كم نحن ظريفون.. نهضتنا مرتبطة بفناء الآخر!

الأربعاء, 03 حزيران/يونيو 2015 20:14 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

كان المفكر الكبير محمد عابد الجابري قد لفت النظر الى مسألة شائكة في الفكر العربي النهضوي وهي ان المفكرين العرب دائما يربطون ربطاً «حتمياً» بين «نهوض» العرب و»سقوط» الحضارات الاخرى وخاصة الحضارة الغربية!.

لهذا انشغل المفكرون العرب باختلاف مشاربهم بالتبشير بسقوط الغرب. الاسلاميون يبشرون بسقوط الغرب بسبب تراجعه الأخلاقي وبعده عن الدين. والليبراليون يبشرون بسقوطه بسبب تنكره لقيم الحرية والرفاه. واليساريون يبشرون بسقوطه بسبب تناقضاته الرأسمالية والطبقية.... الخ.

كما انشغل القادة الشعبويون القوميون في عصر الثورة ببناء القدرات العسكرية أكثر من بناء القدرة العلمية والتصنيع والتنمية. وأبرز نموذج لربط نهضة العرب بسقوط الآخر (أو ربما بإفناء الآخر) هو ربط الوحدة العربية والنهضة العربية بسقوط اسرائيل ورميها في البحر!.

 لاحظت أيضاً ان العرب والمسلمين هم الوحيدون من بين كل الثقافات الذين لا يرون نهوضاً لهم إلا بإسقاط الآخرين. فلننظر مثلاً الى نهضتي الهند والصين المعجزتين اللتين قامتا على أساس الاستفادة من الآخر والتفاعل معه والمقايضة العولمية مع المنافس بدلاً عن إسقاطه أو إفنائه!.

وتخيلت لوهلة أي سيناريو مرعب كان سيحدث لو ربط الهنود نهضتهم بسقوط الغرب، أو لو فعل الصينيون ذلك. وماذا لو اتجه المليار هندي أو المليار صيني للسعي لإسقاط الآخر أو القضاء علی الغرب بدلاً عن الانشغال بالتصنيع والإبداع والمنافسة وبناء الاقتصادات الأضخم في العالم!.

ان الحالة القصوى لربط نهضتنا بسقوط الآخر تتمثل في الخطاب الديني المعاصر الذي يختم كل خطبة جمعه بدعاء مخلص يطلب من الله فيه ان يدمر الغرب (ومن والاهم) وان يشتتهم وييتم أطفالهم ويسبي نساءهم. وهي الممارسة الاسبوعية التقليدية التي نؤمن عليها (آمين) بخشوع عقودا تلو عقود!.

للأسف ما زال وعينا النهضوي يراوح عند هذا الوعي الكارثي الفاشي الذي لا يرى مكاناً له في العالم إلا بإفناء الآخرين أو استبعادهم واحتلالهم. فالنهضة عندنا تبدأ بذلك الحلم الداعشي الذي يسكن كل مسلم والذي يحلم بصلاح الدين جديد أو محمد الفاتح جديد يكتسح أوروبا وأمريكا ويفرض الجزية ويحولهم الى تابعين لنا نحن الذين سنقود الانسانية بعد ذلك ونبني نهضتنا المرجوة.

هناك خلل كبير، ليس في وعينا النهضوي فقط بل وحتى في إحساسنا الانساني أيضاً.

***

نحن ضد العقل، ضد التفكير، ضد الحرية، ضد التغيير، ضد الآخر،

ضد الحب، ضد الموسيقى، ضد الرقص، ضد الرسم،

ضد الكتب، ضد الاختلاف، ضد الديمقراطية،

ضد الثقافات الأخرى، ضد حرية العقيدة،

ضد الأديان الأخرى، ضد المذاهب الأخرى...

تاريخنا حروب، ولغتنا فاشية، وفقهنا غنائم وسبايا،

وزينتنا بنادق وخناجر، وشعراؤنا الكبار مراسلون حربيون لوصف معارك دكّ الخيام، وجز الرؤوس وسبي النساء...

ومع ذلك نتساءل، وببراءة:

من أين أتت داعش؟

ومن أين أتى الحوثيون؟

ومن أين أتت بوكوحرام؟

ومن أين أتي العنف والإرهاب؟

كم نحن ظريفون!.

قراءة 1912 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة