السيرة الذاتية السياسية في اليمن.. الهروب من الحقيقة

الجمعة, 14 آذار/مارس 2014 19:22
قيم الموضوع
(0 أصوات)

تناول العديد من السياسيين اليمنيين التاريخ السياسي الحديث لليمن ولكنهم كانوا يقفزون على محطات مهمة في تاريخ اليمن. أو يقذفون ببعض العبارات التي تفتح أبواباً واسعة من الأسئلة حول ما حدث حينها. وهم على الأغلب قفزوا مثلاً من فوق الظروف الغامضة التي قتل فيها إبراهيم الحمدي وأخيه واختفى العديد من رموز.

سأتناول هنا كتاب «خمسون عاماً في الرمال المتحركة» للمؤلف الاستاذ محسن العيني. أولاً الاستاذ العيني قامة كبيرة وشخصية كانت جديرة فعلاً بكل الأدوار التي قام بها.. فهو من اكثر المسؤولين الذين تولوا وزارات في تاريخ اليمن الحديث.. خمس وزارات.. اربع في عهد الارياني وواحدة في عهد الحمدي.

أما في ما يخص الكتاب فإنه للأسف لم يكن رائعاً بقدر روعة تاريخ محسن العيني نفسه.. لأسباب سأحاول إيجازها فيما يلي:

لم يتطرق العيني لبعض الفترات في تاريخ اليمن الحديث بعد الثورة رغم انه كان حاضراً.. ربما كان ذلك بغرض تتويه القارئ تارة، وتارة أخرى لأنه يشعر بالحرج من ذكر شخصيات أثرت سلباً في التاريخ اليمني وهم ما زالوا على قيد الحياة وتربطهم به صلات صداقة.

مثلاً لم يتطرق العيني كما يجب لموضوع عبدالرحمن البيضاني وهو من أسوأ الشخصيات التي أثرت سلباً في يمن ما بعد الثورة.. رغم ان الكثير قد اشار اليه.. فالزبيري كان يحذر الثوار منه قبل الثورة لأنه كان مصرياً اكثر منه يمنياً.. كما انه كان سبب شق الصف الوطني بعد الثورة.. كما ان العيني لم يتطرق كيف ان الثوار لم يتحملونه بينهم.. وكيف تم عزله وطرده إلى مصر.. ربما لم يتطرق العيني لذلك لأنهما ظلا معاً اصدقاء إلى ان توفي عبدالرحمن البيضاني تقريباً قبل عامين..

لم يتطرق العيني ايضاً لواحدة من أسوأ الشخصيات في تاريخ ما بعد الثورة.. وهي (هادي عيسى) الذي قاد أبشع عمليات تصفية للمعارضين للنظام الجمهوري.. ليس من الملكيين فقط.. لكن حتى من الجمهوريين الذين عارضوا السلال.. واشتهر بأنه كان يرميهم إلى بئر قريبة من صنعاء.. (مكانها قريب من مستشفى الثورة حالياً بحسب ما أورده البعض).. حتى ان العيني نفسه قد اشار على استحياء إلى هذا الموضوع حينما قال إن بعد الثورة مباشـرة عندما عاد إلى صنعاء أمروه بأن يغادر صنعاء إلى الولايات المتحدة وكان هناك من رافقه ليتأكد من المغادرة وإلا فإنه سيتم اغتياله (وقد ذكر جزيلان... أنه كانت لديهم تعليمات بقتلي في صنعاء إذا لم أغادر البلاد في صباح اليوم التالي لوصولي.. وأن السيارة المكلفة لهذه المهمة كانت معدة في ساحة القصر الجمهوري) صفحة 54.

للأسف قفز العيني على هذه الجملة المرعبة التي توضح مدى الديكتاتورية التي تمتعت بها أول حكومة في الجمهورية العربية اليمنية والتي كان من رموزها البيضاني وهادي عيسى وحسن العمري..

كما ان الاستاذ العيني لم يتطرق لأعظم حدث مؤلم بعد الثورة بـ3 سنوات.. وهي قضية اغتيال الزبيري.. هناك اسئلة كثيرة كان المفروض ان يجيب عليها العيني. لماذا انشق الزبيري عن الحكومة بعد فترة وجيزة؟ ماذا كانت مطالب الزبيري؟؟ من كان معه؟ من قتله؟؟ من الذي قام بتهريب القتلة من السجن؟؟

أكرر بأنه كان يتوجب على الاستاذ العيني الاجابة لأنه لم يكن شخصاً هامشياً في تاريخ اليمن الحديث حتى يجهل مثل هذه المعلومات..

أيضاً لم يتطرق الاستاذ العيني للانقلاب على السلال.. ولا حصار السبعين (ملحمة السبعين) والتي حصلت أثناء توليه رئاسة الحكومة وأقيلت حكومته على إثرها وتم تشكيل حكومة حرب برئاسة العمري. ولم يشرح ما هو موضوع مقتل الحرازي الذي قتله العمري رغم انه كان حدثاً مهماً وله نتائج مهمة جداً على الحياة السياسية..

كما لم يتطرق لموضوع مقتل الحمدي.. وهو أهم حدث على الاطلاق في اليمن بعد الثورة. ومر عليه كأنه حدث عابر..

وهناك نقطة يجب ان اذكرها.. وهي أن هناك تناقضاً في شخصية العيني التي تظهر بأنها متحررة ومدنية.. لأنه لم يذكر اسم زوجته ولم يشر لها رغم أنها أشهر زوجة سياسي يمني.. حتى أن وثائق ويكيليكس ذكرتها بأنها كانت تجتمع بزوجات سفراء الدول الغربية (في الستينيات) وتناقش معهن الاوضاع السياسية في اليمن.

وهي روائية وكاتبة نشـرت حوالي خمس روايات تشتهر باسمها (عزيزة عبدالله) كما ان لها نشاطات في مجال المرأة منذ الستينيات.. أي قبل ان تظهر أي امرأة على الساحة اليمنية.

طبعاً لم يذكر العيني اسم زوجته.. لأن تأثيرها كان كبيراً جداً على حياته إن عرفنا أن اسمها كاملاً هو (عزيزة عبدالله ابو لحوم) فهي أخت الشيخ سنان ابو لحوم. وكان ثلاثة من أخوتها من أهم صناع القرار منذ بداية الثورة إلى مقتل الحمدي.. بالإضافة إلى ثقل والدها وأسرتها في مكانتهم القبلية كمشائخ كبار. كل هذا جعل محسن العيني يتحاشى ان يذكر ذلك..

أريد أن أؤكد على أن الاستاذ العيني أهم من قاد حكومة في تاريخ اليمن بعد الثورة.. لكن بالنسبة لتأليف الكتاب فالأمر يختلف. وأعتذر مقدما عن كل ما كتبت من كلام قاسٍ.. لكن عادة ما يتم تداول الاشياء الايجابية وهي كثيرة في الكتاب.. فأنا اتفق معه في رسم صورة عبدالناصر وفي رسم صورة الحمدي.. فعبدالناصر مثلاً تعامل مع اليمن كأنها مستعمرة مصرية ولا يوجد أقذر من ان يتم حبس أحمد النعمان ومعه أكثر من أربعين وزيراً ودبلوماسياً في مصر.. حتى قال النعمان جملته الشهيرة: (كنا نطالب بحرية القول فأصبحنا نطالب بحرية البول).

وكما قلت الايجابيات كثيرة وسيتم تناولها.. لذا قررت أن أثير بعض القضايا السلبية.. لكي تكون في القراءة نوع من المصداقية.. فما بين يدينا هو تاريخ بلدنا.. عاشه وصنعه آباؤنا ونحن نجني ثماره إلى الآن..

قراءة 2475 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة