المطلوب الإنصات وليس التنصت

  • الاشتراكي نت / المحرر السياسي

الأربعاء, 09 تموز/يوليو 2014 02:37
قيم الموضوع
(1 تصويت)

 

لا يمكن أن يستقيم أمر هذا البلد إلا بالعودة إلى روح الحوار والتمسك بأهدافه ومضامين مخرجاته.

لم يكن الحوار مجرد ملهاة كي تُطوى صفحته بهذه السهولة بمجرد أن أطفئت أنوار مصابيح قاعات "الموفمبيك" ويغادر المتحاورون أروقة الفندق ويسدل الستار عن ثمانية عشر شهراً من العمل المضني، ويذهب كل إلى حال سبيله.

تتعامل اليوم هيئات الدولة باستخفاف شديد مع وثيقة الحوار لأنه لا أحد يرعى نتائج مخرجات الحوار. وعادت أجهزة الأمن لتتنصت على قيادات الأحزاب وتبث تقاريرها إلى مواقع أخبارية معينة لتوظيفها ضد كل من يطالب بالعودة إلى روح الحوار أو يطالب بوقف الحروب أو توظيفها لأغراض مجهولة.

كثير من أعضاء مجلس الوزراء هم يناقشون مثلاً مشروع قانون العدالة الانتقالية لا يقيمون وزناً لوثيقة الحوار بل يهملونها عنوة في نقاشاتهم ويعودون بالموقف من العدالة الانتقالية من جديد إلى ما قبل الوثيقة. وهم بهذا يهدمون مشروع الاتفاق عليها والذي أعلن يوم 25 يناير 2014، ولا أحد يدافع عن الوثيقة ليصحح هذا الوضع.

وفي هذا السياق يتعرض الدكتور محمد المخلافي وزير الشؤون القانونية للتهديد المباشر من قبل بعض وزراء المؤتمر الشعبي داخل اجتماع مجلس الوزراء بسبب تقديمه مشروعي قانون العدالة الانتقالية وقانون استرداد الأموال المنهوبة تنفيذاً لمخرجات مؤتمر الحوار، وثاني يوم يتم تنفيذ هذا التهديد بواسطة بلاطجة المؤتمر الشعبي بتطويق منزله بالسلاح وإرهاب أولاده وأسرته وسط ضجة إعلامية مؤتمرية للتضليل ساهم فيها أمناء عامون مساعدون للمؤتمر الشعبي في مشهد يعيد للأذهان الممارسات البلطجية التي كان يقوم بها نظام صالح ضد معارضيه.

هل ضحكنا على الناس طوال السنتين الماضيتين عندما قلنا لهم إن الحوار سيصنع يمناً جديداً فإذا به ينتهي إلى هذه النتيجة المخيبة للآمال!! ولماذا يحدث ذلك في حين أن الأمور مهيأة لأن تكون أفضل مما يجري في الواقع بكثير!! يجري إهدار فرصة تاريخية على نحو لا يمكن أن تقرأ إلا بأنها ربما كانت تسوية خفية ومخلة بحقائق ما رتبته الظروف من إمكانيات واقعية للتصحيح وبناء الدولة المنتظرة.

لا أحد يرد على أسئلة كثيرة تتعلق بالأسباب الحقيقية للاحتقانات الاجتماعية والسياسية التي تمر بها البلاد. كان الجميع مستغرقاً في العملية السياسية وفي الحوار على وجه الخصوص وأخشى ما نخشاه أن ينكشف هذا الوضع على حقيقة مؤلمة وقاسية وهي أن المسألة لم تكن غير استهلاك للوقت لتمرير فقط بعض القضايا التي شكلت قاسماً مشتركاً لبعض القوى ومنها امتصاص الوضع في الجنوب بمعالجات سطحية تتحول إلى مراكز استقطاب لتدمير ديناميات الفعل السياسي والحراك السلمي في الجنوب تحت عناوين مختلفة، تماماً مثلما يجري تحويل العملية السياسية إلى أداة لتدمير ديناميات الفعل الثوري بشكل عام.

إننا نثمن الجهد الذي يحتاج إلى دعم مؤسسي سياسي وإداري يجب إقامته فوراً إذا أريد لهذا الجهد أن يثمر نتائج إيجابية. وهذا الدعم المؤسسي لا بد أن يكون من داخل "مؤسسة الحوار" نفسها "فمؤسسة الحوار" جديرة بأن يعاد إليها الاعتبار من خلال الحضور التمثيلي لها في العملية السياسية كضامنة لبث الحياة في وثيقة الحوار وبقائها حية وقابلة للتنفيذ.

وعلى أجهزة الأمن أن تدرك أننا شركاء في الحياة السياسية، وممارسة التنصت على قيادة الأحزاب ورفع التقارير حول حركاتها وسكناتهم إنما هو عمل يتسم بالغباء ويتناقض مع جوهر الشراكة في العملية السياسية ويصب لصالح طرف فيها، وهذا الطرف للأسف هو الذي ما يزال منقسماً ويجر البلاد إلى مواجهات يومية بسبب عدم قدرته على حسم أمره في أن يصبح طرفاً موحداً وفاعلاً في هذه الشراكة السياسية. وهذه التقارير تجد طريقها للنشر في المواقع الأخبارية التي يمولها بعض رجال أعمال استطاعوا بأدوات الإفساد أن يحصلوا عليها من فاسدين في الأماكن المختصة.

ألا يضع هذا أمامنا سؤالاً كبيراً حول حجم الفساد الذي اخترق أهم منظومة في الدولة!! وبدلاً من أن نسير إلى الأمام فإننا نعود إلى الخلف.

لا نريد أحداً أن يتذرع بالحروب لتمضي الأمور على هذا النحو المريب، فالحروب لن تجد بيئة مناسبة لإشعالها واستمرارها سوى هذا الفراغ السياسي والهروب من استحقاقات الحوار والإصرار على ترتيب الأوضاع على أسس مختلفة تماماً عما خلص إليه الحوار وبما يخدم ويعزز نفوذ بعض أطراف العملية السياسية وإهمال الآخرين.

ما يزال بإمكاننا العودة إلى روح الحوار باتخاذ خطوات تصحيحية سريعة بالاستناد إلى مرجعيات الحوار ووثائقه بعيداً عن الحسابات التي يتحرك البعض في إطارها لتقرير مستقبل هذا البلد بعيداً عما تم التوافق عليه وهو ما سيؤدي بالبلاد إلى العودة إلى مربع الصراع على السلطة والاحتكام إلى السلاح وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا.

 

قراءة 1853 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 09 تموز/يوليو 2014 02:46

من أحدث

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة