الرئيس هو المعرقل

الأربعاء, 26 آذار/مارس 2014 22:43
قيم الموضوع
(0 أصوات)

يعيش عبد ربه منصور هادي أيامه الحالية في كرسي الرئاسة، متخففاً من ذلك القلق الذي لازمه خلال فترة سابقة، ولا أقصد هنا قلق الرجل الذي يفترض به ذلك بعد تسلمه بلداً منهاراً، يعاني من تفكك وصراعات معقدة، إلى جانب وضع اقتصادي في أسوأ حالاته، وفساد مالي وقيمي يتحكم بكل أجهزة الدولة ومرافقها، ذلك أن هذا القلق يزداد بالنظر الى الوضع الحالي الذي تدهور أكثر، ولا يزال، بل وأخذ منحنيات أكثر تعقيداً وخطورة.

تأتي مغادرة الرئيس "الجنوبي" لدائرة القلق التي لم يجتزها بعد، ولا أعتقد أن ذلك سيكون سهلاً بالنسبة له، غير أنه ابتعد بالفعل خطوات كثيرة عن مركزها من كونه حقق نجاحات شخصية، واستطاع الحضور وسط مراكز النفوذ في الدولة كأحد الأقوياء، وهو الذي قضى ما يقارب عقدين من حياته كنائب رئيس منزوع الصلاحيات، وبدون قرار، ولا يشكل أي رقم أو حضور في أي من مجالاته المفترضة سياسياً ووظيفياً، إذا استثنينا أيام الأعياد والمناسبات الوطنية.

من يتابع تحركات هادي منذ تسلمه مقاليد الحكم وقراراته، سيلاحظ كيف أنه كان يتعمد تقليص نفوذ طرف ما، في الوقت الذي ينحاز الى طرف آخر، ليعود مرة أخرى، ويعكس المعادلة، ولو بحذر. بيد أنه في كلا الحالتين يعزز من تواجده كطرف ومركز نفوذ جديد، بعيداً عن الوطنية، معتمداً في الدرجة الأولى على جنوبيته التي أدرك من البداية أنها ستمثل له رافداً من روافد القوة التي ستوضع بين يديه، إلى جانب الدعم الدولي اللامحدود، والتوافق الداخلي المعزز بدعم شعبي واسع.

هادي ليس بالرجل القوي الذي تطلعنا إليه، وأملنا أن يستفيد من كل الدعم الدولي والمحلي اللذين لم يحظَ بهما أي رئيس سابق، وإلى جانب ذلك يشعرنا الرجل بخذلان مرير، في اللحظة التي لا يستطيع هو ذاته التجول في شوارع صنعاء حتى بحراسة مشددة، وبعد دخوله السنة الثالثة في كرسي الحكم، وبين يديه قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، عوضاً عن أنه رئيس دولة يفترض أنها تمتلك جيشاً وأمناً يستطيعان حماية المواطن العادي في الشارع، فما بالكم برئيس جمهورية هو في نفس الوقت المخول بهيكلة هذا الجيش على أسس وطنية، ومنذ أكثر من سنتين.

استغل الرئيس جنوبيته في لحظة كان يجب عليه استغلال منصبه ووطنيته، وبدلاً من أن يظهر وهو يسير بهذا الثبات نحو هدفه الشخصي في البقاء لمدة أطول في الحكم باسمه أو بتحالفاته ومراكز النفوذ الجديدة التي يصنعها، ويمكنها من أسباب القوة والسلطة تدريجياً، كان بإمكانه في فترة حكمه الصعبة هذه أن يؤسس لدولة مؤسسات حقيقية على اعتبار أن الأرضية مهيأة بشكل أسهل من أية فترة سابقة، ولا أعتقد أنها ستتكرر قريباً.

دخل هادي هذا المعترك مبكراً بعد تسلمه السلطة، لأسباب قد تكون بسيطة، تبدأ من أن الرجل الذي لم يتخيل نفسه في هذا المنصب، ولم يسمح حتى لأحلامه بالذهاب إلى هذه الفرضية، لم يصدق تلك اللحظة، فراح يكرس ممارسات سلفه التي يعرفها جيداً، كتأكيد على حضوره من ناحية، ولو بشكل خجول، ولإدراكه لاحقاً أن الجميع، بمن فيهم المجتمع، لن يضعوه في دائرة الشك لفترة طويلة، وسيعتبرون توجهاته تلك لتقليص نفوذ مراكز النفوذ المرتبطة بالرئيس السابق أولاً، ومن ثم نظامه، قبل أن يدرك قوته الآتية من جنوبيته، والتي أدرك أهميتها مع تشكيل اللجنة الفنية لمؤتمر الحوار، وبعدها تقسيم نسب التمثيل في مؤتمر الحوار.

كما استفاد هادي من غياب المعارضة التي تشاركت مع النظام السابق في السلطة، واعتبر هو ممثلاً للطرفين، ما أنتج غياباً لأية رقابة ونقد، وتوجه الطرفان نحو التبرير والتقاسم، وكرست المحاصصة التي ما فتئ يعكسها في قراراته رغم نتائجها السلبية وعلو الأصوات المنددة بها.

تعكس تصرفات هادي خلال مرحلة حكمه، رغم قصرها، الوجه الانتهازي الذي يعتقد أنه يخفيه، ولا خلاف في أن هادي ضرب مكون الحراك الجنوبي المشارك في مؤتمر الحوار، وفتته في اللحظة التي شعر أنه يمثل تهديداً له، ليس على مستوى الشارع الجنوبي، فهو يعرف أنه غير مقبول هناك، ولكن على مستوى الحضور في معادلة السلطة، ولدى الخارج، وهو الذي كان يعتقد أنه سيسيطر على الحراك بتشكيل مكون، ودفعه للمشاركة في الحوار، بينما وقف متصدياً لأي أصوات جنوبية قد تشكل خطراً على حضوره، فرفض فكرة ترؤس علي ناصر لمؤتمر الحوار، بل وعودته من الأساس.

وجه هادي مؤتمر الحوار الى الضفة التي أراد له أن يستقر فيها، وذلك عبر بطانته الذين دفع بهم الى المؤتمر، ومكنهم من مواقع مهمة فيه، فأدوا ما عليهم حتى لو كان بالمخالفة للوائح الداخلية، بل وصل بأحدهم إلى إغلاق قاعات المؤتمر بوجه أعضاء عندما كان الرئيس غير موافق على عملهم.

عمل هادي على إفراغ وثيقة الضمانات من أي مضمون حقيقي، وبطريقة مبهمة وارتجالية شكل لجنة الأقاليم، وبطريقة أكثر غموضاً شكل لجنة الدستور من غير المختصين، مع أن البلد يمتلك فقهاء دستوريين، لكن يبدو أنهم لا يخدمون توجهاته، ويمكن أن يشكلوا عائقاً أمامه.

مع نهاية مؤتمر الحوار وحتى الآن، كانت توجهات هادي واضحة بما لا يدع مجالاً للشك، أن الرجل ماضٍ في تأسيس أو استكمال تأسيس مركز نفوذه الخاص، ويبدو أنه تيقن مؤخراً أنه سيكون الأقوى، فبدأ يصنع اختلالات، والتف على بعض مخرجات الحوار، منطلقاً من الذهنية الجديدة، ومتكئاً على جنوبيته، مستفيداً من الدعم وغياب الخصوم السياسيين الذين وإن حضروا فسيهددهم بالعرقلة.

واستغل هادي رغبة الحوثي في تقوية نفسه، والحضور في مناطق شمال الشمال، وحيث يتواجد المذهب "الزيدي"، والتي كان حضور الشيخ فيها طغى، ويريد الحوثي العودة إليها بقوة. استغل هادي ذلك التوجه لكسب مزيد من النفوذ، وتمرير ما يريده في مؤتمر الحوار، عبر تحييد الجيش أثناء صراع الحوثي مع السلفيين أولاً، ومع القبائل ثانياً، وبنوع من المساومات، حيث يوقع الحوثي على ما يريده هادي في مؤتمر الحوار، لذلك كان ممثلهم أول من وقع على تفويض هادي أثناء الصراع على وثيقة الضمانات.

يمثل عبد ربه اليوم الطرف المعرقل لانتقال اليمن الى طور التغيير الحقيقي، كونه ببساطة من لديه مفاتيح هذا التغيير، ومن يغيبها، حيث أوقف هيكلة الجيش بدون سبب واضح، في الوقت الذي يشرعن لفساد حكومة الوفاق بإبقائهم من مناصبهم رغم عجزهم وفسادهم غير المسبوق.

ومن ناحية ثانية، يقف هادي ضد قرار مجلس الأمن بشكل واضح، وكان أول من عرقله، حيث لم يتجه حتى اليوم لتطبيقه، والتوجه نحو تشكيل حكومة وحدة وطنية وكفاءات، كما نص القرار، واكتفى بتغيير وزير واحد، وعلى أساس المحاصصة، ولا أدري ما مفهوم العرقلة لدى دول مجلس الأمن إن لم تكن هذه التصرفات والقرارات التي تكرس فشل وغياب وتقويض الدولة.

قراءة 2562 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 26 آذار/مارس 2014 22:52

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة