الطريق الى الشيوعية

الثلاثاء, 26 كانون2/يناير 2016 19:09 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

من بين الأشياء الكثيرة التي أضطلعت الشيوعية في رسمها بوضوح كافي للبشرية بعد ان خلصتها من كل خلاص كان محاطا حتى وقت قريب بالمثالية ويتراءى للانسان دوما من خلال قالب مثالي مستعصي، من بين تلك الاشياء ان الانسان اصبح بمقدوره الحصول على حياة مثالية وفقا لقانون التطور المادي، بفهمه ومواكبة حركته، بمعنى آخر من خلال نبذ أي مثالية أثناء المسعى. أو أثناء السيرورة ان كان هذا المصطلح سيعني ما اريد قوله. (حياة مثالية تعني هنا انه لم يسبق ان تحققت في الواقع)

حسنا لست متعمقا في الامر وكل ما اردت قوله ان أحد الفرص اﻵخاذة لتحقيق حياة كاملة للانسان تكفلت بها الشيوعية وأوضحت الطريق اليها.

سأصل اﻵن الى فكرتي: هذا الشيء الثمين ان الانسان ﻷول مرة لن يكون محكوما باتجاه اجباري. هذا مصطلح مروري لكن معناه في حياتنا هذه أكثر صرامة وأشد بؤسا.

قد تكون رساما مبدعا، ليس ﻷجل الموهبة وحدها ولكن استشعارا لتلك الرغبة الجامحة في الداخل الانساني اتجاه الرسم وقد تتطور هذه الرغبة من خلال فرص شحيحة.

 وﻷنك رسام وجد في عائلة تمتهن النجارة مثلا وأجبرك هذا التأهيل الاسري رغم عدم حبك للنجارة على أن تصبح نجارا كأسهل طريقة للحياة أو كطريقة ممكنة في واقع يزداد صعوبة يوما عن يوم وتتضاءل ممكناته. نجارا لكي تتمسك بفرصة بقاءك حيا، وستتراءى لك فرص ان تغدو الرسام الذي تحب ما بين وقت وآخر، هذا ان تركت لك الحياة فرصة ان تعي هذه الرغبة، لكن الذهاب خلفها سيعني انك سلمت حياتك للمجهول ولدينا ثقافة متجذرة تظل تخبرنا ان عصفور في اليد خير من عشرة فوق الشجرة، وان الحياة عمل وزواج ودورة غريزية أخرى، وهذه حياة بأي معنى لا تحقق للانسان وجوده.

عندما كنت طفلا كان لدي أقران نوابغ في بعض مجالات الحياة، منهم من يستطيع ان يتفوق على ميسي عندما كان في مثل سنه، ومنهم من يسحرك وهو ينسج قصص من بنات خياله او يحكي لك عن تفاصيل عائلية. مثلا كان صديقي عادل نور شاعرا في الخامسة عشرة سيدهشني اﻵن أكثر مما قد يفعل بودلير وقد اصبح في الخامسة والعشرين.

اخترت النجارة لان معظم اقراني اصبحوا نجارين باختيار منهم او كرها ثم انني جربت النجارة لعامين على فترات متقطعة لكن لم يوجد في اسرتي نجارا يقرر مصيري الحتمي او من يتبرع في مساعدتي على ذلك. لا اعرف ان كنت سأبرع كنجار وهناك شروط اخرى تجعلني حتى هذه اللحظة غير قادر على تحديد ما الذي اريده حقا من هذه الحياة.

كان جدي "مشارعا" ولا يقبل بأن يلحقه الظلم او يلحق بمن يعرف وسمعت ابي وانا صغيرا وعندما كبرت يتحسر لانه لم يدرس الحقوق لكي يصبح محاميا ناجحا وعمي الاصغر لطالما لم يكمل دراسته العليا وكان لديه كتب طويلة تتحدث عن الموسيقى، عمي هذا أصبح محاميا "تقليديا" في نهاية المطاف بينما درست الحقوق وكرهت ان أصبح محاميا.

في الشيوعية بوسعك ان تكون محاميا ونجارا ورساما ولاعب كرة قدم ﻷن ذلك الاتجاه الاجباري للحياة قد شطب نهائيا وردمت اثاره في قاع سحيق وإلى غير رجعة، وهذا كله بفعل نضالات متراكمة وواعية وليس عن طريق اجترار المثالية وتسليم دفة القيادة للوهم.

واﻵن أتساءل: هل من المفترض ان يحكمنا التوجه الاجباري للوصول إلى الشيوعية ام يمكننا تمثل بعض مميزاتها في طريقنا الشاق اليها؟

لا اريد ان تصبح الثورة او السياسة او الادب او اي شيء آخر مهنة وحيدة لي. اريد ان اقوم بذلك الى جانب القيام بكل شيء أحبه. مثلا اريد ان اكتب منشورات عن القات كما يفعل مروان كامل الذي اظل احاكمه بأنه يصلح لمهمة أكبر من كتابة منشورات عن القات. احاكمه ولا اتوقف عن وضع اعجابات حقيقية على ما يكتبه لطالما يمكنني ادراك انه حقيقي في ذلك واحيانا مقامر لمجرد ان المهمة التي اعتقد انها تليق به قد تسلبه جزء ثمين من حياته. لعله استشعر ذلك ويستطيع المقامرة الى أبعد مدى.

الطريق الى الشيوعية وهو كفاح قد يستمر لقرون ولا يحقق الكثير لابد ان ينطلق اولا من الامتثال لتلك الحياة التي ننشدها ومن خلال استثمار كل الممكنات التي توفرها لنا شروط الواقع. وقبل ذلك الثورة على منظومة القيم التي تحكمنا سواء سعينا الى الخلافة الاسلامية أو الى الشيوعية. من غير المعقول ان تحكمنا نفس الثقافة ونفس القيم في اي توجه واعي نختاره. اما وقد حددنا ما نريد فإنه سيكون من الجيد العودة بذلك الوعي خطوة الى الخلف ليرشدنا بكل ما يمكننا اهماله او التزود به في هذه الرحلة التي حددها لنا.

اقصاء انفسنا وهذه الجدية التي نتحلى بها من اجل تحقيق اهداف كبيرة في هذه الحياة، وان كانت اهداف محكومة بقوانين التاريخ، بهذه الطريقة لن نصل الى تلك القمم إلا وقد اصبحت سهول ومستنقعات. أهداف كبيرة لكنها تشوهت وتقزمت بما يكفي اثناء ما كنا نحث السير اليها عبر متاهات مفارقة لطبيعتها.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://telegram.me/aleshterakiNet

قراءة 1783 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة