المشاريع الطائفية تغذي بعضها وتنتعش في وجود نقيضها

الأحد, 06 أيلول/سبتمبر 2015 18:30 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)


تحدينا التاريخي هو الانتقال من "تحديث التخلف" الی"الحداثة" الحقيقية

 انكار وجود وتوسع القاعدة في اليمن دفن للرؤوس في الرمال. وادعاء ان الحوثيين هم البديل عن القاعدة محاولة لاطفاء النار بالبنزين.

حتی 21 سبتمبر 2014 كانت المعركة ضد القاعدة معركة وطنية تقودها الدولة بتاييد كامل من المجتمع. لم يكن هناك من يؤيد القاعدة إلا متطرفي السلفيين و متطرفي الجناح السلفي في الإصلاح.
عندما بدأ الحوثيون معركة "شاصات الله" في البيضاء في اكتوبر 2014 كانت تلك نقطة التحول في تحويل المعركة ضد الإرهاب من معركة وطنية الی معركة طائفية بين "السنه" و "الشيعه".
اختطفت حركة مذهبية سلالية قضية مكافحة الإرهاب وحاولت استغلالها للقضاء علی الخصوم والتوسع في السيطرة علی المدن وكانت النتيحة ان تحولت القاعدة الی جزء من النسيج المجتمعي المقاوم لحروب الحوثيين وانتقلت من خانة " الإرهاب" الی خانة "المقاومة".
القاعدة مشروع طائفي والحوثية مشروع طائفي بالمثل.
القاعدة لا تخاطب اليمنيين لكنها تخاطب "ابناء السنه" لمواجهة "الروافض والعلمانيين والملحدين". والحوثيون لا يخاطبون اليمنيين ولكنهم بخاطبون ابناء السلالة و مقاتلي الطائفة لمواجهة "الدواعش والتكفيريين والعلمانيين والمتخاذلين". 
لا يمكن مواجهة المشروع الطائفي الدموي للقاعدة بدعم او تجاهل المشروع الطائفي الفاشي للحوثيين
المشاريع الطائفية تغذي بعضها وتنتعش في وجود نقيضها. والنقطة الاولی والأساسية في الحرب علی الإرهاب هي استعادة الدولة من يد الميليشيا الطائفية وعودة الحرب ضد الإرهاب من يد الطائفة الی يد الوطن.
فقط عندما تنسحب الميليشيا الطائفية من المدن والشوارع والمؤسسات تصبح المعركة ضد الارهاب ممكنه.

***

أعلنت الحكومة اليمنية في الرياض تعز مدينة منكوبة..وقبلها كانت قد اعلنت عدن ولحج وابين. الملفت للنظر انها حتی الآن لم تعلن صعده مدينة منكوبة.
لا تملك الحكومة المنفية الالتزام الاخلاقي والوطني للافصاح عن مأساة صعده التي دمرتها آلة الحرب السعودية وارتكبت فيها جرائم حرب وثقتها التقارير الدولية.
صمت هادى والوزراء تصريح مفتوح بالقتل لطيران التحالف ودليل واضح علی عدم اكتراثهم بأرواح اليمنيين.
صعده لا زالت غائبة عن خارطة الوطن وضحية لألعاب الحرب القذرة.

***

تبخر الحل السياسي بين طرفين:
-
طرف يطالب "بالتنفيذ الفوري" للقرار 2216 ويرفض اي نقاش حوله، بل ويسعی أيضا لإلغاء اي وجود سياسي للطرف الآخر وهو الامر الذي يتعارض مع القرار نفسه.
وطرف يسعی لاعادة تفسير القرار بما يلغی القرار نفسه ولا يتجاوز خانة "التعاطي الايجابي" الی خانة "القبول" الحقيقي.
طرف يفاوض بغرور الحسم الميداني السريع . وطرف يفاوض بوهم النصر الإلهي الحتمي.
المفاوضات لم تبدا بعد بعد حوالي 5 أشهر عن الحرب. و ربما لن تبدا أبدا. لا يوجد ارضية مشتركة للحوار ولا اهداف مشتركة ولا مواضيع مشتركة حتی!
يقامر الطرفان بارواح اليمنيين وبمستقبلهم وبالوطن باكمله.

***

 يبدو هادي وحكومة المنفى الاوفر حظا في الخيارات لكن مع عجز واضح في استعلال هذه الخيارات وتحويل النصر العسكري الى واقع سياسي. هذا قد يؤدي الى سقود الجنوب والمناطق المستعادة في فراغ خطير قد يؤدي الى الفوضى.
يتماهى موقف هادي مع موقف السعودية في رفع سقف التفاوض ومحاولة عرقلة الحل السياسي في الوضع الحالي الى حين تحقيق مزيد من التقدم على الارض.
لا يملك الحوثي وصالح الكثير من الخيارات لهذا يستمرون في المواجهات العسكرية بدون افق واضح لها وفي ظل ثمن انساني غالي جدا وتصعيد للمشاعر المناطقية والطائفية
سيستمر جناح الحوثي وصالح في في لعبة المفاوضات ولكن على اساس "التعامل الايجابي" مع القرار 2216 وليس "القبول" بالقرار.واعادة تفسير القرار بما يتناقض مع جوهر القرار نفسه.
يتواجد الاخوان بكثافة في الوسط والشرق. وفي ظل التوجس الخليجي تجاه الاخوان سيسعون لتحقيق تقدم ميداني في مناطق قوتهم العسكرية واستخدام ذلك كورقة لتحسين الوضع التاوضي في المستقبل.
ستستمر القاعدة في التجنيد والتدريب في الجنوب تحت شعار حماية "اهل السنه" في نفس الوقت الذي تسعى فيه لنقل المعركة ضد الحوثيين الى الوسط والشمال. وقد تفجر القاعدة مفاجاة تقلب الموازين اذا قررت استغلال الفراغ الامني والحكومي في الجنوب.
الدبلوماسية الامريكية والدولية لا تملك الكثير من الخيارات في ظل السيطرة العسكرية السعودية الكاملة وشراء المواقف الدولية بصفقات السلاح والنفط.
ويختتم التقرير بذكر السيناريوهات الثلاثة المتوقعة للصراع (التسوية السياسية- الحسم العسكري- الفوضى والتفتت)

***

لم يعد هناك الا نوعين من المجتمعات: المجتمعات التقليدية والمجتمعات المتقدمة.
المستقبل هو هدف المجتمعات المتقدمة. بينما الماضي هدف وغاية المجتمعات التقليدية.
تستخدم المجتمعات المتقدمة منتجات العلم والتقنية للتقدم الی الامام ولفتح آفاق اكثر نحو سعادة الانسان ورفاهه.
اما المجتمعات التقليدية فتظل أسيرة الماضي.وحتی عندما تستخدم العلم والتكنولوجيا ومؤسسات الحداثة تستخدمها لبعث الماضي لا لبناء المستقبل.
تستخدم وسائل الاعلام لنشر التطرف والخرافة والنزعات الطائفية لا لنشر العلم والمعرفة. وتستخدم الديمقراطية لبعث حركات الاحياء المناطقي والطائفي وايصال اكثر الجماعات تخلفا الی السلطة لا لحماية مصلحة المواطن. وتستخدم مؤسسات التعليم لنشر الفكر اللاعقلاني المتشدد وتدمير التفكير النقدي. وتستخدم مؤسسات المجتمع المدني لنزع الصبغة "المدنية" وتحويل الی مجتمع الی كتائب رقابة دينية.
هذا هو القدر التناقض للمجتمعات التقليدية. المزيد من التحديث التكنولوجي يؤدي الی المزيد من التخلف والطائفية.
واي استخدام للعلم والتكنولوجيا قبل حسم مسالة الحداثة لا يعدو ان يكون تحديثا للتخلف وتسليحا للرجل البدائي بأحدث الأسلحة الفتاكة.
تحدينا التاريخي هو الانتقال من "تحديث التخلف" الی"الحداثة" الحقيقية.

***

الزمن عند العربي مسطح ذو بعدين فقط (الماضي والحاضر).
أين المستقبل اذا في الوعي العربي؟
الجواب: لا يوجد مستقبل لان المستقبل هو الماضي!
وعندما يفكر العربي في المستقبل فانه فكر في إعادة بعث او إحياء لحظة ما من لحظات الماضي.
المستقبل عند الاسلامي هو إعادة إحياء ماضي الخلافة في عز قوتها.
والمستقبل عند القومي هو بعث ماضي الإمبراطورية العربية في أوج مجدها.
والمستقبل عند اليساري هو استيحاء لهذه التجربة التاريخية او تلك في العدالة الاجتماعية والملكية المشاعية.
كلما حاول العرب التخطيط لمستقبله يجد نفسه فجأة بعود للماضي
فالمستقبل ليس المثال الذي نسعی لتحقيقه بناء علی خطة معينه، ولكنه مشروع منجز في الماضي مطلوب مننا فقط ان ننبش الغبار عنه ونعيد نصبه في الحاضر.
المستقبل مجهول عند الامم الاخری. لكنه عند العربي معلوم ومنجز. المستقبل العربي لا يحتاج لتخطيط وانما تقليد. فهو موجود هناك ومعلب وينتظر فقط اليد التي تمتد له!
الزمن العربي لا زال يفتقد بعده الثالث المستقبل. الماضي لا زال يبتلع المستقبل والحاضر معا.

***

تحت هذا القصف الشديد من طائرات العدوان السعودي لا تفارق مخيلتي صورة شاحنة تبريد الدجاج النمساوية التي اختنق داخلها 71 مهاجرا غير شرعي اغلبهم من السوريين.
ترك المهربون شاحنة الموت داخل احدی الغابات وفروا. ظل اللاجئون المحبوسون يدقون جدران الشاحنة من الداخل دون ان يسمعهم احد. اختنقوا وماتوا رجالا ونساء وأطفالا. عثرت عليهم الشرطة بعد أيام وقد تحللت اجسادهم واختلط لحمهم مع وثائق سفرهم!
ذكرتني المأساة برواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني التي كتبها في الستينات و صور فيه موت 3 لاجئين فلسطينيين اختناقا أثناء تهريبهم في خزان مياه من العراق الی الكويت.
احس اللاجئون بالاختناق بسبب لهيب الشمس الحارق لكنهم لم يجرؤوا علی دق جدار الخزان حتی لا يكشفهم حرس الحدود. وانتهت الرواية بالصرخة التي أصبحت رمزا للماساه الفلسطينية " لماذا لم يدقوا جدار الخزان؟"
اللاجئون السوريون الموتی دقوا جدار الخزان طويلا ولم يسمعهم احد. ومن يستطيع ان يسمع صرخات أكبر شعب لاجيء في العالم.
اما اليمنيون فهم يدقون جدار الخزان الملتهب منذ 5 شهور ولا يتلقون الا المزيد من اللهيب.انهم محرومون حتی من فرصة الهروب واللجوء.
يبدو اننا سنقرع جدار الخزان طويلا..

***

يذهب اللاجيء العربي-المسلم الى اوربا ويطالب باسم حقوق الانسان والعلمانية وحرية الضمير ان يتم استقباله وتوفير سكن له ولعائلته ومدرسة مجانية لأولاده وبناء مسجد في الحي القريب وتمكينه من ممارسة عباداته في الاماكن العامه.
وما ان يحصل على ذلك حتى يبدا بلعن "الغرب المتفسخ اللااخلاقي" و "العلمانية الملحده" ويعلم أولاده ان هؤلاء الذين استقبلوه واعطوه مالهم وجنسيتهم وارضهم ليسوا الا مجموعة من النصارى والمنحرفين الانجاس الذين يجب تجنبهم.
يتمرد العربي-المسلم اللاجيء في الغرب على كل المباديء التي ضمنت له الحياة الكريمة والمواطنة المتساوية ويطالب بشده بتطبيق كل المباديء الكارثية التي شردته من بيته ووطنه وصادرت حريته.

***

مفهوم الحرية عند العربي-المسلم مرتبك واشكالي.
واذا تحدثنا عن مفهومه لحرية التدين يصير الموضوع اكثر استشكالا.
1- 
حرية المسلمين فقط:
الحرية حالة شامله لا يمكن اعطاءها لجماعة وحجبها عن اخرى. لكن حين يتحدث العربي-المسلم عن "حرية التدين" فانه يفهمها كحق من حقوق المسلمين لا كحق للانسان مهما كانت ديانته.
لهذا ترتفع الأصوات المطالبه ببناء المزيد من المساجد في الغرب، بينما تثور عواصف الغضب والتنديد بسبب قرار بناء معبد هندوسي وحيد في الإمارات.
بهذا الفهم الحصري تصبح الحرية الدينية حرية المسلمين فقط في ممارسة ديانتهم في كل مكان وبلا قيود وليس بالضرورة حرية كل الناس في ممارسة دياناتهم.
وبنفس المفهوم نحتفل بتحول عدد من اتباع الديانات الأخرى الى الإسلام بينما نعتبر تحول مسلمين الى المسيحية مؤامرة صليبية ضد المسلمين.
2- 
حرية المرة الواحده:
الحرية حالة دائمة لا تنتهي ولا تعطل تحت اي ظرف. لكنها في العقل العربي-المسلم حالة مؤقتة تستخدم مرة واحدة وتنتهي. يعترف العقل العربي -المسلم بحرية اي شخص في اعتناق الإسلام، لكنه لا يعترف بحريته في الخروج منه او في اعتناق اي دين آخر .
الحرية الدينية في العقل الديني "مثل عود الكبريت" تستخدم مرة واحده وتنتهي بمجرد اتباعك للدين القويم. يفقد المسلم حريته الدينية بمجرد اعتناقه للاسلام ولا يبقى امامه الا سيف الرده.
ان الحرية حق شامل ودائم لا تحصر بجماعة ولا تنتهي باتباع شخص ما عقيدة معينه. الحرية المحصورة والمؤقته ليست حرية وانما عنصرية دينيه متخفيه.

***

غادرت أسرتي قريتنا الى صنعاء قبل 35 عام..
لم تسألنا صنعاء عن مذهبنا او قبيلتنا. لم تفتش في بطاقات هوياتنا ولم تراقب سلوكنا و أفكارنا . ولم تتعال على ثيابنا الريفية الملونه.
فتحت صنعاء ذراعيها للجميع وصهرتهم تحت هوية المواطنة. التقينا آنذاك وكنا آلافا من الغرباء والريفيين والبدو و المهاجرين العائدين وعابري السبيل
نسينا كل هوياتنا الصغيرة وتحولنا الى طلبة وعمال وموظفين وتجار وجنود
البعض رفضها لكنها لم ترفض أحد. والبعض كرهها لكنها لم تتبادل الكراهية مع أحد. والبعض غادرها لكنها لم تغادر أشواقه وحنينه.
فقدت الكثير من المدن تسامحها ومدنيتها وبريقها وبقيت صنعاء تقاوم. رفضت قدر ما تستطيع ان تتحول الى قرية كبيرة او مزرعة طائفية.
قبل 35 عاما اتيت صنعاء طفلا من الريف. ولا زلت طفلا ريفيا اذرع طرقاتها واتلمس حكاياتها وافتش عن جن سليمان وكنوزه وحكاياته في حواريها وجبالها.

 ***

 

القتل في سبيل الإله هو ذروة الجريمة الإنسانية.
انها الحالة الوحيدة التي يؤنب فيها القاتل ضميره لأنه لم يقتل أكثر!

نقلا عن الثوري 

قراءة 2402 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة