حساب المجتمع، لعبت تعز والمحافظات الوسطى من اليمن الطبيعي كالضالع والبيضاء واب دورا تاريخيا في صناعة الهوية الوطنية اليمنية وفي حمايتها، ولهذا كان نصيبها من العذاب ضعفين من كل الانظمة العصبوية وهو ما يشهد به تاريخ الممارسة السياسية لنظام صالح الاستبدادي الذي يواصل حربه ضد قلاع الوطنية اليمنية منذ اكثر من ثلاثة عقود في امتداد اصيل لعصبوية النظام الامامي والسلاطيني.

في هذا السياق يأتي التسريب الذي بثته قناة الحوثيين منسوبا للرئيس هادي ومدير مكتبه مطابقا للطبيعة الطائفية والعشائرية لجماعة الحوثي ومتسقا مع ممارساتها التي لا ترى في اليمن إلا متحدا لطوائف وعشائر ولا ترى في اليمنيين إلا قبائل ورعايا، وبتحالفها مع علي صالح تسعى الجماعة الى توحيد قاعدتها الطائفية بإنتاج خصم من لون طائفي مختلف، في ذات الوقت الذي تعتقد واهمة بإمكانية ان يتيح لها السلاح والسيطرة على السلطة فرص التمثيل الفئوي على أساس سلالي، يجد بعض فرص تحققه في تحطيم قيم النضال الوطني اليمني وفي تشويه نماذجه ورموزه، أن هذه الممارسة التي تعمل منذ عشرات السنوات على تجريف بنى وقيم الدولة الوطنية على هشاشة وقلة ما تشكل منها في سياق الكفاح الوطني من اجل يمن ديمقراطي اتحادي، ترى في كل رمزية شعبية قيمة وطنية تعيق تشكل الدولة الطائفية، ولذا فهي تبقي د. ياسين سعيد نعمان، في دائرة استهدافها المباشر منذ العام 1990وحتى اليوم ويمكن ان نتذكر مستوى الاستهداف الذي طاله وشخصيات وطنية اخرى وقبل أطراف متعددة خلال الفترة ما بعد ثورة 2011، للدور المحوري الذي ادته في قيادة عجلة التغيير، قد اختلف او اتفق مع اراء د. ياسين سعيد نعمان، ومواقفه السياسية ورؤاه، غير انه يظل في تقديري نموذج فريد للسياسي المثقف المتشبع بروح الوطنية اليمنية وبالانحياز الى خيارات بناء الدولة الوطنية الحديثة، وبتاريخ طويل من النضال الوطني والتقدمي الجاد خلال أزيد من خمسين عام، تمكن د. ياسين من الحضور كرمزية وطنية نادرة جمعت بين حب الجماهير وتقدير نخب اعترفت منذ وقت مبكر بسعة وعمق تأثيره فهو وحتى حين لا تتفق مع تقديراته للموقف السياسي من بعض التحولات التي تطال المشهد السياسي وتأثيراتها يدهشك بقدرته على بناء جسور ثقه واتصال تفتح مجالات واسعة للحوار حول الحيثيات السياسية والقراءة التي يقيم عليها تصوراته، وكما انه ذو قدرة على إنتاج المعالجات في لحظة انسداد الافاق، لذا ليس منصفا ابدا إنكار دوره ومساهمته في صناعة التحولات الكبيرة التي شهدها اليمن، ولا انكار قدراته السياسية ورمزيته العالية التأثير التي تكونت عبر تاريخ طويل من العمل الدؤوب والقدرة الاستثنائية على التأثير في اوساط الجماهير وكذا في النخب مع فارق أن الأخيرة لديها وعيها الخاص بمصالحها المباشرة فتنحاز إلى تلك المصالح حتى حين تكون هذه المصالح نقيض لمصالح شعبية ووطنية اوسع، وكما أن استهداف الحواضن التاريخية للوطنية اليمنية هدف سياسي يومي للقوى الانعزالية في سياق حربها المستمرة ضد مشروع بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، يأتي استهداف د. ياسين سعيد نعمان في ذات السياق ولتحقيق هدف مزدوج بتدمير النموذج الذي مثله كقائد سياسي اشتراكي وطني وما يمثله من رمزية وحضور في المستويات المختلفة السياسية والشعبية وبما يجعله صاحب دور وطني.

يخشى منه كل أصحاب المشاريع الصغيرة والراغبين في سلطة لم تعد تغريه، ولأنهم يدركون ما يمثله أصبح إخراجه من دائرة التأثير السياسي هدف تلاقي حوله فرقاء وأضداد، قد يكون من المحزن مع شخص مثل د. ياسين أن خصومه يدركون قدراته أكثر من أصدقائه لذا واصل الخصوم استهدافه ودئب أصدقاء على أن يرسل إلى دائرة نسيان لا أعتقد أنها تطال امثاله.

قراءة 1657 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة