عدن.. تردٍ اقتصادي غير مسبوق مميز

  • ارتفاع الأسعار وانهيار العملة وغياب فرص يفاقم الأوضاع
  • الاشتراكي نت / صحيفة الثوري - محمد عبدالإله

الجمعة, 26 كانون2/يناير 2024 23:46
قيم الموضوع
(0 أصوات)


تعيش مدينة عدن أوضاعًا اقتصادية ومعيشية هي الأسوأ في تاريخها في وقت انهارت معه العملة ووصل سعر صرف الدولار إلى 1590ريالاً، وفشل الحكومة في إيجاد الحلول، وكان لهذا الانهيار أثر واضح على قدرة الناس الشرائية وأحرمت الكثير من المواطنين على شراء الحاجات الضرورية. وباتت خيارات السكان تضيق، واصبحت شوارع عدن تعج بالمتسولين طالبين المساعدة.

 وتتخذ الحكومة المعترف بها دولياً من عدن عاصمة للبلاد منذ 16 سبتمبر من العام 2015، بعد سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء عام 2014. وارتفعت أسعار الألبسة والمواد الغذائية والاستهلاكية بأشكال غير مسبوقة وارتفع سعر الزي المدرسي لطلاب المرحلة الابتدائية من 17000 إلى 25000، يُضاف إلى ذلك ارتفاع أسعار حليب الأطفال إلى 12800، والأرز الـ10 كليو جرام 22500، ووصل سكر السعيد الـ 10 كليو جرام لسعر 14500.

كما ارتفعت أسعار الجبن إلى 4590 ريالاً، أما الفاصوليا عند 850، والزباي 400، والحقين 850، وحليب الشاي إلى 650. عدا عن ارتفاع أسعار الخميرة وملح الطعام والسكر والعديد من المواد الأخرى، وذلك بحسب أحد التجار في حي الشيخ عثمان بعدن.

وقال أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة عدن، محمد جمال الشعيبي، تعيش مدينة عدن تحت وضع اقتصادي متردِ بشكل غير مسبوق، حيث أن الوضع المعيشي وتحسين الخدمات كان يفترض أن يكون على رأس أولويات الحكومة، لا سيّما أن عدن هي العاصمة المؤقتة لليمن، وهي مُحرَّرة عسكريا بفضل جهود القوات المسلحة في مكافحة الإرهاب.

وأضاف يمكن تشخيص الوضع الاقتصادي القائم في عدن من خلال الإشارة إلى مجموعة من الأسباب والتداعيات التي خلفت هذا الانهيار، إلى جانب الحرب وتداعيات استمرارها، سبب آخر تمثل في اعتماد الحكومة الشرعية، سياسة التمويل التضخمية من خلال طباعة كميات كبيرة من العملة المحلية دون غطاء حقيقي مما تسبب في انهيار أسعار الصرف وارتفاع المستوى العام للأسعار. يضاف إلى ذلك، عدم إنتاج وتصدير النفط الخام إلى الخارج بعد 2015.

وأوضح الشعيبي أن الإيرادات لا تورد إلى خزينة البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، بل إلى حسابات في بنوك خارجية وهذا كان له أثر مباشر في انهيار الوضع الاقتصادي حيث افقد العملة المحلية قدرتها على الاحتفاظ بقيمتها نتيجة انخفاض النقد الأجنبي الداخل إلى البلاد، إضافةً إلى ذلك أن بعض المحافظات المحررة امتنعت عن توريد الإيرادات السيادية إلى المركز الرئيس للبنك المركزي في عدن وعلى سبيل المثال محافظة مارب المنتجة للغاز الطبيعي الذي يغطي السوق المحلية في المناطق المحررة والواقعة تحت سلطات الانقلاب معًا.

ويتابع التاجر في الشيخ عثمان خلال اتصال هاتفي مع «الثوري» نعاني من كساد حاد وتضخم، ومعظم أصحاب المحال التجارية أعلنوا إفلاسهم بسبب الأوضاع الراهنة.

وأضاف: تعيش الحركة التجارية في عدن بحالة منخفظة جدًا ومعظم الناس توقفوا عن شراء الكماليات.

وعند سؤاله عن الإيجارات قال أصبح المستأجر يدفع للمؤجر المالك «بالدولار أو بالريال السعودي» ونادرًا ما يجد المواطن شقة للإيجار عند أطراف المدينة الشمالية الغربية وصولاً للحد الأدنى 100,00 إلى 150,000 ألف ريال.

ويسرد السياسي وأستاذ الاقتصاد في عدن محمد جمال، مجموعة من الأسباب التي أدت أى انخفاض أسعار الصرف وتدهور قيمة الريال في العاصمة عدن الذي يعتبر المؤشر الأساس للانهيار الاقتصادي القائم كالتالي: - استمرار توقف صادرات النفط، وتوريد متحصلات هذه الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن.

- تراجع نشاط ميناء عدن. - تدهور سوق العمل، بسبب استمرار الصراع ونزوح رؤوس الأموال إلى الخارج. - تراجع وتدني التحويلات الخارجية ومن بينها تحويلات المغتربين. - استمرار المضاربات في سعر الصرف، وضعف مقدرة البنك المركزي في ايقاف ذلك.  - ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية في السوق من قبل التجار والمستوردين. - غياب أي دعم اقتصادي حقيقي من الدول الخليجية بما في ذلك ما أعلن عن بعض المصادر المحلية عن تقديم دعم سعودي للموازنة العامة للدولة. - استمرار تواجد رئاسة الجمهورية والحكومة والعديد من الوزراء في الخارج، وعدم عودتها للعمل من العاصمة عدن. - غياب أي رؤية حقيقية تشير إلى الاتفاق على خارطة طريق تؤكد على وقف الحرب وإحلال السلام في اليمن.

حال السلطة

من جهته، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، محمد القحطاني، تسيطر الشرعية على كافة المحافظات الجنوبية وأجزاء من المحافظات الشمالية. كما أنها تسيطر على كافة الموانئ اليمنية باستثناء موانئ الحديدة وكذلك المطارات الدولية العاملة باستثناء مطار صنعاء، وتقع كافة الثروات الطبيعية المستغلة تحت سيطرتها وأهمها: البترول والغاز وتتمتع بالاعتراف الدولي ودعم غير محدود في المجالات المختلفة العسكرية، الأمنية، الدبلوماسية والتمثيل الخارجي وكذلك الدعم الاقتصادي والإنساني ومعظم مساحة الأرض والتجمعات السكانية تنتشر في مناطق سيطرتها. 

وأضاف: ولكن الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية والسيطرة الإدارية على مؤسسات الدولة المركزية والمحلية هشة للغاية ومنفلتة وكذلك التدهور الاقتصاد والمعيشي والإنساني في المناطق التي تسيطر عليها أكثر سوء وتتدهور بصورة متسارعة على مستوى كافة الأصعدة.

ويوضح القحطاني في تصريح خاص لـ"الثوري" الأسباب علي النحو التالي:

أولًا: تتسم السلطة السياسية بالضعف والتباين في إطار مكوناتها السياسية، كما أن هذه المكونات مشتة الولاءات لدول مختلفة. وبالتالي فمن الصعب جداً أن تتوفر إرادة سياسية لاستعادة مؤسسات الدولة ورعاية مصالح المواطنين وتحسين مستوى عيشهم. خصوصا وأن القيادات السياسية ليست مؤطرة بصورة صحيحة في إطار سياسي تنظيمي واحد ومقرها الأساسي ليس في اليمن بل في الخارج. وبالعكس من ذلك السلطة السياسية للحوثيين في صنعاء. الذين هم في الداخل ويعملون ليلا ونهارا على اتساع رقعة نفوذهم كسلطة بدون مسؤولية لإدارة شؤون الدولة الخاصة بتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للسكان. 

ثانيًا: السلطة التشريعية: بالرغم من أن أغلبية أعضاء البرلمان اليمني موالية للشرعية، إلا أنهم ليسوا متواجدين في داخل البلاد وليس لهم إطار إداري وتنظيمي واحد يستظلون به ولا قيادة فاعلة تجمع شتاتهم، الأمر الذي جعل من هذه السلطة عبئاً على السلطة الشرعية المعترف بها دولياً، وبالتالي فليس لهذه السلطة اي تأثير على مجريات إدارة مؤسسات الدولة بما في ذلك الشأن الاقتصادي ومعيشة المواطنين. 

ثالثًا: السلطة القضائية بالرغم من أهمية هذه السلطة في ظروف الحرب لمواجهة الجرائم التي ترتكب في الإطار الجغرافي الواقع تحت سيطرتها إلا أنها غارقة في ركام من القضايا والجرائم وينتشر الفساد بصورة واسعة وعميقة في أطر جهازها القضائي، وبالتالي ليس لها أثر يذكر في مواجهة الجرائم السياسية والاقتصادية والجنائية التي تنتشر في كافة مناطق الشرعية، ولذلك فإن الجريمة تتوسع وتتعمق وتعيق حدوث الاستقرار الأمني باعتباره شرطًا من شروط استعادة الدولة لمواجهة الاختلالات التي تواجهها، وبناء عليه فإنها بدلًا من أن تكون أداة للأمن والاستقرار ومواجهة الفساد وتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للسكان أصبحت عبئا من أعباء الدولة في إطار سلطة الشرعية. كما أنها لا تخلو من التأثيرات السياسية التي تشتت اي جهود لإصلاحها.

رابعًا: السلطة العسكرية ليس للسلطة الشرعية مكون عسكري واحد يتبع قمة هرم السلطة السياسية بل إن هرم السلطة السياسية بحد ذاته مشكل من قيادات المكونات العسكرية التي لكل منها أجندتها الخاصة وتبعية محلية وإقليمية متباينة الاتجاهات والمصالح وبالتالي فقد أصبحت هذه المكونات أهم تحديات استعادة الدولة والتوجه لإعادة البناء ومواجهة التدهور الاقتصادي والمعيشي والإنساني.

ارتفاع وسائل النقل والاتصال

يشكو أحد طلاب الحقوق في جامعة عدن، وهو حامل حقيبة، من ارتفاع الأسعار ووسائل النقل والاتصال بشكل عام في مدينة عدن. متسائلًا، أين الرقابة الحكومية؟ 

ونتيجةً للحرب الروسية الأوكرانيا شهدت عدن، نقصا كبيرًا للقمح خاصةً وأن البلاد تستورد موادها الغذائية من روسيا بنسبة %31 وأوكرانيا %13 وذلك وفقًا للأرقام الصادرة من وزارة الصناعة.  

رحلة البحث عن عمل

 يستهل سامي الصلوي (36 عامًا)، الذي يرتدي بدلة بنية، يومه بقيادة عربية اللّحام في حي دار سعد شمال عدن على أمل أن يحصل على عمل، وأن يعود للمنزل بمبلغ مناسب لتوفيره لإيجار السكن.

ويبدأ سامي البحث عن عمل من التاسعة صباحًا متنقلًا مع عربيته منطلقًا من دار سعد بإتجاه أحياء المنصورة والشيخ عثمان متجولًا من مكان إلى آخر؛ لعل أحدًا من الزبائن يطلبه للعمل. 

سامي دفعته الظروف المعيشية الصعبة في عدن، للعمل كملّحم وهي مهنة ورثها من والده ليكافح في المهنة نفسها من أجل قوت أطفاله ومصاريف أسرته التي تعيش في تعز.

 

ويرجح مراقبون بأن تتعمق الأزمات الاقتصادية المتلاحقة خلال الفترات المقبلة، في ظل غياب أي أفق للحل للسياسي. ويتوقع أستاذ علم الاجتماع السياسي، ياسر الصلوي، بأن تتطور الأزمة خصوصًا بعد التطورات الأخيرة التي يشهدها البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب، بسبب هجمات الحوثيين على ناقلات الشحن والبضائع الدولية. مؤكدًا أن التصعيد سيعيق من وصول السفن إلى المونئ اليمنية وزيادة الرسوم وسينعكس في النهاية على الأسعار في الداخل.

مهن انتعشت بفعل الانهيار الاقتصادي

في حي دار سعد الفقير شمال عدن يرمم أحد النجارين دولاب خشبي، قديم نسبيا، من أجل تحويله إلى دولاب حديث مزخرف بالألوان ليتم بيعه، لكنه يشكو من قلة الزبائن. 

يقول النجار: أعمل على ترميم المستلزمات الخشيبة كالمطابخ والمكتبات. هنا تتكدس، ونادرًا ما يأتي أحد الزبائن لشراء هذه الأثاث. 

وأوضح ان الناس لم تعد قادرة على شراء الأثاث الجديدة التي تواكب التصميم الخارجي فالغالبية تفضل الترميم بدلًا من الشراء لأن الوضع لايسمح. وانتعشت هذه المهن التقليدية بفضل الانهيار الاقتصادي وتأكل القدرة الشرائية للمواطنين. أضطر للعمل مع أحد التجار مساءً لتلبية احتياجات البيت، لأن الراتب لا يكفي لإيجار السكن، هذا ما قال أحد المدرسين خلال اتصال هاتفي معه.

أما بائع البطاط في جولة القاهرة فيشكو من ارتفاع اسعار البطاطس لمستوى قياسي. مشيرًا، أن حركة البيع منخفضة ولم تعد كما كانت عليه قبل 2011.

لا توافق

وواجهت الحكومة بعد عام من ممارسة عملها في عدن تحديات عديدة، وقد دخلت في صراع مسلح مع المجلس الانتقالي الجنوبي ما تسبب بتعطيل عملها؛ لأسباب ومبررات كثيرة أبرزها سيطرة الانتقالي على المدينة بالإضافة إلى الأوضاع المعيشية المتردية التي وضعت الحكومة في موقف صعب أمام سكان المحافظات الجنوبية حسب ما يقول سياسيون.

ويرى السياسي الصلوي أن ما يحدث في عدن وهي مدينة واعدة يمكن استثمار أشياء كثيرة منها كالميناء، ناتج عن سوء الإدارة وعدم تمكن مؤسسات الدولة من القيام بدورها خاصة فيما يتعلق بالمنشآت الاقتصادية كمصفاة عدن وغيرها من المؤسسات التي من المفترض أن تكون تعمل بصورة طبيعية خصوصًا وأن المدينة اصبحت عاصمة مؤقتة للبلاد، وبالتالي هذه الاختلالات ناتجة عن عدم التوافق السياسي وترتيب الأوضاع فيها، وهذا يلقي بظلاله على حياة الناس في عدن.

معالجات

ويرى الشعيبي أن المعالجات التي ممكن أن تساعد في الحد والتخفيف من حدة الانهيار الاقتصادي في عدن، حال تطبيقها كالتالي:

- الضغط في سبيل إعادة إنتاج وتصدير النفط وتوريد متحصلات ذلك إلى البنك المركزي، وإلزام جميع المؤسسات والمحافظات بتوريد الموارد المركزية والسيادية إلى البنك المركزي عدن. - الضغط على إعادة الحركة الملاحية والنشاط التجاري إلى ميناء عدن، وعدم تطبيق اتفاقات جانبية ومجحفة دون وضع أسس وضوابط تنظم أي اتفاق أو آلية للتطبيق. - يجب تعزيز القطاعات الاقتصادية المتنوعة غير النفطية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. - توفير البنية التحتية والاستقرار الأمني في عدن بهدف تشجيع وجذب الاستثمارات إلى المدينة، واستغلال الفرص الاستثمارية في مجال الصناعة، السياحية، والخدمات الأخرى، التي تخلق فرص عمل جديدة وتنوع مصادر الدخل. - مكافحة الفساد بشكل جذري من خلال تعزيز الشفافية وتعزيز المساءلة، وإتخاذ إجراءات صارمة ضد الفاسدين وتعزيز مستويات الرقابة والمراقبة للحد من الفساد وتحقيق الاستدامة المالية. - تعزيز الجهود الدولية لتوفير المساعدات الإنسانية والتنموية لليمن وعدن، وينبغي تعزيز التعاون مع المنظمات الدولية والمانحين لتوفير المساعدة اللازمة في مجالات بناء القدرات، ودعم البرامج التنموية. - وقف المضاربات بالعملة، وضبط عمل محلات ومؤسسات الصرافة المنتشرة بكثرة في عدن، وسحب التراخيص من المخالفين، وإغلاق من لا يملكون تراخيص مزاولة مهنة.

 

قراءة 551 مرات آخر تعديل على السبت, 27 كانون2/يناير 2024 20:32

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة