د. ياسين سعيد نعمان

د. ياسين سعيد نعمان

الجمعة, 12 كانون2/يناير 2018 18:49

دواوين الزعامة

 

في المعارك المصيرية لا شيء أسوأ من التخلي عن الاستراتيجي واللهث وراء التكتيكي ، وفي مستواه من السوء يعد تلميع الأفراد لتنمية الاحساس بالحاجة إلى زعامة، من أي نوع كان، سلوك لا يستند إلى قواعد المواجهة الشاملة والواعية بجسامة ما تتعرض له البلاد من مخاطر. إن إعادة تلميع الأفراد على أي مستوى قد يخفي تخبطاً من ذلك النوع يفضي إلى الكوارث، وفي كثير من الأحيان يضيع فيه التكتيكي إلى جانب الاستراتيجي.

في اللحظة الراهنة، ومع التدهور الذي أصاب جبهة الانقلابيين، كانت الشرعية موفقة في فتح خط لتوافقات سياسية واسعة تقوم على إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة للجميع، غير أن بعض الاطراف المعنية لم تكن موفقة في عدم التقاط هذه اللحظة التاريخية والتعاطي معها بمسئولية، كما أنها لَم تكترث لحقيقة أن مركز المواجهة، الذي لم تقرره الصدفة - ولكن قرار المقاومة منذ اليوم الأول، هو الشرعية وقيادتها.

إن ما نشهده من تخبط عند هذه الاطراف لا يجب أن يقود إلى موقف سريع منها، فلا بد من إبقاء الباب مفتوحاً والاستماع إليها، فلربما رأت من الموقع الذي كانت فيه ما يسلط الضوء على زوايا كانت محجوبة، كما أن سنوات التعبئة الطويلة تحتاج إلى تفكيك بنفس طويل.

غير أن الشيء الذي لا يجب ألتعاطي معه ورفضه هو نزعة إنتاج زعامات خارج الإطار الشرعي للدولة. ففي هذه اللحظات الحاسمة المطلوب هو الموقف.. وتبقى الزعامة قضية مؤجلة إلى حين تتوفر شروطها وتفتح دواوينها.

الأربعاء, 10 كانون2/يناير 2018 20:50

المؤتمر.. مرة أخرى

 

لا يمكن النظر إلى ما يعيشه المؤتمر الشعبي اليوم إلا بأنه تعبير عن الميراث السياسي الذي ساهم وهو في السلطة في تكوينه على مدى سنوات طويلة.

كل الذين سبق أن تعرضوا لما تعرض له المؤتمر كانوا ضحايا هذا الميراث، وهم أيضاً ساهموا في صناعته بهذا القدر أو ذاك، ولا بد ان الجميع قد تعلم الآن أن المنهج السياسي الذي تصلح به الأمم هو ذلك المنهج الذي يخالف في جوهره، وفي مبناه ومعناه، كل ما يقود إلى إنتاج مثل هذا الميراث التسلطي الفوضوي الذي يشوه البناء السياسي ويجعله مخبأً للقمع والتسلط والقيم المشوهة حيث لا ينجو منها أحد في نهاية المطاف.

كل ما على المؤتمر أن يدركه هو أنه ضحية منهج خرب الحياة السياسية في العمق، حتى طاله التخريب في آخر فصل في المسرحية.

هذا الوضع لا يرضي أحداً ممن يَرَوْن أن مستقبل هذا البلد رهن ببناء الحياة السياسية على أسس ديموقراطية سليمة.

كنا، ولا زلنا، نأمل أن يفرز المؤتمر بقواعده الواسعة على أسس ترفد إصلاح المنهج السياسي الذي تسعى إليه القوى السياسية المقاومة للانقلاب من منطلق أن الخطوة الاولى في إصلاح هذا المنهج تبدأ من النقطة التي تتحقق فيها استعادة الدولة والسير نحو المستقبل بخيارات بناء الدولة الديمقراطية واحترام حرية الناس وحقهم في تقرير خياراتهم السياسية.

غير أن هذا المنحى يحتاج إلى قدر من التضحية من المؤتمر ، وهو أمر لا بد منه ، حتى يتجنب الانهيارات.

الإثنين, 08 كانون2/يناير 2018 20:17

"المال" في المعركة الإعلامية

 

الحرب الإعلامية التي يكون موضوعها "المال" هي أكثر الحروب فعالية لكسر الخصوم، وهي من أخطر المعارك التي يؤدي إهمالها أو تجاهلها الى الهزيمة.

وفي بلد مثل اليمن حيث ينتشر الجوع والفقر على نطاق واسع بسبب الحرب، وحيث يمضي الجنود في الجبهات المقاومة للانقلاب شهوراً من غير رواتب ،إلى غير ذلك من مظاهر العوز والحرمان والتشرد بين المواطنين فإن نشر قوائم باستلام نخب سياسية تلك المبالغ الكبيرة من الحلفاء سيجد بكل تأكيد ردود فهل قوية وغاضبة بين الناس تؤدي إلى انهيارات قيمية كبيرة ما لم يتم نفي وتوضيح الموضوع ، ووضع الامور في نصابها الصحيح.

أن يتم هذا من قبل الجهة المعنية التي حملت القوائم أوراقها الرسمية، أقصد الأشقاء في المملكة، سيكون ذا قيمة حاسمة، لأن الصمت يظل محدثاً آثاراً سلبية، لا سيما وأن حالة الغضب الناشئة عن الاوضًاع الخاصة للناس تجعلهم يبحثون عن أي شيء ، مهما كانت درجة صحته ، للتعبير عن السخط.

المسألة أكبر من الواقعة التي أثارت هذه الزوبعة.. إنها تتعلق بمحاولة ضرب العلاقة بين التحالف واليمن في العمق بتصوير هذه العلاقة وكأنها مدفوعة الثمن لأغراض لا علاقة بتخليص اليمن من آثام المشروع الطائفي الايراني وصياغة مستقبل أفضل لليمن في علاقته بمحيطه العربي.

توضيح الحقيقة بشفافية هو جزء من المعركة الإعلامية التي من شأنها أن تفوت على الآخرين فرصة إستخدام هذه الأكاذيب في معركتها بتحريض الناس وإظهار الحرب وكأنها حرب بالوكالة proxy warكما تصنفها بعض التحليلات السياسية الهادفة إلى تغطية جوهر المشكلة الحقيقية التي يقف المشروع الايراني الطائفي كمحرك لها في اليمن.

هناك من يريد أن يغرق "المقاومة الوطنية" للانقلاب ومشروعه الطائفي في قضية قيمية أخلاقية بهذا المستوى الذي تتبدد معه آمال الشعب في التغيير الذي يتطلع إليه باستعادة دولته. وعندما نطالب بتوضيح الحقائق بدرجة عالية من الشفافية فإنما لأننا ندرك حجم الشقوق التي تحدثها مثل هذه التسريبات والحرب الإعلامية وسط الناس وفي جبهات المواجهة.

المعركة مع هذا المشروع لا تقتصر على المواجهة بالسلاح ولكنها في جانبها الآخر حرب إعلامية وسياسية وقيمية- أخلاقية، ولا بد أن تتوفر كافة هذه العناصر في معركة بهذه الأهمية والشمول.

لا يمكن أن نفهم لماذا لا يقوم الاشقاء في المملكة بتوضيح الحقائق وهم يدركون الآثار السلبية للمعركة الإعلامية التي تستخدم فيها أوراقهم الرسمية.

لا يزال الأمر في حاجة إلى توضيح الحقائق، أما اذا كانت التسريبات قد تمت من داخل، وبعلم، الأجهزة المختصة في المملكة فلا بد عندئذ من المطالبة بالتحقيق لمعرفة لمن سلمت هذه الأموال ولمن صرفت!!

يجب أن ندرك أن المال الذي يضل طريقه إلى غير الأهداف المرسومة لمعركة استعادة الدولة من المليشيات الحوثية سيتحول إلى قوة قاهرة بيد الخصم ، ولذلك فإنه لا بد من التعاطي مع هذه المسألة بشفافية عالية تبدد اللغط الذي جعل منه البعض ، ومن داخل بعض اجنحة الشرعية نفسها ، وسيلة للتشهير وإثارة السخط العام.

لا بد من مناقشة موضوع المال بصورة عامة بشفافية ونزاهة في هذا الظرف وفاءً لتضحيات الناس وتقديراً للعبء الضخم الذي تحملته المملكة ومعها دولة الامارات في التصدي لهذا المشروع في اليمن وتمكين اليمنيين من استعادة دولتهم، ومسئولية التحالف مع القيادة السياسية اليمنية مشتركة وتضامنية لتحقيق هذه الشفافية.

الأربعاء, 03 كانون2/يناير 2018 20:44

باب النجار مخلع

 

ظل نظام ايران طوال العقود الثلاثة الماضية يعمل بقوة على إيقاظ الفتنة الطائفة في المنطقة كتعبير عن طبيعته التي مزق بها النسيج الوطني لشعبه لتحكمه أقلية انعزالية متنفذة.

أراد تصدير هذا النمط من أنواع الحكم إلى عموم دول المنطقة، فأيقظ الفتنة الطائفية وشرع في تعبئة وتسليح بعض فئات شعوب المنطقة بعناوين طائفية تم استدعاؤها من ثنايا تاريخ مفعم بصراع تعمق بغياب الدولة الوطنية.

كان الهدف هو إحداث فوضى شاملة يتم فيها تخريب كل الجهد الوطني في بناء الدولة الوطنية التي ترعى مصالح كل أبنائها على السواء، وبعد أن يتم لها تحقيق ذلك تقوم بإعادة بناء هذه الدول طائفياً مما يجعلها عرضة لحروب وصراعات داخلية، وتظل بذلك حاضرة في شئونها الداخلية عبر مخالبها التي جندتها لهذا الغرض.

ظل النظام الايراني يحمي نفسه في مواجهة شعبه بتصدير مشروعه إلى خارج إيران وخلق معارك وهمية بهدف قمع الاحتجاجات الشعبية من منطلق أن إيران تتعرض لمخاطر خارجية تبرر مثل هذا القمع، في حين يعرف الجميع أنه لا خطر على الشعب الايراني إلا من النظام الذي فرض نفسه بالقوة عليه، وذهب يبدد ثرواته في إستقطابات إقليمية تهدد أمن شعوب المنطقة بحروب أكلت الأخضر واليابس.

النظام الايراني، الذي أهمل إلتزاماته تجاه شعبه وراح ينفق ثرواته لإيقاظ الفتنة في دول الإقليم، نسي أن تصدير المشاكل الداخلية الى الخارج لا يشكل أي حل حقيقي لمشكلة الجوع والفقر والتمايز الاجتماعي، فقد يعبئ ذلك الناس لفترة معينة يجعلهم يتناسون الوضع البائس الذي يحشدهم فيه النظام لمشروعه المضلل، لكنه لا يمكن أن يمنع التفاعلات الاجتماعية والسياسية من التراكم لتنتج تعبيراتها على الارض بروح التحدي الذي يتطلع إلى الحرية والسلام والحياة الكريمة.

الشعب الايراني من الشعوب الحية التي تستطيع أن تستعيد دورها في إعادة انتاج مكانتها التاريخية في لحظة التحدي والاستجابة التي لطالما عرف بها هذا الشعب في تاريخه الطويل قبل أن تقمعه أنظمة الفساد التي كانت سببا في فرز هذا النظام الانعزالي الذي أدخل إيران في دوامة صراعات بددت ثرواته ووضعت الإقليم كله في مواجهات عبثية، آن الأوان لوضع حد لها، حتى تنشغل شعوب المنطقة بمواجهة تحديات البناء وما تفرزه التغيرات الكونية من مخاطر أمام الجميع.

ما يحدث في إيران اليوم ليس بسبب الأعداء الخارجيين، كما يدعي قادة النظام الايراني، لكنه حصاد السياسات الخاطئة التي أفقرت الشعب، والتي أخذت تقمع وتفقر الناس داخلياً وتبحث عن حماية النظام في الخارج عبر التدخل في الشئون الداخلية للآخرين.

قد يقمع النظام هذه المظاهرات والاحتجاجات السلمية، لكنها في كل الأحوال رسالة واضحة المعاني لكل الذين خدعوا بهذا النظام الانعزالي، وعليهم أن يعيدوا بناء أوضاعهم السياسية والمجتمعية في إطار أوطانهم بعيداً عن الشطط الطائفي الذي استولد بوهم قوة نظام خائب لم يستطع في اللحظة المناسبة أن يرد على سؤال مواطن إيراني بسيط: أين ثروة إيران؟؟

الإثنين, 01 كانون2/يناير 2018 18:41

في وداع المحامية راقية حميدان

ودعت عدن ، ومعها كل اليمن ، يوم أمس الاحد المحامية راقية حميدان التي انتقلت إلى رحمة الله تعالى ، ويعد رحيلها خسارة كبيرة ، فهي القلب الجميل والعقل النظيف والروح التي تنير كل مكان تستقر فيه .

في أوائل الستينات من القرن الماضي كان التنافس على أشده بين طالبات وطلبة الثانوية ( جي سي إي) للظفر بمنحة دراسية الى بريطانيا والتي كانت توفرها للطلبة الأذكياء كل من هيئة الكهرباء بعدن، ومصافي البي بي، والبنوك وغيرها من المؤسسات التي كانت تتعاقد مع الطلبة الأذكياء أثناء دراستهم الثانوية ، ثم تتكفل بابتعاثهم للدراسة الجامعية في بريطانيا والجامعة الامريكية ببيروت والسودان والقاهرة..

كانت الفتاة العدنية يومذاك تنافس بقوة للالتحاق بالدراسة الجامعية وحققت على هذا الطريق نجاحات كبيرة من ضمن هؤلاء كانت راقية حميدان، عيشة سعيد، سلوى مبارك ، عائدة أحمد علي ، الهام عيدروس ، رجاء سليمان وأخريات لا تسعفني الذاكرة بأسمائهن ابتعثن كلهن للدراسة في بريطانيا في مختلف التخصصات وحققن نجاحات مشهودة .

كانت راقية في ميدان تخصصها رائدة بكل المعاني وتركت بصمات علمية وانسانية واجتماعية سيذكرها الجميع .

رحم الله راقية وتغمدها بواسع رحمته وإنا لله وإنا إليه راجعون .

السبت, 30 كانون1/ديسمبر 2017 18:38

رأي.....٣

 

أعتقد أن على القوى الجنوبية التي خاطبها المتحدث الرسمي للحوثيين من على قناة الميادين أن ترد برفض العرض الذي قدمه لها بتلك السخرية التي تنم عن إعتقاد بأنه قادر على تفكيك جبهة مقاومة الانقلاب والتسلل من النقطة التي يشكل الموقف منها عند الجنوبيين مصدر قلق وجزرة في نفس الوقت.

انا أعرف أن الجميع يدرك أن ما عرض هو مجرد مراوغة تستصغر تضحيات الناس ، ولكن الرد سيبدد أي التباس يروج له إعلام الفتنة.

وبالمقابل فإن على "الشرعية" أن تعيد بناء عوامل الثقة مع الجنوب وكافة قواه السياسية والاجتماعية بما يحمي وحدة المقاومة، وأن تغلق كل الثغرات ومصادر القلق التي تحاول قوى الانقلاب التسلل منها.

إن عودة الحكومة لا بد أن يكون محمولاً بمشروع لتصحيح المسار يقوم على استعادة روح التصالح والتسامح، وأنه بالحوار والتفاهم والعودة إلى الناس لتقرير خياراتهم يمكن حل كل قضايا الخلاف المثارة.

الثلاثاء, 26 كانون1/ديسمبر 2017 17:16

رأي...٢

 

"الرأي قبل شجاعة الشجعان.." رحم الله المتنبي.

لا حل أمام الاطراف التي تمثل "الشرعية" بكافة مكوناتها، بما فيها المجلس الانتقالي (كمكون سياسي)، سوى التحاور ومد حبال التفاهم وإبقاء شعرة معاوية.. وبموجب هذه السياسة التي تأخذ في الاعتبار مهمة إستكمال تحرير اليمن من الانقلاب الذي أورث البلاد هذه الفوضى المليشاوية الضاربة أطنابها في كل زاوية فيه ، ووضعه من ثم على الطريق الذي يعاد فيه الاعتبار للإرادة الشعبية لتقرير إختياراته السياسية ، لابد من إدارة العلاقة الداخلية بتوظيف كل الأدوات السياسية المتاحة لتحقيق التقارب ، مع الاعتراف بأن هناك إستحقاقات لا بد من مواصلة بحثها بهدوء وبإرادة سياسية تتفوق على ما عداها من إرادات القوة التي أثبتت الايام والتجارب أنها فاشلة ، وإن حققت قدراً من النجاح في المدى القصير.

إن المنظومة الإدارية والسياسية للشرعية لن تستطيع أن تثبت تفوقها على الانقلابيين إلا بتمسكها بقيم الحوار والسلام والشراكة ومد الجسور بدلاً من إقامة الحواجز بين أطرافها المختلفة.

يجب أن لا نجعل من المنصب الحكومي وسيلة لتوسيع الفجوة . لنقل أن العمل ضمن الحكومة يحتاج الى إنسجام من نوع ما ، ولنلتمس العذر لأي ترتيبات من هذه الزاوية وخاصة في هذا الظرف الذي يعد فيه المنصب أداة كفاحية، والايام كفيلة باختبار المكافح من المنافح وفرز الناس حسب ما قرروه لأنفسهم.

بإقحام المنصب العام في صراع الإرادات، هناك من سيعتقد أنه انتصر وهناك من سيرى أنه قمع، وأعتقد شخصياً أن لا أحد انتصر ولا آخر قمع.. سيأتي إلى المنصب كثيرون وسيذهب كثيرون، والذين يرفعون أشرعة المواجهة من هذه البوابة ، من الأطراف المختلفة ، يجب أن يدركوا أن المنصب لم يكن في يوم من الايام تعبيراً عن شراكة سياسية طوال سنوات الحكم الطويلة التي كان يتم فيها تكوين مثل هذه الخلطة التي تتوقف آثارها في مكان أبعد ما تكون فيها تعبيراً عن تحالف أو شراكة سياسية .. كانت تعبيراً عن تقدير يتوقف كثيراً أمام الشخصية أكثر من البعد السياسي أو الاجتماعي بمضمونه التشاركي وخاصة في تجارب غير ديمقراطية.

لتذهب المناصب إلى الجحيم !! ولنقف لحظة أمام إستحقاقات هذه المرحلة التي يفترض أنها مرحلة نضال حقيقي من أجل إستعادة الوعي بالقيمة التاريخية للدولة التي أضعناها وأضعنا معها أحلام وتضحيات شعب حولناه إلى مجرد مشاهد لمسرحيات عبثية تنتهي دائماً بحرائق يتحمل بمفرده كوارثها.

لا يجب أن يصل الوضع الى نقطة افتراق يصعب التفاهم بعدها . على الجميع أن يعي ذلك!!

"القوة السياسية" التي تقدم نفسها على أنها المستقبل، لا بد أن تكون مركز إستقطاب لكل الحالمين بهذا المستقبل ، بمعنى أن عليها أن تحمل المستقبل بيد وأدوات الوصول اليه بيد أخرى. لن يكون القمع، ولن تكون الحروب، ولن يكون العنف ولن يكون الإقصاء أو الاستبعاد أداة من أدوات هذا المستقبل خاصة بعد أن عمل فينا العنف والقمع والحروب والاستبعاد كل هذه الكوارث. ومدمنو العنف هم طينة واحدة، فإذا رأيت أحداً يدعو إلى العنف أو يستحلبه لتحقيق هدف معين، وخاصة في صف هذه القوة التي تدعي أنها تعمل من أجل المستقبل، فاعرف أنك أمام عينة من ركام الماضي الذي يجب أن يكنس من المسار حتى لا يتحول إلى مركز إستقطاب لحروب ومواجهات جديدة.

والسؤال هو من أين نبدأ بعد أن أخذت التجاذبات السياسية والجغرافية والمناطقية والأيديولوجية تنخر هذه "القوة السياسية" على نحر لا يثير الحيرة فحسب، ولكنه يطرح أكثر من سؤال حول ما ترفعه من شعارات الحوار والسلام والشراكة!!

لا شك أن هناك قضايا شائكة وعلى درجة كبيرة من التعقيد. والحقيقة أن هذه القضايا ليست شائكة بذاتها ولكنها شائكة بحسابات الأطراف المختلفة منها، وخاصة حينما تجد هذه الاطراف نفسها محاصرة بتصوراتها النخبوية للحل. والاهم من هذا حينما تفشل هذه الأطراف في خلق معادل سياسي متماسك يجسد تحالفها الكفاحي على الارض.

كل المآسي التي مر بها اليمن كانت بسبب تصادم الحلول النخبوية بعيداً عن الارادة الشعبية. لم تفكر هذه النخب في يوم من الأيام أن تستجلي إرادة الشعب فيما يخص قضايا الخلاف أو غيرها من القضايا المصيرية، فأخذت تعتمد صراع الإرادات الفوقي الذي أورد البلد كل هذه الكوارث.. وكان من الطبيعي أن تبنى إستراتيجية المواجهة مع القوى الانقلابية على الالتزام بالقيم السياسية والأخلاقية لمقاربات الحوار الوطني الذي أكد على حق الشعب في تقرير إختياراته السياسية، وفي إطار هذا المبدأ الاساسي العام تستلهم الطرق والاليات والأدوات المناسبة لمواجهة تعقيدات القضايا السياسية التي تزخر بها البلاد.

المرجعية الوحيدة في إتخاذ القرار هي الشعب ، ويقتصر دور النخب في "تسويق" وجهة نظرها والدفاع عنها أمام الشعب لا فرضها بالقوة.

هذا المبدأ العام هو الوسيلة الوحيدة لإعادة تنظيم الوعي بأهمية القضايا الوطنية الكبرى وكيفية معالجتها لتجنب صناعة الحروب والكوارث.

ولكي يتوقف مسار التدهور عند هذه النقطة لا بد من التذكير بالقضايا التالية؛

- إن القضية المركزية في الوقت الحاضر هي استكمال تحرير بقية أجزاء البلاد من قبضة الانقلابيين، وبناء شبكة من التحالفات السياسية الواسعة في الاراضي المحررة ، ولتعبئة الجميع على هذا الطريق أكرر للمرة العشرين أنه لا بد من طمأنة الجنوبيين بأن مستقبل الجنوب سيتقرر بناء على الارادة الشعبية لأهله، وأن أي تفكير آخر سيربك المسار كله . وعلى الجنوبيين أن يعيدوا بناء خيارهم السياسي بدعم استكمال التحرير وترتيب الوضع المستقر الذي سيؤمن تحقيق هذا الخيار سلمياً وشعبياً.

- ليس من مصلحة أي من القوى المصطفة في إطار الشرعية أن تعمل على إضعاف "الدولة" وقيادتها، بل لا بد من العمل على تقوية وتعزيز دورها في قيادة وحماية سلطتها ، فسلطة قوية متماسكة في هذه الظروف سينعكس إيجابياً على أسلوب إدارة المشكلات المختلفة والتهيئة لحلها حلاً عادلاً.

- لا بد لقيادة "الشرعية" وهي تتصدى لعملية تصحيح المسارات التاريخية للحياة السياسية اليمنية أن تدير هذه المسألة بأدوات المشاركة السياسية، وعلى القوى السياسية أن تتوصل إلى صيغة تفاهمات يكون من أساسياتها نبذ العنف أو فرض الإرادات، والاعتراف بأن هناك مشكلات يجب العودة فيها للشعب لتقرير خياراته بشأنها ولن ينفع معها العنف أو القوة.

- أن يقوم الرئيس هادي بتشكيل فريق عمل من بين مستشاريه وهيئة تنفيذ مخرجات الحوار الوطني وذلك للتشاور مع المكونات السياسية لإعادة اللحمة وصياغة ميثاق عمل يحدد أولويات العمل خلال المرحلة القادمة، وضوابط الحوارات والتفاهمات، مع أهمية توضيح الموقف من القضايا المختلفة.

- العمل بكل السبل من أجل الوصول إلى صيغة سياسية مع التحالف العربي بشأن مختلف القضايا التي تشكل عناوين عمل استراتيجي مشترك.

- أي نصر عسكري لا يتحرك من الآن في إطار سياسي واضح سيدفع الأطراف المغامرة الى تدوير فوهات البنادق في الاتجاه الخاطئ، كما هو الحال حينما لا توجه البندقية سياسة واضحة. النصر أحياناً يلتهم نفسه عندما لا يجد هدفاً كبيراً ينشغل به.

هذه القضايا لا يعني أنها غير حاضرة في وعي الجميع ، والتذكير بها لا يحمل أي دلالة على تفكير إستثنائي، ولكن الشعور بأن هناك تدافع نحو مسارات غير منضبطة وخطييييرة يدفعنا إلى مجرد التذكير بقضايا بديهية، وهو ما يجعلنا نبدو ساذجين في نظر البعض.. ومع ذلك خذوا الرأي المحمول بسذاجة فربما تجدون فيه ما ينفع ، فلطالما قادنا الشطار إلى الهاوية.

الأحد, 24 كانون1/ديسمبر 2017 20:32

رأي

 

"الشرعية"، باعتبارها ترميز للدولة، هي تحالف سياسي وشعبي وطني واسع، الناظم المؤسس لها هو ثورة فبراير ٢٠١١ والمبادرة الخليجية ونتائج مؤتمر الحوار الوطني والقرارات الأممية ومقاومة الانقلاب واستعادة الدولة.

خطاب قيادة" الشرعية" يجب أن يجسد هذا التحالف الواسع، ولا بد من الفصل بين الخطاب الحزبي لأي قوة سياسية منضوية في إطار هذا التحالف الواسع , وبين الخطاب الرسمي "للدولة" والذي يجب أن يعكس التوافق العام ، دون إستقواء بالمنصب الرسمي لفرض إيقاعات أو سياسات أي حزب مهما كانت الاسباب أو الظروف.

الخطاب الخاص بأي حزب يجب أن يتم بإسم قياداته الحزبية دون خلط بمنصب الدولة، لأن مثل هذا الخلط سيؤدي إلى تدمير التماسك الوطني حول القضايا الجامعة، أقله سيؤدي إلى ردود أفعال غير مستحبة في اللحظة الراهنة. ولذلك فإنه من المفيد مراجعة هذا الاندفاع الذي ظهر في الاعلام الرسمي للشرعية والذي يخلط الحزبي بالدولة، وقد يكون غير مقصود، لكن إستمراره يعيدنا إلى نفس المربع القديم الذي حول الدولة إلى اللون الحزبي للنخبة الحاكمة، ومعه ضاعت شخصية الدولة على النحو الذي فقدت معه هويتها الوطنية الجامعة بعد أن ضغطت بمقاييس الولاء السياسي الحاكم.

لن نؤسس لمسار سياسي صحيح إلا إذا فصلنا الدولة عن التبعية الحزبية بالصيغة التي تهشمت معها شخصية الدولة وضاعت معها المؤسسات السياسية. لا يمكن للمؤسسات السياسية أن تستمد عافيتها إلا بموقف واضح يعكس التوجه نحو بناء دولة متعافية ومتحررة عن ضغوط تحزيب الدولة ومؤسساتها ومستندة إلى منظومة متكاملة من العوامل التي تكون شخصيتها المستقلة.

الخميس, 21 كانون1/ديسمبر 2017 19:01

المشروع الذي يجب أن يهزم بالدولة الوطنية

 

 

تنبئ تطورات الأحداث عن دخول الأزمة اليمنية مرحلة حاسمة لا بد أن تنتهي بتثبيت شروط الحل السياسي الذي سينطلق في الأساس من المرجعيات التي تؤمن سلاماً دائماً وحلاً عادلاً لكل مشاكل البلاد.

كل المستجدات التي تجري على الارض، سواء السياسية أو العسكرية، تنتج على نحو موضوعي شروطاً تراكم الحل على هذا النحو الذي يؤمن رد الاعتبار للمشروع الوطني الذي خرج به مؤتمر الحوار عام٢٠١٤.

ومهما بدا أن التعقيدات الناشئة عن هذه التطورات المتسارعة كبيرة ، إلا أن ديناميات الانقلاب والحرب أخذت تتآكل، وذلك بانكسار تحالف الإنقلاب الذي مثل "العمق" الذي ظل يمد معاركه بالزخم المادي والمعنوي لهذا التحالف في كل الظروف. إن القوة التي تجسد رغبة حمقاء في إستمرار التمسك بالخطأ لا تعني أكثر من السير نحو نهاية حتمية كان يمكن تجنبها بقدر ضئيل من التفكير الواقعي بمتطلبات الحكم الذي يؤمن السلام للجميع . الحوثيون إندفعوا بحماقة نحو السيطرة على اليمن بأدوات قوة ملتبسة بمنهج عفى عفى عليه الزمن ، مكرسين هذا المنهج القديم بتعديلات رثة مستوحاة من "المشروع المهيمن " الذي تتفرع منه هذه المشاريع المفرخة. وهم بهذا ينطبق عليهم المثل الحضرمي "من بغاه كله خسره كله".

أما على الصعيد المقاوم للانقلاب فيبدو أن البحث عن حلول خارج معادلة مقاومة وهزيمة "المشروع المهيمن" قد أفضى إلى ما أفضى إليه من عثرات، بالرغم من التضحيات الضخمة التي قدمت. لقد أثبت المنطق بما لا يدع مجالاً للشك أن خوض الحرب بأدوات نصف حربية ومنهج "مراوح" مسألة يعيبها فهم طبيعة الخصم الذي يجري التصدي له. تفرعت عن هذا الوضع ميوعة في علاقة القوى التي إصطفت في جبهة واحدة لمواجهة الانقلاب/المشروع، وهو ما خلف فجوات ضخمة في العلاقة كان يملؤها خطاب إستعلائي لا يرى من المشكلة غير ما يجسد حصة صاحبه في الغنيمة المنهكة، وخطاب إنقسامي يوزع أوسمة النصر في مواسم الهزيمة والحزن، وآخر يشكك في من يقف إلى جانبه في خندق التضحية، وآخر يلقم العلاقات الكفاحية المشتركة جرعاً من الاحباط والسخرية. وحتى عندما حان الوقت لتصحيح مسار هذه العلاقة تم الأمر بوضع الجميع أمام خارطة كل مقاييسها معتمدة على فرجار لا يتحرك إلا في إتجاه واحد وبمقدار مبرمج من الاتساع.

إن الخصم الذي يجري التصدي له، والمتمثل في المشروع الايراني، يتمدد فوق رقعة واسعة من البلاد العربية ، وهو يصر على أن معركته في هذه المنطقة "وجودية".

هكذا، وفي غفلة من الزمن، إستطاع أن يصيغ معادلة للخصومة بمضامين لا تحتمل، من وجهة نظره، أي حلول سياسية غير الصراع والحروب ولا سواهما. وهو في هذا لا يرى غير خيار واحد من إثنين: إما أن ينتصر ويسيطر، أو يمزق الشعوب بإنظمة طائفية يبقيها في حالة حرب وخصومة ومواجهات دموية لا تنتهي.

إن هذا "الخصم"، الذي افتعل الخصومة واستدعاها من ثنايا تاريخ مفعم بالعنف ، كان في حاجة خاصة إلى أن يلعب بورقة هذا الصراع التاريخي، الذي بدا أنه كان قد أصبح في متحف التاريخ، لا سيما وأن التبدلات التي شهدتها الدولة المعاصرة قد فتحت الباب أمام نمط جديد من النظم السياسية والاجتماعية التي تأخذ بيد الفرد إلى المكانة التي يصبح فيها مواطناً بكامل حقوقه وواجباته الدستورية ، بغض النظر عن أصله ولونه وطائفته وانتمائه السياسي.. الجميع متساوون أمام القانون.

أدى ذلك التدخل المقصود والمدروس في اللحظة التاريخية التي كانت تقدم فيها التضحيات من أجل بناء دولة المواطنة تلك إلى إرباك هذه العملية التراكمية على هذا الطريق، وأخذ ينتج المعادل الموضوعي المقابل من جرعة التطرّف لدى الطرف الآخر الذي يرفض أيضاً قيام مثل هذه الدولة لتضع هذا المشروع الوطني رهين هذا التطرّف الذي يبدو على أنه متعاكس فيما ترفعه أطرافه من شعارات، ولكنه يخدم نفس الهدف، وهو منع قيام دولة المواطنة ونظامها المدني الذي يؤمن حقوقاً قانونية متساوية لكل المواطنين.

هذا ما حدث على وجه الدقة في اليمن، وفي اللحظة التاريخية التي أنجز فيها اليمنيون مشروع بناء دولتهم المدنية، دولة المواطنة والقانون، كما جسدتها مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.

مثل الانقلاب على هذا المشروع تواصلاً عضوياً مع المشروع التفكيكي المصمم في الاساس لإغراق المنطقة العربية في صراعات دموية لا تنتهي.

لم يكتف بتعطيل مشروع بناء دولة المواطنة، وإنما حرك نقيضه ليواصل بناء دينامياته وآلياته بالاعتماد على التطرّف الذي أخذ يغذي بعضه بعضاً، ولهذا يخطئ من يعتقد أن المشروع الايراني على نقيض مع داعش والقاعدة وغيرهما من مشاريع التطرّف. جرى تسويق هذا الاعتقاد عند دوائر معينة في الغرب بالاعتماد على المناهج النظرية المترعة بالاختلاف والتناقض والتي أسقطها الواقع بحساباته التي تتم بمعايير مختلفة تماماً . ولا يحتاج الأمر سوى إلى مراقبة المشهد عن قرب لمعرفة كيف يوفر هذان المشروعان لبعضهما شروط الاستمرار والبقاء في مواجهة أحلام الشعوب في الاستقرار والسلام والتطور.

المشروع الذي أعلن الحرب على السلام وعلى الخيارات الوطنية في المنطقة العربية لن يتراجع بالمناشدة الاخلاقية ، والحرب التي تستهلكها السنين هي مكسب بالنسبة له، لأن هذا النوع من الحروب ينتج أوضاعاً انسانية مأساوية يختفي معها أصل المشكلة ، وهذا هو أخطر ما يمكن أن يجعل معادلة الحل تحلق خارج الموضوع الاساسي المنشئ للمشكلة.

إعادة قراءة جذر المشكلة والتركيز عليه سيكون مدخلاً لتصحيح منهج مقاومة هذا المشروع بدون حسابات من ذلك النوع الذي سبق أن جرب وخرب كل شيء، وبدون أي تفكير بتسوية يغيب فيها إغلاق كل الفجوات التي يمكن أن يتسلل منها هذا المشروع مجدداً أو غيره من المشاريع التي ظلت تقمع فكرة الدولة الوطنية.. ولن يكون ذلك ممكناً إلا بهزيمته النهائية ورفض نظامه الطائفي بإقامة الدولة الوطنية التي تؤمن المواطنة والسلام والاستقرار والحياة الحرة الكريمة لكل المواطنين.

السبت, 16 كانون1/ديسمبر 2017 21:48

مكر التاريخ

 

في الطغيان يكمن مكر التاريخ .. والطغاة وإن حاولوا أن يجعلوا من أنفسهم هذا التاريخ ، إلا أنهم في حقيقة الأمر ليسوا سوى الوجه المخادع منه ، ذلك الوجه الذي تتكور في قسماته البشعة فضاءات مضيئة من نضالات الشعوب وتضحياتها .

يكمن مكر التاريخ في أن الطغاة إننا يصنعون بأيدي الخائفين والمرتجفين .. فإذا رأيت طاغية يتنطع فوق شعبه فاعرف أن كل من حواليه جبناء ، خائفون ، مرتجفون .. فهؤلاء هم الذين يقبل الطاغية أن يبقيهم إلى جواره . لا يقبل الطاغية الشجاع إلى جانبه ،كما أن الشجاع لا يقبل أن يبقى في كنف الطغيان .

لا بد أن نكون قد تعلمنا أن الشجاعة والطغيان لا يلتقيان ، الشجاعة قيمة نبيلة لا تتعايش إلا مع العدل ، بينما الطغيان رذيلة لا تقبل إلا الجبناء والخائفين .

ولا بد أن نكون قد تعلمنا أن الطغيان عملية لا تسير في إتجاه واحد ، فهو يرتد ليحصد من مارسوه وصفقوا له في تجارب تاريخية عديدة ،

ولا بد أن نكون قد تعلمنا أنه لا إستثناء من النهايات التي تنتظر الطغاة..

ولن يكون هناك إستثناء من مكر التاريخ .

الأحد, 10 كانون1/ديسمبر 2017 21:12

المؤتمر "المنتفض"... أين مرساه؟

الاشتراكي نت/ كتبه - د.ياسين سعيد نعمان
كالعادة لا ينشغل الناس بجوهر الحدث ومضامينه وإنما بالأشخاص الفاعلين في هذا الحدث .

الذين يحبون علي صالح قرروا أنه قتل في بيته مقاوماً وبطلاً ، وهم يصرون على ذلك لأسباب كثيرة من بينها طَي صفحة الماضي بمنعطف حاد يخفي عيوبها إلى الأبد .

أما خصومه فقد قرروا على نحو مختلف أنه قتل وهو هارب نحو بلدته سنحان ، وهم بهذا لم يكتفوا بقتله على ذلك النحو الوحشي ، وإنما لتكون موتته مخزية ولحرمانه من أي تعاطف ، حتى انساني ، لا سيما وأن صالح كثيراً ما استخدم تعبير "الفار" نكاية بخصومه .

لا أهمية لهذا الجدل في ذاته ، وإنما في صلته بأين سيرسو قارب المؤتمر "المنتفض " المتحرك وسط أجواء شديدة الضبابية .

لم ينتبه الجميع إلى أن حدثاً بهذا المستوى لا يجدي معه تمضية الوقت في البحث عن كيف قتل صالح ، ولكن لماذا قتل ؟ وما الذي سيترتب على هذا القتل من تبدلات في المشهد السياسي ؟ وما هو مصير المؤتمر الشعبي بعد رحيله؟

حتى الان ، شكل رحيل صالح خسارة متبادلة لطرفي تحالف الانقلاب ، فالحوثيون خسروا المظلة السياسية والشعبية التي قدمها صالح لهم ، ومؤتمر صالح خسر العامل الحاسم لوجوده ولاستمراره كقوة سياسية فاعلة في معادلة المشهد كاملاً . ولم يعد التحالف الانقلابي بتلك القوة والتنوع الذي كان عليه بعد أن بقي بلون واحد .

ولا يبدو إلى الان أن هذه الخسارة لطرفي التحالف الانقلابي قد انعكست إيجابياً على الطرف الآخر من معادلة المشهد ، أقصد الشرعية والمقاومة ، على أي نحو كان .

إنكسار التحالف ، مع ما انتهى إليه ، كان لا بد أن يعقبه إعادة صياغة المشهد بما يتفق مع ما تحدث به الرواة عن انتفاضة شعبية معبرة عن تبدلات سياسية جوهرية لدى المؤتمر الشعبي ، غير أن متابعة الاحداث بالعين المجردة لا تدل على أن أياً من شروط التبدل تلك قد توفرت ، فما لم يحسم المؤتمر " المنتفض" أمره ويلتحق بالشرعية ، ويعيد ترتيب أوراقه مع بقية أجنحة المؤتمر تحت قيادة الرئيس هادي ، في خطوة تصحيحية تاريخية تأجلت كثيراً، فإن ما ينتظره من مستقبل لن يكون بعيداً عما تعرضت له أحزاب يمنية كثيرة شارك هو في تفكيكها وتقطيعها حسب الحاجة .

لا يحتاج الأمر إلى مداولات ومشاورات وإنما الانطلاق من جوهر فكرة "الانتفاضة" ودوافعها ... فهذا هو العامل الحاسم في تقرير المسار .. لا بد من البحث في جوهر ودوافع الفكرة ، وهذا هو الذي سيقرر ما إذا كانت إنتفاضة للتغيير أم مجرد رد فعل للدفاع عن النفس .

الرد على ذلك بيد المؤتمر "المنتفض" ولا سواه .

الأربعاء, 22 تشرين2/نوفمبر 2017 16:43

المعارك الصغيرة

 

المعارك الصغيرة تلتهم المعارك الكبرى.. لم يكن هناك في تاريخ اليمن المعاصر أهم من معركة بناء الدولة، الدولة التي تحقق الإستقرار والتقدم والعدل والسلام، وتجذر الانتماء إلى وطن يحقق للإنسان اليمني مواطنته وكرامته وحريته، وتحتفظ لهذا المواطن بحقه في تقرير إختياراته السياسية وحقه في صياغة مستقبله.

في كل المراحل التي تهيأ فيها اليمنيون لخوض هذه المعركة الكبرى كان هناك من يرى هذه الدولة نقيضاً لمشروعه الفوضوي المتخلق في ثنايا بؤر استبدادية بمختلف ألوانها وأشكالها، أو رهناً لنزعة تسلطية لا ترى الدولة غير سلطة كل وظيفتها هي حراسة نظام الحكم الذي تأسس بالاستناد إلى نخبة وصلت إلى الحكم بالقوة، فتعمل بكل الطرق على إعاقة قيام هذه الدولة، الأمر الذي خسر معه اليمن الكثير من الوقت والجهد والموارد والكثير من الفرص، وظل يدور في حلقات مفرغة من الضياع لأن هذه المشاريع التسلطية أشبه بقنبلة موقوته يحملها الحاكم مهدداً بها الشعب عندما تكون قبضته قوية ويستطيع التحكم بها.. أما حينما ترتخي قبضته فإنها تنفجر في وجه الجميع.

في آخر محطة من معركة اليمنيين الكبرى لإقامة تلك الدولة سلمياً، وبتوافق تاريخي نادر، وبضغط شعبي شكل حالة ثورية اخترقت البؤر الاستبدادية ومعاقل الممانعة التاريخية لقيام تلك الدولة بدا أن المعركة قد تخطت حاجز الممانعة التاريخي غير أنه لم يفطن إلى أن أدوات حماية هذا المشروع تركت بيد نفس القوى التي أعاقت قيام هذه الدولة، والتي راوغت بإعلان التوافق لتنقض على مشروع الدولة وتغرق البلاد في "معركة" الحرب.

من هذه المعركة أخذت تتناسل معارك أخرى لتبدو المعركة الاساسية وكأنها حلم استنفذ طيفه في ظل كل هذه المعارك الهامشية التي تضخ من داخل "معركة" الحرب تلك والتي عرفت بعد ذلك أيضاً بمعركة استعادة الدولة.

إن الذين يخوضون هذه المعركة، معركة استعادة الدولة ومشروعها السياسي السلمي التوافقي لا بد أن يكونوا جديرين بهذه المهمة التاريخية، وهم المعنيون قبل غيرهم بنبذ المعارك الهامشية والثانوية والتمسك بالمشروع الذي يحقق الحرية والمواطنة والاستقرار والسلام وحق الشعب في تقرير خياراته السياسية بدون مواربة أو تفسيرات مخادعة.

الذين يخوضون هذه المعركة لا بد أن يجندوا لها كل وقتهم وجهدهم وتفكيرهم بعيداً عن المراوغات وإصدار الأحكام بالوطنية من مرابع لا تنقصها الشبهات حينما يتعين على الجميع أن يقفوا أمام مجهر التاريخ.

لا شيء يتفوق في التضحية والجهد والتفكير على معركة بناء الدولة.

هذا اللغو الذي يرهن الفعل لشبهة الخلاف والإختلاف، ومنه الفرار إلى تسفيه الآخر الذي يصطف في نفس المعركة لا يفسره شيء سوى أن الحديث عن التمسك بمخرجات الحوار لا يعدو غير ثرثرة لا تقدم أي دليل على إحترام الحوار كوسيلة لإدارة الخلافات مهما كانت تعقيداتها ومهما كان عمقها.. فبأي حجة بعد هذا يمكن دمغ أولئك الذين انقلبوا على الحوار وأغرقوا البلد في هذه الحرب المدمرة.

الذين يرفعون نتائج الحوار في وجه الآخرين لا بد أن يتميزوا فعلاً بقيم الحوار لا قيم الملاعنة والتسفيه وإشعال جذوة الصراع فيما بينهم، هل لأن أوار المعركة الاساسية قد خمد داخل أنفس اختلط فيها الاستراتيجي والتكتيكي والإحباط والسخط وأصبح الجميع يتحرك بتكتيكات خائبة، حتى أن النقد الجاد الذي يستهدف تصحيح مسارات بعينها يعاد طحنه في مطاحن مخصصة لتأجيج الصراع، ثم يعجن ويخبز ليطعم للناس، الذي يتطلعون للخلاص من هذه المأساة ، إحباطاً ويأساً وسخطاً.

المعارك التي يطوقها اليأس والاحباط لا تنفع معها ذخيرة البارود.. فإذا لم تكن الذخيرة هي الإيمان المطلق بصحة الموقف والتصرف بروح نقدية نزيهة تتسامى فوق الثرثرة واللغو وإدمان التهريج كانت النتيجة المباشرة تفسخاً قيمياً لا تعني معه عبارة إستعادة الدولة غير تغريده خرساء باردة ومبهمة المعنى لا تبرر الدم الذي يسفك من أجلها.

الحرب طحنت اليمن، ولا شيء يسوغ بشاعة ما ستتركه من آثار، بما في ذلك إنصاف الضحايا الذين تصدوا للانقلاب الدموي على شرعية التوافق السلمي، سوى إعلاء المقاومة كفعل قيمي منزه عن حاضنات الخذلان التي تراكمها هذه المعارك الصغيرة التي تتكاثر كالفطر المسموم.

الثلاثاء, 07 تشرين2/نوفمبر 2017 21:24

إرهاب بالمقاولة

ما حدث يوم أمس في عدن يثير كثيراً من الأسئلة حول القوى التي تقف وراء هذه الأحداث ، وما إذا كانت تعمل ضمن رؤيا سياسية في إطار معادلة الصراع السياسي الذي يجتاح اليمن بأكمله ، أم أنها تقتحم هذا الصراع بمشروعها الخاص كقوة ارهابية مستفيدة من تداعيات الحرب .

 نستثني هنا العمل العشوائي ،لأن حجم العمل الذي تم يوم أمس ينم عن تخطيط يقف خلفه دعم لوجستي كبير ومنظم .

نبقى إذاً في إطار الاحتمالين الأول والثاني .

لا شك أن العمل إرهابي وهو لا يختلف كثيراً عن حادث العرضي في صنعاء عام ٢٠١٣ .

 وبالرغم من أن حادث العرضي قد طوي وقيد ضد مجهول ، إلا أن ما كشفته الوقائع بعد ذلك أنه كان حلقة في سلسلة طويلة من الاحداث التي استهدفت افشال المسار السياسي السلمي التوافقي ونقل السلطة ، وعبر عن مخزون هائل من القوة المدربة على الأعمال الإرهابية التي كان يستخدمها النظام في أكثر من مناسبة ولأكثر من هدف .

ظلت هذه القوة كامنة ، ولكن وبسبب التغيرات التي حدثت بفعل الحرب فقد حافظت على منظومة عملها التقنية والبشرية بصورة كاملة ، وتحولت إلى "مقاول " ، غلافها الخارجي أعمال انتحارية تحت أي إسم من الأسماء الرائجة ، بينما هي في حقيقة الأمر عصابة تعمل لصالح من يدفع .. فهي تجند الشباب الذين يفجرون ( بكسر الجيم) أو يفجرون ( بفتح الجيم) .. ثم تقوم بالمهمة كعصابة محترفة القتل والتدمير لإنجاز أهداف مدفوعة الثمن .

في وضع عدن الذي للاسف تراكمت فيه نزعات التحدي التي لا شأن للسياسة بها في كثير من الأحيان ، وسمح فيه باستقطابات تمتد إلى خارج الارادة الشعبية التي يعبر عنها بمظاهر شعبية ومجتمعية وسياسية ، إضافة إلى ما أفرزته ظروف القهر والتنكيل بالناس من تغول مصالح غير محترمة بالمرة ، أفسدت التسامح والتصالح الذي عبر به الجنوبيون عن رغبتهم في مغادرة الماضي والتطلع إلى المستقبل بعيون لا تخطئ حقيقة أن المستقبل هو الأولى بالإهتمام .

بدأت هذه المصالح غير المحترمة - التي اخترقت رقعة التسامح التي امتد جغرافياً من عدن حتى المهرة ، وتاريخياً فوق زمن يمتد الى عقود طويلة منذ أن تشكلت نوى الصراع السياسي على قاعدة حزبية في الخمسينات من القرن الماضي لتترك وراءها الصراعات الاجتماعية القبلية التي فتت المجتمع في حروب طاحنة وثارات لا نهاية لها - بدأت تعيد تشبيك بقع الصراع جغرافياً وتاريخياً بأدوات خبيثة كوسيلة لضمان  تغولها ، وهي بالطبع تتشابك وتترابط خارج الحدود التي تقررها السياسة ، أي أنها تتجاوز الصراع السياسي وتقوم بتجسير العلاقة بين أطراف تبدو متناحرة سياسياً لكنها محكومة بمصالح مشتركة .

ومن أجل ذلك استخدمتكل الوسائل لإعادة انتاج حوافز التصادم داخل الجنوب مستفيدة من رخاوة البنى السياسية التي حملت مشروع التغيير والتصالح والتسامح وتتحرك بالعاطفة الوطنية الجياشة تجاه قضيتها دون أن تتأسس بعد المصالح المتجذرة في بنية اجتماعية وسياسية واقتصادية قوية تمكنها من التصدي لكل محاولات التمزيق تلك .

واضح من هذا أن "المقاولة " تلك قد استهدفت أكثر من غاية في وقت واحد أهمها توجيه ضربة حاسمة للمشروع السياسي لقضية الجنوب . وفي هذا السياق نتحدث عن المنظومة السياسية بكامل تكوينها بغض النظر عن إسمها أو عنوانها . فعدن هي العنوان الأبرز لهذه القضية والذي فيما لو ظلت مستهدفة بمثل هذه التفجيرات الاجرامية فإنها تكون بذلك قد فقدت قدرتها في تكوين حاضن سياسي لهذه القضية هي وحدها المؤهلة له .

من هنا فإن ما يبدو أنه أساسي في هذا كله هو إختبار تلاحم القوة المعنية بحفظ أمن عدن وتفاعل المجتمع مع مخاطر من هذا النوع .

من وجهة نظري أن هذا الحادث بالرغم من بشاعته وحجمه الكبير الذي أعد له بدعم كبير قد فشل في تحقيق الهدف الذي صمم من أجله وأثبتت القوى التي تحمي أمن عدن أنها تتأهل على نحو يتفوق على المخاطر التي تتعرض لها هذه المدينة ، كما أن تفاعل المجتمع قدم هو الآخر الدليل على أن الامن قضية مجتمعية أيضاً ، وهو ما يعني في معادلة السياسة والامن . أن عدن ، باعتبارها عاصمة الجنوب  والعاصمة المؤقتة لليمن ، ستظل مستهدفة ولا بد بهذا الصدد من إعادة النظر في الأدوات التي تدار بها علاقة الدولة مع الجنوب كقضية . هذه الأدوات يجب أن تكون سياسية قبل أي شيء آخر . كما أن حالة الاستقطاب التي تضع الجنوب خارج معادلة المعركة مع التحدي الأكبر الذي يهدد اليمن كلها بحرب عبثية مدمرة وطويلة المدى من قبل تحالف الانقلابيين لا بد أن تنتهي حتى لا يظل هذاالوضع سبباً في خلط الاوراق سيدفع الجميع ثمنها .

الدول التي حسمت أمر سلطة الحكم بتسليمها للشعب ، باعتباره مصدر ومالك هذه السلطة ، تعيش حياة استقرار وسلام .. وفيها يتواصل البناء والتقدم العلمي ومعه رخاء شعوبها ،

هذه البلدان أدركت أن الاستقرار والسلام والتعايش والقبول بالآخر هي الشروط اللازمة للبناء والعمران وإرخاء والتقدم العلمي، وآمنت بأن ذلك لن يتحقق إلا بحسم علاقة الشعب بالحكم والسلطة .

ولهذا السبب عملت على مستويين متلازمين :

الاول هو تمكين الشعوب من استرداد حريتها ، فالحرية هي اللازمة الأولى لتحمل مسئولية امتلاك السلطة وتفويضها .

والثاني صياغة عقد اجتماعي لنقل السلطة إلى الشعب من منطلق أنه هو مصدرها ومالكها .

بهذا، أنهت ، وإلى الابد ، دوافع ومظاهر عدم الاستقرار في هذه البلدان وهي الصراع على السلطة ، وأصبح الشعب الذي يتمتع بالحرية الكافية لتقرير خياراته هو صاحب الكلمة الأولى في كل ما يتعلق بشئون الحكم .

لم تكن النخب في تاريخها الطويل أمينة في تعاطيها مع السلطة ، ولم تستقر السلطة وتتحول إلى أداة بناء وعمران ورخاء إلا عندما تحولت إلى الشعب ، ولم تتأسس قواعد راسخة للدولة إلا حينما أصبحت السلطة تجسيداً للطبيعة المدنية للمجتمع وللدولة وفصل السلطات ، واحتفظت النخب بحقها في تداول السلطة بتفويض مباشر من الشعب وإلتزام صارم بأسس الدولة والقواعد المنظمة لمؤسساتها .

توقف منتحلو الحق الالهي في التسلط على الناس وقبلوا بفكرة مدنية الدولة ، وتوقف ورثة العروش والأباطرة والحكم عن حروبهم من أجلها ، وأدركوا أن الزمن تبدل وأن حماية هذا الحق بالدم لم يعد خياراً مقبولاً عند الشعوب بعد أن تصادمت دعاوى الميراث بالتبدلات السياسية والأخلاقية والانتاجية والمعرفية .. وقامت الثورات لتنهي دعاوى الارث والميراث . وقبل آخرون بتسويات تاريخية تجنبت دموية الثورات ، ونقلت السلطة إلى الشعب سلمياً مع الاحتفاظ بتقاليد مثلت حالة من التوازن السياسي والقيمي للدولة في بنائها الفوقي ، وتركت التطورات المادية في صورة قوى الانتاج والاقتصاد تتفاعل مع المعرفة والقانون والاخلاق لتقوم بمهام الثورة في كافة ميادين الحياة .

الحروب التي لا زالت تتفجر في بلدان كثيرة تعود في الاساس إلى بقاء السلطة بعيدة عن الشعوب باعتبارهاً حكراً للنخب ، ولما كانت النخب التي لا تخضع لرقابة الشعب غير أمينة بالمطلق في تعاطيها مع السلطة ومع الدولة في آن واحد فقد ظلت السلطة سبباً في إثارة الحروب والصراعات وعدم الاستقرار.

فهي من ناحية لا ترى السلطة غير أداة للنفوذ، ويمتد هذا النفوذ ليقمع الدولة نفسها ، فيما يشبه إعادة تجنيدها لصالح نفوذ نخبة الحكم ، سواء تلك التي تدعي الحق الالهي ، أو تلك الوارثة لنمط حكم السلطة الأبوية ، أو النخب التي استقر عند الاعتقاد بحقها في السلطة دون غيرها لأسباب ايديولجية أو دينية ، أو بمعايير التميز العرقي أو السطوة الاجتماعية والقبلية وما ارتبط بها من نفوذ و نهب لثروات البلدان وشعوبها .

وفي المناخ السياسي والاجتماعي الذي يستقر فيه حق هذا "القوي " أو "الاستثنائي" في امتلاك السلطة تتنافس النخب على نهب ثروة البلاد ،والإثراء غير المشروع ، والتسلح ، وامتلاك أدوات القوة بما في ذلك الوظيفة العامة ، وكلها عوامل دافعة للصراع والحروب الداخلية .

والحرب التي تبدأ في أي بلد لا يمكن النظر إليها بمعزل عن هذه الحقيقة .. ولأنها كذلك فإنها لا يمكن أن تنتهي دون إتفاق على قواعد بناء الدولة .. فتنفصل السلطة عن الدولة ، ويصبح الشعب مصدراً ومالكاً للسلطة ، وتخرج النخب من خنادقها لترى الأمور على حقيقتها ، وتعترف بأن لا أحد يملك حق تفويضها إدارة السلطة غير الشعب ، وما عدا ذلك ليس إلا مدعاة لتأسيس دوافع لحروب مستمرة وضياع لن يسلم منه أحد ، وإن تأخر .

بالنسبة لليمن لا يمكن أن يكون إستثناء من هذه الحقيقة ، فمثلما كان سبب الحرب هي الدوافع التي ولدتها القوة لدى نخب منحت نفسها تفويضاً بالسيطرة على السلطة بقوة السلاح فإن الحل الجذري لن يتأتى إلا بتفكيك ذلك التفويض الذاتي المدعوم بمزاعم طالما استنبتت داخل وعي اجتماعي مضطرب وملتبس بأنماط الحكم المنتج لدورات الصراع والعنف والغلبة .

أمام اليمنيين بعد هذه الحرب فرصة العمر أن "يقلعوا عداد" سلطة الغلبة كنمط للحكم ، بصيغها المختلفة ، ليقيموا سلطة الشعب ، ما لم فإن الحرب لن تنتهي ، وإن توقفت .

وهناك مساحة كبيرة بين أن تتوقف الحرب أو أن تنتهي تمتد لتغطي ركاماً ضخماً من ثقافة الغلبة التي توظف لنفي التاريخ .

الأحد, 22 تشرين1/أكتوير 2017 18:13

مشهد أشبه بكائن خرافي

تخلي الحوثيين عن تحالفهم مع صالح مؤشر هام على أن قراءتهم لترتيبات الحل السلمي تسير بخطى جادة هذه المرة.

إنتهت الحاجة إليه في جبهات القتال ، وانتهت الحاجة إليه سياسياً. وأصبح بامكانهم عرض مشروعهم الخاص على طاولة المفاوضات من دون أن يكدرهم أي صوت من داخل التحالف القديم .

هكذا تتبدل الأحوال .. علي صالح يشرب من نفس الكأس الذي جرعه لكل الذين شاركوه أو تحالفوا معه في مراحل ماضية . وهؤلاء بطبيعة الحال لم يخرجوا عن نفس الموروث الذي يحول التحالف في اليمن إلى مجرد مهنة شريرة يحترفها المخادعون لينهي بعد ذلك القوي الضعيف .. ويمضي ساخراً ومحلقاً في فضائه الخاص .

لم تخل حياة علي صالح من مثل هذا التحليق الساخر لمرات كثيرة ، وربما بقي لديه شيء من الذاكرة تعيد إليه قدراً من التوازن النفسي من منطلق أنه قد سبقهم إلى ذلك ، وأنه لو كان قد تمكن من هؤلاء الحلفاء الجدد لما أخذ فيهم إلاً ولا ذمة ..

عموماً ، لا يجب المبالغة كثيراً فيما سيرتبه هذا الانشقاق من تبدلات في المشهد العسكري والسياسي على السواء .. لأن الانشقاقات تضرب أطنابها في باطن المشهد كله من أقصاه إلى أقصاه ، حتى بدا الأمر وكأننا أمام مشهد أشبه بذلك الكائن الخرافي ذو الرؤوس العديدة التي تتحرك في كل إتجاه وتخبط في كل ناحية .

كل ما في الأمر هو أن الحوثيين ربما أدركوا أن الحرب قد استنفذ أوراها ، ولم يعد أحد يحسب حساب استمرارها لتغيير المعادلة تغييراً جذرياً على الارض ، فقرروا التخلص من عبء التحالف مع صالح الذي قد يكلفهم نصف المكسب فيما لو بقي الى جانبهم . هم الان يريدون أن يتفاوضوا كطرف كامل لا كنصف طرف كما كان الامر من سابق .

هكذا تدار التحالفات في بلد مثل اليمن .. غير أن الحسابات الناشئة عنها لا تنتهي كلها دائماً إلى خير .

 

احتفلت سفارة اليمن في لندن اليوم الجمعة بالذكرى الرابعة والخمسين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة . وكانت قد احتفلت قبل أيام بثورة سبتمبر.

كان يوماً بهيجاً رغم كآبة الزمن الذي أكسبته الحرب لونها وطعمها المر..

في الصباح إتصل بي صديق من خارج لندن وقال اذا أنت في المكتب با أمر أسلم عليك!!

قلت له أهلاً وسهلاً ، وفرصة تشاركنا الإحتفال.

سأل: أي احتفال؟

قلت : الاحتفال البسيط الذي سيقيمه العاملون في السفارة بمناسبة ذكرى ثورة أكتوبر..

لم يعلق .. ولكنه كتب لي رسالة طويلة في التلفون يقول فيها ما الذي تبقى من سبتمبر وأكتوبر حتى تحتفلوا بهما؟

لم يفاجئني التعليق الطويل الذي كتبه .. فهو يأتي متسقاً مع مزاج عام يتساءل عما صنعته الثورات لكي يحتفى بها.

كتبت له إن الثورات لا تتحمل مسئولية ما انتهت إليه، النخب التي قادت هذه الثورات أو اختطفتها هي المسئولة عن ذلك . حرصت هذه النخب أن تبقى هذه الثورات نخبوية . ورغم أن الأهداف التي حددتها لا زالت صالحة وستظل صالحة لأمد طويل ، المشكلة هي أن هذه النخب أرادت أن تحقق هذه الأهداف بأدوات ثورية، الامر الذي أفضى في نهاية المطاف إلى إنتاج أنظمة استبدادية أخذت هذه الثورات بعيداً عن أهدافها ، ومنها ما اختطفتها قوى الفساد ودمرت مضامينها وقمعت القوى الثورية واستبدلتها بقوى ليس لها أي صلة بهذه الثورات.

لم تنجز الثورة بناء الدولة المعول عليها في تنفيذ أهدافها ، أهملت بناء الدول، وحلت هي محلها محمولة بأنظمة وسلطات استبدادية بعيدة الشعب. وكان هذا أهم عنصر في السياسة الفاشلة التي أهدرت الثورات.. وحتى بعض المنجزات التي تحققت تحولت إلى محور استقطاب اجتماعي مغلق يدور في ذاته ولا ينتج حركة اجتماعية نشطة بسبب غياب الحريات السياسية.

وعندما نحتفل اليوم فنحن أولاً نكرم الشهداء الذين حملوا هذا الثورات ونتواصل مع أهدافها التي لا زالت صالحة، ونبحث عن أسباب الإخفاقات، كان غياب الدولة أهم هذه الاسباب..

كان لا بد من تحقيق هذه الأهداف بروح ثورية... ولكن بأدوات سياسية واقتصادية وعلمية ومعرفية وهو الامر الذي لا تضمنه إلا دولة مدنية بنظمها وقوانيها، تحترم الانسان وحرياته وخياراته وحقوقه ولا تعفيه من واجباته.

هذا ما تنبه له اليمنيون بعد ذلك بعقود في ثورة فبرأير ٢٠١١ ، كثورة مكملة ، أخذت على عاتقها إنجاز مهمة بناء الدولة باعتبارها الضامن الحقيقي لتحقيق أهداف الثورة عبر حوار وطني شامل.

القوى التي ادركت أن الدولة ستسحب من تحتها البساط الذي طالما داست عليه لتقمع أهداف الثورة هي التي إنقلبت على هذا المنجز التاريخي.. وأدخلت اليمن في هذه المِحنة..

والسؤال هل يعفي هذا الوضع القوى المدنية والوطنية والشعبية من أن تتواصل مع حلمها وتستحضره في صورة التمسك بأهداف الثورة مع ما توفر لها من دليل نظري لبناء الدولة الوطنية، وهو الدليل الذي ظل غائباً عقوداً طويلة حتى تحاور عليه اليمنيون وأخرجوه في صيغته التي استكمل فيها المشهد الثوري ولو بعد عقود من الزمن.

نعم نحتفل وبأيدينا ما يؤكد أن التواص مع الحلم لا يتم في فراغ ، ولكنه محمول بما أنجزه اليمنيون من خارطة طريق كاملة لمستقبلهم: أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر وأداة تحقيق هذه الأهداف (الدولة) بالصيغة التي أنجزتها ثورة فبراير ٢٠١١.

الخميس, 14 أيلول/سبتمبر 2017 18:51

الفكرة الخاطئة حينماترتد على صاحبها

تصور الرئيس السابق صالح أن الفكرة التي أقنع بها الحوثيين بتشكيل "المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ" ستصبغ على الانقلاب صفة قانونية ، وتمكنه من استكمال بناء الهيكل التنظيمي والاداري للانقلاب الذي سيقدم للعالم كمنافس للشرعية الدستورية التي تم الانقلاب عليها .. واعتقد أنه حتى إذا لم يتم التعامل مع هذا الوضع بصيغة الامر الواقع المدعوم بحالة الحرب ، فإن تضليل العالم بحكومتين ورئاستين وسلطتين سيربك الوضع السياسي على طريقة "الرصاصة اللي ما تصيبش تدوش ".

لكن الحقيقة هي أنه لا هذَا تأتى ولا هذَا حصل !!

الرجل الذي شغل اليمنيين بذكائه ومهارته في الرقص على رؤوس الثعابين لم يكن يعرف أن هذه الفكرة ستقضي على آخر أحلامه بمواصلة السيطرة على المقدرات العسكرية والمالية للدولة والتي أبقته حاضراً بقوة في معادلة الحكم حتى بعد أن ترك كرسي الرئاسة.

كان يكفيه أن يظل مسيطراً أو متحكماً في القوة العسكرية، التي بناها بولاءات خاصة وديناميات تعمل خارج الحاجة الوطنية وأبقى على مفاتيحها بيده، لكي يبقى اللاعب رقم واحد في كل المراحل وتحت أي ظرف من الظروف.

في المرحلة الانتقالية أفشل كل المحاولات لإعادة هيكلة الجيش التي تم التوقيع عليها في إطار اتفاقات نقل السلطة إلى نائبه، واستطاعت تركيبة وآليات عمل الجيش الداخلية، وأنساق انتسابه، وعقيدة بنائه أن تبقيه خاضعاً لقراره.

وأبقى، من ناحية اخرى، على مصادره المالية في الشركات والمؤسسات المساهمة والأخرى التي أنشئت على قاعدة احتكارية لمحاسيب وموالين دون مساس.

وبعد الانقلاب ظل يتحكم في هذين العنصرين اللذين منحاه قدراً من التفوق في شراكته مع الحوثيين .. لكن الحوثيين كانوا يدركون أن بقاء الشراكة ومصيرها مرهون بالوضع الذي سيستقر عليه هذان العاملان: الجيش والمال الذي بيد صالح.

حاول الحوثيون اقتحام عناصر قوة صالح تلك، لكن هذه المحاولات كانت تفتقر الى الغطاء الذي يبرر هذا الاقتحام وخاصة مع شريك الانقلاب .. ناهيك عن أن ميزان القوة كان لا يزال يثير عدداً من التحفظات تجعل أي خطوة من هذا القبيل غير ممكنة .

ثم جاء الغطاء الذي ظل الحوثيون يبحثون عنه وذلك من خلال تشكيل "المجلس السياسي والحكومة" تنفيذاً لفكرة صالح. كان لا بد من أن تتولى "وزارة الدفاع" في تشكيلتهم الحكومية والتي كانت من نصيب الحوثيين مسئولية السيطرة على السلاح والمعسكرات وكل ما يتعلق بالجيش، أي أن انتزاع القوة الاساسية، التي أبقت صالح لاعباً في الحياة السياسية، أصبح مهيئاً بموجب هذا الوضع الجديد. كان أول قرار يتخذ منذئذ هو أنه لا يجوز الاحتفاظ بالسلاح والمعسكرات خارج سيطرة " الدولة".. وأن المعركة تتطلب حشد القوة العسكرية بقيادة وزارة الدفاع .. وأن الشراكة هي شراكة سياسية بين طرفين سياسيين لا يجوز لهما الاحتفاظ بالسلاح، لأن المسئول عن السلاح هي الحكومة. وعندما أدرك صالح أنه هو المستهدف لوح بالانسحاب من الشراكة.. لكن كان الرد هو انه حتى الانسحاب من هذه الشراكة لا يعني السماح بامتلاك السلاح والمعسكرات.

وجد صالح نفسه أمام معضلة خلقها لنفسه بنفسه، ولأول مرة يختلف عنده حساب الحقل عن حساب البيدق وعلى نحو أظهر هشاشة الشراكة التي قامت على تقديرين متصادمين للشريكين.

فبينما أقام صالح شراكته مع الحوثيين بالاعتماد على مصادر قوته التي رافقت مسيرته السياسية، أقام الحوثيون شراكتهم مع صالح على أساس تجريده من هذه القوة. غير أنهم كانوا يجهلون الطريقة التي ستمكنهم من ذلك. لكن المفارقة هي أن صالح كان هو الذي وفر لهم الشروط الضرورية والكافية للوصول إلى الهدف.

بالنسبة للمال، قام الحوثيون بتجفيف جزء كبير من مصادر المال العائدة لصالح وذلك بوسائل عدة منها السيطرة على فوائض كثير من الشركات والمؤسسات بإسم دعم الجبهات. واستطاع الحوثيون عبر "وزارة المالية" التي يسيطرون عليها هي الأخرى اتخاذ إجراءات لمواصلة التجفيف تلك مستخدمين غطاء "الدولة" وسطوتها، وكذا خبرة الكثيرين منهم ممن ظلوا على رأس المؤسسة المالية، وكانوا منتشرين في شرايينها وأوردتها، ويعرفون كل تفاصيل حركة الريال منذ أن يطبع حتى يجمع من قبل البنك المركزي لإحراقة بعد أن تنتهي خدمته. يعني أن الحوثيين لم يكونوا يحتاجون لجهد كبير لمعرفة مصادر التمويل التي تشكل النظام المالي الموازي الذي أنشأه الفساد لتمويل منظومة عمله التي حولت الدولة بأكملها لخدمة القلة ممن سيطروا على ثروة البلاد.

لا يمكن بأي حال من الاحوال الخوض في مستقبل الشراكة لطرفي الانقلاب دون أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار... فصالح بدون عناصر القوة تلك لن يكون غير مظلة لمشروع الحوثيين، وهو الوضع الذي سيبقى عليه الحال بدون مواجهات تذكر بعد أن أسفرت ديناميات الشراكة عن اختلال عميق في المعادلة لصالح الحوثيين الذين أعلنوا مشروعهم مؤخراً بصورة لم يعد فيه أي مجال للاجتهاد.

صالح الذي استخدم أدوات القوة تلك في التمرد على الشراكة السياسية لبناء الدولة عبر العملية السياسية السلمية التي وقع عليها بإرادته، كما يقول... يخسرها اليوم عبر شراكة إنتقامية مع الحوثيين لتدمير الدولة بواسطة حرب لا يمكن أن يكون لها عنوان آخر غير أنها حرب الانقلاب على الدولة.

الأحد, 03 أيلول/سبتمبر 2017 18:46

نصف الحل

الترويج لنصف حل يدخل مرحلة جديدة . فبينما تتداعى جبهة الانقلابيين ويتهدد تحالفهم بالتفكك ، تزداد جبهة الشرعية حيرة بسبب ما ينتابها من عسر هضم لهذا التبدل الذي كان أمراً طبيعياً لتحالف لا تتوفر له شروط الاستمرار .

 تذهب تحليلات البعض في جبهة الشرعية إلى أن هذا التبدل وراءه مؤامرة تهدف إلى المجيء ببعض عائلة صالح الى الحكم في تسوية يأخذ بموجبها صالح موقفاً إيجابياً من التحالف والشرعية ..ويفسرون أن حشد السبعين كان لهذا الغرض لولا أن هناك ما جعل صالح يتردد في اللحظات الأخيرة لأسباب تتعلق بعدم اكتمال الصفقة .

ولا يخفي آخرون ارتياحهم لأنصاف الحلول تلك .. ولتمرير دوافع هذا الارتياح فإنهم يبرزون المؤتمر إلى الواجهة على حساب الحضور المكثف لصالح وبصورة ارادوية وتحكمية لا تعكس الواقع . وهم بذلك  لا يَرَوْن صالح غير لاعب ثانوي يمكن تجاوزه في اللحظة المناسبة . ويختلف هؤلاء باختلاف الزاوية التي يقيمون فيها علاقة صالح بالمؤتمر ، فالبعض لا زال يعتقد أن هناك مساحة تفصل المؤتمر عن صالح يستطيع من خلالها أن يستقل بقراره كمؤسسة سياسية وفقاً لمعطيات مستقلة عن رغائب " الزعيم".

  تختلط هنا الرغبات مع الحقائق الموضوعية ..وتكون النتيجة هي حالة من الارتباك والتخبط التي تفضي  إلى إضعاف الحشد المعنوي لمقاومة الانقلاب في أهم لحظة من لحظات المواجهة . فبدلاً من التوجه نحو الخصم إعلامياً وسياسياً ، يتجه نصف الخطاب ، وأحياناً أكثره تأثيراً ، لينال من مكونات تحالف الشرعية في ما يشبه الحنين إلى مبدأ الأفضل والمفضول في صيغتها السياسية التي أفرزتها تبدلات الحياة السياسية في صورة تحالفات لمكونات حزبية واجتماعية عوضاً عما ساد في المذهب الزيدي من تطبيق لهذا المبدأ لينتج ثقافة واسعة الانتشار تجلت في أكثر من صيغة لتحالفات سياسية اثرت في المجرى العام لحياة اليمن واليمنيين . 

وبدلاً من شد الرحال إلى حيث يجب أن يتحقق الهدف باستعادة الدولة من أيدي الانقلابيين باعتبارهما معاً وجهين لعملة واحدة نرى أن هناك من يحاول أن يقارن بين وجهي العملة في محاولة لتبييض أحدهما باعتقاد أن ذلك من شأنه أن يعمق الهوة بين الطرفين مما قد يسمح باستنساخ تحالف يستعيد الدفاع عن الجمهورية ، وأي جمهورية!! 

لا بأس أن يكون هناك عمل سياسي وإعلامي يستهدف كسر هذا التحالف الذي أدمى اليمن ، وخرب مساره الوطني نحو بناء الدولة ..غير أن هذا النوع من العمل يجب أن يخرج من دائرة التقديرات الخاصة التي تستند إلى انفعالات ذاتية وعواطف خاصة ، وأن تنظمه قواعد لا تذهب به بعيداً نحو تفكيك جبهة المقاومة بتنبؤات من ذلك النوع الذي يرتد بصورة سلبية على المزاج السياسي العام .

لا أحد يريد هذه الحرب أن تستمر .. كل ما هو مطلوب هو أن تنتهي الحرب ، بعد كل هذا الخراب والدمار والخسائر ، بتحقيق سلام يحقق الاستقرار لليمن ، لا سلاماً ينتج حروباً أخرى ، أي أنه لا بد من توخي الحذر من أنصاف الحلول التي يبشر بها البعض والمحمولة بمشاريع محتقنة بحروب وصراعات لا تنتهي .

الإثنين, 28 آب/أغسطس 2017 18:12

حراس الموروث الدموي.. كفوا عنا عبثكم!!

الدم اليمني الذي يسفك على أي نحو كان لا بد أنه يوجع كل يمني ويؤلمه . يوجع الروح قبل الجسد..

كل دم ينزف هو من جسمنا نحن اليمنيين . هذا الجسم الذي يتهالك مع كل دورة دم .. وما أكثر هذه الدورات التي وضعت اليمن على خارطة تراجيديا عبثية .

المتسببون في سفك هذا الدم هم وحدهم من يتحمل مسئوليته ، وهم سبب هذا البلاء .. لا شيء يفسر ذلك سوى أن هناك من تسببوا في شق مسارب الدم تلك ليبحروا من خلالها إلى كرسي الحكم والسلطة .

قبح الله السلطة وقبح كراسي الحكم التي حولت دماء اليمنيين إلى وسيلة للوصول إليها أو التمسك بها .

كانت الوحدة خطاً فاصلاً بين زمنين .. كان الأول منهما يعني المواجهات والصراع وعدم الاستقرار ، وكان الثاني يبشر بِآمال تنقل اليمن إلى عهد من التنمية والسلام والازدهار .

لكن الغرور والعنجهية وحب التسلط رحل قبح الزمن القديم إلى قلب الزمن الجديد ، واغتالوا ماجد مرشد ظلماً وعدواناً بإعلان مبكّر ، وتدشين سريع ، لقتل الأمل عند اليمنيين بعهد جديد من السلام والاستقرار والبناء .

بدأت منذئذ رحلة الدم وأوجاعها لتستولد القبح بكل صوره ، ومعها الحروب والغدر والتحالفات غير المبدئية ونهب الثروات والفساد ، حتى أنهك اليمن واليمنيون .. وتشكلت على إثر ذلك دوافع شعبية قوية في صورة هبات وثورات سلمية لتستعيد المبادرة .

وفعلاً تم استعادة المبادرة لتضع اليمن من جديد بين زمنين .. الأول الذي تحكمت فيه نخب الفساد والاستبداد ونهب ثروات البلاد والاغتيالات وقمع الدولة باصطفاء النموذج النخبوي الفاسد في الحكم والتسلط . والثاني العهد الذي انخرط فيه الجميع في حوار وطني شامل لوضع عقد إجتماعي جديد لبناء اليمن ودولته المدنية ، ومعالجة كل القضايا التي راكمها زمن الاستبداد والفساد بأسلوب يعتمد الارادة الشعبية وحقها في تقرير اختياراتها السياسية.

ولكن ، ومن جديد يتدخل حراس الموروث الدموي التسلطي ممن يعتقدون أن اليمن صار ضيعة لهم ولأبنائهم وذويهم .. واستعادوا تحالفات الأزمان التي كان كرس فيها اليمن الى مستويين أحدهما سلطة وهيمنة ، والثاني أراض موطوءة ورعية.

إستولدوا من تاريخ الهيمنة نموذجاً لأيديولوجيا تسلطية تحلقوا حولها لحمايتها بالقوة.. فانقلبوا على التوافق السياسي واستولوا على الدولة .. وتواصلت رحلة الدم في أقبح وأنذل صورها.

ما الذي يستطيع أن يقوله اليوم الذين يقتتلون في صنعاء بعد أن خربوا حلم اليمنيين ببناء يمن جديد يسوده السلام والاستقرار ويكون فيه القرار لأبنائه لا للنخب التي أدمت جسم اليمن وأنهكته وأفسدت كل فرص بنائه.

ألا يعني لهم شيئاً هذا الصراع الدموي ؟؟ ألا يفسر ذلك أن من يسير في طريق الدم يغرق في النهر الذي تتكون منه ينابيعه ، وأن من يرقص على رؤوس الثعابين لا يسلم من انيابها ، وأن التأليه في السياسة مشروع دموي فاسد . لقد أغرقوا اليمن في برك الدم بانقلابهم على التوافق الوطني .. فهل آن الأوان أن يدركوا حقيقة أن هذا التحالف المغشوش وأيديولوجيته المعجونة بالدم و بغثاء الماضي لن يكون مؤهلاً الا لتدمير اليمن كما تدلل التجربة حتى الان.

إن هذا الحال لا يعفي الشرعية والتحالف من مسئوليتهما في مغادرة حالة التربص والإسراع بوضع وتنفيذ استراتيجية واضحة لانقاذ البلاد تقوم على ادراك مستلزمات تطوير المواجهة ميدانياً وعلى كافة الاصعدة ، بما في ذلك الادارة الناجحة للمناطق المحررة ومغادرة الأوضاع التي تضع قوى الشرعية في دوائر مغلقة من الحسابات المشوشة.

إن ما يجري يجب أن يشكل صدمة إفاقة لكل اليمنيين مما هم فيه من تمادي وهذيان .. ولا بد من أن نخجل عندما نرمي بمشاكلنا على الآخرين ونحملهم المسئولية . العيب فينا .. يجب أن نستأصل هذا العيب الذي غدا خبيثاً لدرجة لم نعد نميز معه مسئوليتنا تجاه الوطن الذي لا مكان لنا غيره للعيش باحترام .. ولا مكان سواه نستطيع أن نسلم فيها الروح إلى بارئها باطمئنان وسلام.

الجمعة, 11 آب/أغسطس 2017 18:41

لنطوق الحرب بالإعمار

شيء جميل حينما لا تتوقف الحياة مع الحرب.. ذلك ما يبعث على الامل بأن التمسك بالحياة بمعناها الوجودي الأشمل ، الذي يتضمن العمران والعمل ومواصلة الحلم ، هو وحده القادر على إنهاء الحرب . الحروب التي اقترنت بالعمران كانت شاهداً على أن الحياة هي موضوع التاريخ وليس سواها .

الحياة قيمة انسانية تتجدد من داخلها وتتفوق على كل من يقف في مواجهتها . المهم هو أن نفهمها في حركتها لا في سكونها .

ستنتهي الحرب ، وهي لا بد أن تنتهي ، لكننا لا نريدها أن تنتهي وقد انتزعت منا هذا المضمون الوجودي للحياة في صلته الوثيقة بالعمران والذي لا زال يتدفق في شرايين اليمنيين كعنوان لأصالة ارتباطهم بهذه الأرض التي تنتظر الاعمار والنهوض بها كوطن طال انتظاره .

يتوجب علينا أن نبدأ الاعمار في المناطق التي تتوفر فيها الشروط للقيام بهذه المهمة الخالدة ولو بالحد الأدنى .

لنطوق الحرب بالإعمار والبناء والعمل .. يحب أن لا نترك في حياتنا مساحة تسلل منها تجاعيد الحرب لتقتل الخلايا التي تختزن الأمل وتمد بقية الجسم بالصمود .

لنبدأ، إذا لم يكن قد تم البدء بذلك، بإعداد المخططات ، أو ما يسمى The Master Planلكل مدينة أو منطقة يراد إعمارها بحيث تتضمن كل ما يراد بناؤه أو إعادة بنائه من مساكن ومنشئات وخدمات وطرقات ومدارس ومراكز صحية وبنى وهياكل وغيره حتى أنه عندما نتحدث عن إعادة الإعمار تكون هذه المخططات جاهزة ويتم عرضها للتمويل والتنفيذ لأنه سيفهم معنى الإعمار فقط بهذه المخططات ..وبهذا يتم تطويق الحرب بالإعمار بدلاً أن تواصل الحرب تطويقنا بفسادها وبقيمها القبيحة .

الإثنين, 07 آب/أغسطس 2017 20:26

ما بين الترميم وإعادة الإعمار

كل المدن التي دمرتها الحروب لم يجد معها الترميم نفعاً .. كلها أعيد إعمارها، من منطلق أن إعادة الإعمار عملية لا تقتصر على تشييد العمارة فقط وإنما تشمل عملية البناء الواسعة التي تبدأ بإعادة تشكيل البيئة المحيطة بمتطلباتها من الخدمات والهياكل والبنى التحية وتمتد إلى جوهر الانسان الذي خربته الحرب .

هي عملية إعداد واسعة للإنسان الجديد الذي خرج من تحت أنقاض الحرب ليستلهم معاني الحياة في صورتها الجديدة التي لا تتوقف عند ترميم هذا المبنى أو ذاك وإنما بما تحمله من آمال عريضة وأحلام واسعة وثقافة متجددة .

اليمن بعد الحرب لا يحتاج إلى ترميم .. وإنما إلى إعادة إعمار كاملة يجب أن تبدأ الآن في المناطق المحررة ، والتي سيكون التعامل معها نموذجاً لما تتوقعه اليمن من إعمار .

إن على القائمين على المناطق المحررة أن يعيدوا صياغة فكرة الترميمات الجزئية قي إطار رؤيا شاملة لإعادة الإعمار ، ويبحثوا ذلك بصراحة ومسئولية مع التحالف.

فمصداقية العلاقة المستقبلية تبدأ من هذه النقطة التي أعتقد أن طرقها في اللحظة الراهنة والبدء بتنفيذها سيستعيد المبادرة التي افتقرت إليها العلاقة خلال المرحلة الماضية .

كم يبدو حالنا مثير للشفقة ونحن نغرق في التسريبات التي تصدر من هنا وهناك من أن قرارات (؟؟؟) قد اتخذت بعودة فلان وزعطان ممن دمروا هذا البلد وأذلوا أهله الى السلطة لقيادته مجدداً.

تتم هذه التسريبات بأسلوب "جوبلزي" خطير ليخاطب حالة الاحباط التي ضربت الناس في العمق بسبب حالة اللاحرب واللاسلم التي جعلت الجميع يتخبط داخل حسابات مضروبة في مقدماتها ونتائجها.

وكم نبدو على هامش الكون والعالم يتحرك من حوالينا في قمم عظمى ليقرر في مصير القضايا الكبرى المحددة بتأثيراتها على مستقبل هذا العالم ولا نرى أنفسنا حاضرين، ولو من باب الشفقة والإنسانية او التفاعل مع ما سال من دماء.

تتناثر رسائل هذه القمم من حوالينا إلى أكثر من مكان وبأكثر من صيغة، أصبح الوعد فيها أكثر من الوعيد بسبب ما بدا أنها توافقات كونية عظمى لتخفيف التوترات الدولية، وننتظر فلا شيء يخصنا أو يقترب من معاناتنا قد حملته رسالة مباشرة أو حتى غير مباشرة.

نغيب في زحمة هذا الوضع، وتغيب معه القضية التي اعتقدنا ذات يوم أنها ستظل في بؤرة الاهتمام الدولي دون أن ندرك حقيقة أن الحروب لها وقت محدد تنتهي فيه وينتهي معه إهتمام العالم بها، وإذا ما تجاوزته فإنها تصبح أي شيء آخر غير "الحرب"..

ما نحن فيه في نظر العالم ليس حرباً تستحق الاهتمام، ولا سلاماً يثير الإعجاب.. ولكنها ذلك الشيء الاخر الذي غدت معه التسريبات بتسويات تعيد الاعتبار لأولئك الذين أرهقوا الشعب وأذلوه تتصدر الخبر السياسي والإعلامي.

أما ذلك الشيء الآخر فيمكن معرفته من واقع حالة اللاحرب واللاسلم التي تنفرد بها اليمن في اللحظة الراهنة والمنتج لفراغ سيملأه من يستطيع أن يملأه وبما لديه من حمولة.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

في مبنى البرلمان البريطاني نظمت بعد ظهر يوم أمس الخميس ٦ يوليو ٢٠١٧ المجموعة البرلمانية المختصة بشئون اليمن والمكونة من مختلف الأحزاب الممثلة في البرلمان All Party Parliamentary Groupحلقة نقاش خاصة باليمن شارك فيها عدد من المختصين بالشأن اليمني وكذا ممثلون عن المنظمات الانسانية العاملة في اليمن .

تمحور النقاش حول الوضع في اليمن ، العوامل الإقليمية المستجدة والمؤثرة في مجرى الاحداث ، الوضع الانساني ، العملية السياسية والصعوبات المتعلقة بوقف اطلاق النار ودور الأمم المتحدة ، الخطوات اللاحقة المطلوبة من المجتمع الدولي لمواجهة القضايا الأمنية والاقتصادية .

في حلقة النقاش الهامة هذه ، والتي تعقد بعد توقف عن متابعة الشأن اليمني من قبل هذه المؤسسة دام أكثر من شهرين بسبب الانتخابات ، عرضت وجهات نظر مختلفة من قبل الحاضرين حول القضايا المطروحة للنقاش ، وعرضنا وجهة نظر الحكومة الشرعية على النحو التالي :

١/ أن أي نقاشات حول المسألة اليمنية لن تكون ذات قيمة إذا لم تركز على كيفية إنهاء هذه الحرب بدءاً من تصفية الاسباب التي قادت إليها ، ونقطة البداية هنا تكن في معرفة الاسباب التي قادت إلى هذه الازمة والحرب وما تمخضت عنها من نتائج كارثية على الصعيد الانساني .

٢/ إن إهمال جذر المشكلة ، وهي هنا الانقلاب على الشرعية وعلى التوافق السياسي ومصادرة الدولة بالمليشيات وقوة السلاح ، وتجاوزها إلى الحديث عن النتائج ، لا يترك مجالاً لمعالجات جادة لهذا الوضع الكارثي . ولذلك فإنه يجب احترام الأسس والمرجعيات ( المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الدولية وعلى الأخص القرار ٢٢١٦) والقواعد التي أقرها المجتمع الدولي لتسهيل العودة الى العملية السياسية بما في ذلك الانطلاق من جذر المشكلة لبناء مقاربة بناءة ومدخل approachصحيح وعادل للحل الذي يؤسس لسلام دائم واستقرار للبلد على المدى البعيد .

٣/ إن ما حدث في اليمن من انقلاب ومصادرة للدولة تخطى حدود الانقلابات التقليدية ليضع البلد بأيدي مليشيات لا تعرف لها صفة ،، سوى أنها جماعات مسلحة ظلت في حروب مع النظام الاستبدادي القديم يغذيها وتغذيه ، ثم لتتحالف بعد ذلك مع مكونات ذلك النظام السياسية والقبلية والعسكرية لتطيح بالدولة وتنشر الفوضى على نطاق واسع ، وتمتد خطورة هذه العملية إلى الإقليم ، كونها امتداداً للمشروع الايراني في المنطقة ، والذي يعمل على تفكيك الدولة بطابعها الوطني ليعيد بنائها على أسس انقسامية طائفية بما يحمله ذلك من مخاطر عدم الاستقرار وإدخال هذه البلدان في حروب أهلية مستمرة .

٤/ إن الذين يضعون إيران على نفس المستوى مع دول الخليج العربية من حيث العلاقة باليمن يتجاهلون حقيقة العلاقة التاريخية والجيو - سياسية والاقتصادية بين اليمن وهذه الدول ، ناهيك عن أن أكثر من ثلاثة مليون يمني يعملون ويمارسون نشاطهم الاقتصادي والتجاري في هذه البلدان ويعيلون ما يقرب من ثلث سكان اليمن ، وهو ما يعني أن هذه الروابط القوية تجعل عملية جر اليمن إلى أي مواجهة مع هذه البلدان لعبة جهنمية غير مسئولة ، وعلى هؤلاء أن يدركوا جيداً أن مصير هذه العلاقة لا يمكن أن يتقرر خارج هذه الحقيقة .

٥/ إن الحكومة اليمنية بقيادة الرئيس هادي لطالما رحبت بكل الجهود من أجل السلام والعودة الى العملية السياسية وفقاً للمرجعيات التي اتفق عليها الجميع منذ مؤتمر جنيف ، وعملت بكل طاقتها على وقف نزيف الحرب . لقد رفضت الحكومة المناورة بعملية السلام بعيداً عن الأسس التي من شأنها أن تحقق سلاماً دائماً تنتهي معه معاناة الشعب إلى الأبد وتحقق الاستقرار والتنمية .

٦/ رفض تحالف الانقلابيين كل الدعوات الى السلام ، بل وعملوا على إفشال كل المباحثات التي رعتها الأمم المتحدة .. وكان آخر ما اقدموا عليه هو رفض البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الامن يوم ١٥ يونية٢٠١٧ والذي وافقت عليه الحكومة بكل ما لديها من ملاحظات حوله ، وكذا رفضهم مقترحات المبعوث الأممي بشأن العودة الى مفاوضات السلام والمقترحات المتعلقة بميناء الحديدة تجنباً لأي مواجهات عسكرية محتملة في هذه المنطقة الحساسة . لقد أوصلوا العملية كلها إلى طريق مسدود مع ما تعانيه البلاد من كوارث انسانية بالغة الخطورة كالكوليرا وغيرها . يتوهم الانقلابيون ، ويعملون بموجب هذا الوهم، وهو أن تعظيم الكارثة الانسانية سيدفع المجتمع الدولي إلى فرض حل لا يلزمهم بأي تنازلات ، وأن استثمار الوضع الانساني يغنيهم من ثم عن أي التزامات على طريق إنهاء الحرب والعودة الى المسار السلمي.

الجمعة, 23 حزيران/يونيو 2017 23:16

عدن... الحرية قيمة أصيلة

هناك ثلاث مسائل يجب التوقف أمامها في ذكرى تحرير عدن:

١- الحربة قيمة انسانية راقية يضطر الانسان في كثير من الأحيان أن يدفع حياته ثمناً لها. غير أن الحرية لا تفهم بصورة مجردة عن الغايات المرتبطة بها وهي حق الانسان في العمل، وحقه في الاختيار، وحقه في تقرير خياراته السياسية، وحقه في الانتماء، وحقه في الحياة الكريمة والعيش على نحو أفضل، وحقه في محاسبة حكامه وعزلهم، وحقه في حماية حقوقه الطبيعية والقانونية . ويقابل هذا أداء واجباته على النحو الذي يجعل الحقوق أفعالاً تمشي على الارض.

٢- الحرية هي القدرة على التمييز وتوظيف العقل بفعالية بعيداً عن الانفعال في اللحظات الصعبة، بمعنى استحضار العقل الفعّال وليس المنفعل ، لتقرير خيارات مسارك الصح من بين المسارات التي تعرضها المستجدات.. ولا يعني هذا بأي حال من الأحوال أنك في الاتجاه الصح وأن الآخرين في الاتجاه الخطأ !! فالحرية تعني أن تحترم حرية الآخرين وأن تقبل الإختلاف وتقبل معه التفاهم والتعايش واحترام الاخر .. الحرية تقبل أن تصادم من أجلها لكنها لا تقبل أن توظفها لصدام يفضي إلى مصارة حرية هذا الآخر.

٣- الحرية بالنسبة لعدن هي العنوان الأبرز الذي جعل منها موئلاً لكل من ضاقت به الحياة منذ عهود طويلة ، ونمت بسبب هذا مقومات ثقافية واخلاقية وانسانية جعلت المجتمع يتكون في مستواه غير الرسمي وفقاً لقواعد لم تتغير مع الزمن، حتى عندما يدهم المدينة والمجتمع تدفقات بشرية بأمزجة مختلفة فإنها تتكسر وتذوب ، أو تعيش حالة غربة بالرغم مما يبدو عليها من سطوة. لا يمكن تشكيل عدن بمزاج القادم إليها حاكماً أو غازياً، بالعكس هي من يعيد تشكيل هؤلاء جميعاً.

في ٢٠١٥ إبان الغزو التدميري لعدن من قبل الحوثي وصالح لم تقبل أحياء عدن التاريخية التي ترسخت فيها جذور حرية ترفض الذل ، فقاومت ، وانتقل السكان إلى أجزاء أخرى من المدينة ضلت صامدة وتقاوم ، وبقيت كريتر وخور مكسر والمعلى والتواهي خالية تماماً من السكان في ظاهرة لا يمكن أن تتكرر إلا في مدينة ظلت الحرية عنوانها الدائم.

في تلك الظروف اختبرت الحرية في هذه المدينة، وثبت بالملموس أنها ميراث أصيل لم يتآكل بفعل الزمن ولا تغيراته.. ويختبر اليوم بهذا الصبر الذي يبديه سكانها تجاه ما ألم بهم من انتكاسات في كل مناحي الحياة.

تصحيح الوضع في عدن هو مفتاح الحرية لليمن كلها من جنوبها إلى شمالها ... من عدن تبدأ إستعادة الدولة المصادرة من قبل مليشيات الانقلابيين، ومن عدن سيستعيد اليمنيون ارادتهم في تقرير خياراتهم ومصيرهم، ومن عدن سيتواصل بناء التحالف العربي على أسس الوفاء للتضحيات الكبيرة التي قدموها كعنوان لأصالة الحرية لهذه المدينة ومعها كل اليمن.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الأربعاء, 21 حزيران/يونيو 2017 23:58

بريطانيا.. والتحديات الماثلة

في القاعة المخصصة لمجلس اللوردات ، في مبنى البرلمان البريطاني، والتي ينتصب في صدارتها العرش الملكي، ألقت ملكة بريطانيا خطابها السنوي والذي افتتحت به البرلمان صباح هذا اليوم الأربعاء ٢١ يونيو ٢٠١٧م بحضور مجلسي اللوردات والعموم والحكومة والسلك الدبلوماسي الأجنبي وجمع غفير من المدعوين. ويعتبر خطابها بمثابة برنامج الحكومة لعام كامل، الخطاب بالطبع تعده الحكومة، وفي فقراته المختلفة يبدأ خطاب الملكة بـ (ستقوم حكومتي، وتذكر أحياناً وزرائي، بكذا أو بما يتوجب عليهم عمله...)  فتذكر ما تخطط الحكومة لإنجازه في مختلف الميادين.

لم تعتمر الملكة التاج الملكي هذا العام، ووضع عوضاً عن ذلك، على طاولة صغيرة أمامها كرمز للملكية. ولأول مرة منذ زمن بعيد لم يرافقها الأمير فيليب (زوجها) بسبب المرض. وحل محله إلى جانب الملكة الامير تشارلز ولي العهد.

خطاب الملكة هذا العام يتجاوز الطابع التقليدي ليس من ناحية مضمونه ولكن من حيث الأثر السياسي والشعبي الذي يتوقع أن يحدثه هذا الخطاب عند البريطانيين في ظل التحديات الكبيرة الماثلة أمام البلاد.

فالمؤسسة الملكية لا زالت عنوان الاطمئنان لمملكة عريقة تطورت واستقرت عبر إصلاحات دستورية كانت المؤسسة الملكية فيها عنصراً للتوازن الاجتماعي والسياسي والعرقي، باختلاف واضح عن كثير من الدول الأوربية التي شهدت تغيرات ثورية ، كان بعضها دموياً.

ولذلك فإن الخطاب هذا العام ، وفي هذا الظرف الاستثنائي، لا بد أن يولد عند البريطانيين قدراً من الاطمئنان، لا سيما وأن هناك جملة من العوامل التي أحدثت حالة من التشوش والقلق، وتثير أسئلة في غاية الأهمية حول المستقبل:

١- منذ أيام قليلة بدأت المفاوضات البريطانية الأوربية بشأن الخروج من الاتحاد الاوربي، ويجمع البريطانيون على أن قرار الخروج قد حسم، غير أن اتفاقية الخروج التي ستوقع مع الاتحاد الاوربي لا زال يكتنفها الكثير من الغموض والإشكاليات وخاصة ما يتعلق بالكلفة التي سيتعين على البريطانيين دفعها بالمقارنة مع ما سيجنونه من فوائد . ولذلك فقد حظيت هذه المسألة بأهمية خاصة في خطاب الافتتاح.

٢ - أدت الانتخابات البرلمانية التي دعت لها رئيسة حكومة المحافظين قبل موعدها بحثاً عن أغلبية مريحة تدعمها في المفاوضات الشاقة مع الاتحاد الاوربي وذلك لإنجاز صفقة الخروج، غير أن الانتخابات أسفرت عن نتائج مخيبة لحزب المحافظين حيث خسر الأغلبية التي كانت يتمتع بها والتي كانت قد أغنته عن التحالف مع أي حزب آخر ، أما هذه المرة فإنه يحتاج الى تحالف يمكنه من تحقيق أغلبية ولو بسيطة لتجنب الوضع الحرج الناشئ عن تشكيل حكومة أقلية ، وكان قد وقع اختياره على حزب الاتحاد الأيرلندي الشمالي (DUP) غير أن عقبات ملموسة لا زالت تعيق إنجاز هذا التحالف، خاصة وأن هناك من يرى أن التحالف مع أي حزب ايرلندي شمالي بعينه دون الأحزاب الأخرى سيشكل سابقة في خرق الاتفاق الذي تم بموجبه تسوية الصراع في إيرلندة الشمالية وبقائها ضمن المملكة المتحد البريطانية فيما عرف باتفاقية الجمعة الحزين ، الأمر الذي يثير أسئلة كثيرة حول وضع الحكومة فيما لو تعثر هذا التحالف. ولتلافي أي تفسير مشوش فقد أشارت الملكة في خطاب الافتتاح إلى أن الحكومة ستعمل مع كافة الأحزاب في إيرلندة الشمالية. غير أن هذا لا يعالج وضع الحكومة الذي يظل رهناً بما ستسفر عنه المشاورات القادمة بشأن تكوين الأغلبية البرلمانية بتحالفات مع أحزاب أخرى.

٣ - يأتي الاٍرهاب كقضية إضافية هذا العام بعد أن ضرب في أكثر من مكان في بريطانيا باسم "داعش" والتي أعلنت مسئوليتها عن تفجيرات مانشستر وحوادث برج لندن ووستمنستر، ويترافق هذا مع نمو التطرّف اليميني الذي زاد عدد أعضائه كما تقول "الاندبندنت" بثلاثين في المائة عن المسجلين في برنامج مكافحة الاٍرهاب والذي يجيئ بعد عام واحد من اغتيال النائبة العمالية "جو كوكس" وشكل صدمة قوية للمجتمع البريطاني ، وكان آخرها الاعتداء الذي حدث بجانب مسجد" فنزبري" وأثار موجة من الاستياء مما قد يرتبه هذا النوع من الاعتداءات الإرهابية من شروخ اجتماعية خطيرة. أفردت الملكة في خطابها ثلاثة فقرات كاملة حول هذا الموضوع وكيفية مكافحته داخلياً ، وفقرة رابعة عن الاٍرهاب على صعيد مكافحته خارجياً .

٤ - شكل الحريق الهائل الذي التهم برج "جرنفيل" في أغنى مناطق لندن في دقائق معدودة كارثة وطنية بكل معنى الكلمة ليس فقط بسبب العدد الكبير من الضحايا الذين وصل عددهم حتى يوم امس أكثر من ثمانين قتيلاًً وتشريد العشرات ، وانما بسبب ما أثاره هذ الحريق من مخاوف تتعلق بسلامة المواد المستخدمة في هذا البرج وغيره من الأبراج الاخرى . وليس غريباً أن تفرد الملكة في خطابها حيزاً مهماً لمعالجة هذه المسألة وطمأنة المجتمع.

الوضع الاقتصادي، وتحسين ظروف الاستثمار لإبقاء بريطانيا "قائدة في الميدان الصناعي"، وحل مشكلة الاجور بالنسبة لذوي الدخول المنخفضة، ومعالجة الفوارق في الاجور بين الجنسين والمشاكل التمييزية للمواطنين من أصول أجنبية ، وتدعيم الوحدة الداخلية لإنجلترا وإيرلندة واسكوتلندة وولز، والتمسك بعلاقات استراتيجية مع أوربا مع التأكيد على الإيفاء بالألتزامات تجاه "الناتو"، ومكانة بريطانيا عالمياً باعتبارها عضو دائم في مجلس الأمن والتزاماتها تجاه الاستقرار العالمي وحل مشاكل الفقر وانهاء الحروب في منطقة الشرق الأوسط والحفاظ على دورها في حماية المناخ العالمي وهزيمة داعش في كل من سوريا والعراق، قضايا شملها الخطاب الذي ينتظر تنفيذ القضايا الواردة فيه حكومة مستقرة لن يعدم البريطانيون القدرة على معالجتها في هذا الظرف الاستثنائي .

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الإثنين, 19 حزيران/يونيو 2017 22:00

إعادة بناء الخصومة منهجياً

الخصومات التي تجتاح المنطقة تحتاج إلى إعادة بناء أسبابها بصورة منهجية بدلاً من توسيع رقعتها على النحو الذي من شأنه ان يفتح الباب واسعاً أمام تحويل المنطقة إلى بؤرة لصراع لن يتوقف عند حدود بعينها.

إن إعادة بناء هذه الأسباب على نحو موضوعي سيخرس كل محاولة لإقتحام المنطقة بأدوات التفكيك التي جهزت منذ زمن بعيد وتنتظر الفرصة للتنفيذ.

لا شك أن هناك أسباباً وجيهة جعلت الوضع يأخذ هذا المنحى التصعيدي ، غير أن تجنيب المنطقة أي استقطابات تهدد كيانيتها يستوجب محاصرتها باستخدام الهياكل المؤسسية  القائمة وميكانيزماتها والتي تجسد مصالح وقيم مشتركة لا يستهان بها ، وهي وإن بدت ضعيفة في إنتاج الحل أحياناً إلا أن هذا الضعف لا يمكن النظر إليه بمعزل عن الإرادة الفردية والجمعية للدول التي تتكون منها هذه المؤسسات .

أقصد ب "الارادة"، باختصار ، مدى استعداد الدول على تفويض جزء من قرارها السيادي لهذه المؤسسات التي تعتبر مؤسسات ما فوق الدولة الوطنية.

أنظار العالم ترقب هذه المنطقة التي قطعت أشواطاً في التنمية والاستقرار بعيون لا يخلو كثير منها من التشفي ، واُخرى ظلت تراهن على أن العقل العربي بطبيعته مجبول على تخريب ما يبنيه ، وهي وإن بدا أنها نظرة عنصرية ، إلا أن دلائل من التاريخ القريب والبعيد قد أخرجت هذا التصنيف من إطاره العنصري التعسفي إلى المكان الذي أصبح بمقدور هؤلاء العنصريين استخدامه كمحفز على مواصلة الرهان على أن العقل العربي يمتلك من حوافز التدمير والخراب ما يكفي لإثبات نظريتهم العنصرية .

المنطقة ، التي حملت لواء المواجهة التاريخية مع هذا النزق العنصري الإشكالي والمرصود في تأريخ فاسد جعل من العرب عنواناً للتخلف والانقسام والحماقات ، جدير بها أن تحافظ على ما أقامته من براهين عملية في التنمية والاستقرار لطالما قدمت الدليل على أن التشويه الذي تعرض له العقل العربي إنما هو فعل ثأري عنصري تكون في تساوق مع الصراعات التاريخية التي اقترنت بتكوين الشخصية العربية المنفتحة على الأمم الأخرى كنموذج للشخصية التي أخذت تنتقل من القلق إلى الاستقرار ومن الجمود إلى التنوع ...مع إرث استعماري وإحتلالي كتم تلك الشخصية وأزهق الحوافز النهضوية التي كانت قد تشكلت بتشكل نواتها التاريخية .

نحن اليوم أمام حالة لا يفصلنا فيها عن استكمال حلقة التدهور الكامل غير هذا الجزء من الحلقة الذي ظل متماسكاً ، وإذا لاحظنا كيف أن هناك من يدفع من خارج المنطقة بخيارات لا يستفيد منها سوى أولئك المتربصون بمستقبل العرب ، بعد أن كانوا سبباً في تخلفهم وإرهاقهم بتاريخ لا يليق بهم من الاذلال ، فإنه يمكننا البحث عن خيارات لا تأخذنا  في المسار الذي يلتقي مجدداً بهذا التاريخ . 

وكل عام وانتم بخير.

 

الإثنين, 12 حزيران/يونيو 2017 02:13

حكاية من الزمن القديم

في الزمن القديم خرج ملك اللخميين ( المناذرة) إلى البادية وقد اشتد به الحزن على ما اصاب مملكته من نزاعات وفتن ، وهي المملكة التي شيدت على تخوم فارس لتمتد إلى العراق وشرق الجزيرة العربية وسيطرت على الطرق التجارية بين الشرق والغرب واضحت تطاول الإمبراطوريات الكبرى ، وفارس على وجه الخصوص ، الامر الذي عرضها لمؤامرات زعزعت أوضاعها الداخلية ، وكان قد قرر أن يستشير أول شخص يلتقيه فيما يمكن عمله لمواجهة الاضطرابات التي تعيشها مملكته .

 على مشارف البادية شاهد إعرابياً يستظل شجرة وقد أناخ ناقته بجانبه ، فسلم عليه وأحسن السلام . سأله من أي حي أنت من أحياء العرب ؟ فأجابه الاعرابي لاأعرف لي حياً بعينه ، وأعيش متنقلاً في حمى ملك العرب . سأله الملك وماذا تعرف عن ملك العرب هذا؟ قال أسمع أنه كان يحكم مملكة عظيمة يسودها الامن والرخاء وكنت عندما أرحل الى الشام أو إلى الجنوب ويعرف من أقابلهم أنني أعيش في حماها يظهرون لي الاحترام والتبجيل . لكنني من فترة بدأت أشعر أن ذلك الاحترام إختفى ، وعندما سألت أحدهم عن السبب قال لي إن مملكتكم تهزها العواصف والفتن وامتدت إليها الأيادي الخارجية لتعبث بها وأصبح وضعها على كل لسان .

 قال له الملك إن ما سمعته صحيح ،فقد دبت الخلافات وسادت النزاعات وباتت تهدد المملكة بأسوأ العواقب ، وأسألك الآن كيف ترى الحل؟

 تعجب الإعرابي من السؤال المباغت ، وغلبت عليه الدهشة وأعتقد أن من يتحدث إليه مصاب بلوثة ، فقرر أن ينهي الحديث ، غير أن الملك واصل حديثه قائلاً : أنا رسول الملك إلى هذه الناحية من البادية للتقصي والبحث عما يساعد الملك على مواجهة المشكلة خاصة وأن من حوله قد انخرطوا في النزاعات وصاروا جزءاً منها ولم يعد يرجى منهم رأي أو نصيحة وقرر أن يلجأ إلى الناس ، ومن محاسن الصدف أن وقع عليك الاختيار .

 صمت الإعرابي برهة وقال : إن ما يجمع هذه المملكة هو أكثر مما يفرقها ، فإذا استطاعت أن تجعل مما يجمعها سبباً وقوة في محاصرة وتطويق ما يفرقها والتغلب عليه فهي قابلة للحياة وللاستمرار ، أما إذا لم تعد قادرة على أن تمنع ما يفرقها من أن يستخف ويعبث بما يجمعها فلا بد أن أركان بقائها قد هزلت وأنها لا محالة إلى زوال .

 أطرق الملك ، ثم قال إن ما يجمعنا يدور في فلك الحياة وما يفرقنا يدور في فلك الفناء ، ولا بد من إرادة تقرر خيار الحياة .

بعد يومين تحل الذكرى الخمسين لنكسة ٥ حزيران ١٩٦٧.

سنظل نتذكر هذا التاريخ باعتباره فاصلاً بين زمنين .

لسنا بحاجة إلى الحديث عن الزمن الذي سبق هذا التاريخ فقد انطوى سريعاً بالهزيمة العسكرية والسياسية التي مني بها المشروع التحرري العربي بكل ما علق به من أحلام وما حمله من إعلام.

إنطوت صفحته بخطاب التنحي الذي أطلقه الزعيم عبد الناصر عشية الهزيمة ليلة العاشر من يونيو ٦٧ أي بعد خمسة أيام من بدء الحرب.

ما جرى بعد ذلك من محاولات لاستعادة النهوض على الأقدام كان مجرد تفاصيل لم تغير من حقيقة أن ذلك الزمن قد انطوى وانكسرت معه المخيلة الشعبية التي رسمت أحلامها في الحواري ومخيمات الصفيح وقيعان الارض وشواطئ البحار التي تعج بأكواخ الصيادين وقواربهم وورش ومصانع النسيج والحديد والصلب والاسمنت.

يوم ١١ يونيو ٦٧استيقظ العالم العربي ليطرح سؤالاً كبيراً وماذا بعد؟

جاءت لاءات الخرطوم الثلاث الصادرة عن القمة العربية المنعقدة هناك بعد أشهر من النكسة لتبدو وكأنها رفض للهزيمة ، غير أنها لم تكن غير محاولة لترميم الكبرياء المجروحة ، كما أنها لم تقدم إجابة على ذلك السؤال إلا فيما فهم بأنه توافق على تناسي الخلافات بين الأنظمة أمام ما تعرض له العرب من هزيمة من قبل اسرائيل.

نقف هنا لنكرر السؤال ما الذي حدث بعد ذلك؟

الذي حدث هو أن الزمن الآخر بدأ في التشكل بالصيغة التي استكمل فيه مشوار الضياع لأمة توفرت لها كل مقومات النهوض والرقي لكنها فشلت في تحديد الخيارات الموصلة الى الطريق المفضي إلى ذلك.

تصادمت الخيارات والمشاريع ولم يسمح لها أن تتعايش أو تتفاهم أو حتى تتنافس بما يجسد الحاجة لتماسك المجتمعات واحترام إرادة الناس.

كان هناك من يصنع أدوات المواجهة لتتلقفها تلك المشاريع لتواجه بعضها في معارك تستخدم فيها كل أدوات القمع والتشهير والتآمر...

وكان صناع هذه الأدوات يعملون باستراتيجية واضحة . تدمير الجميع.

اليسار، شيوعيون وعملاء للاتحاد السوفيتي ولا يصلحون للحكم في بلاد إسلامية. حورب اليسار تحت هذا العنوان، وجرى تأليب المجتمعات ضد مشروعه السياسي والاجتماعي وحوصر ضمن عملية تشبيك سياسي وفكري قهري واسعة انخرطت فيها المشاريع الاخرى ظناً منها أن إقصاء اليسار سيسهل مهمتها في تسويق مشاريعها. وفعلاً توارى في صورة نخب مفككة ،كلما حاولت أن تعيد لملمة أجزاءها رفع في وجهها التكفير كمحرض اجتماعي تكمن خطورته في أنه ظل سهل الانقياد بسبب التخلف الثقافي والمعرفي. وهو ما سنلحظه في حالات أخرى من التحريض.

القوميون، علمانيين، مهزومين في إشارة إلى نكسة حزيران، ممزقين باحثين عن السلطة في اشارة الى تجربة البعث في كل من سوريا والعراق، فَلَو انهم يحملون فكراً يوحد هذه الأمة لاختبروه في هذين البلدين المتجاورين والمحكومين بنظام بعثي ، بهذه الاطروحات جرى تفكيك هذا المشروع الذي لم يستطع ان يقاوم طغيان السلطة ليتشكل داخل أحزمة من الممنوعات والمحرمات بحجة مواجهة تحديات التصفية. ساهمت المشاريع الاخرى في الترويج لهذه الأدوات التي أنتجها صناع الضياع في صورة تحريض اجتماعي لم يقل ضرره عن الضرر الذي لحق باليسار.

في محور آخر قريب من هذا المشروع تخلقت داخل الجمهوريات أنظمة مستبدة وفاسدة، واُخرى فاسدة مزجت بين الصعلكة والاستبداد (اليمن نموذجاً)، فيما بدا أنها صناعة استهدفت بدرجة أساسية قيم المجتمعات ، مع بنى اقتصادية مشوهة تشوهت معها البنى الاجتماعية بصورة لم تعد معها تلك المجتمعات قادرة على إعادة التشكل بصورة مدنية في إطار منظمات قادرة على حماية حقوق المجتمع السياسية والقانونية، وكان هذا صورة من صور الضياع التي حملها زمن ما بعد النكسة.

الإسلاميون، إعتقد الاسلاميون أنهم البديل الذي لا يأتيه الباطل.. غير مدركين حقيقة أن ما لحق بغيرهم من تفكيك وتشويه لم يكن غير صناعة استهدفت تسويق مشروع الضياع الذي يجب أن يغرق فيه العرب جميعاً بكافة نحلهم وأطيافهم. صناع مشروع الضياع هذا هم من نشروا إن الاخوان وهم ركيزة الإسلاميين صنيعة الإنجليز، وكانت هذه هي البداية التي أخذت تنخر في هذا المشروع، وهو ما تلقفه الآخرون كرد فعل، وأخذوا يسوقونه على نطاق واسع، حتى إذا ما قررت أمريكا استخدام الدين في مواجهة الاتحاد السوفييتي في معركة كسر العظم في أفغانستان انخرط الاسلاميون، بحجة الجهاد، في معركة لم تكن معركتهم في الاساس، وهي المعركة التي كانت بداية انتاج نقيض هذا المشروع من داخله، أو لنقل معول تحطيمه، الاٍرهاب القاعدة وداعش، وبشكل مقصود، ليستكمل صناع مشروع الضياع الحلقة الشريرة حول هذه الأمة لتبدو وكأنها فقدت البوصلة نحو الطريق الذي يصلها بالنهوض والتقدم.

زمن الضياع أو التيه الذي يمتد لخمسين سنة هو الزمن الذي تصادمت فيه هذه المشاريع وسلمت أمرها للاستبداد الذي تغذى من فشلها الذريع، وحاربت بعضها نيابة عنه، حتى هيأت له السيطرة الكاملة وإقصائها على نحو عكس خيبتها التي لم تتمكن معها من إعادة بناء الفكرة على قاعدة مختلفة من التماثل مع حاجات مجتمعاتها إلى الحرية والديمقراطية والتعايش والسلام.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الثلاثاء, 30 أيار 2017 20:46

في ذكرى إحراق ساحة الثورة في تعز

 

٢٩مايو الذكرى السادسة لإحراق ساحة الثورة في تعز . كان النظام يتأهب لتصفية الثورة السلمية بقوة السلاح ، غير أن سلمية الثورة والعملية السياسية المرافقة لم تمكنه من تنفيذ مخططه دفعة واحدة. بدأ بتعز وقد أخذ بعين الاعتبار ثلاثة عوامل:-

العامل الاول ان قمع الثورة في تعز سيربك الساحات كلها وسيخلق حالة من الفوضى وردود الفعل ،وربما المسلحة منها، الامر الذي سيسهل عليه مواصلة قمع الساحات وخاصة صنعاء.

العامل الثاني يجعل من إحراقها مجس اختبار لرد الفعل الدولي وفي ضوء ذلك سيتخذ الخطوة اللاحقة.

العامل الثالث الموقف الذي سيأخذه اللقاء المشترك من العملية السياسية والمبادرة... وكان يراهن على أن اللقاء المشترك سيندفع تحت ضغط ردود الأفعال التي ستصدر عن الساحات إلى رفض المبادرة، الامر الذي سيخلص النظام من الضغط الخارجي بقبول المبادرة، وإطلاق يده من ثم في تسوية الوضع بطريقته.

والحقيقة أن ردود الأفعال تفاوتت وتعالت أصوات كثيرة هنا وهناك تطالب بالمواجهة المسلحة، وأنه لا خيار آخر امام تلك الهمجية والبشاعة التي استخدمها النظام في مواجهة الثورة في تعز، خاصة وان رد فعل المجتمع الدولي لم يكن بالمستوى المطلوب.

في مثل هذه الظروف لا تستطيع أن تميز الأصوات الصادقة من الأصوات المخادعة والتي تود توريط الثورة في مواجهات مسلحة لا تخدم غير مشروع النظام التصفوي .

كان لا بد من التمسك بسلمية الثورة ومواصلة العملية السياسية المرافقة وإحراج النظام وذلك بعدم الاندفاع الى ساحة المواجهة التي كان يريد أن يجر الثورة إليها.

لقد مهد النظام للعملية العسكرية بأن حاول إقناع المجتمع الدولي بأنه لا توجد لديه مشكلة مع الشباب في الساحات، وأن مشكلته هي مع القوى التي انشقت عليه من داخله، وأن هذه القوى لا تريد سوى السلطة وانها تستخدم الشباب لتحقيق أهدافها.

هكذا خلط الاوراق.. ووجد آذاناً صاغية، وبرز من داخل الساحات من يردد ذلك، ولم تخل العملية ايضاً من تصرفات أخذت تصب في نفس الاتجاه.

كان العمل السياسي الذي قاده المشترك لحماية الثورة من المخاطر قد أعاد الامور الى مجراها بعد إحراق ساحة تعز بهدوء وبتوافقات مع قيادات الشباب على الرغم من صعوبة وتعقيدات الوضع، وكان الرأي هو أن تعز يجب أن تعود اليها حيوية وزخم الثورة السلمية ، لأن جر تعز إلى طريق آخر سيقلب المعادلة رأساً على عقب، وسينتهي المشروع المدني الذي تحركت الثورة من أجله في نفس المكان الذي يعول عليه في انتصار هذا المشروع.

غير أن حسابات العملية لم تكن كلها تصنع على الطاولة التي يجتمع عليها اللقاء المشترك.. ولذلك فقد أخذ جزء من العملية السلمية يتفكك في اطرافها غير المنضبطة للعمل السلمي مما وجد فيه النظام فرصة لتسويق روايته عن الثورة.

على موائد اخرى كان يتزاحم الناس من كل لون ولأسباب كثيرة لم تكن الثورة فيها سوى عنوان باهت بلا مضمون.

عادت تعز إلى زخمها الثوري السلمي، لكن جرح الساحة كان قد فتح باباً تسلل منه الى ساحة خلفية موروث العنف بأطيافه وحساباته المتنوعة.

في هذه الساحة بنيت المتارس لتصفي الاطراف مع بعضها حسابات قديمة وحديثة.. لكن الجميع كانوا يصفون حساباً مع المشروع المدني بوعي وبدون وعي.

 

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

السبت, 20 أيار 2017 18:53

الوحدة من منجز إلى تهمة

تحت هذا العنوان أودّ أن أسجل وجهة نظري فيما استجد من أحداث.

 بداية لا يجب أن نتحرك في النتائج عند البحث عن حل جاد لأي مشكلة، بل يجب الذهاب إلى جذرها لمعرفة أسبابها . وجذر المشكلة التي نحن بصددها اليوم يمتد إلى الفترة التي استطاعت فيها أجهزة النظام في صنعاء، بفهلوة ، أن تحول الوحدة من منجز إلى تهمة.

عندما تحول هذا المنجز إلى تهمة دخل البلد في نفق طويل ، تخبط فيه ، وشهد صراعات وحروب أفضت إلى هذا الوضع المأساوي الذي نعيشه اليوم.

كانت الدولتان تحتربان ، وكانت الوحدة تعيدهما إلى طاولة المفاوضات والتفاهم لأنها كانت اذا احتربت تذكرت القربى. ولم تعد الوحدة بالصيغة التي استقرت عليها بعد حرب ٩٤ تذكر بالقربى بعد أن جفت الدموع.

لا يمكن اليوم عزل ما يجري من نتائج عن تلك الاسباب.

أما كيف تحول هذا المنجز الكبير إلى تهمة فكلنا يتذكر كيف ضربت الوحدة السلمية في عمقها من خلال؛

١- الخطاب المنفلت الذي تبناه إعلام نظام صالح بعيد الوحدة من أن القيادة الجنوبية هربت إلى الوحدة ، أي أنها ذهبت إلى الوحدة مضطرة وبدون إرادة فعلية، وأنها قبضت الثمن، وغير ذلك من التهويمات التي جعلت الوحدة تبدو وكأنها عملية مشبوهة أصبح معها من حق الشعب في الجنوب أن يقاومها ويرفضها. لقد فتح هذا الخطاب غير المسئول الباب أمام تدمير الوحدة منذ اليوم الاول من منطلق أن أساسها مشبوه. وتكرر هذا في خطابه مؤخراً عندما قال إن كل الذين عملوا معه من بعد ١٩٩٤ قبضوا الثمن، وهم الذين قدمهم بعد الحرب ممثلين للجنوب كقوى وحدوية بدلاً عن "الانفصاليين" الذين انقلب عليهم بحرب ١٩٩٤ وحاكمهم كخونة. وبهذا يكون قد أجهز على كل شركاء الوحدة من الجنوبيين قبل الحرب وبعد الحرب وأظهرهم على أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم، وأن أساس الوحدة باطل، وبهذا فقد فتح الباب على مصراعية للطعن في مشروعيتها على كل المستويات باعتبار الجنوب مخدوعاً ثم مغتصباً.

٢- أفشل صالح وتحالفه مشروع بناء الدولة الحاملة للوحدة الذي أقرته وثيقة العهد والاتفاق، وتركت الوحدة مكشوفة على خيارات فوضوية فيما يتعلق بمنهج إدارتها حيث ترك ذلك لمساومات تتحدد نتائجها في ضوء معادلات النفوذ وليس الحاجة الفعلية لإدارة "وحدة" ناجحة.

٣- عندما حوصر بهذه الوثيقة، التي كانت آخر محاولة جادة لإنقاذ الوحدة السلمية، لجأ الى إشعال الحرب عام ١٩٩٤، واجتاح الجنوب ليدق آخر مسمار في نعش الوحدة غير مدرك حقيقة أن المجتمع قد قبل بالوحدة، على الرغم من طابعها النخبوي ، حيث كان يعتقد بأنها ستعيد بناء الخيارات السياسية والاجتماعية للشعب وفقاً لقواعد مختلفة عما شهده من أنظمة استبدادية، أما وقد أفضت إلى تكريس الاستبداد بآلة الحرب وتحالفات ثأرية، وطبقت نظام الاغتصاب والالحاق بكل مظاهره، فقد قدم الدليل على أن الوحدة، بموجب كل ذلك، لم تكن عندهم غير "نزوة" لا يمكن التضحية بالسلطة من أجلها، فإن استمرت بما استقرت عليه بعد الحرب كتوسيع للنفوذ فلا بأس، أما إذا غدت تهديداً لسلطتهم فالتضحية بها أولى. ومن هذا المنطلق جرى التعامل مع الوحدة باعتبارها (شيئاً) إضافياً لا يلزمهم بأي إصلاحات من شأنها أن تهدد سلطتهم ونفوذهم.

٤- أتبعت الحرب بقرارات المحاكمات بتهمة الخيانة وتشريد الآلاف والفصل التعسفي من العمل والتجويع وتصفية المؤسسات الاقتصادية وإغلاق عشرات المصانع وتسريح الآلاف من العمال والعاملين في المجالات المدنية والعسكرية والأمنية وطرد العمال الزراعيين من المزارع التي استصلحتها الدولة وتسليمها رشاوي لمن حاربوا إلى جانبه، وأظهر النظام بهذا حقيقة مشروع الحرب باعتبارها حرباً انتقامية لا صلة لها بالوحدة، على الرغم من أنه استطاع فيما بعد أن يحمل الوحدة مسئولية هذه الحرب الانتقامية وما تمخض عنها من فوضى وقمع وتداعيات لتدفع ثمنها نيابة عن النظام. نعم دفعت الوحدة الثمن نيابة عن النظام.

استناداً ألى ذلك؛

١- قمعت كل محاولات العودة الى جذر المشكلة لإصلاح الوحدة، على الرغم أن عملية الاصلاحات بعد الحرب ، من الناحية الواقعية ، كانت مستحيلة بسبب طبيعة القوى التي أفرزتها الحرب كمنتصرة، وكان إستحضار القرار الذي تضمنته وثيقة العهد والاتفاق " إصلاح مسار الوحدة" عملية يائسة كمن "ينقر فوق تابوت ليوقظ من فيه" ، بتعبير "تشيخوف"، لأن الذي أشعل الحرب لدفن وثيقة العهد والاتفاق لا يمكن أن يعود ليقبل أهم بند فيها، ومع ذلك فقد أبدى الجنوب بكل فئاته نفساً تسامحياً لتجاوز الحرب برفع شعار إصلاح مسار الوحدة مجدداً.

٢- أخذ شعار إصلاح مسار الوحدة بعد الحرب يتداول بمضامين متفاوتة وأحياناً كثيرة مختلفة عن معناه الذي قصد به بناء دولة الوحدة كما ورد في وثيقة العهد والاتفاق. ومع ذلك فقد رفضه النظام بكل المعاني التي حملها بما في ذلك المعنى الذي اقتصر على تسوية ما احدثته الحرب من شروخ عميقة وما رتبته من وقائع على الارض غير مقبولة.  

٣- لم يقدم للجنوب أي خطاب سياسي مطمئن من قبل النظام في إطار مشروع يشي بإصلاحات من أي نوع كان، بسبب أن النظام كان يدرك ان هذه الإصلاحات ستضر بسلطته التي كان على استعداد أن يضحي بالوحدة من أجلها ولا يتنازل عن أي  قدر منها لإصلاح الوحدة والحفاظ عليها. 

٤- قدم  إعلام النظام "الشمال" الجغرافي، وبصورة ممنهجة ومقصودة ، على أنه سيدافع عن الوحدة كيفما كانت، أي أنه وضعه في مواجهة "الجنوب" الانفصالي على حد زعمه.. (وكان هذا الاعلام نفسه قد صور الحرب على انها حرب الشمال ضد الجنوب على نمط الحرب الأهلية الامريكية) الأمر الذي تلقفته بعض الاختراقات التي دفعت إلى الجسم السياسي للجنوب لتعيد صياغة المشكلة على أنها مع "الشمال" وليس مع النظام.. بموجب هذا إختبأ النظام وراء "الشمال" بعد أن خرج الخطاب السياسي الذي عبر عن قضية الجنوب عن مساره بتحويل الشمال إلى خصم، على الرغم من أن قطاعاً واسعاً من "الشمال" السياسي رفض هذا التوظيف. 

٥- لعب النظام على هذا الوتر، واستطاعت أبواقه الموزعة في أكثر من مكان أن تحول القضية إلى مسار آخر مختلف عن جوهرها الحقيقي، في حين أن الشمال الذي تعرض  لمظلومية ذلك النظام الفاسد كان بالإمكان أن يشكل قوة لمواجهة هذا النظام على طريق تقرير المصير بالطريقة التي ترضي شعب الجنوب لو أن آلية مقاومته قد تخلصت من بعض الشطط وردود الأفعال التي حولت الشمال كله إلى خصم، وهو نفس الشطط الذي مارسه بالمقابل آخرون من الطرف الشمالي ليحول الجنوب إلى خصم.

٦- تعززت أزمة الثقة على قاعدة مختلفة تماماً عن جذرها الحقيقي ليتشكل واقع سياسي ونفسي لم يكن أحد قبل عشرين سنة يتصور أننا سنصل إليه، وهنا تتجلى العبقرية الجهنمية للنظام في تحريك المشكلة في مسار آخر، مع ما ألحقته سياسته من أضرار جسيمة بالنسيج الوطني لهذا البلد وذلك لحماية سلطته، ناهيك عن أن النخب السياسية كانت تقترب من المشكلة خطوة وتهرب منها خطوتين، وأخذت تراهن على تبدلات عفوية من أنها قد تغير المسارات غير مدركة أن التاريخ السياسي لليمن حبلى بمشروعات ظلت تتحين الفرصة للخروج من سباتها، وقد حان وقت الخروج بتمزق المشروع الوطني وإفشال آخر أوراقه "الوحدة" بعد أن أسقطتها حرب بليدة، وحسابات غلط، ونخب أسقطت من حسابها الورقة الشعبية وآليتها الديمقراطية في تقرير المسارات السياسية.

٧- جاء انقلاب مليشيات الحوثي وصالح بدعم من إيران ليصادر ما تبقى من دولة كان يعول عليها نسبياً في ترميم واستعادة المشروع الوطني، خاصة بعد أن أعاد الحراك السلمي في الجنوب وثورة الشباب السلمية الأمل بإصلاح الخلل العميق في الحياة السياسة من خلال إعادة الاعتبار للارادة الشعبية المصادرة.. وكان الحوار الوطني خطوة هامة على هذا الطريق . وفي مواجهة هذا الانقلاب تشكلت مقاومة عسكرية على طول اليمن وعرضها، جنوباً وشمالاً، وقدمت التضحيات الكبيرة في سبيل ذلك. غير أن هذه المقاومة أخذت تتخبط في خطاب سياسي وإعلامي تصادمي فيما بينها،  أظهرها كما لو أنها قد فقدت القدرة على ترشيد مسارها المقاوم في الجانب العسكري بدليل نظري سياسي واضح يقدم الحجة على أنها استفادت من تجارب التشظي والقمع الذي تعرضت له الحياة السياسية . لم يظهر الخطاب السياسي والاعلامي طيشاً مثل ذلك الطيش الذي اتسم به الخطاب المنتسب إلى الشرعية (خارج المنظومة الرسمية)، وهو الخطاب الذي حفر بأظلافه الخشنة خنادق المواجهة بين أجنحة "الشرعية" التي أخذت تنهش بعضها على نحو لم يدلل بأي حال على أن هناك مستقبلاً سياسياً مستقراً ينتظر الجميع إذا استمر الوضع بهذا التنافر.

٨- تصاعد خطاب المواجهة السياسي والتشكيك وحملات الاتهامات بلا مسئولية مطالباً بتصفية حسابات هنا وهناك، وكثيراً ما انبعثت من هذا الخطاب روائح كريهة بدا معها أن ان كل المحاولات التي قادها الرئيس هادي لفتح منافذ عبور بين الاطراف المختلفة قد اصطدمت بحوائط من الممانعة. لذلك فقد اقتصرت المحاولات على الحد الأدنى دون أن يسمح لها بأن تتحول إلى صيغ لشراكة حقيقية تقدم رسالة لتطمئن الشارع الجنوبي فيما يخص معالجة قضيته على النحو الذي يرتضيه بما في ذلك حق تقرير المصير بعد أن يتم الانتهاء من المشكلة المشتركة المتعلقة بالانقلاب.

 ٩- الاتجاهات المتطرفة داخل الاطراف المختلفة لعبت أدواراً مشهودة في إعاقة بناء هذه الشراكة على قاعدة من الثقة  تسمح بالتفرغ لمواجهة المشكلة الاساسية. هناك من جعل من قضية الاقاليم مدخلاً للانقضاض على مشروع الدولة بالكامل من خلال تخريب المشروع بتطبيقات فوضوية ومستعجلة وبلا أفق واضح، مع ما رافقه من خطاب استهدف تقسيم الجنوب ، وفرض ذلك كأمر واقع بحساب خاطئ من أن هذا الاستباق من شأنه أن يغلق الطريق أمام أي مشروع آخر ارتبط بالقضية الجنوبية. وفي الطرف الآخر إعتقد البعض أنه آن الاوان لإعلان دولة الجنوب بتوقعات حكمها خيال قصير النظر تجاه الظروف التي تتحرك فيها الوقائع السياسية، وصياغة خطاب مرافق مشحون بالشطط والمغالاة في تسطيح طبيعة المشكلة بكل تعقيداتها وعدالتها في نفس الوقت. وكانت المشكلة هي أن الركون إلى عدالة أي قضية دون أخذ تعقيداتها بعين الاعتبار يعرضها لمخاطر يصعب تجاوزها. 

١٠- استطاعت الاتجاهات المتطرفة أن تضع العقلاء في مصيدة مشروعها الصدامي الذي ظل يتحكم في إيقاعات العلاقة داخل اجنحة المقاومة وعلاقتها بالشرعية. وما يؤكد حديثي مسألتان، الاولى الهدوء والبصيرة التي عبر بها الرئيس هادي تجاه الوضع لإدراكه بتعقيداته وحرصه على أهمية إنجاح مشروع الشراكة الذي يقوده  لإيصال السفينة الى أيدي الناس ليقولو كلمتهم فيما يتعلق بمستقبلهم، والثانية التصريح التصحيحي الذي صدر عن القائد الحراكي المعروف الدكتور ناصر الخبجي والذي قال فيه ما معناه إن "الاعلان" هو ترجمة لطموحات الجنوبيين في أن تكون لهم قيادة موحدة تعمل مع الشرعية بقيادة هادي والتحالف لأنجاز المهمات المشتركة، وهو تصريح يلغي أي زوائد تكون قد امتدت الى البيان لتضعه في مواجهة مع قضيته قبل أي شيء آخر، ولا أعتقد ان هذا التصحيح سيصدر بمعزل عن اللواء عيدروس الزبيدي وبقية أعضاء المجلس المعلن والذي برز بعد ذلك على لسان أكثر من عضو، مما يعني أن بعض الصيغ التي أوردها البيان كانت ملتبسة واستلزمت ذلك التوضيح..   

١١- تفاقمت حالة من الفرز صاحبها ضجيج إفتقر إلى الدقة والمسئولية وضخم نقاط الخلاف ، وأخذ ينتقل بالمشكلة إلى توسيع الانقسام وتعميقه بصورة بدا أنه لم يعد معها من خيار غير المواجهة، غير مدركين أن الجميع يعملون في إطار أوسع من المسئولية المشتركة يعبر عنها تحالف له أهداف مصيرية تجعل هذا الخيار مستحيلاً ، وأن خيار التفاهم السياسي هو الأقرب ، لا سيما وأن هناك جملة من الاعتبارات يجب أن تؤخذ في الحسبان:

١- ان الرئيس هادي كان وسيظل العنصر الأساسي في معادلة حل أي مشكلة تنشأ باعتباره رئيساً شرعياً،  وانه لا يجب أن ينظر إليه إلا بأنه مرجع للجميع ويجب التعامل معه على هذا الاساس. ومن موقعه المسئول هذا لا بد أن يساعده الجميع على توسيع الأدوات السياسية، وأكرر الأدوات السياسية ، بدلاً من الأدوات الإدارية، في قيادة هذه المرحلة المعقدة، ومساعدته على تدويرها بزوايا تتناسب مع طبيعة المشكلات التي لا بد من مواجهتها بالصبر والهدوء اللذين عرف بها.

٢- إن التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية والدور البارز لدولة الامارات العربية المتحدة فيه لا يجب النظر إليه كحالة طارئة، وإنما كعنصر استراتيجي في سياق إعادة صياغة التعاون على نحو تكاملي. وهذا يعني أن العلاقة معه يجب أن تتعزز بقواعد منظمة تضفي عليه هذا المعنى الذي يؤسس لعلاقة شراكة مستقبلية ثابتة ومزدهرة، وهذا ما نادينا به مراراً ودعونا إلى تشكيل مجلس مشترك يدير وينظم العلاقة بجوانبها العديدة لتفتح باباً واسعاً لعلاقة استراتيجية مستقبلية بين اليمن ومحيطه العربي في الجزيرة والخليج، تنتظم في إطارها جملة مكونات هذه العلاقة بما في ذلك الخيارات السياسية التي سيقررها الناس بتقرير مصيرهم. وهذا الأمر في كل الأحوال يتوقف على جميع الاطراف، ويحتاج إلى معالجته وتصحيحه في إطاره الاستراتيجي لتغدو المشاكل التفصيلية ممكنة الحل.

٣- إن مجيء قيادات إدارية تنفيذية من وسط الحراك السلمي تحظى بالاحترام على الصعيد الشعبي كان قد أسهم في ترشيد المسار نحو حل قضية الجنوب بتأسيس قاعدة للشراكة السياسية ترمم العلاقة التصادمية التي ظلت تحكم النظام مع الحراك، وكان من الضروري رعاية هذه الشراكة السياسية بأدوات سياسية، غير أن غياب دور القوى والأحزاب السياسية في إنتاج فعل مؤثر على مسار الاحداث لم يسمح بصياغة مشروع متوازن يأخذ بعين الاعتبار خصوصية هذه الشراكة، وتركت مكشوفة على المتغيرات التي كانت بطبيعتها محصلة العلاقة الصدامية الطويلة ليصل الوضع الى ما وصل إليه.

٤- أثبتت الحياة أنه حينما تكون هناك فرصة لمعالجة القضايا بحد أدنى من الخسائر وبدرجة أقرب الى رغبات الناس واختياراتهم فإن الطريق الذي يفضي إلى سفك الدماء وتعميق الانقسامات والخصومة يصبح طريق المغامرين والفاشلين، وأنه مجرد تعدي على خيارات الشعب يجب أن لا يسمح به. ولذلك لا يجب أن نذهب بالموضوع إلى أبعد مما رتبته الحياة من حقائق وهي أن القضية الجنوبية ليس وليدة اللحظة ولكنها وليدة لتحويل الوحدة من منجز إلى تهمة وفقاً لما شرحناه أعلاه.  الاعتراف بهذه الحقيقة هو وحده الذي يمكن أن يقدم الدليل على أن هناك إرادة فعلية لمعالجة هذه القضية جذرياً، وهو الموضوع الذي يجب أن يجري الحديث عنه بصراحة ووضوح حتى لا يظل شبح القوة والصدام مهيمناً على المشهد مع ما يرتبه ذلك من ردود افعال تربك المشهد بأكمله. بمعنى أن الرسالة التي يجب أن توجه للجنوب بشأن قضيته يجب أن تكون واضحة غبر ملتبسة بخيارات أخرى بما في ذلك خيارات القوة والسلاح التي لا يخلو منها الخطاب الاعلامي في كثير من الأحيان. إن الرد الاخلاقي على الحروب التي دمرت استقرار اليمن يجب أن يتلخص في الاعتراف بالإرادة الشعبية في تقرير الخيارات السياسية.

٥- الهروب من الهوية اليمنية إلى هوية مجهولة ذات اشكالية حقيقية لا يرفد القضية الجنوبية بأي إضافات وجيهة، بل بالعكس يدفعها إلى خارج سياقها السياسي المعترف به كدولة ما قبل ١٩٩٠مع ما يرتبه ذلك من اشكاليات سياسية وتاريخية. ان التمسك بيمنية الجنوب لا يضر بقضية الجنوب كما يعتقد البعض، لأنه يكسبها قيمة معنوية مرتبطة باسم الدولة التي جعلت من الجنوب دولة بعد أن استعصى الجنوب حينها على الهويات البديلة التي لم تستطع ان تجمع الجنوب في هوية واحدة. 

٦- التركيز على تشكيل قيادة موحدة للحراك السلمي الذي قاد العملية السياسية في الجنوب خلال الفترة الماضية وأصبح الصوت المعبر سياسياً عن هذه القضية ومطلباً يتردد من الجميع هي أولوية أكثر أهمية من الحديث عن أي صيغ أخرى لا تتوفر لها شروط العمل بدون صعوبات أو اشكاليات سياسية وقانونية. العمل وفقاً لأولويات تراعي الوضع العام هي مسألة أجدر ما يمكن وصفها بالجدية عندما يتعلق الامر بقضية عادلة لا بد أن تنتهي إلى حل عادل. 

٧- أرى أن يتم تشكيل فريق سياسي استراتيجي يضع خطة شاملة لمراجعة السياسات التي تتحرك بموجبها الشرعية بالتشاور والتنسيق مع الحلفاء وذلك من منطلق أن الشرعية هي الجامع الأكبر في الوقت الراهن لكل القوى التي تصدت لانقلاب والتي عليها أن تستكمل مهمتها ضمن هذا الإطار بإصلاحات يتم التشاور حولها.. وفي خطوة لاحقة وفي ضوء نتائج عمل هذا الفريق يتم الاتفاق على تشكيل فريق عمل سياسي من كافة الاطراف لتنسيق المسارات السياسية خلال المرحلة القادمة والقبول بفكرة الاختلاف والتعايش والاحتكام الى الناس.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

هل استعصى المشهد في اليمن على صانعيه وأصبح أكبر من الجميع؟

سؤال يتكرر بأكثر من صيغة وبمفردات مختلفة.

الحقيقة التي تشكل جذر الجواب لهذا السؤال الهام هي أن الانقلابيين صنعوا مشكلة أكبر منهم، لم يستطيعوا إدارتها بكل ما امتلكوه من سلاح. اعتقدوا أن السلاح يصنع المعجزات ثم اكتشفوا أنه ليس أكثر من أداة للتوريط عندما اخذ يحركه عقل لم يسعفهم في استثمار المساحة التي غطتها قذائف مدافعهم إلا ذلك الاستثمار الذي ظهر بواسطته الوجه الحقيقي لمشروعهم ، وهو الوجه الذي تكثف فيه قبح القوة وهي تستحضر نماذج التسلط من تجاويف تاريخ سياسي لحكم كل مؤهلاته النهب، وليس لديه ما يعطيه ، وبمظاهر لا يمكن أن يبقى لها مكان في اليمن المعاصر.

اختزلوا انقلابهم إلى احتجاز جزء من البلاد كرهينة، وعطلوا مشروع الدولة الذي شاركوا في صياغته في مؤتمر الحوار، كل ذلك بانتظار تسوية يتمكنوا من خلالها إعادة بناء الدولة على أسس طائفية.

وانسجاماً مع هذا الهدف، الذي فصلوه بمقاسهم، أخذوا يعملون على تضخيم المأساة برفض الحل السلمي باعتقاد أن ذلك سيجبر المجتمع الدولي على التدخل لإنهاء الحرب والاعتراف بالأمر الواقع دون أن يضطرهم ذلك إلى التخلي عن الانقلاب أو عما رتبه من أوضاع على الارض.

وعلى الجانب الآخر فإن القوى التي تصدت للإنقلاب تحت مظلة الشرعية على الرغم من النجاحات التي حققتها على صعيد استيعاب الجزء الأكبر من المشهد في مساراته العسكرية والسياسية، إلا أن أسلوب تعاطيها مع أربع قضايا أساسية في السياق العام للسيطرة على المشهد، وما يعتمل فيه من تبدلات كبيرة يومية، قد أثر على سلامة أدواتها في السيطرة على المشهد .. حيث بدا أنه من الضروري إعادة تقييم هذه الأدوات لتمنع اتساع الفجوة معه، ويمكننا أن نستدل على ذلك بأربع قضايا رئيسية لا يمكن للشرعية أن تقيم أدواتها وسياساتها على نحو صحيح دون أن تكون هذه القضايا محور هذا التقييم:

١- ادارة المناطق التي تم استعادتها من قبضة الانقلابيين، وهو موضوع يجب التعامل معه على أنه "الوعد" الذي تقدمه الشرعية بخصوص الدولة التي تقاتل من أجل استعادتها بما يحمله من أحلام بالاستقرار والأمن والبناء وتوفير الشروط لممارسة شعبية للاختيارات السياسية.

٢-  إستعادة تعز من أيدي الانقلابيين بأي شكل وتحويلها من رهينة بيدهم إلى نقطة ارتكاز في مجرى استعادة الدولة المخطوفة . بقاء تعز بهذا الوضع سيظل نقطة ضعف خطيرة في عمل الشرعية وتصديها للانقلاب.

٣-  الحيرة والارتباك فيما يخص استكمال السيطرة على الساحل الغربي، بِما في ذلك الحديدة، يضع أكثر من علامة سؤال حول منهجية وسلامة استراتيجة مقاومة الانقلاب، حتى لو افترضنا أن هذه الاستراتيجية تقوم على التسوية في نهاية المطاف فإن للتسوية شروطها لكي تنجح في تحقيق سلام دائم.

٤- ادارة العلاقة مع التحالف لا بد أن يتم من منظور استراتيجي ولا يجب أن يسمح لهذه العلاقة الاستراتيجية أن تتأثر بالممارسات التي تغلب عليها الخفة في التعاطي مع القضايا التي تنشأ على الواقع كمسألة طبيعية طالما أن هناك عمل مشترك فيه من التعقيدات ما يثير الكثير من الخلافات ..المهم هو أسلوب وأدوات إدارة هذه الخلافات.

المفارقة المحبطة هي أن المشهد تتضخم فيه المأساة من جانب ويصيبه الجمود في الجانب الذي يتطلع فيه الناس إلى الحل الشامل للمشكلة من جانب آخر.

نشأ عن هذه الفجوة بين جانبي المشهد فراغ أخذت تملؤه الكوليرا والمجاعة والى جانبهما تزايد رقعة من يملأون الفراغ بالتزوير ومحاربة طواحين الهواء والبحث عن عدو وهمي للتسلية.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الخميس, 11 أيار 2017 21:34

تخريب السياسة

لم تشوه السياسة في أي بلد مثلما شوهت في اليمن. مورست بلا قواعد ، ومورست على أنها فهلوة وشطارة وثارات وخفة . ولذلك فقد أعاقت بدورها عملية بناء الدولة ، جعلت بناء الدولة مجرد إحتيال على الحاجة الفعلية للدولة ... كل من سيطروا على القرار السياسي مارسوا عملية الاحتيال تلك . هربوا من الدولة إلى السلطة .. أقاموا السلطة التي أتقنت قمع الدولة لتواصل بعد ذلك قمع المجتمع.

قدموا سلطتهم القمعية على أنها الدولة ، وخلقوا أزمة ثقة بين المجتمع والدولة . ألبسوا سلطتهم نظاماً سياسياً واجتماعياً وفروا له شروط أن يمضي بالسلطة بروافع نمطية من الثقافات التي وظفت لمباركة الاستبداد واعتبار الحاكم "ولياً للأمر" وأنه هو الدولة وأن الدولة هي "ولي الأمر"..

تمسكوا بالسلطة وأهملوا الدولة خوفاً من أن تنازعهم مؤسساتها ممارسة السلطة.

بعد أن تمت هيكلتها بانسجام مع هذا الوضع ، أعادت السياسة إنتاج نفسها في صورة حروب وفساد وانتقامات وثأرات وتنطع لا يقيم وزناً للشعب ولا لكلمته .. والاسوأ من هذا أنها أعادت انتاج بنى ما قبل الدولة ، بما في ذلك النظام الأبوي ، بتراتبية إجتماعية فاسدة لتبرهن على أنها فقدت القدرة على التفاعل مع حاجة المجتمع إلى الدولة .

لنتابع كل ما يجري على أرض الواقع من تطورات لندرك بألم هذه الحقيقة . لم تعد السياسة بهذا الموروث المشوه، قادرة على حمل أي مشروع لانقاذ البلد .. وحتى الفعل الجاد يأتي مفرغاً من ديناميات استمراره لتحقيق أهدافه .

البلدان التي خربت فيها السياسة وفقدت المبادرة لجأت إلى الاقتصاد كمحرك لاستعادة المبادرة المجتمعية والتي في اطارها بنيت مصالح الناس في الاستقرار والتعاون والتعايش والعيش المشترك والقبول بحماية مصالح الاخر وحقوقه وحرياته .. وكلها عناوين أساسية للدولة.

نجحت المبادرة الاقتصادية في أكثر من بلد بعد أن تخربت فيها السياسة وقادت إلى هزيمة هذه البلدان في أسوأ صورها مثل ألمانيا واليابان . كانت المبادرة الاقتصادية هي التي استعادت الزخم المجتمعي لبناء الدولة وعلى هامش هذه المبادرة تشكلت أنماط جديدة من السياسة التي لا تحركها نزعات ايديولوجية أو ثأرية أو فوضوية وإنما مصالح راسخة تدور حول تلبية حاجات المجتمع المادية والروحية والمعرفية وتعزيز روابط العيش المشترك واحترام حق الناس في تقرير خياراتهم السياسية.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

أصبح الاحتفال بذكرى يوم العمال من كل عام قاسماً مشتركاً بين أمم الارض كافة ، وهو اليوم الذي تتوحد فيه شعوب العالم كحالة معبرة عن قيمة العمل في حياة الانسان.

لا تنهض الأمم إلا بالعمل ، وأثبتت الحياة أن الأنظمة الخائبة ، التي هبطت بشعوبها إلى الحضيض ، هي التي سخرت من العمل كقيمة انسانية رفيعة تتحقق معها قيمة الانسان وكرامته ونهضة وطنه وأمته .

الفجوة الهائلة بين الامم اليوم ناشئة عن الفرق بين الأمم التي أصبح العمل فيها قيمة من قيم الحياة ، وينظر فيها الى العامل باعتباره القوة المحركة لعجلة الحياة من ناحية ، والامم التي تخبطت وسط أنظمة اجتماعية وسياسية لا تحترم العمل ولا ترى العامل إلا أسفل السلم الاجتماعي ، يتقدمه اللصوص وناهبوا الثروات ومتسولوا الجاه ومغتصبوا الحكم من ناحية اخرى .

مهما تحدثنا عن ردم الفجوة بين التخلف والتقدم فإن ذلك لن تتحقق إلا باحترام العمل كقيمة انسانية عالية ، واستعادة مكانة العامل في السلم الاجتماعي كمتصدر لمسيرة الحياة ، مع العلم أن العامل اليوم لا يمكن تصنيفه وفقاً لنمط معين من الاشغال التي تؤدى بالاعتماد على الجهد العضلي فقط بعد أن تغير وجه الحياة ونمط الانتاج ، كما أنه لم يعد مصطلحاً ثورياً بالمفهوم الذي ينشئ معادلات تستند على خلفيات أيديولوجية ، فقد غدا قيمة للحياة والتقدم والنهوض .

للعمال في يومهم المجيد التحية والاحترام

الأربعاء, 26 نيسان/أبريل 2017 21:06

لا نندفع نحو الفرز العرقي

أخطر ما يهددنا هو الفرز العرقي .. الفرز العرقي إنتحار.. إبادة.. تصفية.. حروب مستمرة.

الصراع سياسي وليس عرقي.. هذا ما يجب أن نتمسك به في مواجهة مشروع الانقلاب. وإذا ما برز سلوك على اي مستوى، وبأي صورة كانت، يحفز على توجيه الدفة نحو المسار العرقي فذلك إنما ليدفع البلاد نحو تسوية المسألة على قاعدة الأقلية والأكثرية.. يعني تسوية طائفية.

يجب أن لا نندفع الى هذا الطريق الغلط لأن نتائجه ستكون كارثية بكل المقاييس.

لا ننسى أن الانقلاب على العملية السلمية التي حددت معالم الطريق نحو التعايش كان هدفه الاحتياطي، الذي ظل مسكوتاً عنه، هو الإقرار بهذا الفرز العرقي لنصل منه إلى تقسيم طائفي للبلاد، ومنه إبقاءها في حالة حرب دائمة مع حماية خارجية "للأقلية" وحقها في حمل السلاح لحماية نفسها.

لا نضيع البوصلة في لحظة إرباك قد تحمل معها رجس الانقلاب والحرب إلى محطة يتحدد السير فيها في اتجاه واحد ومؤشراته لا تخفى على أحد. العالم يراقب الصراع في اليمن ويترقب أي دليل يبرر المشروع الذي يبحث عن حل طائفي..

لنعد إلى الخطاب السياسي، ونسمي المخطئ بعنوانه الذي ارتكب به الخطأ، ولا نسهم في تهشيم المجتمع الذي أراد الانقلاب تهشيمه تماشياً مع المشروع الايراني الذي قلنا أكثر من مرة أنه يستهدف تفكيك الدولة في المنطقة العربية ليعيد بناءها طائفياً.

إن الذي يعمل من أجل الدولة المدنية، دولة المواطنة يجب أن يؤسس لها في قلب الصراع ويتجنب أي خطأ قد يؤدي إلى تعثر مشروعه.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الأحد, 23 نيسان/أبريل 2017 19:36

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

كان رأيي، وسيظل، هو أن تقسيم الجنوب إلى إقليمين يستحضر تاريخاً من الانقسامات وإعادة إنتاج الهويات بصيغة مفككة وبطابع يغلب عليه الصراع وليس التكامل.

أنا شخصياً مع الحفاظ على هذه الهويات ورعايتها طالما ظلت منسجمة ومتوافقة مع الهوية الجامعة ، فالمشكلة لا تكمن فيها وإنما في النخب التي تتولى توظيفها وتعمل على تحويلها إلى هويات صدامية منفوخة كبالون يحلق في الهواء، ومحمولة بذاكرة لا تاريخية، بمعنى أنها تتجاوز الحقيقة في استيعاب وقائع التاريخ.

شهدنا هذا النوع من الهويات المنفوخة عندما اعتقدت الهوية التي حركت الانقلاب على الدولة منذ ثلاثة أعوام أن اليمن مجرد ورقة "قرطاس" يمكن طيها ووضعها في الجيب وتنهي الأمر. غير أن ما حدث هو أنها أغرقت اليمن في حرب مدمرة ، أخطر نتائجها هي تدمير الهوية الوطنية وما نشأ عن ذلك من حاجة إلى العودة الى ما دونها من هويات.

مقاومة هذا الانقلاب يجب أن لا يقتصر على مواجهته عسكرياً ولكن أيضاً بمشروع سياسي يفشل المشروع الإستعلائي المدمر للهوية التي تستقر عليها خيارات الناس بعد أخذ رأيهم ، وهي مسئولية كل القوى في الشمال وفي الجنوب على السواء. لا بد أن يقال للناس من الآن انكم انتم اصحاب القرار وعلى النخب أن تتدبر أمر السير في هذاالطريق بدون مراوغة أو احتيال.

وحتى نأخذ المثال من هذه الهوية المنفوخة التي أغرقت اليمن في الحرب ، فلا بد من تجنب النفخ في الهوية مهما صغرت أو كبرت ، وهذه مسئولية النخب عامة، وعلى النخب التي فقدت مؤشرات صلتها بالمستقبل وعادت تنفخ في هوياتها المحترمة لتعيد تشكيلها بقناعات فيها من النزق ما يجعلها عدوانية إنعزالية أن تفكر جيداً فيما يمكن أن يرتبه ذلك من تفكك حتى على صعيد الهوية ذاتها.

عانى اليمن ، كغيره من البلدان، من النخب التي تستحضر الهوية وكأنها عربة نقل تتحرك عليها لتنجز مهمة معينة دون أن تدرك أن الهوية وسيلة حياة لا يجوز توظيفها لغير هذا الغرض .. ولأنها وسيلة حياة فإنها لا تتوقف عند درجة معينة من النمو أو عند حالة بعينها من التطور والتحول طالما أن حاجات الانسان متجددة ومتنوعة ، مما يفرض على الهوية التي ينتمي إليها أن تنفتح على هويات أخرى ، ومنها جميعاً تتشكل هوية جامعة مشتركة اكثر سعة وشمولاً ،والنَّاس هم الذين يقررون ذلك.

موضوع آخر مرتبط بهذه المسألة، وهو أنه وبعد كل هذه المآسي والإخفاقات التي تولدت عن قيام النخب بدور الوصي على الشعب، لا بد من التوقف عن أي عمل يقوم بأي مبادرة نخبوية تهمل رأي الناس ، فالرأي النهائي هو للشعب وللناس في تقرير مستقبلهم . ومهمة النخب الجادة هو العمل مع الناس وتوعيتهم وإعدادهم ديمقراطياً وسياسياً لاتخاذ قراراتهم بمسئولية.

أقول رأيي هذا وأكرره ولا أدعي أنه الأمثل ، وَاتمنى لو أن تجربة عملية معارضة له تمت بنجاح لصفقت لها وانحنيت أمامها احتراماً ، فقط أطلب ممكن يعترض على ما ذهبت إليه بخصوص تقسيم الجنوب ومخاطره في استحضار الهويات التفكيكية أن لا يشغل باله بالرد أو الشتم كما جرت العادة عند البعض ، فقط يسجل ويتابع ، و"ستبدي لك الايام ما كنت جاهلاً".

ألا لا يجهلن أحد علينا / فنجهل فوق جهل الجاهلينا.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الثلاثاء, 18 نيسان/أبريل 2017 20:51

شيفيلد مدينة بنكهة يمنية

 

شيفيلد مدينة يتزاحم فيها شعور بالألفة منذ أن يضع الانسان أقدامه على ارضها.. تتسلل الى الوجدان كلما توغلت داخل شوارعها القديمة حيث ترتسم ملامح تاريخ صناعي ارتبط بالهجرة الاولى لليمنيين ممن قامت على اكتافهم صناعة الحديد والصلب في هذه المدينة التاريخية. أمضينا فيها ثلاثة ايام التقينا بقطاعات واسعة من الجالية واطلعنا على نشاطاتهم في مختلف المجالات وعلى وجه الخصوص الخدمات التي تقدمها الجالية لأعضائها في مجال تعليم اللغة والدين وغيرها من الأنشطة الاجتماعية اضافة الى متابعة مختلف القضايا مع الجهات المختصة ومنها سفارة اليمن في لندن.

لشيفيلد نكهة خاصة، منذ زمن قديم واسم هذه المدينة يتردد على مسامعنا من قبل المغتربين الأوائل في خمسينيات القرن الماضي الذين قدموا للعمل في مصانع الحديد والصلب، فكان المغترب يعود في الإجازة ليحكي عن هذه المدينة وعن مصانع الحديد وتذويبه وتبريده وتشكيله ونقله الى الحاويات والمخازن.. يحكي كيف تعرض احدهم للحريق في جسمه او عينيه او شعره لأنه لم يلتزم بنظام "الامن الصناعي"، ولا ينسى طبعاً ان ينطق هذه العبارة بالانجليزية التي لم نكن نعرف معناها يومذاك الا بالشرح لما يجب ان يلبسوه أو يضعوه على اعينهم اثناء العمل.

تمشي في شيفيلد وخاصة في المناطق التي كانت مركز تجمع هذه المصانع فتتذكر حكاياتهم عن انتظامهم في طوابير طويلة منذ الصباح الباكر، وخاصة ايام الشتاء، من مساكنهم حتى المصانع بحرص شديد على الوصول في الموعد المحدد لبدء العمل.

هذه المصانع اليوم توقفت عن العمل وغدت مباني مهجورة يجري هدمها واعادة بناءها كأبراج ضمن خطة شاملة لتطوير المدينة.

تهجم عليك الذكريات فتتخيل هؤلاء العمال يتحركون حواليك كمرشدين لمعالم المدينة، يحملقون فيك وكأنهم يقولون نحن من صنع إسم هذه المدينة الصناعية، يخيل اليك مع السكون الذي يحيط بهذه الأبنية المهجورة أن أرواح هؤلاء العمال تتحرك في ذهاب وإياب بين أروقة المكان في احتجاج على ما آلت إليه تلك المصانع التي أفنوا فيها فتوتهم وشبابهم.

لا تصحو من هذا الخيال الا وقد توقفت للسلام على عدد من الشباب المارين صدفة فيقدمون انفسهم لتكتشف أن بعضهم احفاد لهؤلاء العمال القدامى وقد غدوا جزءاً من نسيج هذا المجتمع الجديد الذي ولدوا ونشأوا وتعلموا فيه وتخرجوا في كلياته وجامعاته.

تذكرت من خلال هؤلاء الأحفاد بعضاً من الأسماء التي قدمت لي يد العون وانا طالب في القاهرة. فقد سافرت للدراسة عام ١٩٦٦ للالتحاق بالجامعة في القاهرة وبعد ستة أشهر من وصولي، وكانت الظروف في غاية الصعوبة، استلمت رسالة من احدهم، بدون ان أكون قد تواصلت مع أي أحد منهم يقول فيها: لقد جمعنا لك مائتين وستين جنيه إسترليني ومرفق كشف طويل بأسماء الذين ساهموا في جمع هذ المبلغ برجاء أن تذهب الى البنك الأهلي المصري لاستلامه.

منذ ذلك اليوم واسم هذه المدينة لا يفارق ذاكرتي.. قلت لنفسي كم كان لهذه المدينة ومغتربيها فضل في مواصلة دراستي.

شيفيلد مدينة رائعة يتصاعد منها عبق اليمن في الكثير من أحيائها، والى جانب هذا العبق، الذي يجعل من هذه المدينة لوحة معبرة عن كفاح اليمنيين وتعاونهم وجمال اغترابهم وحبهم لبعض وما خلفوه من ذكرى عطرة، هناك ما يجب أن يحاصر ويشطب من ذلك الرذاذ المتطاير من سحاب طارئ لا وظيفة له غير تشويه هذا التاريخ الجميل لليمنيين في هذه المدينة الرائعة.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الخميس, 13 نيسان/أبريل 2017 20:38

الاستاذ يحيى عبد الرقيب الجبيحي

الحكم بالإعدام على الصحفي والكاتب يحيى عبد الرقيب الجبيحي في صنعاء لا يفسره شيء أكثر من أن الائتلاف الانقلابي قد دخل مرحلة الموت السريري ويجري إنعاشه بهذا التهريج الذي يجمع بين القسوة واللا مسئولية دون اعتبار لحقيقة أن هذا البلد لم يعد بحاجة الى مزيد من الموت بعد كل هذا النزيف.

من منا لا يعرف الاستاذ يحيى عبد الرقيب بجمال روحه وعشقه لوطنه وحبه لأسرته ووفائه لأصدقائه.. قلمه نسخة من روحه ، يعالج ولا يجرح. والقلم الذي تكون هذه وظيفته لا بد ان يكون متميزاً وبمستوى عال من الوعي بمشاكل وطنه . في مجرى الخصومة الردئية لا يجد القمع غير التهم المنحطة لالصاقها بالخصوم.. هذا هو التاريخ السياسي للقمع ، وهو الميراث الذي يتناقله حراس القمع في كل زمان ومكان.

إن الحكم بذاته ادانة لمن أمر به ولمن اصدره. اما الاستاذ يحيى وابنه حمزة المسجون معه منذ سبعة أشهر فمكانهما بين الناس حيث نبض الحياة لا يزال أقوى من حشرجات الموت الذي بات صنو اليمني المتدثر بحلم البقاء بدون إضافات.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الإثنين, 10 نيسان/أبريل 2017 20:31

مسئولية الكاتب تجاه قرائه

لكل كاتب قراء يتابعونه ويتأثرون بما يكتب، وآخرون يتابعون ما يكتب بحيادية فمنهم من يواصل متابعته ومنهم من يقلب صفحته ويمضي، ويتوقف ذلك على قرب الكاتب أو بعده من قضايا مجتمعه وطريقة تناولها.

الكتابة بمعرفة ناقصة فيها تضليل للقارئ، والكتابة بتحامل شخصي فيها تضليل للقارئ، والكتابة بهدف استقطاب اجتماعي لمعارك صغيرة على هامش التحديات الوطنية الكبيرة هي تضليل للقارئ، واستدعاء التجارب التاريخية سواء السياسية أو الإنسانية بعرضها وبتوظيفها على نحو خاطئ في مجرى الصراع الساسي الجاري هي تضليل للقارئ . التاريخ لا يخوض فيه الخصوم إلا وشوهوه، وهو لا يكتب إلاً وفقاً لمنهج يحميه من التحريف والتهريج معاً ليبقى تاريخاًً . قد تسرد حكاية او حكايات لكن هذا لا يعني انك تؤرخ. التاريخ هو جملة الوقائع والظروف والشخصيات المحيطة بهذه الحكايات ... والكاتب الذي يضلل قارئه الذي يثق فيه هو أشبه بالطبيب الشرير الذي يحقن مريضه بعقاقير التخدير ليسكن الالم دون أن يعالج المرض.

هناك مسؤولية كبيرة تقع على الكاتب باعتباره أحد مصادر تشكيل الوعي في المجتمع. والشخص الذي يتصدى للكتابة لا بد أن يدرك قيمة ما يكتب، ولا بد أن يعرف في الوقت ذاته أن الكتابة ليست تسلية، ولكنها مسئولية قيمية وأخلاقية... حتى في صيغتها السياسية، وهي فوق هذا أمانة لا بد ان يمارسها الكاتب مع قرائه.

حتى وانت تكتب ضد خصومك لا بد أن تتناول خلافك معهم بموضوعية، فالخصومة لا بد أن تستند على أسباب تجعل منها مقبولة اجتماعياً وانسانياً قبل أي شيء آخر. وينطبق نفس الشيء على الكتابة النقدية.

وهناك فرق بين الكتابة وحملات التحريض. الكتابة منهج وحجة، وبواسطتها يتم تسليح الناس بالحجة التي تشكل الموقف، أما التحريض فهي اداة تعبويه لها أدواتها ومن ضمنها الإشاعة والتلفيق والنكتة والخبر المزعوم...الخ وهي أداة قد تؤدي الى تشويه الخصم ولكنها لا تلغي حقيقته، وقد تدفع بريئاً الى ارتكاب جريمة أو فعل متهور، وقد تبرر لمغامر أن ينجز مغامرته حتى النهاية، وتلجأ إليها الأجهزة والجماعات القمعية بأشكالها المختلفة عندما تفقد الحجة، ولا يمكن أن يصنف من يمارسها بالكاتب.

الكاتب الذي يصبح كل همه هو تجنيد قارئيه لمعركته الخاصة أو لمعركة على هامش التحديات الكبرى للبلاد لا يستطيع أن يكون أكثر من جنرال فاشل في معركة توفرت لديه الفرص الكثيرة لكسبها... وهزم ،

من بين كل ما نقرأه اليوم سنجد القليل والقليل جدا مما بمكن أن يعد "كتابة" بالمعنى الذي يشكل خارطة المعرفة العامة التي تقدم الدليل على نضج المجتمع أو درجة استعداده لذلك، أما الباقي فيدخل في باب التحريض والتحريض المضاد وهو ما يشوه وعي المجتمع باعتباره أداة شحن لا يهمها الانفجارات التي ستترتب على ذلك، وكم هم المخدوعين والمضللين الذين لم يكتشفوا التضليل والخديعة إلا بعد أن تدركهم هذه الانفجارات التي صفقوا للمحرضين عليها في مجرى الإعجاب بكتابهم الاشاوس.

التصدي لهذه الظاهرة مسئولية الجميع لحماية "الكلمة" التي لا تبنى الاوطان الا باستعادة عافيتها.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

السبت, 01 نيسان/أبريل 2017 20:03

عندما سخرت العصبية من الدولة

لا تزال الدولة العربية مكوناً عصبوياً ، لم تتجاوزه الى العقد الاجتماعي .

في تكوين الدولة تسود عصبية اجتماعية او سياسية ايديولجية او طائفية بنفوذها فتفرض سلطتها على بقية العصبيات ؛ إما بإخضاعها ، او بإقامة تحالفات تتم على توزيع المنافع ، او بالاثنين معاً.

يشكل هذا التكون الهش اساس قيام الدولة في البلاد العربية ومنها اليمن .. عصبية سائدة واُخر كامنة تتحين الفرصة لتعزيز نفوذها ومكانتها في تراتبية السلطة ، أو الانقضاض عليها.

الحركية السياسية في هذا النوع من الدول هي حركيّة اجتماعية بدرجة أساسية لانها غالباً ما تكون مغلقة على فئات بعينها بروابط قبلية او ايديولوجية او ثقافية او عرقية او طائفية ..الخ ولذلك فانها لا تنتج شروط الفعل السياسي الا على نحو ضئيل وبالقدر الذي تسمح به هذه العصبيات .

وتنهار الدولة عندما تبدأ سطوة العصبية الام تضعف ، وتستنفذ من ثم قدرتها على مواصلة السيطرة ، فتخرج العصبيات المضغوطة من مخابئها وتعيد الخارطة السياسية للدولة إلى اصلها القديم : عصبيات من كل لون وعلى نحو اكثر وضوحاً وتأثيراً مما كان عليه الوضع قبل تكوين الدولة.

يمر اليمن اليوم بهذه المرحلة الخطيرة بعد أن تعاونت العصبيات بمجموعها في التمرد على العقد الاجتماعي الذي خرج به مؤتمر الحوار الوطني والذي استهدف تنظيم الدولة على قاعدة مختلفة بِمَا في ذلك حل القضية الجنوبية وفقاً لاختيارات الشعب في الجنوب .

لقد ادركت هذه العصبيات أن تنظيم الدولة بالاستناد الى قاعدة العقد الاجتماعي سيطيح بمشروعها في تناوب السلطة واقتسامها ، لذلك شنت حربها لإسقاطه .

كل العصبيات "أسقطت" من حسابها هذ التوافق التاريخي وراحت تغذي تطرف بعضها البعض ، وكان المستفيد الاول من كل ذلك هي العصبية الأكثر تنظيماً وتسليحاً ودعماً وهيمنة والتي أغرقت البلاد في هذه الحرب بالاستناد الى ما اعتبرته تفويضاً عصبوياً لها لاجتثاث الدولة .

كل العصبيات التي سخرت من الدولة أسهمت في تكوين فكرة التفويض تلك شاءت أم أبت، أحبت ام لم تحب . وضعت الدولة في فراغ هائل بدت معه وكأنها قيمة مجتثة الجذور، مما أغرى العصبية التي هيأت نفسها للثأر من الدولة أن تقدم على خطوتها بإدراك محكم التقدير من انها لن تواجه في مجرى بسط نفوذها غير عصبيات شتى خرجت من رحم الدولة .

وإن تحرك جزء منها في اطار مشروع اشمل ، الا ان الارض اليمنية لا يغطيها كلها مشروع واحد حتى عندما يتعلق الامر بترتيب الاولويات في مواجهة التحديات الاساسية التي يتوقف على كسرها الانطلاق نحو المشروع الذي تقرره خيارات الناس في الجنوب او في الشمال .

تعد هذه الظروف مثالية لانتعاش العصبيات وهي مسألة موضوعية في ظل انهيار الدولة ، غير ان الموقف منها يجب ان يتشكل من خلال قربها او بعدها من مشروع الدولة ، اي درجة استعدادها للانخراط في مشروع الدولة او مقاومته.

وفيما يلاحظ اليوم هو ان جميع هذه النخب العصبوية بمجملها تائهة ، تنحو نحو العزلة ، نجد أن رياح الانعزالية تتسلل إلى كل مناطق البلاد ومنها مناطق كانت اكثر انفتاحاً على العالم وكان يعول عليها ان تتصدر المشهد لتقود الجميع الى فضاءات المستقبل المستقر بعد أن علمت اجزاء واسعة من المعمورة كيف تخرج من عزلتها وتنشئ امماً تطاول الامم المتقدمة . وهو ما يجعل الامر اكثر تعقيداً مما نتصور .

نحن امام حالة تفكك عامة ، اليمن يتفكك ، الشمال يتفكك ، والجنوب يتفكك .. لا تخدعنا الشعارات الحماسية التي قد تكون صادرة عن وجدان صادق في إيمانه بما يصدر عنه ، هناك وقائع تتحرك على الارض تنتج مصالح ، ومصالح تنتج ثقافة موازية وأدوات ومنطق تجعل الشعار مجرد اهزوجة غنائية قابلة لاستبدال الكلمات في أي لحظة مع بقاء اللحن . المشروع الذي تتصدره عصبية مهيمنة فاشل من اساسه ، يظل مشروعاً ملتبساً بالدولة ، لكنه في الحقيقة يسخر من الدولة وكل ما يستطيع ان ينجزه هو اخضاع الدولة للعصبية المهيمنة .

وعندما تسخر العصبية من لفظ مدلول الدولة فنحن ولا شك اما اخطر تفكك قيمي ..

العصبية لا تقبل ان يأتيها وعيها من خارجها كأي طبقة اجتماعية ثورية تستعين بخارجها لتشكل وعيها بمصالحها ، لانها محافظة ومغلقة على مصالح ضيقة لا تتسع لأي ثقافة ذات طابع وطني اشمل .. تستدرج تاريخ الجغرافيا التي تنتمي اليها فتحرق أطرافه لتصنع من رماده كهف العزلة الذي تأوي إليه حينما تجتاحها رياح الدولة .

البلاد التي تتجدد فيها العصبية بواسطة نخب فشلت في أن تلتحم مع مشروع الدولة لا طريق أمامها الا ان تعمل على استعادة وعيها بمصالحها باصطفافات سياسية واجتماعية وثقافية أوسع نطاق تتمرد فيها على العصبية ونخبها الفاشلة ...

الدولة وحدها هي القادرة على التفاعل مع إرادة الناس وخياراتهم السياسية سواء بالوحدة او الانفصال او الاتحاد ، ومن يراهن على غير ذلك فلن يكون سوى طريق نحو تفكك بلا نهاية .

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNet

 

يواصل الحوثيون وصالح اغتيال السلام في اليمن وإغراق البلاد في حرب مستمرة مهددة بكارثة تفوق كل التوقعات.

وفي الوقت الذي يقرعون فيه طبول حملات الضجيج للتضليل على إصرارهم مواصلة الحرب، فإنهم وبلا مسئولية يكشفون عن هذا الموقف بجملة من الممارسات الطائشة التي تؤكد أنهم يخشون السلام ويضعون العراقيل نحو الوصول إليه بصورة ممنهجة، وأن موقفهم من السلام لم يتغير منذ أن انقلبوا عليه بقوة السلاح.

وبالطبع لن تكون مهزلة أحكام الإعدام التي أصدروها مؤخراً آخر ما في جعبتهم من تصرفات غير مسئولة تجاه ما يجتاح البلاد من كارثة بسبب هذا السلوك المراوغ الذي شكل انقلابهم على عملية السلام وإطارها الشرعي جذره القبيح.

ولأنهم يفتقرون الى الخيال القادر على استشراف أحلام الشعب وقراءة اختياراته فقد اعتقدوا بداية أنهم سيتمكنون من السيطرة على اليمن وحكمها بأدوات وامكانيات الدولة التي تم تسليمها لمليشيات على نحو يندر أن تجد له مثيلاً في التاريخ السياسي، وعندما تبين لهم استحالة ذلك ، بسبب الرفض الشعبي الواسع لإنقلابهم، لجأوا إلى خيار حشد نقائض الدولة الوطنية، بما في ذلك أنقاض ميراث الحكم الإمامي واستنهاض الزعامة "الجامعة المقدسة"من ثنايا تاريخ خرافي، هذا الى جانب ما تم استنساخه قبل ذلك من زعامة كرتونية كبدل فاقد كل وظيفتها هو إسناد المليشيات في مواجهة استعادة الدولة في مشهد يعيد إلى الاذهان مظاهر الصراعات التاريخية التي كانت تنتهي بانتصار فكرة قيام الدولة وهزيمة ما قبلها من تكوينات اجتماعية وأبنية سياسية وثقافية باعتبار أن ذلك هو التطور الطبيعي للحياة البشرية.

وبعد أن بدا واضحاً أن استعادة الدولة هو اختيار شعبي يستند الى تلك الحقيقة التاريخية، وأنه لا مفر من تحقيق ذلك عبر إسقاط البنى الخرافية التعسفية لجأوا إلى التمسك بأجزاء من البلاد كرهينة للوصول إلى تسوية طائفية كحد أعلى، أو إنقاذية جراء ما ارتكبوه بحق البلاد والعباد كحد أدنى.

كان ذلك هو الهدف النهائي الذي توصلوا اليه بعد أن صدمتهم الحياة بحقائق ما كان لهم ان يكتشفوها إلا بواسطة تلك المقاومة الباسلة التي تصدت لمشروعهم الفوضوي، والذي على اساسه أعادوا صياغة تكتيكاتهم العسكرية والسياسية والإعلامية.

وتتلخص هذه التكتيكات إجمالاً في عنصرين أساسيين هما: عرقلة عملية السلام وتعظيم كارثة الحرب واستمرار حملات التضليل الاعلامي المنادية بوقف "العدوان" من ناحية، والتمسك بما تحت أيديهم من أرض كرهينة للتسوية النهائية من ناحية اخرى.

وفي تساوق مع هذا التكتيك فإن الانقلابيين لم يعد يعنيهم شيء من أمر الدولة وقضايا الناس إلا ما يتعلق بأمنهم وتأمين الوصول الى هذا الهدف الذي يسعون إليه بعد أن خسروا فرصة السيطرة الكاملة، ولهذا فإنهم يواصلون إغراق البلاد في هذه الكارثة التي صنعوها انتقاماً من ذلك الوعي الوطني الذي قرر أن يستعيد المبادرة في مواجهة انقلابهم ، ومن ثم تصفية عوامل التخلف التي يعاد إنتاجها في صور شتى من الفساد السياسي والاستبداد الملتبس بمزاعم الحق الاعتباطي بالحكم.

إن الوعي الوطني الذي أخذ يعيد بناء مقاربات وطنية لشكل الدولة ومضمونها ونظامها السياسي وأسلوب إدارتها قد ترسخ بحقيقة أنه الأكثر قدرة على إقامة الجسور مع المستقبل بعد أن أثبتت الوقائع أن الذين تحركوا في اتجاه معاكس لم يحصدوا غير الفشل الذي أفضى الى الحروب والفوضى وسرقة احلام الناس البسيطة في الأمن والاستقرار والعيش بكرامة.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الأحد, 19 آذار/مارس 2017 11:11

18مارس2011

الخطة التي رسمها أمن نظام صالح يوم الجمعة ١٨ مارس ٢٠١١لإحراق وتمزيق ساحة التغيير ومن ثم القضاء على المكون الثوري الضخم الذي تجمع في هذه الساحة اصطدمت بذلك الصمود والثبات لشباب الثورة ،إضافة الى التنظيم العالي الذي اتسمت به المواجهة منذ بدء الحريق وإطلاق الرصاصة الاولى للجلادين الذين حشدهم النظام للقيام بالمهمة.

كان النظام يكتب نهايته مع كل طلقة تستقر في الأجسام الطاهرة التي خرجت تنادي بالتغيير سلمياً ، وكان يجسد الطبيعة الهشة لنظام أفسد الحياة وعطل كل شيء جميل فيها ، ولم يتبق سوى خشونة فساده يستمد منه أسباب بقائه.

انهار نظامه ، وبقي يناور بخارطة الانقسام السياسي والاجتماعي . وبعد بذلك بأيام وفي تاريخ ٢٣ مارس قدم مبادرته للسفير الامريكي بتسليم السلطة مقابل الحصانة .

حمل المبادرة بيد ليقول للعالم انا غير متمسك بالسلطة ، وقرار تصفية الثورة بيد أخرى ، وكان ينتظر أن يأتي الخطأ من الطرف الاخر ، لينفذ قرار التصفية ،لكنه حوصر بعمل سياسي منظم قاده اللقاء المشترك ليضعه في الزاوية التي أراد أن يحاصر فيها الثورة .

 

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

يراقب الاوربيون خطاب الأتراك الموجه هذه الايام نحو أوربا بحذر شديد وبدرجة عالية من الحساسية والاهتمام .. وبعيداً عن الضجيج الاعلامي فإن هذا الخطاب يحظى بتحليل خاص ودقيق من قبل المراكز السياسية المختصة لقراءة ما يحمله من مضامين ، خاصة وأن الاتهام بالنازية والفاشية لأنظمة أوروبية رسمياً قد حرك موجات هائلة من السخط ومن الخوف معاً في المجتمعات الأوربية .

أوربا على ما تتميز به من استقرار وتقدم ... تعيش حالة من الخوف الناشئ عن التطورات الداخلية التي يخشى أن تتقلص فيها مساحة التعايش والانفتاح على العالم وخاصة بعد أصبح العالم من وجهة بعض نخبها المؤثرة مجرد عنوان للهجرة اليها ، أو متآمر عليها ، أو مصدر قلق على أمنها واقتصادها.

يصور اليمين الاوربي المتطرف ومعه قطاعات واسعة من النخب السياسية والثقافية والإعلامية الليبرالية الخطاب التركي بأنه يعبر عن رؤية المسلمين لأوربا مما يدفع من وجهة نظرهم بخطاب أوربي متطرف تجاه الاسلام ، ورغم أن هذه النخب تعبر بالعلن عن قلقها ورفضها لهذا الخطاب الصادر من قلب اوربا المعاصرة ، إلا انهم وفي قرارة انفسهم يرونه خطاباً يليق بالخطاب الرسمي "المتشدد" ، من وجهة نظرهم، القادم من الضفة الاخرى . ويستدلون على ذلك بالإشارات المتكررة للخطاب الرسمي التركي لما يسميه "فوبيا الاسلام" لدى اوربا ، وهو ما يجعل الصراع الجيوسياسي بين الطرفين محشواً بصيغ معقدة من تاريخ الصراع الديني .

هذا الخطاب أنعش خطاب اليمين المتطرف تجاه الاسلام ، وبدأ يكسبه المبررات وسط المجتمع الاوربي على نطاق واسع ... الأمر الذي يجعل مسئولية تركيا حاسمة في العودة بالخلاف الى وضعه الطبيعي ، أي إطاره السياسي والاقتصادي ، وعلى النحو الذي يسحب من التطرّف الاوربي أي مبررات لتغذية الصراع على اساس ديني .. وهذا بالطبع لا يعني أن تركيا تتحمل مسئولية ما يجري الان ، ولكن لما تمثله من رمزية تاريخية ومعاصرة للإسلام في اوروبا . تطور تركيا يوقظ هواجس تاريخية في هذه القارة .. ولذلك فإنه لا بد أن يرتبط هذا التطور المعاصر بصيغ سياسية للتعايش والتفاهم ، وبأدوات تدير المصالح المشتركة على نحو يطمئن الجميع .

الصراع السياسي الاقتصادي لا بد أن يبقى في نطاق مفاهيمه المجردة من التنوع والاختلاف الديني والثقافي الذي يثير إشكالات لا يمكن أن تقدم أساساً لحل الخلافات بين الامم إلا باعتبارها معتقداً لكل أمة ..لا يجوز التعدي عليه ..كما لا يجوز حشره في الصراع السياسي والاقتصادي او توظيفه كمظلة للمصالح المادية المتصادمة على الارض ..يجب أن يظل عنواناً للتعايش والتفاهم وتيسير العلاقات الدولية لا تعقيدها.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

الأربعاء, 15 آذار/مارس 2017 17:50

رهان خاسر

تصطدم جهود العودة الى المسار السياسي بالتقديرات الخاطئة للانقلابيين عن أن تفاقم الوضع الانساني الخطير الذي وصل إليه اليمن سيدفع المجتمع الدولي الى فرض الحل الذي يعفيهم من سحب مليشياتهم وتسليم السلاح والقبول في نهاية المطاف بالوقائع التي أنتجها الانقلاب على الارض.

لذلك فإن خيار استمرار الحرب بالنسبة لهم هو الخيار الأمثل لانه يعظم المأساة والمعاناة اللتان تولدان مناخاً للتسوية تتناسب مع شروطهم كما يعتقدون.

ما يرفع من هاجس التسوية لدى الانقلابيين على هذا النحو هو أن كثيراً من المنظمات الانسانية تركز على الجانب الانساني في هذه العملية المعقدة ولا تهتم بأصل المشكلة التي أدت من ثم الى الحرب والى هذه الكارثة .. فهي تتحرك في اطار النتائج لأن ما عدا ذلك لا يعنيها ، فما يعنيها هو الجانب الانساني ، أما الدوائر السياسية التي يجب أن تتحرك لحل المشكلة منطلقة من جذر هذه المشكلة فهي تتعرض لضغوط مجتمعية هائلة بسبب التأثير الذي تمارسه المنظمات الانسانية على وعي المجتمع الذي يتحول الى ضغوط شعبية على هذه الدوائر.

يتحرك الانقلابيون اليوم على أكثر من صعيد ، بغطاء مستعار من تجاويف تناولات خرقاء لصراعات تاريخية سبق أن حسمت أمرها في نطاقها الزماني والمكاني ، لتوظيف الكارثة التي انتجوها بانقلابهم الدموي على الشرعية الدستورية وعلى العملية السياسية التاريخية التي رسمت خارطة الانتقال الى الدولة المدنية وذلك لتسويق مشروعهم الانقسامي البديل لدولة المواطنة.

رهان خاسر يكشف عن ساق هش وتفكير مغلق على مشروع غرائبي يستلهم رداءة القوة المتعالية على إرادة الناس وعلى تطلعهم الى سلام دائم ومستقر، والمستهترة بمعاناتهم .

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNet

 

 

نجحت ثورة فبراير ثورة السلمية في قلب المعادلات التي بدا انها كانت قد استقرت لصالح نظام سياسي واجتماعي هجين ، مغلق المصالح لنخب اجتماعية وسياسية وعسكرية اختارها رأس النظام بعناية لتشكل حاملا اجتماعياً وسياسياً لنظامه،

في هذا النظام تعمقت الفوارق الاجتماعية ، فتوسعت قاعدة الفقر على نحو غير مسبوق ، وتركزت الثروة بنظامها الريعي الذي جعل مركز السلطة والحكم هو مركز السيطرة على الثروة ومركز التصرف بها ... تنتج الثروة في الاطراف ويتصرف بها المركز وعلى طريقته .

داخل هذا الهجين اخذ يتشكل جيب أوليجاركي بدعم من الفساد وميزانية الدولة التي لم تكن تمتثل لرقابة احد ، وراح يعيد صياغة الجمهورية بأدوات غير جمهورية داخل قوالب من العلاقات السياسية والاجتماعية والمالية والعسكرية تمهيدا لبناء نظام عائلي غير مدرك خطورة ما كان يقوم به في بلد لم تكن فيه الجمهورية مجرد نظام سياسي وإنما هوية .

كان قد اطاح بالوحدة بعد اربع سنوات من قيامها بتلك الحرب التي فتحت الباب امام الانهيارات اللاحقة للبلاد ، وأخذ يكشف عن جوهره المحتقن برغبة مطلقة في التفرد بالحكم وتوريثه . ولتحقيق ذلك كان لا بد من تدمير اي محاولة لبناء نظام مؤسسي للدولة ينازعه صلاحياته المطلقة .

كانت هذه هي النقطة الجوهرية التي انطلق منها صالح في تأسيس نظامه الذي حقنه بالعداء لكل من كان يعارض التوريث ، حتى بدا وكأن الدولة كلها قد جندت لهذه المهمة.

لم يكن بالإمكان مواجهة هذا النظام بأي وسيلة اخرى غير الثورة السلمية .

كانت هذه الثورة قد ورثت روافد النضال السلمي للحركة الوطنية اليمنية ، وقد يقول البعض ان معظم المحطات النضالة للحركة الوطنية كان يغلب عليها العنف !! نعم هذا صحيح لان الأنظمة المستبدة لم تكن تترك فرصة للنضال السلمي او العمل السياسي المقموعين من قبلها ان يؤسسا قاعدة صلبة لمجتمع مدني يقاوم الاستبداد والفساد سلمياً وبأدوات سلمية ، ومع ذلك فقد كان النضال السلمي يواصل اختراق اجواء العنف تلك وينشئ معادلاته على الارض في صور مختلفة من العمل السياسي والثقافي والاجتماعي ، وكان يؤسس بذلك مراكز انطلاق لمجتمعات مدنية متفرقة في بعض المدن ، هذه المراكز هي التي تدافعت منها روافد فبراير العظيم وذلك بعد ان اختبرت في اهم محطتين تاريخيتين هما ،

الاولى : الانتخابات الرئاسية عام ٢٠٠٦ التي شكلت التحدي السلمي الاول للنظام الذي حاول ان يلبس برقع الديمقراطية ليخفي وجهه الحقيقي ، لكن القوى السياسية ممثلة في اللقاء المشترك يومها استطاعت ان تكشف للعالم حقيقة هذا النظام الذي لا تربطه بالديمقراطية اي صلة . وكلنا يتذكر كيف اهتزت اليمن كلها بشعار ( رئيس من اجل اليمن لا يمن من اجل الرئيس ) وكيف جرى العبث بصناديق الاقتراع ليعلن التلفزيون الرسمي بعد اقل من ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع فوز علي عبد الله صالح في تحدي واضح بالتمسك بالسلطة والاستعداد لتدمير كل شيء من اجل ذلك ، وكانت رسالة واضحة بانه لا داعي لاستكمال الفرز .

اما المحطة الاخرى فقد كانت الحراك السلمي الجنوبي الذي اعلن بإعلان التصالح والتسامح من ردفان الترميز التاريخي لثورة ١٤ أكتوبر في يوليو ٢٠٠٧، وقد حمل ذلك اكثر من دلالة على رمزية الكفاح المسلح في إطار ثورة أكتوبر التي احتل النضال السلمي الشعبي فيها مساحة أوسع ، ناهيك عما عبر عنه ذلك من رد صارم لإعلان الوحدة معمدة بالدم في يوليو ١٩٩٤ ،

كانت هذه الروافع السلمية للثورة هي التي برزت في اهم لحظة تاريخية لتصنع الوحدة السلمية التي غدر بها بعد ذلك الطرف الاخر في معادلة الحرب والسلام . ولا ننسى في تساوق مع هذه المحطة وثيقة العهد والاتفاق كواحدة من اهم الاختراقات السلمية التي سجلها اليمنيون لتجنب العنف بعد ان تصاعدت اعمال العنف والاغتيالات ضد القادمين من الجنوب فيما يشبه الترتيب المسبق من اطراف بعينها لإغراق البلاد في حرب مبكرة يومذاك .

في هاتين المحطتين تجلت بوضوح حالة فرز حقيقي بين الميراث السياسي الدموي وميراث النضال السلمي .. فبينما كان حراس الميراث الدموي يمسكون بالسلطة ولديهم القوة الكافية لقمع اي معارضة أو ثورة تهدد كيانية نظامهم ، كان ميراث الحركة الوطنية السلمي يعيد بناء نفسه ويصحح خياراته وينسج تحالفاته بصورة لا يمكن الاستهانة بقيمتها التاريخية في الظروف المعقدة التي عاشتها السياسة اليمنية . كان قيام نظام ديمقراطي تعددي يتداول السلطة سلمياً وفقاً لانتخابات حرة هو الهدف الأساسي الذي يجب النضال من اجله سلمياً ، وان الانتصار لهذا الهدف يجب ان يجعل الانتخابات مسألة ذات قيمة حقيقية في تراكم ديمقراطي ، ما لم فان المشاركة في اي انتخابات تعيد انتاج النظام بشكل أكثر فسادا وديكتاتورية لن يكون سوى مشاركة فعلية في انتاج ودعم هذا النظام ...

تعطلت الانتخابات .. أراد نظام صالح ان يخطو خطى نظام مبارك في مصر، تحرك الربيع العربي وكانت حركته فوق ارض ملغومة بتاريخ فيه من الثغرات ، وواقع فيه من التحديات والتداخلات وتشابك قوى كانت درجة سيولة الانتقال لديها عاليه لأسباب تتعلق بحركة مصالحها المستقرة وغير المستقرة ما يكفي لاثارة كثير من الاسئلة حول مسارات الحسم لأسقاط الأنظمة .

كان الربيع اليمني يستمد خياراته من تاريخ كانت روافد السلام فيه قد تركت بصماتها بعمق في المساهمات المتكررة باخراج البلاد من محطات الصراعات الدموية .

غير ان هذه المرة كانت هناك مقدمات لثورة شعبية وتفاعلات اجتماعية تستند في الاساس على الاحباط الشعبي العام الذي ولدته الخيبة من المأزق الذي وصل اليه التظام في تعاطيه مع كل قضايا المجتمع .. وكان هناك شعار مرفوع للتغيير باسقاط النظام ..وتحت هذا الشعار استشهد المئات من المناضلين والشباب العزل الا من حلمهم بغد افضل .

خاض اللقاء المشترك نضالا سياسياً شاقاً ومسئولاً في ظروف كان فيها حراس الميراث الدموي في تاريخ الصراع السياسي اليمني يتحينون الفرصة باي شكل لتفجير الموقف مستفيدين من متغيرات كثيرة حدثت في جسم الثورة . تركز نضال" المشترك" في محاور أساسية منها:-

-الثورة مكسب تاريخي لا بد من حمايتها حتى تحقق أهدافها في التغيير.

-عدم تمكين النظام من تحقيق اي ثغرة يقنع بها المجتمع الدولي بان مشكلته ليست مع الشعب وإنما مع جزء اخر من نظامه كل همهم السلطة ، وكانت مناوراته في ذلك كثيرة ينتظر اي خطأ سياسي يصدر من المشترك لينقض على الساحات .

- عدم التفاوض او الحديث نيابة عن الشباب والساحات ، وأن يترك لهم خيارات ان ينتجوا آلياتهم السياسية لتنتقل اليهم الكلمة النهائية في الموقف من اي اتفاق ..

- ان تستمر الثورة السلمية ومعها العملية السياسية خاصة وان هناك مبادرة لتسليم السلطة مطروحة بغض النظر ان كانت مجرد مراوغة او جادة .

- تجنب انزلاق البلد الى حرب أهلية بأي شكل كان.

- انتصار الثورة بتحقيق أهدافها في التوافق على بناء دولة مواطنة مدنية ديمقراطية شرط رئيسي للعملية السياسية السلمية .

- انتقال السلطة سلمياً يعقبه حوار وطني شامل لكل القوى السياسية لتحقيق عملية التغيير بأدوات سياسية بما في ذلك حل قضية الجنوب.

اخذت معادلة السلام والحرب في تاريخ اليمن الحديث تتغير لصالح السلام ..كان واضح ان فبراير يدشن عهداً جديداً لليمنيين ويفتح باباً نحو يمن يستقر بأبنائه ويستقرون به .. غير أن جحافل الانتقام وحراس الميراث الدموي حوثيين وصالحيين خرجت من جحورها لتطوي سريعا خارطة مشروع التغيير التي توزعت في وجدان اليمنيين وفي وعيهم محاولة اعادة تركيب مشروعها الدموي الإقصائي في وجدان سبق ان لفظ هذا المشروع حتى بصيغته التي قدمها هؤلاء في تجربة علي صالح .

تدمير اليمن بهذه الهمجية هو محاولة بائسة لإعادة تركيب ذلك المشروع والذي أصبح خارج التاريخ ، في مساحة من الوعي الاجتماعي الشعبي .. بينما تقول الحقيقة ان الثورة السلمية انتصرت ، وكل ما في الامر انها لم تنتبه الا لاحقاً لاهمية أن السلام يحتاج دائماً الى قوة تحميه .

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNet

بعد قرارات ترامب يدخل العالم في سجال يتسم بالتحدي حول مستقبل الامن الدولي والحريات وحقوق الانسان والتعايش وغيرها من القيم المشتركة التي حاصرت العنف والحروب وجعلتها مجرد معروضات على هامش الحياة في بلدان خصصت لهذا الغرض وقبلت هذا التخصيص اللئيم ..

اطراف هذا السجال هي من ناحية يمين متطرف يتمدد ويتوسع على نطاق واسع بعد ان حول الدين الى دوغما والقومية الى عنصرية ، وأخذ يعيد تعبئة العالم بأدوات انعزالية وإقصائية وتمييزية ، وراح يوفر على نحو مخيف مناخات المواجهة والتطرف ليس مع الجانب الاخر من معادلة السجال فحسب وإنما داخل مكوناته ايضاً وعلى نحو اكثر خطورة ، حيث يجري توظيف الدين والثقافات والاصول العرقية والدم لتحريك الكراهية التي افضت عبر التاريخ الى حروب كونية مدمرة ..

ومن ناحية اخرى هناك قوى ديمقراطية وسلام واسعة توفرت لها شروط تاريخية لضبط مسار العلاقات البشرية وإقامة قواعد تنظم إيقاعات هذه المسارات ، وتشكل الجسم الحي الذي يعول عليه في مواصلة حماية العالم من الانجراف نحو الدمار ، غير انها لم تستطع ان تستكمل حلقات حماية هذا المشروع الانساني الكبير بإصلاحات كونيةهامة ، وتوقفت عند حماية نظامها الاقتصادي الراسمالي ومصالحها الخاصة ، وعلى الرغم من التغيرات الكبيرة والهائلة التي حدثت في معادله الاجتماعي على الصعيد الدخلي الا انها حافظت على فجوات هائلة في التطور بين مراكز وأطراف هذا النظام .. مراكز متطورة وأطراف فقيرة !!!

لا تستطيع القوى الديمقراطية والسلام مواجهة متطلبات عناصر هذه المعركة التاريخية الكونية الا بإصلاحات عميقة في نظامها الاقتصادي والسياسي على الصعيد الكوني .. حينها فقط تستطيع ان تحشد العالم المتطلع الى السلام والعدل في معركتها وذلك بأن لا تبقي المسألة مجرد قبول بالهجرة وموافقة على استقبال اللاجئين وما يصدر عنها من رفض لقرارات انعزالية وعنصرية تصدر من هنا او هناك .

لا بد من العمل على ردم الفجوة بين الفقر والغنى على الصعيد العالمي والتي تتجذر في نظام رأسمالي لا يرحم يظل معه الحديث عن السلام والتعايش مجرد ثرثرة .

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNet

 

 

 

الإثنين, 23 كانون2/يناير 2017 18:44

درس ( أمساحل )

هل ادرك الحوثيون وصالح حتى الان ماذا يعني تخريب الدولة وتسليمها للمليشيات ؟

هل ادركوا ماذا يعني الانقلاب على السلام والتوافق الوطني بقوة السلاح وغطرسة الاعتقاد بوراثة الحكم او توريثه ؟

هل ادركوا ما معنى ان تملك القوة ولا تملك مشروعاً مقبولاً شعبياً للحكم ؟

هل ادركوا ان الهيمنة تأكل نفسها مع مرور الوقت لان الشعب الذي يقاومها يضعها امام حقيقة واحدة فقط وهي الفشل ومن ثم العزلة ؟

هل ادركوا ان الهيمنة هي مشروع خائب بطبيعته وانه يرتد على نفسه في أقوى فعل معاكس يتعرض له من يحاولون تغيير المسار الطبيعي للحياة ،اي المسار الذي يتوافق عليه الناس ، بارادة عمياء مغلقة على اوهام فيها من القبح ما يجعل الدفاع عنها غير ممكن سوى بأدوات قبيحة هي الاخرى ؟

هل ادركوا ان الشعوب عندما تقرر مقاومة الغطرسة فانها لا تقبل بحل يبقي على نصف الغطرسة ، الشعوب التي تضحي هي التي تختار الحل ، والشعوب بطبيعتها منصفة حتى عندما تكون مضطرة للتضحية فانها لا تتخلى عن الانصاف ؟!

هل ادركوا انه لم يعد هناك من خيار سوى السلام بشروط السلام الذي يتحقق معه بناء دولة المواطنة والقانون ونظامها الاتحادي الذي يتحقق فيه حق الشعب في تقرير خياراته السياسية وتطبيق العدالة الانتقالية في الوقوف امام كل من اساء للشعب من موقعه في السلطة او أغرقه في الحروب أو أفسد بنهب ثرواته وتجويعه!!

ربما ان درس ( أمساحل ) يمكنهم من اعادة قراءة المشهد ..

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNet

 

 

عندما كانت الدول النامية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي تعمل على تطوير اقتصادها، وتسعى بجدية لمواجهة تحديات حرية التجارة وتدفق السلع الى بلدانها لضبط ميزان مدفوعاتها وحماية منتجاتها الصناعية والزراعية من الاغراق والمنافسة الذي تمارسه المنتجات القادمة من الدول الصناعية المتقدمة لتوفير فرص العمل للبطالة التي تحولت في بعض البلدان الى كارثة إنسانية آنذاك، كانت الدول الصناعية تشبع الدنيا ضجيجاً حول أهمية حرية التجارة وحرية انتقال الأفراد ورؤوس الأموال والغاء الحماية الجمركية للصناعات الوطنية على اعتبار ان ذلك يتعارض مبدئياً مع النظام الرأسمالي الذي "يمجد حرية الانسان" ، وأن ذلك من وجهة نظرهم إنما يجسد الطبيعة المتناقضة مع هذه الحرية والتي تعود اسبابها الى الأيديولوجية الاشتراكية التي "تعسفت هذه الحرية الطبيعية" من خلال تدخل الدولة بأدوات أفسدت المسار الطبيعي للتطور البشري .

كانت تواجه نزعات التحرر عند الدول النامية بقوة عبر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وغيرها من المؤسسات الاقتصادية الدولية والإقليمية وعبر الشركات الكبرى التي تمتلك أدوات احتكار النشاط الاقتصادي على الصعيد العالمي .

أدى هذا الموقف التعسفي لهذه القوى العظمى وبتوظيف هذا المنطق الى تكريس التخلف والتبعية وابقاء هذه البلدان مجرد اطراف لمركز النظام الرأسمالي العالمي الذي أخذت آلياته تعمل لصالح المركز وبحماية القوة التي كانت تتجسد في المؤسسات الدولية والانظمة التي حكمت هذه العلاقة ، ناهيك عن طبيعة البنى الاقتصادية والنقدية والعلمية والتكنولوجية التي كرستها العقود الطويلة من التبعية .

اليوم وبعد ان اشتدت المنافسة بين دول مركز النظام الرأسمالي نفسه في ضوء ما تشكل من تماثل في هياكل الانتاج والبنى الاقتصادية لهذه البلدان ، اضافة الى ما شهدته بلدان كبرى من تطورات ضخمة في هياكل إنتاجها وبأسعار رخيصة مثل الصين والهند والبرازيل وكثير من دول امريكا اللاتينية وإفريقيا وتركيا والمكسيك ومصر وبعض دول شرق اسيا والشرق الأوسط بدأت تلك البلدان الرأسمالية في الحديث بوضوح لا لَبْس فيه عن أهمية الأخذ بسياسات الحماية لاقتصادها وبنفس المنطق الذي رفعته ذات يوم الدول النامية وهي في بداية الطريق بعد نيلها الاستقلال .

الشعوبية التي اخذت تقرر الاختيارات السياسية في كثير من هذه البلدان على نحو تصاعدي هي نتاج بؤر الفقر والبطالة التي نشأت داخل مجتمعاتها ليس بسبب المنافسة المفتوحة كما يذهب البعض ، وإنما لأن التقدم الاقتصادي ، وبسبب السياسات المتحيزة للنظام الرأسمالي العالمي ، تركز في جزء بسيط من العالم وبقي الجزء الأكبر من العالم في فقر مدقع لم يستطع ان يكون جزءاً نشطاً من الاقتصاد العالمي ، وظل بذلك مخزوناً بشرياً هائلاً للبطالة ومن ثم الهجرة .

وبدلا من ان تتبع هذه البلدان سياسة انفتاحية تسمح بنقل التكنولوجيا ورأس المال وإقامة نظام نقدي عالمي يؤدي الى انتاج اقتصاد وسوق دوليين تتكافأ فيهما الامم والشعوب على قاعدة ان التطور المتكافئ على الصعيد العالمي سيوفر الشروط الضرورية لإعادة بناء الاقتصاد العالمي بامكانيات اكبر ، فإنها اخذت تهدد بالعودة الى سياسات الحماية لاغلاق مراكز التطور على ذاتها مع بقاء العالم في حالة من التخلف والحروب .

انها سياسات حمقاء لا يمكن ان تعالج حتى مشاكل هياكل انتاج هذه البلدان على المدى الطويل . وعندما ترى الولايات المتحدة ان المكسيك تشكل خطرا اقتصادياً عليها لان مصانع السيارات الألمانية في المكسيك تهدد اقتصاد امريكا فتعيد رسم سياساتها الحمائية في ضوء ذلك، لنا ان نتساءل عما بقي من النظام الرأسمالي الحر الذي كانت تقوده أميركيا !!

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNet

 

الجمعة, 13 كانون2/يناير 2017 18:07

التصالح والتسامح كعملية موضوعية

التصالح والتسامح مسألة لا تقررها الرغبات التي تتجسد كحاجة لحظية لدى هذا الفريق او ذاك من الناس وإنما هي حاجة موضوعية تشتد حاجة المجتمع اليها عندما يصبح لزاماً على كل الاطراف الفاعلة في أي مجتمع ان تقرأ حاجة مجتمعها وتعمل بإخلاص على اعداد هذا المجتمع للتخلص من كل ما تراكم فيه من معوقات النهوض والتطور .

لا يتقرر السير في هذا الطريق بقاعدة التجربة والخطأ او بشروط انتقائية ولكن بصورة يكون فيها الجميع قد حسموا أمرهم وفقاً لرؤيا يحتل فيها المستقبل كامل خارطة الطريق ، وان ترك فيها شيء للماضي فإنما لعرضه كبرهان على ان الصراعات الدموية والحروب والاقصاء والأستبعاد والعصبوية قد شكلت الاسباب الاساسية للتخلف وتمزيق المجتمعات .

عندما قرر الشعب في الجنوب تجاوز الماضي بذلك القرار التاريخي الذي اتخذته القوى السياسية والاجتماعية في إطار الحراك السلمي وخارجه والتي حملت عبء السير نحو المستقبل مخلفة وراءها الماضي بكل أثقاله ، كان الجنوب يعيد انتاج دوره التاريخي في التصدي لمهام انتشال الوطن كله من مستنقع الماضي بصراعاته والامه ومآسيه وهو الامر الذي استفز حراس ذلك الماضي مما دفعهم الى مقاومة هذا القرار التاريخي وعملوا على كسره وتعطيله بكل الوسائل.

جند نظام صالح كل قوته لاختراق هذا الفعل الثوري ، واستنجد ببعض مكونات الصراعات القديمة وزج بها في قلب الحركة الشعبية التي أنشأها هذا القرار التاريخي لتخريب الفكرة وتعطيلها ، لم تستطع محاولاته ان تعطل القرار ولكنها خلقت عند رواده حاجة لمزيد من الشروط للتمسك به بصورة بدا معها المشهد انه يحتاج الى مزيد من الصبر والنضال والارادة للسير في طريق التصالح والتسامح .. وكان كلما ازداد ضغط الزخم الشعبي في هذا المسار كلما انتقلت المواجهة معه الى طور اخر من التخريب والقمع لان حراس الماضي يدركون المعنى الحقيقي للتصالح والتسامح الاجتماعي ، فعندما يتحقق بيد المجتمع نفسه فانه يتحول الى قوة مادية بشروط التغيير الذي ينخرط فيه هذا المجتمع بكل مكوناته وقد تخلص من إرث الماضي .

ومهما بدا ان الوقائع بعد ذلك قد صنعت خارج هذه الفكرة النبيلة بما تسبب فيه حراس الماضي من حرب وصراع دموي امتد على طول وعرض البلاد الا ان التمسك بروح التصالح والتسامح في المكان الذي خرج منه وهو الجنوب لم يعد رغبة يمكن التخلي عنها وإنما اصبح ضرورة يستلزمها أهمية اعداد الجنوب وتهيئته لاستعادة مكانته التاريخية وإنقاذ الوطن اليمني بأكمله .

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNet

 

الأحد, 01 كانون2/يناير 2017 18:43

كل سقوط يشبه صاحبه

بأسلوب التهديد والوعيد بمواصلة اغراق البلد في الدم خاطب صالح اليمنيين بمناسبة استقبال العام الجديد وكأنه يقول لهم لا تنتظروا من العام الجديد غير ما ذقتموه من عذاب وخراب في العام الذي تودعونه.

حتى الكلمة الطيبة في مثل هذه المناسبات يستخسرها الطغاة حينما ترتعش سيقانهم بعد انهيار سلطتهم .

ماذا ننتظر ممن ظل يتخبط في تاريخ من التناقضات وبعد أن أصبح يحيط به المتزلفون والحمقى وتجار البضاعة الرديئة من الفاسدين الذين لم يجدوا لبضاعتهم سوقاً الا في حضرته، ماذا ننتظر منه غير ان يسلم أمره لأمثال هؤلاء ليجروه بدورهم الى القاع الذي جاء بهم منه.

ربما كان هذا الخطاب هو الوصلة الاخيرة من المشهد الذي يقوده الى هذا القاع خاصة وانه يلخص أهداف الحرب في إسقاط كافة المرجعيات التي يتطلع اليها اليمنيون لإنهاء الحرب واسبابها والعودة الى عملية السلام، ولا معنى آخر لمضمون هذا الخطاب سوى ان هذه الحرب وفقاً له لن تتوقف حتى يتم إسقاط هذه المرجعيات.

هل يعقل انه لا يوجد بين من تبقى من معاونيه من يسأله عن البديل الذي يساقون اليه بعد أن اعلن مسئوليته عن الحرب برفضه لكل هذه المرجعيات التي يعول عليها وحدها في تحقيق السلام؟؟

ربما كان هناك القليل ممن تبقى حوله لا يزال قادراً على ابداء الرأي وتوجيه مثل هذا السؤال ، لكن الضجيج الذي يصدر عن المتزلفين والفاسدين ورواد الموائد الذين حجزوا الصفوف الأمامية في وليمة العشاء الأخير يجعل من المستحيل على مثل هؤلاء ان يتجرأوا على توجيه مثل هذا السؤال .

هكذا ينتهي الطغاة الى أيدي العابثين .. يبدأ معهم لعبة تفريغ الملعب من كل من يتجرأ من معاونيه على المناقشة او الاعتراض ، وتستهويه السخرية من هؤلاء الذين جلبهم من القاع .. فإذا بالمعادلة كلها تنقلب رأساً على عقب ، فبينما كان أولئك يدارون على جوهره بِمَا امتلكوه من إمكانيات وقدرة على تسوية العيوب أو تحويلها الى ايجابيات اذا بهؤلاء الذين استجلبهم للسخرية يكشفون جوهره الحقيقي بسلوكهم وبذاءتهم .. وعندما ينكشف هذا الجوهر ولا يجد ما يتدثر به سوى حماقة ورداءة من يحيط به فإن المقود يتحول الى أيديهم ويصبح مثل هذا الخطاب هو المعبر عن واقع الحال .

شهدنا سقوط كثير من الطغاة ورأينا كيف ان كل سقوط يشبه صاحبه.

 

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

 

 

الإثنين, 19 كانون1/ديسمبر 2016 00:14

عدن قيمة إنسانية لا تهزم

لا يكفي الحكومة الشرعية والمقاومة عامة ان تعترف بحقيقة ان المناطق المحررة لا تزال في حالة حرب ، وإنما عليها ان تجسد هذا الاعتراف برؤيا متكاملة تمكنها من اعادة صياغة استراتيجيتها الأمنية والعسكرية والإدارية على نحو اكثر انضباط من حالة الاسترخاء الناشئة عن اعتقاد البعض بانتهاء الحرب في هذه المناطق .

في هذا الجو المأساوي ووسط اشلاء الكارثة ارى عدن تدفع ثمن مقاومتها وتحررها ومحاولة استعادة نهوضها كمنارة للسلام والتعايش واحترام الانسان .

من بين الأشلاء والأنقاض يتسرب زمن الغدر ملطخاً بدم الأبرياء الى خارج المدار الذي يتحرك فيه مستقبل هذه المدينة ومعها وطن باكمله تطارده تلك الحقيقة الخالدة بخلود عدن الباسلة وهي ان عدن قيمة انسانية لا تهزم وان أشد لحظات الظلام حلكة هي التي تسبق الفجر ،

وان الفجر قادم لا محالة .

ستظل عدن مستهدفة من اطراف كثيرة وبحسابات مختلفة ، فالمدن التاريخية التي أيقظت وعي الانسان وأشعلت في وجدانه جذوة الكفاح من اجل انتصار القيم الانسانية كانت قد أنتجت في نفس الوقت الخصوم الطبيعيين لهذه القيم ، وعدن هي واحدة من هذه المدن التي سجل تاريخها هذا النوع من الكفاح والصراع .

لا بد لابنائها ان يدركوا ان عدن رسالة لا تحتمل العزلة ، وان ما يحميها هو ان تحمل هذه الرسالة بروح منفتحة على الحياة وعلى كل من يصطف للدفاع عن هذه القيم .

إن المسالة الجوهرية هنا هي انه طالما ان الحرب النقيضة لهذه القيم الانسانية مستمرة فان طرح اكثر من مشروع على الطاولة في الوقت الحاضر غير مشروع مواجهة الحرب وانهاء الانقلاب وتحقيق السلام لن يَصْب الا في المجرى الذي تعمل فيه القوى المعادية والمغامرة ممن يعملون على خلط الاوراق بمواجهات تتداخل وتتكامل بنتائجها مع ما يسعى اليه الانقلابيون من خلط الاوراق وتوجيه الرسائل بأن عدن بؤرة كوارث غير قادرة على حمل مشروع السلام ... وهذه هي المعركة الحقيقية مع هؤلاء .. فإذا ما قبل ابناؤها التحدي ومعهم كل المتطلعين إلى السلام والحريّة فإن الطريق الى ذلك سيكون بإعادة بناء خارطة المواجهة بمقاسات اخرى وعندها سيهزم الاٍرهاب ومن يقفون وراءه .

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الخميس, 15 كانون1/ديسمبر 2016 19:58

حروب للعرض

كانت العبارة الوحيدة التي أطلقها قاتل النائبة العمالية في مجلس العموم البريطاني (جو كوكس ) في يونيه من هذا العام اثناء محاكمته مؤخراً : "الموت للخونة وتحيا بريطانيا" .. (Death to traitors, freedom for Britain)..كانت هذه النائبة تدافع عن حقوق الأقليات وتناصر قضايا الشعوب المضطهدة وتعمل من اجل السلام .

بعد ما يقارب السبعين سنة من الانتصار على النازية في تلك الحرب العالمية التي راح ضحيتها الملايين من البشر على طول الكرة الارضيّة وعرضها ، بدا فيها ان الانسانية قد حققت انتصارها النهائي والحاسم على كل ما يهدد السلام العالمي من نزعات ودعاوى التميز العرقي والعنصري التي كانت سبباً في اغراق الشعوب في حروب طاحنة وصراعات دموية داخل أنظمة اجتماعية وسياسية كانت في تاريخها منقسمة راسياً بحسب الدم والانتماء واللون والدين وافقياً بحسب ملكية الثروة ونظام التملك والريع الاقتصادي والذي يستتبع بالضرورة الانقسام الرأسي باعتباره النتيجة الطبيعية لسطوته .

لقد حملت هذه العبارة التي أطلقها القاتل تحذيراً هائلاً لحالة السلام التي اعادت تشكيل نسيج المجتمع البريطاني على ذلك النحو الذي جعلت منه لوحة رائعة معبرة عن عالم ما بعد الحروب ، الامر الذي استفز القاضي الذي كان ينظر في القضية وخاطبه قائلا : "هل تريدنا ان ننسى دماء ابائنا الذي رووا بدمائهم تربة هذا الارض في مواجهة النازية وهزيمتها ؟؟؟ " .. اما وزيرة الداخلية "امبر رود " فقد علقت قائلة " لا مكان لهذه المجموعة العنصرية في المجتمع البريطاني " .. كان موقفاً لاهم مؤسستين مسئولتين عن أمن واستقرار بريطانيا اعاد للروح التي أشعلها الخوف حالة من السكينة ، وان لم تكن السكينة كلها .

غير ان المتابع لما يجري في اوربا والعالم الجديد اليوم يجد ان هناك فجوات في النظم الاجتماعية أخذت تتشكل وتتسع ليتسلل منها الغبار الذي خلفته الأنظمة الانقسامية العنصرية القديمة بتراثها الايديولوجي المريع ، وتكمن الخطورة في ان الحامل السياسي لهذه الظاهرة يحقق مكاسب سياسية على الارض لأسباب يطول شرحها من بينها الهجرة .. الامر الذي قد يغير خارطة الأنظمة السياسية والاجتماعية في اهم البلدان وأكثرها تأثيرا على النظام العالمي.

حالة العجز ، أو لنقل التراخي ، التي نشاهدها ازاء ما يجري في العالم من كوارث وحروب وصراعات دموية ، هي تعبير عن حاجة نخب هذه البلدان الى مثل هذه النماذج للصراعات الدموية لتحذير شعوبها من الحروب بعد ان نشأ فيها جيل لا يعرف من الحروب الا ما يقرأه عنها في كتب التاريخ او ما يشاهده من مآسيها في بلداننا التي توظف فيها الحروب للعرض والتحذير .

هل سنظل نحترب لنحذر العالم من دمار الحروب ؟؟ ماذا نقول للذين كدسوا السلاح ليقمعوا به حرية اليمنيين وحقهم في اختيار الطريق الى مستقبلهم ؟؟ هل آن الاوان ان يدركوا الخطيئة التي ارتكبوها ليغرقوا البلد في هذ الحرب التي ليس لها معنى سوى انهم يضعون اليمن في واجهة (الفترينة) التي تعرض كوارث الحروب لتتجنبها شعوب اخرى.. اما عصبية التوريث والميراث والاقصاء التي تحرك هذه الحرب فأقول لهم انها لم يعد لها حظ في بلد قدم كل هذه التضحيات ، قديمها وجديدها، ليتجنب هذا الفخ اللعين.

كلمة اخيرة .. اقول بتعبير اقل تشاؤماً ( انني اخشى) ان البلدان التي تحترب لن تجد من يساعدها على إنهاء حروبها لأن هذه الحروب مطلوبة لتحذير الآخرين من مخاطر الحروب ، خاصة بعد ان بدأ التطرّف العنصري يخترق قشرة المجتمعات المستقرة بغبار التعصب العرقي والثقافي .

 

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

 

الجمعة, 09 كانون1/ديسمبر 2016 19:38

الاٍرهاب

سيظل مصطلح الاٍرهاب مفهوما غامضاً كما يراد له ان يبقى . كل المنتديات والمؤتمرات التي عقدت لتعريفه اصطدمت بقوة خفية تمنع الوصول الى تعريف محدد يستند عليه عند استخدامه، فكل هذه الفعاليات كانت تخرج بتعريف تحكمي او اعتباطي arbitrary يمنح المستخدمين لهذا المصطلح مساحة واسعة في توظيفه لأغراض لا صلة لها أحياناً بمكافحة الاٍرهاب.

المقاومة الفلسطينية ارهاب لكن تشريد الفلسطينيين من ارضهم وبيوتهم وقتلهم ليس ارهاباً.. الذين يدافعون عن كرامتهم وكرامة اوطانهم ارهابيين والذين يدوسون كرامة الآخرين ويقمعون إنسانيتهم ليسوا ارهابيين .. اريد لفوبيا الدين ان تكون محوراً لتعريف الاٍرهاب بإسقاطات مارسها التطرف من كل النحل التي فقدت القدرة على المجادلة والمحاججة فاستخدمت التعريف الاعتباطي والتحكمي للمفاهيم مثلما استخدم غيرهم التفسير الجامد او الخامل للنص .

الاٍرهاب افة خطيرة لا يجب ان تربط بدين بعينه او مذهب بذاته او بعرق او بطائفة او بأمة، كما لا يجب ان يوظف لتمرير موقف سياسي او تكريس مصلحة من اي نوع كان ، لان هذا التطرف في التعاطي مع الإرهاب هو ارهاب بذاته.

لكل ظاهرة علتها ..وعلة الاٍرهاب هو التطرّف . والتطرف سلوك اجتماعي ينشئه ويغذيه الفكر المختل الذي يبنى على التعصب من اي نوع كان .. لا توجد تاريخ أمة على الارض خال من هذا الفكر المختل الذي صنعه الانسان ( ظلماً) برداء أيديولوجي مقدس او غيره مع ما رتبه ذلك من الام وظلم وقتل وتشريد .. وفي كل حلقات هذا التاريخ الممتد لقرون تفاعل العقل البشري مع حاجة المجتمعات في حركتها لتوليد المزيد من مساحات التفاهم والتعايش بين البشر بقواعد ونواميس انتظمت في ظلها الانسانية ، هذه القواعد والنواميس للأسف أهملتها القوة لتنتج بديلاً عنها القواعد التي تستجيب لحاجة مصالحها وهو ما يبقي مصطلح الاٍرهاب اعتباطياً دون تعريف حقيقي لتجنب ظلم الناس وإرهابهم على نحو أشد مما يدفع به أولئك الذين يتصدون، كما يزعمون، لمكافحته.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

السبت, 03 كانون1/ديسمبر 2016 21:46

بلدنا للنهار

في هذا الزمن الذي تتعاكس فيه مسارات الحياة بين حركة وسكون وخوف ورجاء ، ويختلط فيه الحلم بالوهم ، ويكشف الوهم الواناً من الانتكاسات التي تعود بجذرها الى نظام قديم تمدد فيه الفساد بحرية ليغتال حوافز الذهاب الى المستقبل، ويبرز فيه المشهد وسط ركام من الحزن والالم والالتباس.. ويتحرك فيه الواقع بايقاعات فيها من الشذوذ ما يكفي لتحويل الجملة الموسيقية الى ضجيج وصخب يفقد الانسان القدرة على تجميع روحه المبعثرة بين ساحات الانتظار والامل والفجيعة والحزن .. يمكننا ان نعيد قراءة أنفسنا وجانب من المشهد فيما كتبه عبد الرحمن الأبنودي ذات يوم عن مصر وقد أوت الى ظل الهزيمة بعد حرب حزيران ٦٧ في حيرة لا تدري أي طريق تسلك.

(عدى النهار..

والمغربية جاية

تتخفى وراء ضهر الشجر،

وعشان نتوه في السكة

شالت من ليالينا القمر،

وبلدنا..

عالترعة بتغسل شعرها،

جانا نهار ما قدرش يدفع مهرها،

يا هل ترى الليل الحزين

ابو النجوم الذبلانين

ابو الغناوي المجروحين

يقدر ينسيها الصباح؟؟

أبداً..

بلدنا للنهار

بتحب موال النهار..)

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الأربعاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2016 17:45

نوفمبر غريباً

عيد استقلال مجيد .. يكفي الاحتفاء بهذه المناسبة بأن نتذكر الشهداء الذين سقطوا على درب الحرية وفاءً وتقديراً لهم ولذكراهم .

للحرية طعم بنكهة الوطن .. وفي يوم الاستقلال يكون الوطن هو الحاضر الذي نتصفح سنينه التسعة والأربعين ونفتش في ثنايا أيامه ومرابع الارتحال عبر موجات الفرح والحزن والنجاح والإخفاق .. ومن خلال أهداب ذكريات قاومت فعل الزمن نشاهد الاستقلال يرتحل داخل حلم صاغه الثوار الأوائل ..امتد من بناء الدولة ومعها بناء الانسان وتحقيق مكاسب اجتماعية واسعة على طريق التنمية وترسيخ العدالة الاجتماعية كنظام اجتماعي الى ذلك المدى الذي يمتد اليه الحلم بتحقيق وحدة الوطن اليمني .

بنيت الدولة في ظروف صعبة ولكن بارادة حديدية انهكت كل المعوقات التي كانت تعترض هذه المهمة العظيمة ، وأخذ الاستقلال يتجسد في هذه الدولة وطبيعتها الاجتماعية التي وفرت فرص الحياة لكل ابنائها على قاعدة متساوية ، وكان بالإمكان اجراء إصلاحات سياسية لتحقيق مصالحة وطنية شاملة وتجنب دورات العنف التي تعد النتيجة المنطقية لغياب الديمقراطية التعددية .

أخذت الدولة بعد ذلك تنتقل من المشروعية الثورية الى المشروعية الدستورية وهو الامر الذي رسخ طابعها القانوني والمدني ناهيك عن نظامها اللامركزي ، كانت هذه الدولة هي محصلة ثلاثة وعشرين سنة من البناء والمعاناة حتى عام ١٩٩٠، وعندما بدا انها جاهزة لتحقيق الجزء الاخر من الحلم الوطني لم يدرك قادتها ان الذهاب الى هذا الاختيار لإنجاحه كان يحتاج الى الاحتفاظ بها ضمن مسار فيدرالي بدلاً من التضحية بها على طريق مجهول لم تكن فيه خيارات الطرف الاخر واضحة الا بعد ان اخذ يعد الحرب ويشعلها ويلغي الوحدة السلمية ويعلن وحدة معمدة بالدم .

أغرقت هذه الحرب١٩٩٤ اليمن في دوامة الفوضى فقد أظهرت الفجوة الهائلة بين الحلم والواقع .. وتلتها حروب وحروب .. وبعد كل هذه السنين والفوضى يعود نوفمبر غريباً فلا الارض هي الارض ولا الناس هم الناس ولا الأحلام هي الأحلام .

 

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

 

 

 

 

 

 

 

الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 17:28

حشد الهضبة مشروع عصبوي فاشل

لم يكن قرار تحالف الحوثي-صالح بحشد قبائل الهضبة ضد تعز غير اعلان واضح بهزيمته امام صمود تعز طوال سنة ونصف من التدمير والحصار والتجويع.

ان يضع هؤلاء الهضبة في مواجهة تعز على هذا النحو إنما يعكس طبيعة المنهج السياسي في الحكم القائم على عصبية انقسامية ظلت اداة بيد التسلط تقاوم بها مشروع الدولة كلما تفاعلت عناصر قيامها موضوعياً وأخذت تخترق هذه العصبية وتعمل على تفكيكها.

مقاومة تعز تستند على حقيقة جوهرية وهي ان تعز كانت وستظل مشروعاً للدولة المدنية ..دولة المواطنة التي كانت هدفاً لنضال الوطنيين الأحرار وقدموا من اجلها التضحيات الضخمة في التاريخ المعاصر لليمن .. ولذلك فان المعركة في تعز هي بين مشروع الدولة ومشروع الهيمنة العصبوي الفوضوي الذي قوض كل الامال ببناء هذه الدولة.. سيتوقف مستقبل هذه الدولة على نتائج هذه المعركة بكل تاكيد.

ستأتلف تعز في نضالها من احل انتصار الدولة مع القوى الاجتماعية والسياسية الوطنية الواسعة في الهضبة وكل أنحاء اليمن للرد على هذا المشروع العصبوي الذي يجري استدعاؤه من وراء التاريخ في آخر محاولة لكسر مشروع الدولة بعد هذا الصمود الأسطوري لتعز.

على مسافة اقرب الى تعز فيما يتعلق بمفهوم الدولة والنضال الطويل من اجل قيامها تقف عدن ومعها الجنوب بأكمله على خط واحد لا يترك اي خيار للجنوب غير الانخراط في الانتصار لمشروع الدولة ليقرر مستقبله في ضوء خياره السياسي، وعليه ان يدرك انه بدون هذا الانتصار سترتد خياراته في صور شتى من الانكسارات أقلها الذهاب الى انقسامات خطيرة.. ومؤشرات هذا المعطى لا تحتاج الى ذكاء خارق لفهمها كما انه لا يفيد معها الضجيج الذي لا يواجه المشكلة ولكنه يخفيها فقط.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

 

السبت, 26 تشرين2/نوفمبر 2016 20:12

فيدل كاسترو

توفي اليوم فيدل كاسترو زعيم الثورة الكوبية عن عمر ناهز التسعين عاماً . كاسترو اخر العمالقة الثوريين الاشتراكيين الذين غيروا وجه العالم بجعل الاشتراكية بمضامينها الاجتماعية وسيلة لأنسنة الأنظمة السياسة والاجتماعية بما فيها النظام الراسمالي العالمي الذي لم ينتصر في المعركة التاريخية الا بعد ان ادخل تعديلات جوهرية ذات طابع بنيوي على علاقات الانتاج ونظام العمل وحقوق الانسان على الصعيد الاجتماعي ، وهي تعديلات أستمدها من النظام الاشتراكي الذي فشل بالمقابل من الاستفادة من مزايا االنظام الراسمالي على الصعيد السياسي وخاصة ما يخص الديمقراطية والتعددية السياسية ، الامر الذي قلص فرص نموه وانتشاره كنظام قابل للحياة والبقاء . لقد طغت الطبعة الستالينية على النظام الاشتراكي في صيغته الأيديولوجية التي اتسمت بالجمود على ما به من أفكار إنسانية عظيمة استفاد منها النظام الراسمالي في المعركة التاريخية التي انتهت بانهيار جدار برلين وسقوط الاتحاد السوفيتي .

صمدت كوبا بقيادة كاسترو بعد ذلك مدة عقدين من الزمن وأخذت بإصلاحات كبيرة لكنها ظلت محاصرة بالمد اليميني الهائل للمعارضة الكوبية التي تكونت برعاية الولايات المتحدة الامريكية طوال مرحلة الصراع ، وكان كاسترو يدرك ان اي انفتاح سياسي عاجل سيؤدي الى سحق تجربته الاجتماعية التي حققت للطبقات الفقيرة مكاسب ضخمة .

لا يمكن ان ننسى الخدمات الصحية الراقية التي قدمتها كوبا لليمن على مدى سنوات طويلة من التعاون المشترك ، ومن جامعات كوبا تخرج المئات من اليمنيين في مختلف مجالات الطب والهندسة والزراعة .

ولا أنسى لقائي به في مكتبه في هافانا عام١٩٨٤ وانا وزير للثروة السمكية . كان قد خرج لتوه من اجتماع لدول الكوميكون عقد يومها في كوبا . وكان جورباتشوف الزعيم السوفييتي قد وجه رسالة للمؤتمر فهم منها ان الاتحاد السوفيتي قادم على تغييرات جوهرية وان على أعضاء الكوميكون ان يعيدوا ترتيب اوضاعهم وفقاً لذلك . كان يبدو عليه الهم من هذا التطور الخطير كما فسر يومذاك . في اللقاء تحدث بحيوية في موضوعات شتى ، تحدث عن انطباعه عن زيارته لعدن وشبهها في علاقتها بالبحر بمدينة إغريقية تنتظر نحاتاً ماهراًليصنع منها تحفة جميلة .. تحدث في معرض حديثه المركز عن أهمية الفكر الديني في الخطاب السياسي للقوى الثورية حيث قال انه من الخطأ اهمال الدين وتركه للآخرين، تحدث عن التاثير السلبي لنمط الانتاج الآسيوي وتخلف قوى الانتاج في توفير فرص الانتقال الى الاشتراكية ، تحدث عن توصل الكوبيين الى طريقة رائعة في اصطياد اللوبستر وتصديره حياً الى أوروبا عبر مستودعات ضخمة أقيمت لهذا الغرض في فرنسا ، تحدث عن أقفاص الاصطياد كخبير ماهر ، شكى من محاولة تدمير صناعة السكر في كوبا .. كان يتحدث ويدخن الكوهيبا السيجار الكوبي كمغرم بتلك الرائحة التي قال عنها ذات يوم ، عندما طلب منه الأطباء ان يوقف التدخين ، لا تستطيع رئتي ان تتخلى عن رائحة كوبا .

كاسترو صنع من كوبا دولة يعتز بها الكوبيون وكل المناضلين في العالم من اجل اقامة نظام عالمي عادل بعد ان كانت بمثابة ملهى ضخم للموسرين الأمريكيين وغيرهم من تجار المخدرات في دول امريكا اللاتينية .

 

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

 

الأحد, 20 تشرين2/نوفمبر 2016 18:09

الحروب عندما تسخر لأهداف شيطانية

اخطر الحروب هي التي تعيد تجهيز مقاتليها لحروب انقسامية بهويات متصارعة . والمتتبع لكافة الحروب الداخلية التي شهدها اليمن كانت من هذا النوع الذي يسهل اعادة تجهيزه لتمزيق المشروع الوطني لصالح المشروع العائلي او الطائفي او غيره من المشاريع الاقصائية أو ما قبل الدولة . وحتى عندما كانت هذه المشاريع تنتصر تحت راية مخادعة لتبدو أشمل فإنها توظف بعد ذلك للمشروع الفئوي الحقيقي الذي شنت من اجله .. حرب ١٩٩٤ نموذجاً.

اما حروب صعدة الستة ٢٠٠٩/٢٠٠٤ فقد اعادت تشكيل خارطة السلاح باتفاق ضمني بين مشروعين تبادلا التآمر على المشروع الوطني وخذلانه، وهما المشروع العائلي من ناحية والمشروع الطائفي من ناحية اخرى . وهو ما كشفته وقائع الحياة بعد ذلك .

موضوعياً لم يكن اياً من هذين المشروعين مؤهلاً لقيادة اليمن ، وعندما تحالفا على ذلك النحو الذي استهجنه البعض لم يكن في المسألة ما يثير الدهشة لأنهما بطبيعتهما متنافران في مواجهة بعضهما ولكنهما متفقان في مواجهة المشروع الوطني. ولذلك لا نتوقع من هذين المشروعين ان يجنحا للسلم لتأسيس الدولة الوطنية فهما لم ينقلبا الا على مشروع الدولة الوطنية فكيف نتوقع وقد حفرت الحرب أخاديد عميقة لتمرير وايواء هذه المشاريع الفئوية ان يقبلا بإيقافها على قاعدة المرجعيات التي تؤسس لهذه الدولة .

يضاف الى هذين المشروعين مشروع الاقصاء والاستبعاد السياسي والاجتماعي الذي يستولد بطبيعته كل الآفات المدمرة للمشروع الوطني . خطورة هذا المشروع هو انه يدمر المشروع الوطني من داخله لانه لا يقف خارجه كما هو حال المشروعين الآخرين .

تمديد وتطويل الحرب لا يعني اكثر من توسيع تلك الأخاديد الشيطانية التي ستشكل ملاذاً أمناً لتلك المشاريع الفئوية والاقصائية . ولن تقف المسألة عند هذين العنوانين ، ذلك ان المقاومة وعناوينها والتحالفات لن تستمر عند نقاط تلاقي او تقاطع بعينها وخاصة عندما يصل اليأس ذروته عند المقاتلين ، حينها تبدأ الحرب بالسير في خيارات تقررها تلك العناوين لا سيما عندما تقتصر الحرب على البندقية وتهمل الرؤيا السياسية التي تشكل جامعاً يركن عليه في ترسيخ الاختيار الحاسم الذي يتجاوز هذه العناوين ومنطلقاتها سواء السياسية او الفكرية او الاجتماعية .

سيكون من الضرورة ،والضرورة القصوى، التفكير في كيفية إنهاء هذه الحرب قبل أن تتحول الى حروب فئوية صغيرة تنتج على الارض أصناماً وواقعاً معقداً يصعب تجاوزه .ان المؤهل لانهاء هذه الحرب هو من يرى ان اليمن لجميع ابنائه ، ليست ميراثاً او موروثاً او فيداً لأحد .. ولأنها كذلك فان جميع اليمنيين مسئولين عن ادارتها وحمايتها وتطويرها .. وقد قرر اليمنيون ذلك في مؤتمرهم التاريخي مؤتمر الحوار الوطني . فهو حجة اليمنيين على تاريخهم المكتظ بالصراعات والحروب. وهو الشيء الوحيد الذي سيستطيعون ان يجادلوا به العقل المنفعل لانه أخرج العقل الفعال من مخبئه تحت ركام من الاهمال والأنقاض .

سيخرج اليمنيون من هذه الحرب وقد اكتسبوا مهارة في كيفية العمل من اجل ان يكون لهم وطن في فترة وجيزة (بدون معلم) .

لقد اكتووا بنارها وعرفوا معنى ان يكون للإنسان وطن وليس مجرد مأوى تستطيع اي قوة غبية ان تسلبه إياه في اي لحظة .

 

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية
للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الأربعاء, 16 تشرين2/نوفمبر 2016 17:58

السيد كيري والتحالف في معادلة أمن المنطقة

الغرب لا يرى العرب غير أمة تختصم وتحترب وتبحث عن مفارع .. هذا في احسن الأحوال ، اما فيما هو اسوأ فانه يراها الى جانب ذلك أمة قابلة للاستقطاب في صراعات من الممكن ان تضرها لتخدم الآخرين ، وهي لذلك ومن وجهة نظره تحتاج اليه ليقوم بدور المدافع والمفارع وربما المفتن إذا لزم الامر ، واذا ما صحت اجزاء منها يوماً ما وأخذت تعيد ترتيب اوراقها لتستقل بقرارها وتعيد بناء قدراتها الدفاعية الذاتية فلا بد من كسرها لتعود الى بيت الطاعة.

لا غرابة بعد ذلك ان يتحدث السيد كيري بتلك اللغة وبتلك الطريقة التي تتناسب مع رؤيته لطبيعة الصراعات في هذه المنطقة منطلقاً من ان التضحيات الضخمة التي تنتج عن الحروب لا تحركها غير قضايا هامشية لا يجوز التوقف أمامها كثيرا على عكس الحروب التي خاضها غربهم على مدى التاريخ.

لا يجب توجيه اللوم الى كيري او الى منظومة المفاهيم التي كرستها سنوات الغلبة والاستقواء التي حكمت علاقة العرب ببعضهم وما رافقها من استقطابات انتهت بالعرب الى ما هم فيه من وضع يسهل فيه ابتزازهم وعرقلة قراراتهم المستقلة . كيري الان لا يرى التدخل الإيراني في المنطقة خطرا على أمنها لان ايران لم تعد تشكل خطرا عليه فمعيار الخطورة عنده يتحدد بسلامة أمنه اولا واخيراً ، وما دون ذلك يمكن معالجته بمثل تلك السطحية التي لا يكلف فيها نفسه مجرد البحث ولو بقدر بسيط من الاهتمام عن شيء اسمه أمن المنطقة لانه يعتقد ان أمن هذه المنطقة لا يتكون الا من عنصر واحد وهو مكافحة الاٍرهاب حيث ان على دول هذه المنطقة ان تبقى على استعداد دائم للانخراط في هذه العملية التي لا يعرف لها نهاية .. ناهيك عما يعتقده من انها هي مصدر هذا الاٍرهاب!!

لا ننتظر ان تراجع أميركا والغرب منظومة المفاهيم تلك او تعيد النظر فيها من تلقاء نفسها ما لم يتغير واقع الحال بتوليد شروط التغيير ولو بالحد الذي يسمح في الوقت الحاضر بفرض معادلة متوازنة لمفهوم الأمن في المنطقة وهي المعادلة التي يمكن ان تشكل المحرك الأكبر للوصول الى حل دائم لاستقرار المنطقة وتجنيبها الحروب ، واليمن وقد كانت الضحية الاولى لهشاشة الأمن في هذه المنطقة والتي رتبتها عقود من المواجهة الصامتة والاستقطابات العشوائية لا يمكن ان تواصل لعب دور الضحية سواء باستمرار الحرب لمجرد الحرب او بتسوية هشة تعيد انتاج الحروب على نحو اسوأ. لا يكفي ان نسمع من الحكومة رفضاً لتصريح كيري ، فما يهم هو ان يعرف الناس كيف تفكر الحكومة والتحالف في هذا الظرف المعقد ، هناك غموض يبعث على الارتباك ربما ان التصريحات النارية لا تكفي لإزالته بل تزيده غموضاً.. المطلوب رؤيا واضحة للتعاطي مع المشهد ومسئولية التحالف عن هذه الرؤيا أساسية من غير شك.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

 

السبت, 12 تشرين2/نوفمبر 2016 18:01

الفجوة بين النخب والمجتمعات

تتسع الفجوة بين النخب ومجتمعاتها في البلدان الديمقراطية الصناعية على نحو لم يعد معه ممكناً اخفاء ظاهرة التدهور الشديد في العلاقة بينهما . في نظر المجتمع لم تعد النخب قادرة على التعبير عن نبضها كما كانت في الماضي ، كما انها قد خسرت القدرة على قراءة حاجاتها المتجددة الى الأمن بمفهومه الشامل والاستقرار الذي يولده الشعور بالاطمئنان الى تنامي معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع فرص العمل وغير ذلك من عناصر الأمن الاجتماعي الشامل .. وفي حين كانت تشكل هذه النخب لسان حال مجتمعاتها وصوتها القوي في مواجهة آلية الدولة الضخمة فقد اصبحت في هذا الوقت أشبه بحاجز الصوت بين المجتمع والدولة ، فكل ما يصدر عنها لا يعدو ان يكون غير ضجيج ليس له اي صلة بهموم المجتمع ومطالبه .

مؤخرا اختبرت هذه العلاقة في بلدين ديمقراطيين هما بريطانيا وأمريكا .

في بريطانيا فاجأ المجتمع كل النخب بالتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الاوربي brexitبما في ذلك النخب التي كانت تدعوا الى الخروج والتي اثبتت فيما بعد انها لم تهيء لمتطلبات الخروج القانونية والإدارية وبدت في حيرة شديدة بشان الخطوات العملية لتنفيذ ذلك ، وهو ما يفسر حقيقة انً هذه النخب لم تكن تتوقع ان يصوت البريطانيون لصالح الخروج وانهم إنما رفعوا سقف الخروج للضغط على الاتحاد الاوربي لتقديم تنازلات فيما يخص موضوع الهجرة .. لكن الشعب البريطاني كان له حساب اخر مختلف عن حساب النخب فصوت بالاغلبية للخروج ، وسجلت هذه المحطة اهم مؤشر لاتساع الفجوة بين النخب والمجتمع وهي الفجوة المشحونة بعدم ثقة المجتمعات في نخبها .

اما المحطة الثانية فهي انتخابات الرئاسة الامريكية الاخيرة حيث أكدت كل الاستطلاعات التي اجرتها مراكز متخصصة على درجة عالية من الدقة على فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون ، وكانت كل المؤشرات النخبوية تضع هيلاري في المقدمة بينما تؤكد ان حظ ترمب المرشح الجمهوري في الوصول الى الرئاسة يقترب من الصفر لدرجة

ان نخبا جمهورية تبرأت من ترمب بصورة غير مسبوقة . اعتمدت كلينتون على تقديرات النخب وبدا لها الفوز على مرمى حجر ، اما ترمب فقد اخترق جدار هذه النخب الى المجتمع ، خاطبهم بلغتهم وحاجاتهم وهمومهم التي تكونت على نحو غاضب مما اعتبرته قطاعات شعبية واسعة على انه سبب في تراجع السطوة الأميركية على العالم وان امريكا لا يمكن ان تبقى قوة مهيمنة الا بأن يدفع العالم لامريكا مقابل حمايته .. امريكا لا يراها ترمب غير شرطي يحمي العالم وعلى هذا الشرطي ان لا يقدم خدماته مجاناً ، لكنه لم يقل يحميه مماذا او ممن ؟؟ اعتقدت قطاعات شعبية واسعة في المجتمع الامريكي انه بهذا الخطاب يستعيد امريكا التي تجعل كل أمريكي سيدا ، لكن الضجيج الذي اثارته النخب حول ترمب جعلت ترمب نفسه يشعر بالهزيمة مبكرا فعبر عن ذلك بخطابات هاجم فيها الجميع وقدح منافسته بالفاظ دللت على انه يخوض معركة انتقام شخصية ليس الا .. لكن الشعب الامريكي قال كلمته بعيدا عن ضجيج النخب وتفاؤل هيلاري ويأس ترمب . وسجلت هذه المحطة حالة اخرى ذات أهمية كبيرة من ظاهرة اتساع الفجوة بين النخب والمجتمعات.

تتحرك المجتمعات في الوقت الراهن بغريزة مفعمة بالرغبة في التحرر من سيطرة النخب وفسادها ، وتتشكل خياراتها كرد فعل للفساد والمساومة والتردد التي غربت فيها نخبها ، وليس من المؤكد ان هذه الخيارات ستكون سليمة لكنها بالضرورة انها اختيارات شعبية .. ولأنها كذلك فان المجتمعات التي ولدتها ستكون قادرة على توليد الضغوط القوية لتصحيحها وتحمل نتائجها ..

اذا كان هذا هو الوضع في المجتمعات المتقدمة حيث ضاقت المجتمعات بنخبها فتجاوزتها في اهم المحطات لتقرر مستقبلها بخياراتها المباشرة فكيف هي علاقة النخب بمجتمعاتها في بلداننا المتخلفة ؟؟ حدث ولا حرج ، ومع ذلك يبقى السؤال كيف ومتى تستطيع هذه المجتمعات ان تصنع خياراتها وتحميها؟

 

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الخميس, 03 تشرين2/نوفمبر 2016 18:17

الجنوب : أهو احتشاد لتغيير المعادلة؟؟

لدى الجنوب كثير من الإمكانيات والشروط لتصحيح المشهد السياسي ومجرى الاحداث في اليمن في الوقت الحاضر. حتى الان لم تستطع نخبه ان تلتقط الفرصة التاريخية لصياغة استراتيجية عملها بما يحافظ على الجنوب من ناحية وتغيير المعادلة بصورة كاملة في الشمال بالتعاون مع اطراف العمل السياسي والمقاومة من ناحية اخرى .

 

الى جانب نخبه ، نجد ان كل الاطراف مارست عبثاً في الجنوب على نحو أضر بقدراته ومكانته في تغيير مجرى الاحداث . لا اتحدث هنا عن الانقلابيين فهؤلاء من الطبيعي ان يعبثوا ، لكنني اتحدث عن اطراف المقاومة والشرعية ..فكل طرف مارس هذا العبث من منظوره الخاص .

هناك من رأى ان استقرار الجنوب بعد التحرير سيكرس الانفصال ..وهناك من اعتقد ان تحرير الجنوب هو نهاية المطاف وانه لا علاقة له بما يجري خارج حدود الجنوب ، وهناك من اعتقد انه هو الذي دفع التضحية الأكبر في تحرير الجنوب وانه مؤهل دون غيره لان تكون له الكلمة الفصل في تقرير حاضره ومستقبله ، وهناك من اعتقد انه ان الاوان لتصفية حسابات الماضي بطريقة خلت من اي مسئولية تجاه الناس الذي انتظروا ان يدفع بهم التحرير الى المستقبل فإذا بهؤلاء يرهنونهم في حاجز الانتقام الذي شيدوه بخيال غير منصف حتى لسياستهم التي كان يجب ان تتغير مع حاجة الزمن ، وهناك من أخذ يناور محمولاً بتفاهة الصراعات التي شهدها الحكم الوطني في الجنوب ، والتي كان لها ظروفها ، مع بقاء مخلفاتها تتحرك خارج الحاجة الموضوعية لهذا الجنوب المنهك ، وهناك الشباب الذي وجد نفسه بعد إهمال طويل من نظام (دولة الوحدة) مستقطباً في هذا الجو الذي يحتدم فيه خطاب يتسم بالصراع الذي لا تحكمه آفاق محددة سوى فراغ يقود الى فراغ وهو ما جعل هذه الطاقة الضخمة تقف خارج المعادلة التي تتشكل بايقاعات اطراف الصراع القديمة- الجديدة على الرغم من حضوره الفاعل في المقاومة التي افضت الى التحرير .

ان المآل المجهول الذي يتحرك نحوه المشهد السياسي في اليمني لن يتم تصحيحه الا بإعادة حشد الجنوب برؤيا متماسكة وصادقة تقوم على حقيقة ان الجنوب عنصر اصيل في مقاومة الانقلاب .. وعلى الجنوبيين ان يدركوا ان نجاح الانقلاب يهدد حريتهم من جديد ويستنسخ المفهوم الإلحاقي في اسوأ صوره وذلك لطبيعة القوى التي يتكون منها الانقلاب . وان هذا هو الطريق الوحيد الذي سيسهم في تمكينهم من ممارسة حقهم في الاختيار السياسي الذي يتقرر بموجبه مستقبل الجنوب ومعه مستقبل الدولة التي يحلم بها اليمنيون .

قد يكون الاحتشاد هذا اليوم بداية الانطلاقة لفهم حقيقي لدور الجنوب في معادلة المواجهة والتغيير .

هل كان على الحكومة الشرعية والتحالف ان يصحوا وان ينتبها في ذلك الزمن المبكر الذي كان بالإمكان فيه ، وفيه وحده ، تدوير عدسة العين قدر محيطها ليقررا ان المعركة مع المشروع الإيراني في اليمن هي معركة اشمل تتجاوز اليمن وهي لذلك معركة مركبة ومتنوعة الأدوات : هي سلاح في مواجهة سلاح الانقلاب .. وهي سياسة لحشد الناس في إطار مشروع مقاوم للمشروع الإيراني الرامي الى تدمير الدولة العربية وإدخالها في فوضى شاملة .. وهي اقتصاد لوضع البلاد في الإطار الصحيح من معادلة الحرب وآثارها المدمرة ليبقى المجتمع على صلة بالدولة التي يطلب من المجتمع ان يضحي من اجلها.

الحرب وملاحقة مشاريع التسوية المراوغة استغرقا الوقت كله ولم يتركا فرصة للحكومة الشرعية والتحالف للتفكير في بلورة استراتيجية متكاملة للعلاقة المستقبلية بين اليمن ومحيطه . وهي الاستراتيجية التي كان يمكن ان تنتظم في إطارها مكونات المعركة ومراحلها ومتطلباتها وواجبات ومسئوليات كل طرف في معادلة التحالف بوضوح وبدون ان تصل الاحداث والتطورات بالجميع الى نسيان جذر المشكلة والتحرك مع نتائجها كما فرضته بعد ذلك مجريات الامور .

في الجبهة الرديفة للحرب ، السياسة والاقتصاد ، تعطل كل شيء ،ولم ير الناس من الحرب سوى الدمار ، وهو ما جعل الحرب تتحرك في فراغ هائل من المجاهيل .

سياسياً غابت الاستراتيجية .. واقتصادياً حتى البنك المركزي عندما نقل الى عدن قيل له كما قالت بنو اسرائيل لموسى (اذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون).. قالوا ان البنك جزء هام في المعركة ثم ترك كجنرال مصاب فوق جسر يحترق لا احد من جنوده يستطيع الوصول اليه . وترك الجنوب بعد التحرير لمصير مجهول تتحرك فيه خلايا الانقلابيين تفجر وتقتل وتغتال ولا نسمع كلمة ادانة من المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الانسان وكأنه كان على هذا الجنوب الذي تحرر ان يعاقب بصورة أشد نذالة ..اما تعز فحدث ولا حرج فهي الجرح الدامي الذي كان عليه ان يظل ينزف لان تعز قررت ان تقاوم قهر السنين وبطش جلاوزة المركز المأفون بأحقية الحكم لهذا السهل الشاسع الذي يجب على أهله ان يظلوا رعية ، حتى ان من يختار منهم الى السلطة للزينة لا بد ان يتصرف كرعوي وليس كحاكم . وتهامة التي تركت بايدي الانقلابيين يعبثون بمقدراتها في تواصل مع العبث الذي مارسه نظام صالح بها وبابنائها لتصل الى تلك الحالة من البؤس المتراكم عبر السنين والمجاعة التي تبلدت الانسانية أمامها الا من صراخ مشبع بالانتهازية السياسية لا يسمن ولا يغني من جوع .

وظل السؤال الكبير والمهم حول مستقبل البلاد لا يجد غير اجابات رخوة أو مؤجلة دون ادراك بأن التسوية الهشة هي التي ستصنع الاجابة نيابة عن الجميع ، وكأننا يا يبدر لا رحنا ولا جينا . السؤال مكون من جزئين هما :

١/ هل سيكون يمن المستقبل جزءاً من محيطه العربي ؟وكيف؟ واذا كان الجواب نعم فما هي شروط تحقيق ذلك؟

٢/ ما هي طبيعة النظام السياسي والاجتماعي للدولة؟ هل ستكون لدينا دولة مواطنة ونظام وقانون ام دولة طائفية وأغلبية وأقلية وثلث معطل ...الى اخر هذه التهويمات التي قد تنتج عن تسوية هشة تحمل في جوفها بذور حروب وصراعات دامية مستمرة ؟

اما السؤال الموازي لذلك فهو على اي قاعد سيتقرر مستقبل حل القضية الجنوبية ؟؟ وهو السؤال الذي تفرعت عنه بعد هذه الحرب العبثية أسئلة فيها مقاربات لا تقل أهمية عن مناطق اخرى مثل تعز وغيرها .

ان اي تسوية يجب ان تأخذ بعين الاعتبار الاجابة الواضحة لهذا السؤال بمكوناته المختلفة . سيقول البعض هناك مخرجات الحوار الوطني وفيها اجابة لطبيعة الدولة .. جميل ... ولكن ما الذي سيجبر الطرف الذي انقلب على الحوار ان يلتزم بنتائجه بعد كل هذه الرحلة الشاقة ؟؟ المجتمع الدولي؟؟

اي مجتمع دولي ؟ ألا يعني لنا شيئا موقفه من القرار ٢٢١٦وكيف تعامل معه ..

ان التسوية الهشة هي في الاساس فرض مسار لا يفضي الى حل نهائي وثابت ولكن الى مساور مراوغ يجعل اليمن عرضة لموجات أشد من الاضطرابات . واذا كان الحل الثابت والنهائي لاستقرار اليمن وتطبيق مخرجات الحوار وبناء دولة المواطنة وابقاء اليمن في إطار محيطه العربي يكمن في ذهاب القيادة الشرعية كما اقترحت خطة ولد الشيخ فليكن ولا اعتقد ان هذه القيادة ستتردد لحظة واحدة في اخلاء مواقعها .. لكن الحقيقة هي ان ترتيبات ما بعد وقف إطلاق النار ستفرضها وفقاً لهذه الخطة معادلات من شانها ان تجعل البلاد كومة من القش في مهب رياح دولة المحاصصة الطائفية التي اقول وبكل تاكيد انها ستكون المعادل الموضوعي للتسوية الهشة .

تذكروا هذا الكلام جيدا اذا قدر لهذه الخطة ان ترى النور .

لست مع استمرار الحرب .. انا ضد الحرب من الاساس وضد الاسباب التي قادت اليها !! الحروب الداخلية لا تنتج حلا لأي مشكلة .. والذين يتسببون في إشعالها كانوا عبر التاريخ هم أحط من في مجتمعاتهم من أجلاف ومغامرين ، لا تحركهم في هذا المسار غير مصالح فاسدة ، لكن الذي يعتقد ان هذا النوع من التسويات سينهي الحرب هو واهم في احسن تقدير .. ان كل ما تؤدي اليه مثل هذه التسويات الهشة هو اغراء المشاريع المغامرة بالتمسك بالسلاح وتفجير الحروب طالما انها تفضي في نهاية المطاف الى تسويات تحمي مشاريعها وتوفر لها ضمانات الاستمرار وانتقالها من ثم من طور الى اخر بحماية السلاح ... ان ما يحتاجه اليمن هو تسوية تنهي والى الأبد ظاهرة تأسيس الأنظمة المسلحة الموازية للدولة سواء بهويات طائفية او غيرها ، وكذا تجفيف منابع المليشيات التي تستطيع ان تنقض على الدولة في أي لحظة ..واستيعاب الجميع ضمن مشروع بناء الدولة الوطنية دولة المواطنة والقانون واعادة هيكلة الدولة بما يتوافق وحق الشعب في تقرير خياراته السياسية وتطبيق صارم لقانون العدالة الانتقالية والتزام بإعادة إعمار اليمن وتعويض المتضررين مع علاقة استراتيجية شاملة امنية وسياسية واقتصادية مع محيطها العربي .

 

لمتابعة قناة الاشتراكي نت على التليجرام

اشترك بالضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

السبت, 22 تشرين1/أكتوير 2016 19:02

حرب...و "طلفسة"

المشهد اليوم في اليمن هو مزيج من حرب و" طلفسة" .. " الطلفسة" تعبير شائع يستخدمه معظم اليمنيين فيما يعني الفعل الذي لا وزن له ، ويكون اقرب الى اللهو ، ولا يؤدي الى اي شيء مفيد .. وهو مستهجن لانه لا يحترم الفرصة او الوقت ولا يقيم لهما وزناً.

على هامش القتل والدمار الجميع "يطلفس" .. والحرب التي ترافقها افعال هي اقرب الى اللهو لا يمكن ان تتشكل حواليها اطر ضاغطة لإنهائها بالذهاب الى الجذر الذي أنشأها .

هذا النوع من الأفعال يوفر البيئة لأن تصبح الحرب عبثية ومصدرا للتكسب ، ومعها تضيع مصالح الناس على النحو الذي يحدث اليوم في اليمن وبطريقة مهينة للإنسان ... مهينة ليس فقط لاحلامه في الاستقرار والحياة الكريمة حيث يشكل الراتب والمنحة الدراسية والآجر العنصر الحاسم في هذ الحلم المتواضع ، ولكنها مهينة ايضا لإنسانيته ....

عندما تهين الحروب الانسان الذي تتواضع فيه احلامه الى هذا المستوى الذي لا يعرف فيه الى اين يتجه للحصول على راتبه او أجره او منحته الدراسية او علاجه يصبح الحديث عن هذا الموضوع بهذا الشكل الذي نراه ونسمعه " طلفسة " والجميع يعرف ان معظم موارد البلاد لا تزال بيد أؤلئك الذين انقلبوا على الدولة وصادروها ،وان الذين يديرون البنك المركزي يتصرفون كالعاشق الكذاب الذي يفرح بآلتهم .

على هامش الحرب والمعاناة حتى المجتمع الدولي للاسف أخذ هو الاخر يلهو و "يطلفس" ، فمن ناحية لا يجاريه احد في صراخه وضجيجه في الحديث عن معاناة اليمنيين ، لكن بعض منظماته لا تتورع من اعادة بناء شبكة علاقاتها القديمة مع اللصوص الذين نهبوا البلاد وأفسدوها لغسلهم وتبييضهم وإعادة تقديمهم كمنقذين ...

الوحيد الذي لا يلهو ولا " يطلفس" ويعرف ماذا يعمل هو مخزون البؤس الهائل الذي أنتجه الانقلاب اللعين وغذته الحرب بعد ان دخلت مرحلة العبث . يتحرك هذا المخزون والذي تقف وراءه قوى تعرف ماذا تريد وتصر بكل قوة على تحقيق هدفها وهو اغراق اليمن في فوضى شاملة ضمن مشروعها الخبيث الذي يقضي بإغراق المنطقة العربية كلها في حروب وفوضى . برز هذا المشروع بصورة فجة بعد ثورات الربيع العربي التي ركزت على بناء الدولة الوطنية .

جذر هذا المشروع بدأ بإقامة "دولة" اسرائيل التي عملت مبكرا على دعمه ورعايته من منطلق حماية كيانها ، مروراً بدعم الأنظمة المستبدة الفاسدة التي فشلت في بناء وإقامة دولة المواطنة على أسس وطنية ، وانتهاءً بتحريك عناصر التفكيك داخل البنية السياسية والاجتماعية الهشة بما رافق ذلك من توزيع مشوه للثروة أنتج ظلما واستبعادا اجتماعيين واسعين بدلا من ان يواجها في إطار وطني أخذت المواجهة تتشكل على قاعدة انقسامية كان البعد الطائفي فيها اكثر حضورا ليستكمل النظام الإيراني المشوار .

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

الخميس, 20 تشرين1/أكتوير 2016 12:59

ماذا بقي من الحرب ؟

سألوا إعرابيا عن حرب البسوس بين تغلب وبكر وكانت قد تجاوزت الأربعين عاما ، فقال : سنة حرب وأربعون سنة انتقام

هذا الاعرابي كان يرى الحرب شيئا مختلفاً عن الانتقام .. عند المقاتلين للحرب شروط واهداف عندما تتجاوزها تتحول الى رذيلة .. هذا ما أراد ان يقوله .
كان ذلك قبل ان تصبح الحروب تجارة ايضا ووسيلة لتغطية الجرائم المرتكبة بحق الشعوب من قبل حكام ونخب فاسدة . كلما ازدادت جرائم واخطاء هؤلاء الحكام ونخبهم كلما انزلقوا نحو جرائم اكبر بالحروب والاصرار على استمرارها ..
انظروا اليوم .. كلما دعا العالم الى وقف لإطلاق النار في اليمن لتهيئة الشروط والظروف لوقف الحرب بقواعد تنهيها الى الأبد كلما نط الذين انقلبوا على السلام من مخادعهم ، وليس من خنادقهم، ليعطّلوا كل هذه الدعوات بالحديث عن وقف شامل وغير مشروط ..الخ بينما هم في حقيقة الامر يريدون بذلك فرض شروطهم لوقف الحرب ولا يتركون فرصة للوصول الى حل لهذه المأساة عبر خارطة متدرجة لتحقيق ذلك وبناء على قواعد تنهي الحرب الى الأبد .
ما الذي يعنيه ذلك غير العبث اذا أدركنا الحرب كما قال الاعرابي اصبحت انتقاما ، وأصبحت في الزمن المتحول تجارة فاسدة واستثناراً لدماء الناس .
فماذا بقي من الحرب؟
سقط مشروع التوريث الذي تآمر على الجمهورية والوحدة وعلى مستقبل البلاد ولم يتبق امام اصحاب هذا المشروع غير اغراق البلد في حرب الانتقام وتفويت المطالبة بالعدالة الانتقالية وردم الماضي بأنقاض المدن .. هكذا يظنون ، وهذا كل ما تبقى لهم من هذه الحرب .
سقط مشروع استعادة الحق السلالي في الحكم بعد ان كان قاب قوسين او أدنى من استكمال السيطرة بعد سبتمبر ٢٠١٤، وألحقت به الهزيمة وكان اصحابه في مقدمة من هزموه ، وبقي اصحاب هذا المشروع يحاربون ويغرقون البلاد في الدمار والدماء وهم يعرفون ان مشروعهم لن يستطيع ان يقف على قدميه بعد ان كسرت هذه الأقدام وأطيح به كخيار للمستقبل عند اصحابه ظل يتجمع تحت رماد الحروب وفشل الدولة التسلطية .
وسقط مشروع تصفية الآخر ، أياً كان مناصروه ، وهو المشروع الذي أنتجته هذه الحرب كرد فعل للانقلاب الذي عطل مسيرة البلاد السلمية والعملية السياسية الوطنية التوافقية والذي أخذ يستقطب عصبيات انتقامية هي الاخرى وراحت تأتلف وتتجمع على قاعدة متنافرة مع المشروع الوطني . ولن تفضي الحرب بأي حال من الأحوال الى التصفيات التي يفكر فيها اصحاب هذا المشروع
بقي مشروع المقاومة من اجل السلام واستعادة الدولة والمشروع الوطني المستند الى العملية السياسية التوافقية المتمسكة بالحل الوطني الذي خرج به مؤتمر الحوار والذي شارك فيه الجميع . هذا المشروع هو الجامع لمن يريد ان ينهي هذه الحرب العبثية

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

الأربعاء, 12 تشرين1/أكتوير 2016 11:41

ثورة ١٤ أكتوبر.. المسار السياسي والشعبي

صباح يوم ١٤ أكتوبر ١٩٦٥ تجمع في ساحة ثانوية خور مكسر بعدن ما يقرب من أربعين طالب بعد طابور الصباح ، اخذوا يهتفون للثورة وسط دهشة وأسئلة طاقم المدرسين وبقية الطلاب ، فلم يكن مثل هذا الحدث معهودا من قبل . كان قد مر على الانتفاضة المسلحة عامان( ١٩٦٣)والتي انطلقت من ردفان وسجلت بداية الثورة . خلال هذين العامين استطاعت الجبهة القومية ان تقرأ تطورات الاحداث بصورة مبكرة وان تعيد صياغة المشهد المسلح في مشهد كفاحي اشمل سياسي واجتماعي وعسكري ، وعملت على توسيع وتنويع القاعدة الاجتماعية والشعبية للثورة عبر قنوات واتصالات مع مختلف فئات المجتمع ، ومن خلال مؤتمرات عامة ومحلية تبلورت من جرائها رؤيا سياسية واجتماعية للثورة تجاوزت الانتفاضة المسلحة وشكلت بذلك المنهج الذي استندت عليها في مسارها النضالي .. ساعدها على ذلك ان النضال السياسي الطويل الذي شهدته مدينة عدن منذ الخمسينات وكذا حضرموت بالارتباط بنشوء حركة سياسية مدنية وانتخابات تشريعية وبلدية ونهوض اقتصادي ملموس ساعد على تكون حركة عمالية نشطة واتحادات نقابية وكذا كثير من المنظمات المدنية والسياسية والغرف التجارية وصحافة تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية . كل هذه العوامل ، اضافة الى المؤسسات السياسية النشطة وميراث طويل من العمل السياسي للرابطة والبعث وحركة القوميين العرب والحركة الناصرية وحزب الشعب الاشتراكي الى جانب المؤتمر العمالي وحركة اليسار التقدمية الاتحاد الشعبي الديمقراطي والتي شكلت حاضنا لحركة نضالية صاعدة من كل أنحاء اليمن .. كل هذه العوامل أدت الى إنضاج تبيئة الثورة والعمل المسلح في إطار شعبي ساسي مناسب .

غير ان عوامل كثيرة لم تسمح لهذه البيئة السياسية ان تنضج حواراتها الداخلية بسبب مناهجها الفكرية ومراكز اتصالها العربي المحكومة بأيديولوجيات متناحرة الامر الذي ترتبت عليه نتائج سلبية استمرت تلاحق الجميع حتى يومنا هذا .

خلال العامين ١٩٦٣- ١٩٦٥ كان المنهج السياسي والفكري للثورة في صيغتها الشعبية قد تبلور بوضوح ..وكان اهم ما تبلور هو التأكيد على مسألة مهمة وهي ان الثورة المسلحة لا يمكن ان تحقق أهدافها في التحرر الا في إطار شعبي وسياسي واسع وان تتحول الى ثورة شعبية تشارك فيها كافة القوى والفئات الاجتماعية والمنظمات المدنية والعمالية . لقد كان التحرر من الاستعمار يومذاك يحمل مفهوما أوسع واشمل من مجرد رحيل المستعمر من عدن والجنوب قد كان يتضمن اضافة الى ذلك مواجهة المشروع الجيو- سياسي الذي كان يجري التحضير له بتكريس وتعميق الفواصل بين الكيانات السياسية والقبلية والعشائرية التي يتكون منها الجنوب عبر اتحاد طوعي يبقي الجنوب مجزءاً مع غياب كامل للمحميات الشرقية وخاصة حضرموت .
تواصلت هتافات الطلاب في ساحة الثانوية لمدة ساعة جذبت اليها ثلث المدرسة تقريبا وأعطى العميد لطفي جعفر أمان رحمه الله يومها اوامره بالسماح للطلبة بالتعبير عن رأيهم وتحركوا بعد ذلك الى خارج المدرسة ليلتحموا مع أفواج الطلبة القادمين من مختلف مدارس عدن الحكومية والأهلية وكلية البنات في خور مكسر وكلية عدن واتجهوا نحو حي المعلى حيث احتشد عمال الموانئ والطيران والمعلمين وعمال البترول والمصافي وغيرهم من الفئات التي شكلت مظاهرة ضخمة لم تشهد لها المدينة مثيلا عدا المظاهرة التي عرفت بالزحف على المجلس التشريعي عام ١٩٥٩ ، اضافة المظاهرات الحاشدة في نفس الوقت في كل من حضرموت وتعز وبعض مدن الجنوب وحاضرات الشمال كالحديدة ورداع ... بدا انه تم التحضير لهذا الاحتشاد بعناية لتكون نقطة انطلاق قوية نحو اعلان تحول تاريخي في انتقال مركز الثقل في الثورة الى المدينة حيث تتبلور ملامح تحالفات اجتماعية عمالية ،طلابية ،نسائية، رجال اعمال وتجار وقطاعات أوسع من الشعب . لقد حمل ذلك الانتقال دلالة كبيرة على التحول العميق الذي شهدته الثورة يومذاك حيث لم يعد الكفاح المسلح الا صورة من صور الدفاع عن النفس في حين ان المسار السياسي الشعبي كان يحقق كل يوم نجاحات كبيرة على صعيد الانتقال بالثورة الى حراك سياسي وشعبي شامل يتجاوز جدران العزلة والذي كان له الدور الابرز في توليد الفرصة التاريخية لتكوين الدولة التي اعلن عنها يوم ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧ .

الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

الأحد, 09 تشرين1/أكتوير 2016 18:08

طاحونة الموت

ستظل طاحونة الموت تحصدنا نحن اليمنيين بمثل هذا البشاعة التي شهدتها الصالة الكبرى في صنعاء يوم امس والتي تكررت في اكثر من صورة وبأكثر من وسيلة طالما استمرت هذه الحرب الملعونة تفرض إيقاعها بطبول ليست لها من وظيفة سوى تسويق الحرب كقدر للهروب من مسئولية إشعالها .. استعراض القوة في وجه السلام هو بداية المشوار في هذه الحرب .

كل الحروب قذرة ولا ينتج عنها غير هذه البشاعة والجرائم .. مهما حاولنا فلن نستطيع ان نجد حزناً بحجم مأساة الحرب وما تضخه الى حياتنا من كوارث ..اي ضمير هذا الذي يستطيع ان ينام وهو مثقل بكل هذه الكوارث التي ألحقت ببلدنا كل هذا الدمار ولم يكن يفصلنا عن جسر السلام سوى خطوات تعثرت بذلك النزق الذي حمل الفعل الأعوج واستبق المسار الى جسر السلام لينسفه ويضع الجميع امام خيار الموت .. 

 

الحروب قذرة وتغذيها هذه البشاعة ..وكلما طالت كلما ازدادت بشاعتها ، فكل فعل شنيع يستولد من داخله جريمة اكبر وأشد .. الحرب اليوم في اليمن تدخل مرحلة جديدة . وحادثة الامس هي فاصل بين مرحلتين .. الاولى انجزت تدمير حصيلة جهد اليمنيين وكدهم وعرقهم لعقود طويلة من الزمن بما في ذلك جهدهم في لملمة اطراف اليمن وبناء دولته وهو الجهد الذي نكب بسنوات المراوغة الطويلة لنظام لم يكن يقيم وزناً للدولة واختتم بالانقلاب على اخر محاولة لإقامة هذه الدولة وإطلاق صفارة البدء بهذه الحرب الملعونة .

اما المرحلة الثانية فتبدأ ألان وهي الاخطر والتي تهدم الجسور مع المستقبل وتلغم الطريق اليه بأكوام ضخمة من المتفجرات التي سيختزنها ضمير مثقل بالانقسام والكراهية والانتقام . هل نصحو قبل ان يتحول كل يمني الى قنبلة مشحونة في وجه الاخر !!!

الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

السبت, 08 تشرين1/أكتوير 2016 16:50

منطق الحروب

في الحرب تحرق الجسور لمنع تقدم قوات العدو وتحرق أيضاً لمنع الجيش من التقهقر والتراجع . للحروب منطقها وأدواتها وقوانينها وقراراتها، والبلد الذي يغرق في الحرب تتراكم مشاكله وتتعقد، والحروب لا تنتج حلاً لهذه المشاكل بل تعقدها اكثر واكثر.

ولذلك فإن الذين يطلقون وعودا بالحل يراوغون ولا تحمل تلك الوعود غير تسويق فكرة تطبيع الحرب.. والذين يطالبون بالحل من واقع الحاجة التي تلف الجميع في أوجاعها التي لا تنتهي مخدوعون.

نستهلك الوقت في مناقشة الأعراض وننسى المرض الذي ينتج هذه الأعراض.

لا بد من التوجه الى أصل المشكلة.. إلى الحرب لإيقافها وانهاء اسبابها التي تعود الى استخدام القوة في الانقلاب على التوافق السياسي الوطني والاطاحة بالمسار السلمي وإغراق البلد في الدم.

إذا لم تستطع المشاكل المتراكمة بما رافقها من الام وأوجاع وضحايا ان تولد اسبابا قوية للوقوف في وجه الحرب واسبابها فلا بد ان نخشى من أن أرضاً خصبة للحرب قد استقرت في وجداننا وحينها لن نختلف كثيرا عن المنتفعين من استمرارها.

 

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

الأربعاء, 05 تشرين1/أكتوير 2016 21:56

هل تنقل ايران الفوضى الى باب المندب ؟

الحادثة التي تعرضت لها الباخرة المدنية الاماراتية عرض البحر وفي الممر المائي باب المندب من قبل ايران وحلفائها تزامنت مع إقرار قانون( جاستا ) وبالتحديد خلال المعركة التي شهدها القانون بين الادارة الامريكية وبين السلطة التشريعية الامريكية بغرفتيها الشيوخ والكونجرس . استغلت ايران هذا الظرف الذي بدت فيه دول المنطقة مستهدفة بهذا القانون لتختبر الوضع المعنوي لدول المنطقة من ناحية وتأثير هذا العامل المستجد على موقف الدول الكبرى من أمن المنطقة الذي يندرج ضمن النطاق الاستراتيجي للامن العالمي .

ما يهمنا هو انه كيف تصرفت دول المنطقة ازاء هذا المستجد الدولي وما رافقه من محاولة لنشر الفوضى في هذا الجزء الهام من جغرافيتها وفي ظرف تظافرت فيه عوامل ارباك ضخمة كانت كفيلة بارتكاب اخطاء قاتلة من شانها تحقيق الفوضى التي استهدفها العدوان على الباخرة .

لا بد من الإشارة هنا الى ان الطريقة التي تعاملت بها دول المنطقة مع القانون (جاستا) أظهرت الى الان تماسكاً جسد قراءة دبلوماسية مرنة وهادئة للمزاج السياسي الامريكي المحكوم ببيئة مصالح متحركة وموجهة بقفازات القوة التي أخذت تتخبط في بحث عشوائي عن ( خصوم) بالاستناد الى ما أطلقت عليه جذور الاٍرهاب ، وهو التخبط الذي يضع امريكا في مواجهة مع نفسها قبل اي شيء آخر .

هذه القراءة الدبلوماسية الهادئة تدرك من واقع التجربة ان هذا المزاج أشبه بموجة بحرية تتحرك نحو الشاطئ ، وسيبتلعها الشاطئ ، وإن ألحقت به بعض الأضرار ،المهم هو ان تتم المواجهة في الوقت الذي تأخذ فيه بالانكسار لا سيما وانه مهما بدا ان تعقيدات العلاقة مع امريكا قد تفتح اكثر من بوابة نحو صدام أشد ، الا ان الحقيقة هي الخلاف مع الولايات المتحدة لا بد ان ينتهي الى تسوية وتفاهم ذلك انه ليس في مصلحة الولايات المتحدة بأي حال من الأحوال ان تسقط هذه المنطقة في فوضى الدولة الفاشلة ،كما حدث مع اكثر من دولة عربية ، ولذلك فانه مهما بدا ان الفجوة كبيرة الا ان أسباب التفاهم والتسوية تظل أقوى ، على عكس الحال فيما لو أخفقت هذه الدبلوماسية في تحديد أولوياتها بدقة ، لان الذهاب إلى المواجهة يعني تحقيق ما يريده المشروع الإيراني الذي يقوم على تدمير الدولة العربية وإدخالها جميعا في فوضى عارمة .

على هذه الدبلوماسية ان تعيد بناء أولوياتها بالاستناد الى الاخطار التي يواجهها مشروع الدولة العربية والتفكير جيداً في امتصاص الموجة التي ستتلاشى عاجلاً ام آجلاً مع القبول بتضحيات محسوبة وإصلاحات جريئة تَخلق شروطاً افضل لعلاقات دولية أقوى مع العمل بجدية على وضع اليمن ضمن أولويات الإنقاذ السريع بعدان انهكته الحرب وبلورة الاستراتيجية التي ستنتظم في إطارها علاقة اليمن بمحيطة.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

الجمعة, 30 أيلول/سبتمبر 2016 18:46

أربعينية شهداء الواجب الإنساني

 

بعد ايام قليلة تحل ذكرى الأربعين لرحيل شهداء الواجب الإنساني الصديق العزيز اللواء صالح ناجي حربي والعميد عبد الله الشاعر والدكتور طه علوان والمهندس محمد سيف والدكتور غسان وجميعهم من أبناء الصبيحة ومن خيرة الرجال الذين أنجبتهم هذه المنطقة.

رحلوا الى دار الخلود فجأة وبدون مقدمات في حادث سير وهم عائدون من طور الباحة إلى عدن بعد ان انجزوا المهمة الانسانية الاجتماعية التي خرجوا من اجلها ونجحوا في إيقاف الموت الذي أخذ يحصد أبناء قبيلتين بسبب احياء الثأر في هذه المنطقة التي كان الثأر فيها قد اخمد لسنوات طويلة . الموت الذي حاصروه وأوقفوه بجهدهم وثقة الناس بهم باتفاق بين أولياء الدم تعقبهم وكأنه ينتقم منهم في نفس المكان الذي ظل يحصد فيه ضحاياه بسبب مشكلة بسيطة في الطريق فيما يشبه لعبة التحدي بين الموت والاهمال الذي يمارسه الانسان لتأمين شروط حياته..

للحزن في زمن الاحزان طعم الفاجعة التي يصعب التوقف أمامها دون الغرق في مرارتها لنكتشف ان بلاغة الدنيا كلها عاجزة عن إسعافك بالكلمة المناسبة للتعبير عنها.

هؤلاء الشهداء الذين رحلوا بعد ان وهبوا الحياة لغيرهم هم أنفسهم من عاشوا وسط الناس يشاركونهم الافراح والاحزان... وللحياة وسط الناس طعم لا تضاهيه كل رغائب الدنيا. هذا ما يردده صالح ناجي رحمه الله وهو ينتقل من مكان الى اخر ليساعد هذا ويعين ذاك، يبحث عن عذر لهذا المخطئ ويساعده على تجاوز خطئه، يرمم العلاقات التي يسببها الفتور ويداوي جراح الخصومة .. كان روحاً للمودة تمشي على قدمين، ولا عجب بعد ذلك ان يرحل مع رفاقه بعد ان أنجزوا احدى المهمات الانسانية التي وهبوها معظم حياتهم.

والموت نقاد على كفه & جواهر يختار منها الجياد.

 

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

الأربعاء, 28 أيلول/سبتمبر 2016 17:43

ديمقراطية بساقين

يعقد حزب العمال البريطاني مؤتمره السنوي في مدينة ليفربول معقل اليسار البريطاني تاريخياً، وذلك بعد عام من انشقاقات خطيرة تعرض لها بسبب اصرار قاعدة الحزب الواسعة على رفض المنهج السياسي والاجتماعي لمراكز الحزب القيادية التي تفاعلت على نحو سلبي مع التطور الذي شهده المجتمع البريطاني لتعبر بالحزب من اليسار الى يسار الوسط ثم الى ما يقترب من يمين الوسط ... حتى انه لم تعد هناك فوارق جوهرية مع حزب المحافظين الذي يتداول معه تشكيل الحكومة دوريا عبر النظام البرلماني الأقدم والأكثر تطوراً في العالم .

لم تقبل قواعد الحزب ومعها النقابات العمالية الكبرى بهذا التحول الذي اصاب منهج الحزب فجاءت بقيادي من الصفوف الخلفية backbenchمعروف بمواقفه اليسارية الصلبة هو جيرمي كوربن وفرضته عبر انتخابات حزبية ديمقراطية كزعيم للحزب الامر الذي استفز مراكز القوى في الحزب وشنوا عليه هجوماً واسعاً منذ اليوم الاول بانه ليس الشخص المناسب الذي يمكن ان يقود الحزب لتشكيل الحكومة في الانتخابات القادمة .. كان هذا اخطر صدام بين الديمقراطية الداخلية للحزب والتقديرات التحكمية لمراكز القوى حول مستقبل الحزب في ظل القيادة الجديدة .. وهو الامر الذي دفع بنقاشات واسعة حول احترام خيارات الناس باعتبارها اساس الديمقراطية . خلال عام كامل والشرخ يتعمق داخل الحزب حتى تم الاتفاق على اجراء انتخابات اخرى يتنافس فيها الزعيم المنتخب مع مرشح مراكز القوى المعارضة له ، وللمرة الثانية تمسكت القواعد بخيارها بفوز مرشحها كوربن مؤكدة على ضرورة استعادة جوهر الحزب بالرغم من كل التحذيرات التي يطلقها الآخرون من ان الحزب لن يتمكن بسبب هذه السياسة والقيادة من الفوز في الانتخابات القادمة ..

تبلورت الأزمة في منهجين :منهج براجماتي تمثله كثير من القيادات البرلمانية وأعضاء حكومة الظل والزعامات الكبيرة ويعتقد انه كلما غادر الحزب جذوره

الاجتماعية كلما قرب من الناخب الذي تغيرت اختياراته وأولوياته بسبب التغير الذي حدث في المجتمع كمل . اما الثاني فهو المنهج الأصيل للحزب الذي يميزه عن غيره والذي تمثله أغلبية القواعد الحزبية ومعها الاتحادات العمالية وبعض القيادات ويسعى الى اعادة الحزب الى جذوره الاجتماعية والسياسية المعبرة عن مصالح الطبقة المتوسطة والعمالية ، وترى هذه القاعدة الواسعة ان الحزب بتعبيره عن هذه المصالح قادر على ان يحافظ على توازن اجتماعي يمنع الصراعات والصدامات التي تعرضت لها كثير من المجتمعات الأوربية .

ما الذي يحمله المستقبل لهذا الحزب ومعه منظومة الديمقراطية التعددية البريطانية بشكل عام ؟! سئل احد قادة حزب المحافظين عن تاثير وضع حزب العمال على الحياة الديمقراطية ..فأجاب لا يمكن ان تستقيم الحياة الديمقراطية على ساق واحدة بل لا بد من ساق اخرى قوية الى جانبها ..ومن الخطأ ان يفرح المحافظون لأي انهيار يصيب حزب العمال والعكس صحيح .

لكن اهم ما قاله احد المحللين هو ان اليسار الاوربي الناجح هو الذي يعلن موقفاً ويرتاح لحكومة ترفض هذا الموقف ، كأن يعلن موقفاً معارضاً للسلاح

النووي ولكنه يرتاح للحكومة التي ترفض موقفه .. كوربن لم يستوعب هذه الحقيقة حتى الان ولذلك ستظل هناك فجوة بينه وبين القيادات الاخرى في حزبه .

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

السبت, 24 أيلول/سبتمبر 2016 18:40

٢٦ سبتمبر

٢٦ سبتمبر ١٩٦٢

ايها الصبح الذي تنفس..

بشراً وبشارة،،

ايها القادم إلينا

من ازمنة الضياع

وأزقة الفقر

وحارات الفاقة

وأكواخ الجياع..

من اقبية الموت

وساحات الاعدامات

وقلاع التعذيب..

من بُطُون أودية القمح

وحقول البن

ومشاقر النخيل

ومدرجات الذرة

وورش الكادحين...

من مكنّة راعية

وخدر بدوي

وعريش شارح الحول...

من مرافئ الانتظار

وسفن الفحم

ومدن المنافي

وحاويات الترحيل...

من جوف بئر معطلة

من تجاويف التاريخ

وأوابد النهوض والانهيار

حللت اهلًا ونزلت سهلا للمرة الرابعة والخمسين..

بين الامس (صوت المذيع بكر يدق بابي مثل الصباح يا طير عاد لي شبابي) واليوم (انت يا سبتمبر التاريخ يا رمز النضال ثورة تمضي بإيمان على درب المحال) مساحة تتسع لحلم بحجم التضحيات التي قدمت من اجل ان تنتصر..

وحتما ستنتصر.

 

*من صفحة الكاتب في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

الإثنين, 19 أيلول/سبتمبر 2016 17:45

قرار البنك المركزي

في الحروب كل القرارات سواء كانت اقتصادية او سياسية او مالية او إعلامية تتجاوز صفتها الى ما يخدم المعركة .

ولذلك لا يمكن تقييم القرارات الجمهورية المتخذة بخصوص البنك المركزي بمعزل عن هذه الحقيقة ، فالمفروض انها قد اتخذت في هذا السياق ، أي انه من الخطأ ان تقيم بمعيار اقتصادي او مالي - نقدي بحت ..فإضافة الى ذلك يجب النظر الى البنك المركزي كمؤسسة ملازمة للحكومة وهو مترس مهم في المعركة ، وبغض النظر عن احترامي الشخصي لمن كان يقوده ، إلا ان البنية والظروف التي عمل في ظلها البنك أسهمت في توجيه آليات عمله على نحو معاكس لاهداف الحكومة الشرعية في التصدي للانقلاب .

البوم وقد وصلت الاوضًاع المالية والنقدية الى هذه الحالة من التردي فلا شك ان انتقاله الى يد الشرعية ستترتب عليه ، الى جانب ما يمكن اعتباره منجز معنوي ، التزامات ضخمة كانت بالامس في نظر الناس من مسئولية الانقلابيين واضحت اليوم من مسئولية الحكومة الشرعية .

واذا عرفنا ان البنك غير منتج للقيم النقدية ، الا في حالات التمويل بالتضخم، ولكنه يديرها ويشرف عليها ، حيث يتم انتاج هذه القيم في أماكن وأوعية اخرى فهل يا ترى يستطيع ان يؤدي وظيفته بدون السيطرة على هذه الأوعية والتي سيظل الكثير منها خارج سيطرة الحكومة ومن ثم البنك المركزي.

ان الافلاس الذي تعرض له البنك المركزي كان بسبب سوق النقد الموازية التي احتفظ فيها الانقلابيون بالجزء الأكبر من النقد المتداول لتأمين السيولة لنشاطاتهم حيث كان النقد المتداول خارج النظام المصرفي يتجاوز بما لا يقاس الكتلة النقدية التي كانت بيد البنك المركزي ومعظمها من النقود المحجوزة للاتلاف . مصادر هذه السوق ومصادر انتاج القيم النقدية فيها ستظل بيد الانقلابيين يمولون بها نشاطاتهم بدون اي مسئولية تجاه الإنفاق العام ، لان الالتزامات التي ستترتب على نقل البنك المركزي ومنها الرواتب والاستيراد والمدفوعات العامة ستكون من مسئولية الحكومة الشرعية كما يبدو ..وكل ما نأمله هو انه قد تم حسب هذه المسألة مع اطراف اخرى باعتبارها جزء من المعركة.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

الخميس, 15 أيلول/سبتمبر 2016 19:17

الخطر الحقيقي لاستمرار الانقلاب

رغم الصراعات والحروب التي خاضتها النخب السياسية والاجتماعية اليمنية فقد ظل المجتمع اليمني متماسكاً، لم تخترق عمقه هذه الصراعات الدموية.. ظلت على السطح تحدث اختراقاً سطحياً هنا وآخر هناك، وكان هذا المجتمع كفيلاً بتسويتها. لم يكن هذا التماسك بسبب تطور اقتصادي وثقافي، ولكنه بسبب الشعور بالانتماء الى هذا البلد العظيم.

صحيح انه كان هناك تقسيم اجتماعي يتسم ببؤس النظام السياسي والاجتماعي الذي حكم طويلا وأورث أنظمة متماهية معه على الرغم من تغير العنوان وذلك فيما عرف بثلاثية المستويات، وتفرعت عنه تقسيمات اجتماعية اخرى كان أكثرها قبحاً ما كان يجري التعبير عنه بالاراضي الموطوءة. غير هذه التقسيمات كانت تفشل في تشكيل الوعي العام على اساس انقسامي على الرغم من ان النخب كانت تلجأ إليها عند اللزوم لتمرير مشاريع صراعها.

اليوم يجري تقسيم هذا المجتمع باختراقه في أعماقه بمشروع طائفي ظل نظام صالح يرعاه ويوظفه كجزء من سياسته التي حكم بها وذلك على نحو يضع المسار الى المستقبل في طريق ملغوم.

ان أخطر ما يمكن ان يسفر عنه استمرار انقلاب الحوثي- صالح هو هذا الانقسام المجتمعي الذي يصعب بعده الحديث عن وطن يحمي الجميع لأن المجتمع الذي كان يتطلع الى تحويل بلده الى "وطن" سيفقد الشروط المؤهلة لذلك... هل أدركنا الخطر الحقيقي الذي احدثه هذا الانقلاب على مشروع السلام والتعايش !!

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

الأربعاء, 07 أيلول/سبتمبر 2016 18:47

اليمن والمشروع الطائفي

قضية اليمن يجب ان تتجاوز الصراع الطائفي الذي يغرق المنطقة اليوم وفقاً لخطة تستهدف ضرب مشروع الدولة الوطنية في كل الأقطار العربية وإغراقها في الفوضى ... عندما أخذت البلدان العربية منذ الخمسينات تخطو خطوات كبيرة نحو بناء الدولة كان هناك من يستحضر من داخل البنى الاجتماعية والثقافية والتاريخية - السياسة داخل كل بلد على حدة عناصر تفكيك هذه الدولة حتى استطاع ان يخرب كثيراً من الجهد المبذول لتحقيق هذا الهدف .

اليمن اليوم ، وبعد ان اتفقت القوى السياسية والاجتماعية على مشروع بناء الدولة متجاوزة بالحوار والتفاهم كل الاشكالات النظرية التي كانت تكرس كعوائق لتحقيق هذا المشروع ، يجري سحبها الى هذا المشروع الطائفي بواسطة الانقلاب على مشروع بناء الدولة .

إن من يحمل مشروع الدولة عليه ان يتحمل مسئوليته في حماية البلاد من المشروع الطائفي . ان المقاومة المستندة على شرعية التوافق السياسي السلمي لبناء الدولة هي من يجب ان يتبنى بقوة حماية البلاد من هذا المشروع الخطير بالاستناد الى مخرجات الحوار الوطني وان يتجنب الانزلاق نحو هذا المشروع بخطاب سياسي وطني واضح المعالم غير ملتبس بمظاهر الخلافات التي كان لها منطقها في زمنها والذي يصعب اسقاطها اليوم على حاجات الناس التي تغيرت بتغير الزمان ، او بمحطات الصراع التي أسست لهذا الانقسام وعلى أيدي قوى طالما كانت المنطقة كلها هدفا لأطماعها .

ان الكتلة التاريخية الواسعة والقوية التي تؤسس مستقبل اليمن هي كتلة فرض السلام وبناء الدولة الوطنية .

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

الجمعة, 02 أيلول/سبتمبر 2016 17:46

في معادلة الحرب والسلام

أسفر المسار المعقد للصراع السياسي في اليمن عن حاجة موضوعية لحوار وطني شامل بين كافة أطراف هذا الصراع ، تبلور عند نهايته ببروز كتلتين:

الاولى كتلة الحرب  .

والثانية كتلة السلام .

تكونت كتلة الحرب من القوى التي احتكرت امتلاك السلاح وظلت حريصة  على تجميعه وحشده واستخدامه في معاركها السياسية ، ولم تر اطراف هذه الكتلة  في الحوار سوى محطة لتعطيل وإحباطات الجهد الوطني السياسي بما يجعل خيار الحرب بديلا جاهزا بغض النظر عن عدم قبوله شعبياً . اطراف هذه الكتلة لا يجمعها سوى السلاح فهو خيارها الوحيد الذي تستند عليه في التمسك بما تعتقد انه حقا في الحكم من منظور تاريخي وجغرافي تشكل في الوعي كميراث إشكالي ، اصبح بمرور الزمن اداة حشد لتخريب اي محاولة لاصلاح احوال البلاد .

ولذلك فقد وجدنا ان هذه الكتلة تنقلب على السلام بقوة السلاح عند اول اختبار لها تجاه هذه العملية التاريخية ولأسباب لا يبررها اي منطق سوى هذا الوعي الإشكالي المسلح بقوة لا تتوقف بصاحبها الا في خط النهاية حينما يكون قد احاط بها الدمار من كل جانب ، وحينما يصبح قرار السلام بالنسبة لها اصعب من قرار الحرب .

والسؤال هو ما الذي يجعل هذه الكتلة تقبل بالسلام الذي انقلبت عليه اذا لم يفرض فرضاً ؟

اما كتلة السلام فيبدو انها كانت قد حسمت امرها باتجاه السلام من خلال تمسكها بمخرجات الحوار الوطني كطريق الى المستقبل وبناء الدولة .

غير انها لم تلبث وتحت ثقل المسئولية ان عادت الى حمل السلاح لمقاومة الانقلاب ومصادرة الدولة ،  ومن ثم حماية المشروع السياسي السلمي ، وأكرر حماية المشروع السياسي السلمي ، وهذه الكتلة باطرافها العديدة المثقلة بتاريخ طويل من الصراعات وعدم الثقة لا يكفيها ان تعتمد على عنصر واحد ، وهو مقاومة الانقلاب ، لتجميع صفوفها وتعزيز تماسكها ، بل لا بد من ان تتخلص من العقل المبرمج على الصراع والنظر الى الشراكة بأنها ضرورة وليست دوشنة او هبة من احد لاحد .

ان ما يعتمل في صفوفها ،ومن كافة الاطراف داخلها ، من محفزات وأشواق لإعادة انتاج الصراعات يخرب قيمة السلام كمعادل موضوعي لعودتها للسلاح ، فإذا لم يكن هدفها هو فرض السلام في نهاية المطاف باعتباره مشروعها الذي تقاوم من اجله فإنها لن تختلف كثيرا عن كتلة الحرب .

والقوة التي تقاوم من اجل فرض السلام لها شروط لا بد من العمل على استكمال توفرها بعيدا عن نزق بعض جيوبها والذي قد يجر الكتلة كلها الى نفس المأزق التاريخي الذي تناسلت منه كل الكوارث التي نعيشها اليوم باعتبارها كتلة غير طارئة .

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

الثلاثاء, 23 آب/أغسطس 2016 18:59

المركزية والمشروع الوطني

لم تكن المركزية السياسية والإدارية في كل تجاربها التاريخية لكل البلدان حاملاً أميناً او ناجحاً للمشروع الوطني .. لم تفشل في حمله فقط ولكنها قادت الى تدميره ايضا في تلك البلدان ومنها اليمن .

بدأت المركزية في كل هذه التجارب برفع شعارات وطنية عامة شاملة ،وأخذت تُمارس الشمولية السياسية والأيديولوجية مع قمع الهويات الثقافية والاجتماعية والسياسية الصغرى بدلا من الاعتراف بها وتنميتها وتطوير مضامينها بروح المشروع الوطني ، حتى انتهى بها المطاف عندما فشلت اقتصاديا وسياسياً الى الاستعانة بمكونات ما قبل الدولة المناطقية والطائفية وإعادة بعث وتعبئة تلك الهويات المقموعة لدعم مشروعها المركزي القمعي .

والمركزية في كل الأحوال ليست المركز الجغرافي الذي تتمرس فيه مركزية

الحكم وتحكم منه ، فهذا المركز غالباً ما يتعرض هو نفسه لكل مساوئ المركزية الحاكمة حيث يجبر على خوض صراعاتها ومعاركها القمعية ضد اجزاء البلاد الاخرى ، وتقوم المركزية الحاكم بتعبئته على انه هو المستهدف من اي إصلاحات لنظام الحكم ، كما تعمل هذه المركزية في لحظات التحول التاريخي على ممارسة سلوك انقسامي مخادع تعمل بموجبه على تعبئة جزء من المجتمع في مواجهة الجزء الاخر لتبدو المسألة وكأن المركزية الحاكمة بتوجهاتها المناطقية والطائفية قد توحدت مع هذا المركز بكتلته البشرية المتنوعة وهو ما يجب ان يفهم بعناية في مجرى الصراع ضد هذه المركزية المقيتة .

لا يمكن قراءة المشهد السياسي خلال الايام الماضية بمعزل عما أفصح عنه الرئيس السابق صالح عن رفضه للعملية السياسية ونتائج الحوار وإصلاح نظام الدولة فهو يتشب بالمركزية ويحشد المركز المحيط ، بتوظيف اسوأ ما خرج به نظام حكمه المركزي الطويل من معطيات مناطقية ومحسوبية وطائفية ، للتمسك بها كخيار لتبرير المسار السياسي المستقبلي لليمن . ان المركزية التي نعنيها لا تمتد باي حال من الأحوال الى الكتلة البشرية والجغرافية الكبيرة التي تحيط بمركز الحكم ففي هذه الكتلة من المناضلين والوطنيين الأحرار من قاوموا الظلم ونادوا بالاصلاحات السياسية وقدموا ارواحهم فداء لذلك قبل غيرهم من أبناء اليمن .

هؤلاء جزء من عملية التغيير بل وفي مقدمتها .

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

السبت, 20 آب/أغسطس 2016 18:23

السبعين خارج تاريخه

 

لو ان الانقلابيين يحترمون فعلا إرادة الجماهير ويؤمنون بأنها اداة التغيير الحقيقية لما لجأوا الى السلاح لاغتصاب السلطة ، ما الذي يجعل صاحب الجماهير العريضة يلجأ الى الانقلابات العسكرية والى استعراض القوة وتفجير الحروب ؟ الم تكن البلاد قد حسمت امرها بالعملية السياسية السلمية وبالحوار وبقي على الجميع الانتظار ليقول الشعب كلمته فيما تم الاتفاق عليه .

لماذا فضلوا السلاح على الجماهير ؟ هذا هو السؤال الذي سيظل حاضرا في ضمير ووجدان الشعب اليمني ليفسر حقيقة هذه التجمعات التي يحاول الانقلاب ان يتخفى وراءها .

لا مودة بالمطلق بين الانقلابيين والجماهير سوى انهم كما سخروا منها بالامس وقمعوها بالقوة فانهم يواصلون سخريتهم منها بتوظيفها في حروبهم الانتقامية بتجمعات مناطقية في تماس طائفي واضح حسب ما تمليه الحاجة العسكرية والسياسية.

لا يعبر المشهد اليوم في صنعاء بعد كل ما صنعه ويصنعه اغتصاب السلطة عسكريا من دمار في كل أنحاء اليمن الا عن حقيقة واحدة وهي ان الانقلاب قد افرز وضعا انقسامياًً يجري فيه الاستعانة بكل مكونات ما قبل الدولة الوطنية في جزء من البلاد عسكريا وجماهيرياً لتدمير الجزء الأكبر منها كما بحدث في تعز وبقية أنحاء اليمن . لنتأمل ما يحدث جيداً لنكتشف ان أوراق اللعبة اصبحت مكشوفة وان الطائفية السياسية كشفت عن ساقيها اللتين صنعتا طوال خمس وثلاثين سنة من الحكم بالخصومة تارة وبالتحالف تارة اخرى .. ونكتشف فوق هذا كله ان السبعين يسحب خارج تاريخه .

لمتابعة قناة الاشتراكي نت على التليجرام

اشترك بالضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

الجمعة, 29 تموز/يوليو 2016 18:45

قبل فوات الاوان

لحظات حاسمة ، قادمة ، هي التي سيتقرر فيها اما خيار السلام واستعادة الدولة والشروع في حسم القضايا السياسية المعلقة والبدء في بناء الدولة وإعادة الإعمار ، او مواصلة خيار الحرب وتدمير ما تبقى من البلد على طريق مجهول لا يعلم احد الى اين سيفضي بِنَا
الذين انقلبوا على خيار السلام والتوافق والتعايش وبناء الدولة بيدهم الان وقبل فوات الاوان ان يقرروا أياً من الخيارين سيسلكون!! 
عليهم ، كما قلنا من سابق ، ان يدركوا ان الحل المفضي للسلام لن يكون في إطار الانقلاب الذي صادر الدولة ... نقطة البداية هي تسوية هذه المسألة بصورة قاطعة وبدون اي مراوغة ، وسيجدون في الجهود الدولية والإقليمية ، وآخرها ربما اجتماع لندن ، ما يوفر للبلد فرصة التسوية على قاعدة مشاركة الجميع  في اعادة بناء هذا البلد الجميل الذي لم يكن حكامه ونخبه وعشاق السلاح والحروب فيه بمستوى جماله
على الحوثيين ان يغيروا منطلقات فهمهم لمستقبل الدولة في هذا البلد . التاريخ لا يتكرر .. وان تكرر فبصورة هزلية ، ناهيك عن مكر التاريخ الذي يجعل ممن لا يستوعبونه جيدا ضحايا حماقة محاولات اعادة إنتاجه بصورة إرادوية كما حدث في تجارب كثيرة . التاريخ يتحرك الى الامام ويستحضر وقائعه للاستدلال على ان الحياة لا بد ان تفهم في حركتها وصيرورتها ومآلاتها.
لن يبقى اليمن رهينة نزعة انتقامية سيطرت على رئيس حكم البلاد خمس وثلاثين سنة استثمرها الحوثيون ليشعلوا حماقة اعادة انتاج وقائع من تاريخ هذا البلد لتغرق البلد في هذه الحرب المأساوية
سجلوا للتاريخ ( وعلى هامش ذلك اشتموا كما فعلها قبلكم كثيرون) وهو انكم اذا تمسكتم بخيار الانقلاب للمساومة بقيام دولة طائفية لتكسبوا رهان الأقلية بمعايير مخادعة تضخ إليكم من تجارب اخرى ( في بناء الدولة ) فتأكدوا انكم لن تكونوا في اطارها ، وأكررها مرة ثانية ، غير مجموعة محاربين منهكين ومنهكين للبلد بصراعات لا تنتهي .. .ولن تستقر خيارات هذا النوع من الأنظمة الا على كوارث لا اعتقد ان احدا يجهلها . علي صالح ومجموعته لن يستمروا حلفاء بعد ان تزول أسباب هذا الحلف الانتقامي ، هامشهم أوسع في التعاطي مع "دولة" بمعايير مختلفة عن معاييركم ، ولذلك فان تشكيل المجلس السياسي المشترك وعلى النحو الذي أعلن فهو محاولة لانقاذ شيء مختلف تماما عن الدولة التي لم تعد تعني لحلفكم شيئا . اللهم اشهد!!

الأحد, 29 أيار 2016 18:32

جذر المشكلة

الوحدة والانفصال والاتحاد والتفكيك عمليات سياسية ارتبطت بقيام الدولة المعاصرة.

قبل ان تعرف هذه الدولة لم يكن لهذه المصطلحات مفاهيم سياسية ،اذ كانت تتجه بمضامينها نحو البعد الإنساني والاجتماعي في العلاقة بين الناس . هناك دول نشأت بموجب اتحادات عقدية توافقية بين قوميات وإثنيات وأعراق وديانات مختلفة واُخرى قامت بالقوة ، وكانت التوافقية العقدية منها اكثر ثباتا وديمومة .. ونشأت اخرى بالتفكيك ولم يعبها ذلك شيئا .. كما انه لم ينظر الى الدول التي قامت بالاتحاد بين أعراقها المختلفة على انها نموذج .. الفكرة هي ما يرتضيه الناس وهذا يعني ان الوحدة او الاتحاد او الانفصال او التفكيك هي وسائل لنشوء الدولة المعاصرة يقررها الناس وفقا لما تستقر عليه مصالحهم .

غير ان للعملية وجه اخر وهو التعايش والتفاهم وإدارة المصالح المشتركة باعتباره جوهر فكرة قيام الدولة . وبينما يعبر شكل الدولة عن المظهر الجيو سياسي لها فان مضمونها يكون محمولا بثقافة التعايش والتفاهم والتنوع وإدارة مصالح الجميع على قاعدة مشتركة من القيم . يكون الاول متغير وأما لثاني فهو ثابت ويوصف بانه مفهوم وجودي اي مرادف للوجود ذاته .

لم تعرف الامم التي بقيت موحدة باختيارات شعوبها او انفصلت بنفس هذه الاختيارات مثل هذه الثقافة التي تجتاح اليمن اليوم من شماله الى جنوبه ومن جنوبه الى شماله . والمؤسف ان كثيرا من النخب قد انخرطت في صناعة هذه الثقافة او التبشير بها او تبريرها بدوافع مختلفة . بإمكان الجنوب ان يصيغ خياراته السياسية دون ان يلجأ الى الكراهية كرافعة ثقافية لتحقيق هذه الخيارات ، وبإمكان الشمال ان يستوعب الأسباب التي قادت الجنوبيين واجزاء واسعة من الشمال الى انتاج ردود افعال كتلك التي يعبر عنها عامة الناس دون اغراق في التصعيد الى الدرجة التي يصعب معها العودة الى جذر المشكلة .

جذر المشكلة هي ان النخب السياسية والعسكرية والثقافية عزلت الناس وتحولت الى وصي عليهم في كل القرارات المصيرية . هي تتخذ القرارات الكبيرة مثل الوحدة على سبيل المثال بعيدا عن إرادة الناس وتفشل في ادارتها !!! ثم تغطي فشلها بتحويل هذا المنجز الى هدف للنقد الشعبي والاختلاف والصراع دون ان تكون قد وفرت له شروط النجاح ... وكل ما تعمله انها تتوارى خلفه لتهرب من المسئولية وتواصل توظيفه كأداة للعقاب واشعال الحروب .

قامت الوحدة سلميا فقرر طرف فيها ان يعمدها بالدم ، وكانت النتيجة انه لا تعمدت الوحدة ولا توقف نزيف الدم . ثم جاءت الثورة السلمية ٢٠١١وكان من نتيجتها ان تحاور اليمنيون لأول مرة فيما بينهم لإنتاج شروط بناء الدولة والتعايش والتفاهم على قواعد مشتركة يتم أخذ موافقة الشعب عليها . البعض يعتبر هذا اسوأ مسار للحياة السياسية من منظور ان مصالحهم كانت قد استقرت في إطار نظام سياسي سابق اتسم بالفساد والقمع . وانضم كثير من هؤلاء الى النخب التي تعودت ان تفرض خياراتها بقوة السلاح والتي شعرت بخطورة هذا الانتقال في الوعي بأهمية دور الشعب في تقرير المستقبل فعملت على اجهاض الفكرة قبل ان تنتقل الى الممارسة العملية ، وتحالفت كلها على نحو لا إرادي في مسعى منظم لإفشال الحوار ومهدت من ثم الطريق للانقلاب على العملية السياسية السلمية كلها .

لا يمكن التغلب على هذا المزاج وهذه الثقافة الا بالعودة الى جذر المشكلة والاعتراف بأنها هي المنتج الرئيسي لها. وما لم تتشكل إرادة صادقة للاعتراف بحقيقة ان الشعب هو مصدر اي قرار مصيري دون اي لف او دوران فان هذه الظاهرة التي أخذت تسود المجتمع ستتواصل وستتعمق ، وسنرى ايضا الجنوب يواجه الجنوب والشمال يستعدي الشمال في تقاطعات غير مرسمة جغرافيا كما يحلو للبعض تأطيرها بصورة تحكمية وإنما في صور عشائرية وقبلية وامتدادات إثنية وعرقية ومذهبية واستقطابات خارجية .

والذين يضجون من المشروع الوطني اليوم ولا يقدمون غير بدائل هشة فيهامن الحماقة ورد الفعل اكثر مما فيها من الوجاهة لن يكونوا اكثر براءة للذمة مما قد تصل اليه البلاد من أولئك الذين حملوا المشروع الوطني وخذلوه في اهم محطاته التاريخية بالاستعانة على حمله بواسطة سلطة فاسدة ونظام قمعي يدار بأدوات عائلية .

عدن دورها محوري ، مثلما كانت دائما في كل تاريخها السياسي . ومن يريد عدن غير دلك فانه يسيئ اليها . الانقلابيون دمروا عدن ، ثم قرروا انيواصلوا تدميرها بأسلوب اخر . لكن اخطر ما يمكن ان يحققوه من هدفهم هو ان يوفروا شروطا لإجراءات عشوائية تقوم بها سلطتها الفتية يفقد عدن القدرة على ممارسة دورها المؤثر في التصدي للعدوان وإنتاج موقف متماسك مع تعز وبقية ساحات المواجهة . والجنوب كله لا يستطيع ان يضع نفسه بعد ان تحرر خارج مواجهة الانقلاب حتى النهاية اذا أراد ان يلعب دوره التاريخي في بناء قيم التعايش والسلام ويقرر خياراته السياسية فيما بعد في ظروف مناسبة .

لمتابعة قناة الاشتراكي نت على التليجرام

اشترك بالضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

الإثنين, 18 نيسان/أبريل 2016 09:33

لقاء الكويت

عشية انعقاد لقاء اليمنيين على أرض دولة الكويت الشقيقة، لا بد من الإشارة هنا إلى الأدوار التاريخية للكويت في صناعة السلام والاستقرار في اليمن. هناك محطات لها أهمية خاصة في حياة اليمن كانت الكويت حاضرة فيها، وأهمها لقاء قيادتي الشطرين عام 1979 في الكويت، الذي وضع أسسا لمسار التفاهم بين الشطرين، وأسس قواعد للتنسيق السياسي والاقتصادي بينهما أثمرت ما عرف بدستور دولة الوحدة.

للكويت دلالة عميقة حينما يتعلق الأمر بصناعة السلام في اليمن، تماما مثلما كان لها معانٍ غزيرة، عندما ينصرف الأمر إلى دعم الكويت للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن جنوبا وشمالا على مدى عقود طويلة، منذ الستينات من القرن الماضي.

لن تكون الكويت بكل تأكيد مجرد حاضن للقاء، كما كان حال جنيف وبيل في سويسرا، فلها في قلوب اليمنيين مكانة خاصة، تجعلها مؤهلة لأن تلعب دورا مؤثرا في سير المفاوضات للوصول باليمن إلى بر الأمان.

لقد أثبتت الحرب الأخيرة وأحداثها الدامية، أهمية اليمن في المعادلة السياسية والأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي، وهي المعادلة التي ظل فيها اليمن مجهول القيمة، حتى جاء من يعطي هذا المجهول قيمة كبيرة؛ فإيران، التي لم تقدم لليمن بشطريه، أو موحدا فيما بعد، أي دعم اقتصادي، ولم تجهد نفسها بالسؤال في إمكانية التعاون الاقتصادي والفني مع اليمن، ظلت ترقب الوضع وتؤسس جيوبا ذات بعد طائفي لاختراق هذه المعادلة، وملء الفراغ، مستفيدة من غياب مشروع سياسي إقليمي للتعاون مع اليمن، على أسس مستدامة من التفاهم والعمل المشترك من ناحية، ومن فشل النظام السياسي اليمني في تبني وإدارة مشروع وطني يعول عليه في إنقاذ اليمن من التخلف والضياع من ناحية أخرى. هناك مشروع وطني برز مع الوحدة، كان حظه الفشل مع الأسف، فبدلا من أن يدار هذا المشروع بأدوات سياسية واقتصادية وثقافية، تمت إدارته بالحروب والصراعات الدموية الداخلية والفساد.

عاش اليمن منذ 1994 حربا مفتوحة، حيث استولدت هذه الحروب مشاريع تفكيكية، وظفت فيها الطائفية على نطاق واسع، وهو الأمر الذي مكّن إيران من اختراق البنية الاجتماعية والسياسية اليمنية. ولم تدرك هذه الحقيقة، إلا عندما أعلن الإيرانيون أن العاصمة العربية الرابعة صنعاء، قد سقطت في أيديهم يوم أن اقتحمها الحوثيون في انقلابهم على الشرعية التوافقية، بقيادة الرئيس هادي، وذلك بمساعدة جيش علي صالح، الجيش الذي بُني بأموال الشعب وعلى حساب قوته ومعيشته.

استطاع التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، ومعها دولة الإمارات العربية المتحدة، أن ينقذ ما يمكن إنقاذه ليس على صعيد دعم الشرعية فقط، ولكن على صعيد استعادة التوازن الأمني في المنطقة، في أهم لحظة تاريخية كان يمكن أن تتشكل فيها معادلة مختلة، تهدد استقرار المنطقة لفترة طويلة من الزمن.

ولا يتوقف الأمر في تقديري الآن على ما تحقق خلال الفترة الماضية بالسلاح، على الرغم من أهمية ذلك، ولكن على الطريقة التي سيتم التعامل بها مع اليمن مستقبلا. اليمن اليوم في خاصرة المعادلة الأمنية والسياسية والاستراتيجية لدول المنطقة، هكذا يجب أن تفهم المسألة، لكي نستوعب التضحيات والدماء والحديد والنار.

لا يكفي أن يقال: إننا أوصلنا اليمنيين إلى مائدة التفاوض وبأيديهم أن يصوغوا قواعد اتفاقهم. لا نريد أن نكرر لعبة تنفيذ المبادرة الخليجية، عندما سمح للرئيس السابق أن يخرق المبادرة في أهم جزء منها، وهو نقل السلطة، حيث صمتت كل الدول الراعية للمبادرة والأمم المتحدة على بقائه رئيسا للمؤتمر الشعبي، وكان ما كان من تعطيل لمسار العملية السياسية وتوفير الشروط لهذه العملية الانقلابية. ناهيك عما أفرزته الحياة من حقيقة لا يمكن تجاهلها، وهي لو أن اليمن كان خارج المعادلة الجيواستراتيجية والأمنية للمنطقة، لما نشبت هذه الحرب المدمرة، بعد أن خاض اليمنيون تجربة الحوار الوطني الشامل، وتوافقوا على عقد اجتماعي جديد لدولتهم المستقبلية.

إن دول التحالف لن ينتهي دورها هنا، ويجب ألا ينتهي هنا، بل على العكس من ذلك نحن نعتقد أن دورها الحقيقي لحماية اليمن وضمان بقائه ضمن معادلة أمن المنطقة وتطورها الاستراتيجي يبدأ الآن، ويبدأ من خلال إطلاق رؤيا استراتيجية تشمل تصحيح مسار التفاوض، وتجنب أي اتفاقيات هشّة تفضي إلى استمرار الصراع والحروب.

ندرك أنه لا مجال لخيار آخر غير وقف الحرب، غير أن وقف هذه الحرب يجب ألا يكرر تجربة الحروب التي تتوقف فقط من أجل إعادة إنتاج نفسها بشكل أوسع وأكثر شراسة، ولتجنب ذلك لا بد من التعاطي مع التفاوض في إطار رؤية استراتيجية لمكانة اليمن ووضعه في المنظومة السياسية والأمنية والاقتصادية الاستراتيجية لدول المنطقة. إن هذه الرؤية ستشكل ضمانة حقيقية لتفاوض مدعوم برؤيا وخريطة طريق تساعد على تذليل الصعوبات الناشئة عن الجراح العميقة للحرب، وعدم الثقة وقطع دابر أي اختراقات تهدد أمن المنطقة.

وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة هنا إلى مسألتين أساسيتين يتوقف على الاهتمام بهما تصحيح مسار التفاوض:

الأولى أنه على صعيد النقاط الخمس التي حددت كإطار للتفاوض، نجد أنها صيغت بطريقة خلت من الدقة، حيث بدت وكأنها عناوين لمفاوضات صفرية غير مستندة إلى قرارات واتفاقيات سابقة. إن هذه القضايا هي في الأساس تلخيص لقرارات واتفاقيات سابقة، وكان من المفروض أن تصاغ بأسلوب يجعل البحث في آلية تنفيذها هو أساس التفاوض. فعلى سبيل المثال عندما نقرأ النقطة الخاصة بعودة العملية السياسية، نجد أن الصيغة التي ثبتت جعلت هذه العملية مفتوحة وغير مقيدة بالمرجعيات الثلاث، التي شكلت أساس العملية السياسية، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، نتائج الحوار الوطني، وقرارات المجتمع الدولي، وخاصة القرار 2216. فما لم تقيد العملية السياسية بهذه المرجعيات، فإن الصيغة المقترحة تفتح ثغرات لمفاوضات جديدة وقد تكون عبثية. كما أن الانسحاب وتسليم السلاح تركا مجاهيل كثيرة أمام عملية التنفيذ، سيتعامل معها كل طرف بالاستناد إلى ميزان وجوده على الأرض.

الأخرى: هناك ست قضايا حاسمة كان لا بد من استخلاصها عند التحضير لهذا اللقاء المهم، والتي تشكل، من وجهة نظري، خلاصة الاتفاقيات والحوار، وما خرج به اليمن من هذه الحرب من تجربة لوضع أسس للاستقرار المستدام:

ا - وضع نهاية جذرية لهيمنة المركز في صيغته التي كانت هي مشكلة اليمن، وسبب عدم تطوره واستقراره.

ب - تنفيذ المبادرة الخليجية فيما يخص مغادرة صالح للسلطة والحياة السياسية.

ج - رفض أي صيغة لدولة طائفية تقوم على الأقلية والأكثرية؛ لأن الأقلية ستكون دائما مبررا للاستعانة بالتدخل الخارجي لحمايتها على أسس طائفية، والتمسك عوضا عن ذلك بدولة المواطنة والقانون (دولة مدنية ديمقراطية).

د - دولة اتحادية يكون فيها الجنوب إقليما واحدا. للشعب في الجنوب الحق في تقرير خياره السياسي فيما يخص الوحدة.. وكذا الحال فيما يخص الشعب في الشمال.

هـ - أن تضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي من خلال خطة زمنية يجري فيه إعداده سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وتتدرج من الدولة الأولى بالرعاية حتى العضوية الكاملة.

* نقلا عن الشرق الأوسط

قناة الاشتراكي نت على التليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة
@aleshterakiNet

 

الجمعة, 17 نيسان/أبريل 2015 20:46

النهاية التي اختارها صالح

تدمير عدن وتعز والضالع وصنعاء وكل اليمن هي النهاية التي اختارها صالح .. كان اليمنيون قد اختاروا طريقا آخر ونهاية مختلفة لمأساة حكمه الطويل ... لكنه اختار هذه النهاية . كان بإمكان الحوثيين ، وقد تورطوا في حروب الانتقام، أن يتوقفوا في أكثر من محطة ويراجعوا حساباتهم ويتطلعوا إلى المستقبل.. لكن يبدو أنهم لم يلقوا بالا لمسألة التعايش في بلد أصبح من السهولة إعداده لفتنة اجتماعية وطائفية عميقة ولحروب انتقامية طويلة ومتجددة واتجهوا نحو عدن والجنوب وتعز ليدمروها وكانت قد وقفت مساندة لهم في مظلوميتهم.

المدفعية دائما ما تكون غبية عندما تحمل صاحبها مع قذيفتها إلى حيث تجعل منه خصما وعدوا إلى الأبد.

في اليمن كثير من وقائع التاريخ الدموي التي حدثت منذ أكثر من قرنين لا تزال حتى اليوم ترسم الخارطة الاجتماعية بنفس انقسامي، وكلما حاول المجتمع أن يتجاوزها جاء من يبعثها من جديد.

كان قرار مجلس الأمن الأخير محطة هامة للتوقف ومراجعة مسيرة القتل والتدمير والتجويع والحصار لعدن والجنوب وتعز وصنعاء والضالع وكل اليمن ، وكان الحوثيون هم المعنيون بهذه المراجعة المطلوبة ، بعد أن أطلق حليفه مبادرات عبرت عن رغبته في المغادرة وتسوية وضعه بعيدا عنهم ، لكنهم بدلا من التوقف عن مواصلة تدمير عدن اتجهوا نحو تعز ليدمروها ، فلماذا يصرون على الاستمرار في هذه الحرب الرديئة التي لن تورثهم غير الكراهية والعزلة بما رافقها من جرائم وقتل وترويع وتدمير . ولينظروا إلى ما يجري في عدن حيث لا منزل في هذه المدينة الباسلة إلا ويصدر منه صوت الاستنكار والإدانة مصحوبا بالألم والحزن والفجيعة والإصرار على المقاومة في نفس الوقت.

لقد كان الأخ خالد بحاح نائب الرئيس في مؤتمره الصحفي الأخير متوازنا وموفقا حينما وضع قضية السلام في صدارة خارطة عمله القادم وطالب بوقف العدوان على عدن وبقية المدن والانسحاب منها كشرط للحديث عن أي مبادرة سياسية جادة . لحظات حاسمة لابد أن تكون فيها الخيارات حاسمة أيضا .

الثلاثاء, 07 نيسان/أبريل 2015 18:47

عدن صقلتها الحروب والكوارث

1/ في منشور سابق منذ أيام قلنا إن خيط الدم الذي رسمت مجراه حرب1994يلتقي مع نهر الدم الذي سال بعد ذلك في معظم أنحاء اليمن ويسيل الآن في عدن الباسلة على ذلك النحو الذي لم يترك أي مجال للشك بأن عدن كانت هي المستهدفة من قبل الذين خططوا لكل هذه الحروب وأشعلوها في أرض الواقع .

2/ لم تكن المسألة مجرد صدفة ، فوراء هذه الحروب تكمن أهداف كبرى تتمثل في سحق فكرة الدولة المدنية بصورة نهائية وعدن الباسلة هي قلب الدولة المدنية وعقلها وتعز الملاصقة لها هي روح هذه الدولة . فضحت تعز المخطط وتصدت له بطريقتها فجرى سحقها وتمسك شبابها بمقاومة الحرب وقدموا التضحيات الكبيرة . وكانت عدن وبالصورة التي ظهر بها شبابها وأهلها الأبطال نموذجا للمقاومة الباسلة ، وكذلك كانت الضالع الأبية .

3/ عندما قلنا ذلك كنا ندرك أن صناع الحروب ومشعلوها لا يتركون لأنفسهم شيئا ذا قيمة يحملهم إلى مستقبل آمن ، فهم يدمرون كل الجسور مع هذا المستقبل ، ثم يتخبطون في نتائج حروبهم غير قادرين على مغادرتها .. والحال هو ما نشاهده اليوم من عبث وتدمير وانهيارات .

4/ تم بذل جهود كبيرة لتفادي الحرب عام 2011وذهب الجميع إلى تسوية سياسية وضعت اليمن على مشارف عهد جديد من التفكير المستقل عن منهج القوة والحروب .. غرد كثيرون خارج هذه الحقيقة ، وطالبوا بالحسم العسكري ، وهم أنفسهم بعد ذلك الذين أشبعوا الدنيا طنينا بالشكوى من الحروب ويريدون الآن تحميل الآخرين مسئولية مغامراتهم وفهلوتهم التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه ، وهم أنفسهم اليوم الذين يزايدون على الآخرين ويمثلون دور النائحة المستأجرة لما يجري في عدن . النائحة المستأجرة لا يربطها بأهل المأتم أي رابطة للحزن سوى أن المطلوب منها هو ضجيجها وولولتها ثم تأخذ أجرتها وتمشي .

5/ كان كل أصحاب السلاح قد حطموا الجسور مع المستقبل الآمن ، وكما قلنا، لم يحتفظوا لأنفسهم بشيئ ذا قيمة يحملهم إلى المستقبل غير ذاكرة مفعمة بعدم الثقة والثأر والانتقام . ثم جاء الحوثيون في ظل هذه الظروف إلى ساحة مفتوحة على خيارات لا يربطها بهذا المستقبل الآمن سوى وثيقة الحوار غير المدعومة بقوة تحميها أو مسندة بإرادة قادة أوفياء لمشروعهم المدني التاريخي . جاءوا محمولين بقوة جمعوها من خلال الشروط التي وفرتها لهم خصومات حلفاء 1994وما خلفوه من دولة متهالكة خاوية بلا محتوى وطني يؤهلها للدفاع حتى عن نفسها لتبدأ دورة جديدة من البحث عن أسباب إضافية لإشعال حرب شاملة أخرى .

6 / اشتعلت حروب الثارات والانتقام وكسر العظم . وفي مسارات تصفية الحسابات بين فرقاء 1994على كافة الأصعدة لعب الحوثيون أحيانا كثيرة دور حصان طروادة الذي كان يختبئ في جوفه أصحاب الثارات ويقتحمون المدن والمحافظات ويتجهون نحو خصوم الحكم القديم ولم يكتشفوا أن خصومه كثيرون ، وأنهم هم أنفسهم مشمولين بهذه الخصومة . وعلى درب هذه المسيرة الانتقامية الجهولة التي حركتها عوامل كثيرة وحسابات ستكشفها الأيام ، ولو بعد حين ، اتجهت مسيرة الانتقام نحو عدن ، فخاطبت الحوثيين في منشور سابق وقلت لهم بالحرف الواحد ( الذين ذهبوا الى الحروب في محطات مختلفة من تاريخ هذا البلد علقوا في نتائجها الدموية يفتشون دوما عما يوصلهم بخيط الدم الذين لا يستطيعون أن يحددوا مساراتهم بدونه .. لقد نبهتكم الحالمة بطريقتها الحضارية إلى الخطأ القاتل الذي ترتكبونه وانتم تتجهون جنوبا في هذه اللحظة الحاسمة لكنكم للأسف تصرون على السير في طريق الخطأ لذي سار عليه أولئك الذين تولوا مسئولية توريطكم في هذه الحرب من جديد ...التي لن تكون نتائجها في نهاية المطاف سوى بعضا من نفاياته التي سيفرزها التاريخ كواحدة من أسوأ ما صنعته القوة المغامرة ) .

7/ فوجئ الجمع بأن عدن قد صقلتها الحروب والكوارث ، وأن شبابها الذين توسدوا الحارات والشوارع في أسوأ إهمال يمارسه نظام سياسي مختل قد أعادوا اكتشاف أصالة هذه المدينة التاريخية فامتزجت بروحهم الوثابة التي مكنتهم من التصدي والمقاومة التي لا يجوز اليوم لأي قوة أو حزب أو جماعة أن تنسبها لنفسها ..ستخرج عدن من تحت الأنقاض كما خرجت مدن عظيمة في التاريخ لتصنع مستقبلها بأيدي أبنائها ، وسيتحمل الجمع الذي دمرها مسئولية تدميرها إلى يوم الدين ، أرأيتم يا "أنصار الله" كيف أن الذين دمروا عدن عام94 وعملوا على إذلالها بعد ذلك قد ورطوكم واستدرجوكم إلى نفس الفخ ومعها هواجس الهيمنة الإيرانية ، فلن يجد هؤلاء فرصة للعودة إلى الحكم على شاصكم وسينقلبون عليكم إذا لم يكونوا قد انقلبوا ، ولن تكون إيران المتحررة من الحصار الدولي هي نفس إيران المحاصرة . فبينما كانت إيران المحاصرة في حاجة ماسة إلى تحالفات إقليمية عسكرية صدامية لخلط الأوراق وكسب المزيد من هذه الأوراق لتعزيز موقفها في المفاوضات الدولية ، فإنها بعد الحصار ستتفرغ للبناء الاقتصادي الذي انتظره شعبها طويلا ولن تستطيع بعد اليوم أن تسوق لشعبها المزيد من الجرعات الثورية ... وهذا يعني أن التحالفات الاقليمية يجب أن تخرج من دائرة الركون على الشحن الطائفي البغيض والاعتراف بأن الصراع بين الأمم وبين قواها الداخلية هو صراع سياسي واجتماعي بالدرجة الرئيسية .

8/ ومثلما هدم السابقون في حرب94 جسورهم مع المستقبل الآمن فإن الوافدين الجدد إلى ساحتها والمحمولين بأهداف متنوعة لجميع هؤلاء يكونون بهذه الحرب (2015) والدماء التي سالت والمدن التي هدمت والأعماق التي زرعت حقدا وكراهية قد هدموا جسورهم أيضا نحو المستقبل الآمن ، غير أن الفرق بالنسبة للحوثيين هو أنهم في وضع أكثر حرجا من غيرهم بعد أن استطاع خصومهم أن يرموا في وجههم بورقة الطائفية ليخوضوا معاركهم في تجاويفها الخبيثة لأنهم لم يستطيعوا ن يقدموا مشروعهم السياسي بعد أن أغرقوا أنفسهم وأغرقهم حلفاؤهم في مستنقع الحروب والاستقطابات الإقليمية وسط بيئة قابلة للشحن الطائفي ، وكانت عدن ومعها تعز وبعض حاضرات اليمن الأخرى ترفض هذا الخطاب وتدينه ، لكن للأسف ... ما الذي نستطيع أن نقوله الآن بعد أن وصلت المأساة إلى كل بيت في هذه المدينة الغالية .

9/ لا نريد أن نغلق الفرصة على هذا الوطن الجريح بتصحيح مساره نحو المستقبل الآمن من جديد ، ويتوقف الجميع عند هذا المستوى من التدمير ، ويعودوا إلى طاولة الحوار ويستثنى من ذلك المتسببون في إشعال الحرب ممن جعلوا منها وسيلة للعودة إلى الحكم ، وأن تكون القوى التي دافعت عن الجنوب وعدن على وجه الخصوص هي من يتواجد على الطاولة مع بقية القوى الأخرى ، وقبل ذلك على أنصار الله أن يتوقفوا فورا عن قمع القوى السياسي وخاصة الإصلاح الذي نقف معه ونستنكر ما يتعرض له من حملات ، لقد خضنا معه ثورة التغيير وكان شبابه في مقدمة من قدم التضحية في تلك المعركة التاريخية ، ولا يعني اختلافنا معهم بعد ذلك حول منهج إدارة العملية السياسية سوى أن كل منا كان له خطابه تجاه وقائع الحياة وأحداثها المتلاحقة .

الإثنين, 23 آذار/مارس 2015 19:53

الحالمة تدافع عن اليمن

الحالمة تمتطي صهوة حلمها وتنتفض في وجه الحروب الكريهة ..تعلن أنها مع الوطن ومع السلام ومع التغيير وبناء الدولة المدنية الذي قدمت من أجله الآلاف من فلذات أكبادها خلال العقود المنصرمة .. الحالمة وفية لتضحيات أبنائها الذي قضوا دفاعا عن الحرية والمدنية .. تثبت يوما عن يوم أنها الضمير الحي ليمن يناضل من أجل بناء وطن لكل أبنائه.. الحالمة صورة مصغرة لليمن بكل تناقضاته السياسية لكن هذه التناقضات تلتقي عند نقطة واحدة وهي مدنية خلافهم ، اليوم يتلقى شبابها الرائع رصاصات غباء القوة الذي ينطلق من فوهات بنادق مشحونة بكراهية المدنية في دورة إعادة انتاج ذلك القبح التاريخي لغباء القوة وفساد أساطينها.الحالمة تدافع عن اليمن وعن الجنوب خاصة بطريقتها التي ستثبت الأيام أنها هي الأقوى والأمنع والأكثر تأثيرا في مسار الأحداث التاريخية .. الذي ذهبوا إلى الحروب في محطات مختلفة من تاريخ هذا البلد وجدوا أنفسهم عالقين في نتائجها الدموية يفتشون دوما عما يوصلهم بخيط الدم الذي لا يستطعيون أن يحددوا مساراتهم من دونه.

لقد نبهتكم الحالمة يا أنصار الله بطريقتها الحضارية إلى الخطأ القاتل الذي ترتكبونه في هذه اللحظة الراهنة الحاسمة وأنتم تتجهون جنوبا لكنكم للأسف تصرون على الخطأ بالسير على نفس الخطى التي سار عليها أولئك الذي تولوا مسئولية توريطكم في هذه الحرب من جديد.

ما الذي جناه اليمن من حرب 94سوى أن من اشعلوها بذروا البذرة الأولى لتمزيق اليمن أما هم فقذ أثروا من وراء تلك الحرب وبصقوا في وجه الشعب بعذ ذلك ، فهل تريدون مواصلة المهمة اليوم وبعد عشرين سنة من محاولة لملمة الجراح...لا تقولوا أنكم تكافحون الإرهاب...أنتم بهذا الأسلوب تعيدون إنتاج الإرهاب بصورة أقبح ، رفعوا قبلكم شعار الحفاظ على الوحدة فماذا كانت النتيجة ؟؟ هل كانوا فعلا يدافعون عن الوحدة ؟

بهذه الحرب أنتم تلتقون مع خيط الدم الذي حددت مجراه حرب 1994ولن تكون نتائجها في نهاية المطاف سوى بعضا من نفاياته التي سيفرزها التاريخ كواحدة من أسوأ ما صنعته القوة المغامرة .

الأربعاء, 04 شباط/فبراير 2015 12:31

حروب الجغرافيات المغلقة

-1-

لم تنتج الحروب الأهلية في تاريخها الطويل غير  ظواهر اجتماعية مشوهة، بتجلياتها السياسية والثقافية والفكرية والسلوكية، وهي ظواهر تنطوي على أضرار خطيرة  على مجتمعاتها، وخاصة تلك الناشئة عن الحروب المستندة على أيديولوجيات دينية أو دنيوية لتخفي الصراع الحقيقي على السلطة والثروة. هذه الظواهر الاجتماعية تتشكل في صورة جغرافيات مغلقة، تعيق بلدانها من التطور، وتضعها في حلقات مفرغة على طريق التفكك والانهيار. الحروب الأهلية ليست طريقا للتغيير ولا وسيلة للبناء؛ فهي تنتج طغاة، وفي كنف الطغيان يبقى "الوطن" مجرد جغرافيا ورعايا وسلطات مطلقة. وفي ظل هذا الطغيان أيضا ينمو التطرف والعنف والإرهاب كمعادل موضوعي لاستبداد الحكم.

لم يكن قد مر على وحدة اليمن سوى بضعة أشهر حتى نشأت الأزمة السياسية بين طرفي الوحدة. نشأت الأزمة بسبب الخلاف على بناء دولة الوحدة. لكن البعض أخذ يجر الموضوع بعيدا عن هذه الحقيقة ويخوض سجالا حول الوحدة السلمية، وكيف أنها غير قابلة للبقاء ما لم ينتصر فيها طرف بالقوة ويستلم السلطة. بدا هذا السجال في المرحلة الأولى وكأنه ترفي محض؛ لكنه ما لبث أن كشف عن ساقه التي يقوم عليها، وهي أن هناك فعلا من يشجع على السير في هذا الطريق الخطير. ولكي يتم تكريس السير في طريق الحرب، أخذ نفس التيار يساجل في موضع آخر، وهو أن الجنوبيين هربوا إلى الوحدة فلماذا نقتسم السلطة معهم؟ وما الذي يجعلنا نقبل بشروطهم بشأن بناء الدولة؟ ألا يكفي أننا قبلنا الوحدة معهم وأنقذناهم من مصير محتوم؟!!... هكذا بدأ التحضير للحرب بضرب الأسس التي قامت عليها الوحدة، وأهم هذه الأسس هي إرادة الأطراف التي اتخذت قرار الوحدة. أما وأن أحد الأطراف، وفقا لزعمهم، قد هرب إلى الوحدة، فهذا يعني أنه فاقد الإرادة في تقرير مصير شعب كان يحكمه، وبالتالي فإنها وحدة مطعون في شرعيتها. وظفوا كل شيء لتبرير الحرب؛ ومشعلو الحروب غالبا ما يكونون أشبه بحاطب ليل، يجمع في حطبته كل ما يعتقد أنه يشعل النار. أخذوا يروجون ويعدون للحرب. رفعوا يومذاك شعاراً تعبويا كريها يقول إن "الحروب تجدد المجتمعات وتوقظ الشعوب من سباتها".

-2-

قامت الحرب وأغرقت البلد في مأساتها. ولم يتجدد المجتمع، بل إن "المجددين" نهبوا البلاد وأذلوا العباد، واستنزفوا ثروات الشعب، وأحالوا مئات الآلاف من هذا الشعب إلى غرف النوم، بدلا من إيقاظه من سباته. وبعد أن كانوا نهابة يتنازعهم الخوف من تهمة النهب، صاروا بفعل الحرب والنصر  نهابة جبارين لا يهابون التهمة. فالحرب منحتهم مشروعية النهب والعبث والفساد. أسفرت الحرب عن إنتاج واقع مختلف بجغرافيات سياسية وثقافية واجتماعية وسلوكية مغلقة ومشوهة. تقلصت المساحات الوطنية في المضامين السياسية والثقافية للكلمة وللفعل معا. وفي كنف هذه الجغرافيات وجد التطرف وثقافة الكراهية بيئة خصبة للنمو، وراح الإرهاب يتسلل إلى داخلها وينشئ منصات إطلاق لنشاطه. وأخذت هذه الجغرافيات المغلقة تنهش النسيج الوطني وتقطع أوصاله على نحو لم تعد معه جرعات التعبئة الخاصة بحماية هذا النسيج ممكنة. لم يكونوا في ذلك استثناء، فالحروب الأهلية لها منطقها، ولها أدواتها، ولها معادلها السلوكي والأخلاقي. أما منطقها فيقول إن المنتصر لا بد أن ينعم بانتصاره على النحو الذي يشبع عنده الشعور بالتفوق. وأما أدواتها ففوق القانون والأعراف وفوق قيم المجتمع. وأما السلوك والأخلاق فتتشكل في قلب الحدث المثخن بالجراح والقتل والتدمير، وهما قيمتان تمارسان أثناء الحروب وبعدها ارتجالا وبدون نوازع إنسانية، ووفقا لما تمليه الإرادة الرديئة للمنتصر، والتي يصبح معها فعل هذا المنتصر ملحقاً رديئا بالضرورة.

في الجنوب، الذي استهدفته الحرب، أخذت الجغرافيات المغلقة، في صورها السياسية والثقافية والاجتماعية، التي كرستها الحرب عند المنتصر والملتحقين به، تفرز نمطاً من السلوك يشجع على التعامل مع الشعب كمهزوم. استباح المنتصر حق الناس في العمل، فمارس التجويع والتفتيش في الضمائر لإنهاك "الخصم"، كما قالوا، وانتزعوا الأراضي من الفلاحين وسلموها لمن حاربوا في صفهم، وفتحوا طريقا للثأر من المشروع الوطني، وهو المشروع الذي كان في الأساس موضوع الخصومة مع أولئك الذين عبأتهم صنعاء للحرب إلى صفها، وكافأتهم بتلك الصورة التي كانت أبرز عنوان للفساد السياسي. وقام المنتصر بتدمير وتصفية المؤسسات الإنتاجية والاقتصادية، وقذف إلى الشارع الآلاف من العمال، واستباح الأرض نهبا وتوزيعا كهبات وإكراميات للفاسدين والموالين والقتلة. وما بقي من أراضي ومزارع الدولة قامت القيادات الإدارية الفاسدة في بعض المحافظات بنهبه وتوزيعه على المحاسيب، في أسوأ صور للفساد الذي مورس تحت حماية هذه الجغرافيات. وعمل بصورة ممنهجة على دعم خصوم المشروع الوطني، وهيأ بذلك الأسباب لدخول البلاد مرحلة التفكيك، التي بدأ مشوارها مع نهاية تلك الحرب. أنتجت الحرب جغرافيات مغلقة تبلورت داخلها عناصر صراعات قادمة.

-3-

وفي الشمال خاضت السلطة بعد ذلك ست حروب كاملة لم تجدد شيئا في المجتمع، بل بعثت إلى السطح روائح الطائفية والعصبية البغيضة، وأعادت إنتاجها بواسطة خطاب وفعل تعسفا الضرورات الموضوعية للاندماج الاجتماعي. لم توقظ تلك الحروب الشعب من سباته، كما أنها لم تجدده، بل أدخلته إلى دهاليز التفتيش في أسباب وعوامل التفكيك والانقسام الاجتماعي. هذه الحروب أيضا أنتجت جغرافيات مغلقة سرعان ما أشعلت بعد ذلك حروب الثارات والانتقام، والتي استخدمت نفس عناصر الحشد التي سجلتها الحروب السابقة كشواهد على رداءة كل هذه الحروب وجغرافيتها السياسية والثقافية والفكرية المغلقة، ناهيك عن ضحالة الأسباب التي ولدتها، ولكن من مواقع أخرى.

كانت الثورة الشبابية الشعبية السلمية قد عملت، إلى حد كبير، على ترميم هذا الوضع المشوه الذي أنتجته تلك الحروب، وأعادت فتح ودمج تلك الجغرافيات المغلقة على مساحة وطنية أوسع. كما أنها استعادت، من جانب آخر، القيمة الفعلية للمشروع السياسي من خلال الحوار؛ وإن بروح مثقلة بما تمخض عن الحروب والصراعات المسلحة من بروز قوى وأطراف تملك السلاح كخيار بديل للمشروع السياسي في الوقت المناسب.

اعتقدنا أننا، باستعادة المشروع السياسي السلمي الديمقراطي، قد وضعنا حاجزا قويا بين زمنين لكل منهما أدواته؛ غير أن ما أثبتته الأيام نبهنا إلى حقيقة صادمة، وهي أن الثابت في الحروب العبثية هو اعتمادها على مفاعلات الموروث الذي يتشكل على قاعدة مختلفة تماما عن الحروب الأخرى التي تقوم لأسباب سياسية، مجردة عن تزكية الموروث الديني - الأيديولوجي، والتي يمكن إزالة آثارها بمجرد ما تتم التسوية السياسية على الأرض. تقوم تلك الحروب العبثية على تنازع الحق والباطل، والخير والشر، بين أطرافها، وهو منطق مأفون بدوغما امتلاك الحقيقة، ومعها الحق في القتل وسفك الدم من أجلها، والذي أورث هذا البلد وغيره من بلاد العرب والمسلمين كل هذه الكوارث، وهو مترع بروابط ودوافع أيديولوجية متعصبة، لا تغيب فيها مصالح الآخرين العابرة للحدود، وكذا نوازع تصفية الحسابات فيما بين الدول الأخرى في بلاد الغير، حيث تتوفر شروط إنتاج الحامل الأيديولوجي أو النفعي للقيام بهذه المهمة.

والأيديولوجيات المسترخية فوق أكوام هذه المصالح المشوهة، أو تلك الكامنة والمتربصة في تجاويفها، يكون من وظائفها الأولى طمس جوهر التسامح والعيش المشترك. وعندما تبرز تجليات هذا التسامح في الدعوة إلى "الحكمة والموعظة الحسنة"، و"جادلهم بالتي هي أحسن"، و"تعالوا إلى كلمة سواء"، ومحصلتها النهائية بناء دولة المواطنة، فإن ذلك المنطق المأفون بروائح وغبار تلك الأيديولوجيات يتعرى أمام هذه الحقيقة الجوهرية للإسلام، وذلك ككاهن شرقي دهن جسمه بالفوسفور ليخدع الناس بأنه ينير لهم درب الحقيقة.

-4-

لا يمكن أن نفصل ما يجري في بلدنا اليوم عن نتائج تلك الحروب العبثية، وما ولدته من جغرافيات مغلقة مخترقة من قبل التطرف والإرهاب وغرور التسلط، وما خلقته من دوافع وأسباب وخبرات شيطانية في توظيف كل ذلك لمواصلة المراوغة في بناء دولة المواطنة، والسير في هذا الطريق الذي أنهك البلاد وخرب كل ممكنات إصلاحه.

في 2011، عملنا بكل السبل على تجنب الحرب التي أخذت تلوح في الأفق، بعد انقسام النظام انقساماً رأسياً مع بداية ثورة فبراير؛ وذلك لحماية الثورة السلمية والبلد من آثارها المدمرة. وفي اتجاه معاكس لمسار الثورة السلمية، قامت وساطة بين رأسي الجناحين المنقسمين، وكان الرئيس السابق يومها قد قدم مبادرته بشأن التخلي عن السلطة لنائب اختاره هو (وكان الأخ علي مجور)؛ كان ذلك في بداية مشوار هذه العملية الطويلة. اشتغلت الوساطة على محورين من الدوافع لاستعادة لحمة النظام. كان الأول هو التحذير من خروج الحكم من أيديهم إلى أياد أخرى. وكما زعموا أنه قد يأتي من ينتقم من الجميع، فهناك من يتربص بهم جميعاً. والثاني هو أن هناك من يريد أن ينتقم لحرب 1994، ويريد أن يشعل حربا بين الطرفين، وكنا نحن المقصودين بذلك. ولم تشفع لنا كل جهودنا التي بذلناها لتجنب الحرب والحفاظ على سلمية الثورة. وكان هناك من يريد أن يبتز موقفنا بمثل هذه الادعاءات السخيفة ليصبح صوتنا خافتا في معارضة أي اتفاق يتم بين الطرفين. وقع رأسا الطرفين، ومعهما لجنة الوساطة، اتفاقا يقضي بأن يغادرا السلطة؛ على أن الأهم من هذا كله هو الاتفاق على ترتيب الحكم في النطاق الذي يستعيد فيه نفس النظام السياسي مكانته وألا يخرج الحكم عن دائرته. كانت دول مجلس التعاون تضغط حينذاك بضرورة توقيع المبادرة. ولتخفيف ذلك الضغط، أخذ وزير الخارجية يومذاك الاتفاق الموقع إلى السعودية وبقية دول مجلس التعاون وأطلعهم عليه، وكأن الأطراف "الرئيسية" قد اتفقت على وضع حد "للمشكلة" بهذا الاتفاق. ومن يومها، تراجع الموقف من المبادرة عند هؤلاء، وأخذت نذر الحرب تلوح في الأفق من جديد، وأخذ الطرف الذي استفاد من هذا الاتفاق يعيد بناء حساباته ميدانياً في ضوء ما أصاب المبادرة من ركود. وراحت الأمور تتدهور وتتجه نحو الفوضى والمواجهات المسلحة، بعد أن صور جناحا النظام المنقسم المشهد يومئذ على أنه مجرد صراع على السلطة بينهما. وأخذت الجغرافيات المغلقة، التي كانت الثورة قد هدمت أسوارها وبدأت بتصفية محتوياتها، تستعيد نشاطها وتعيد بناء تشكيلاتها بسرعة لتقتحم المشهد بأدوات مخربة لسلمية الثورة وأهدافها الشعبية. لكن الثورة استطاعت احتواء الوضع وإفشال ذلك الاتفاق الذي بدا أنه قد تم على حسابها. تم التمسك بسلمية الثورة، وجرى، بإصرار وبصورة شاقة، العمل على فصل الثورة عن الضباب الكثيف الذي أحاط بها من جراء هذا الانقسام الذي شهده النظام، وما صاحبه من محاولات إنتاج صيغ ومعادلات عسكرية لاحتواء الثورة السلمية في الوعي الشعبي ولدى المجتمع الإقليمي والدولي على السواء. رفضنا جر البلاد إلى الحرب والصراع المسلح؛ لأننا كنا ندرك أن خيار الحرب سيؤدي في نهاية المطاف إلى انتصار أحد الجناحين، أو اتفاقهما، أو دخول البلد حربا بلا نهاية؛ وهو ما سيرتب، في كل الأحوال، نتائج واستحقاقات تكون ضحيتها الثورة السلمية وربما البلاد برمتها.

أعيدت الثورة إلى مسارها السلمي، وتم توقيع المبادرة كإطار لعملية سياسية واسعة أساسها تغيير النظام السياسي، وتتضمن حوارا وطنيا شاملاً يحقق ذلك، ومعه بناء الدولة المدنية الديمقراطية (دولة المواطنة). العملية السياسية كانت من أهم المحطات التاريخية التي قدمت فرصة لليمنيين أن يتشاركوا في بناء بلدهم، وهو ما لم يحدث في تاريخ هذا البلد منذ أزمان طويلة. هاجم البعض المبادرة والعملية السياسية من منطلقات متباينة. بعضهم من منطلق أن نجاح العملية السياسية سيؤسس لدولة ونظام جديدين يجعلان نظامهم السابق من الماضي. وبعضهم كان يعتقد أن البديل هي الحرب التي ستضعف الطرفين وستهيئ له فرصة أن يصبح الأقوى في معادلة الحكم. والبعض الآخر تعامل مع الثورة من منظور رومانسي لا يخلو من التماهي مع استعارات تاريخية لثورات لم يعد بالإمكان إسقاطها على حقيقة أن ثورة فبراير شملت كل الطيف اليمني باختلاف رؤاهم السياسية والفكرية، وأن القاسم المشترك بينهم كان هو الديمقراطية وليس البرامج الفكرية؛ مما يعني أن انتصار الثورة لن يتحقق بإسقاط النظام وإنما ببناء الدولة الديمقراطية. والبعض الآخر أخذ يعارض بصخب، ويعنف الجميع، بدون رؤيا بديلة محددة، ويستخدم الأخطاء والإخفاقات التي نشأت أثناء التنفيذ لدعم مواقف تقترب من العدمية المطلقة. لم يكن بالإمكان تجنب الانزلاق نحو الحرب إلا بصيغة للعمل السياسي الملتزم بأهداف الثورة. والأهداف التي نقصدها هي ذلك القاسم المشترك المتمثل في إقامة دولة مدنية ديمقراطية توفر فرصة التنافس لكل البرامج السياسية والاجتماعية والفكرية لمختلف القوى السياسية.

-5-

في تحليل مسار هذه العملية، يمكننا القول إن القوى التي تصدت لهذه العملية التاريخية تعثرت في الوصول بها إلى غاياتها الحقيقية حتى الآن، ولكن لأسباب لا صلة لها بصحة الخيار السياسي؛ وإنما بالإدارة وبالظروف التي أحاطت بالعملية السياسية بمجملها فيما بعد.   

كم هي الخيارات الصحيحة التي تفرضها معادلات وموازين الصراع السياسي على الأرض في لحظة معينة، ثم لا تلبث أن تصطدم بمقاومة الواقع الذي ينشئ معادلات مضادة انسجاما مع حراك مصالح البشر المتغيرة وغير المستقرة. لسنا هنا بصدد البحث في أسباب هذا التعثر في الوصول بهذه العملية المركبة إلى غاياتها، فهي كثيرة ومتنوعة. منها ما له علاقة مباشرة بهذه القوى، ومنها ما له صلة بالواقع المعقد والمتداخل الذي تمت فيه هذه العملية. ومنها، وهو الأهم، ما له علاقة بالكيفية التي أديرت هذه المرحلة وشرعيتها التوافقية. وبداية، لا بد من الإشارة هنا إلى أنه لم يكن هناك من يعتقد أن السير في هذا الطريق سيتم بدون مقاومة شديدة أو بدون صعوبات ضخمة، فالتغيير السلمي هو عملية نضالية في الأساس تحيط بها الصعوبات من كل جانب، ويحيط بها المتربصون من كل ناحية. وكنا نرى أن أشد المخاطر عليها هي التي ستأتي من داخلها بالقياس مع تلك التي يضخها الواقع المعقد، وهذا ما أثبتته الأيام. غير أن أهم ما يمكن الإشارة إليه بهذا الصدد هو غياب الانسجام بين القوى التي تحملت مسئولية قيادة وإدارة هذه العملية. كانت المحصلة النهائية لغياب هذا الانسجام هي أن أخذ صراع الإرادات يسيطر على الموقف، ويمرر اختياراته بطريقة تتعاكس على نحو مستمر مع شروط نجاح العملية السياسية. كان عدم نقل السلطة هو المظهر الرئيسي لصراع الإرادات تلك، فقد تم التعامل مع قضية نقل السلطة بطريقة مهينة للعملية السياسية كلها (شرحت ذلك بوضوح في "عبور المضيق"). ثم رأينا كيف جاءت إلى كثير من المواقع التنفيذية المؤثرة عناصر لا تشعر بأي التزام أدبي أو أخلاقي تجاه العملية السياسية، وكان بعضها يعمل على تعطيل هذه العملية من موقعه التنفيذي الذي يمنحه القوة والحماية. وفي اتساق مع هذا الوضع، تراكمت جملة من العوامل التي أخذت تضعف المسار السياسي وتفتح الطريق مجددا أمام مشروع الحرب الذي راح يفتح لنفسه ثغرات كبيرة في جدار هذه العملية التي أخذت تتحول من الهجوم إلى الدفاع. وكان أكثرها سلباً هو أنها انتقلت من أيدي القوى السياسية إلى أيدي السلطة؛ أي من طابعها السياسي إلى طابعها السلطوي. إن أخطر ما واجهته هذه العملية هو أنها أديرت بأدوات سلطوية، في حين تراجعت الأدوات السياسية إلى الخلف. وربما كان لذلك أسبابه الموضوعية المتمثلة في بروز صراع الإرادات بين معظم القوى التي جاءت إلى السلطة التوافقية من رحم النظام القديم. كما أن الصراع السياسي الملتبس بأيديولوجيات دينية كثيراً ما تدخل ليعرقل المسار السياسي عند أكثر من محطة. لقد تسلل مشروع العنف والحروب من هذه الثغرات، وأخذ يستقطب مساحات واسعة من البلاد وقطاعات مؤثرة من الشعب، واستطاع في فترة زمنية قصيرة أن يفرض على الأرض اختياراته من خلال الحديث مجدداً عن "تجديد المجتمع"، ولكن بعبارات أخرى مشتقة من الحاجة المجتمعية التي ولدتها إخفاقات وأخطاء مرحلة السلطة التوافقية، وتأخر إنجاز العملية السياسية. لقد حمل رافعو هذه الشعارات أنفسهم مسؤولية ضخمة عندما تحدثوا عن إعادة بناء قيم الشراكة في بناء الدولة ونظامها السياسي الديمقراطي، ومكافحة الفساد، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، دون أن يحسموا أمر الأدوات التي ستمكنهم من تحقيق ذلك. إن فخ القوة يعيد إنتاج نفسه مجدداً ليكتشف المبشرون الجدد بالـ"تجديد" أن الإرادوية منطق مخادع في كل الأحوال، وخاصة عندما تسلك هذه الإرادوية طريق العنف، فقد يكون العنف والحروب أقرب طريق إلى السلطة، لكنها بالتأكيد لا تكون إلا طريقاً متوهاً وغير معبد عندما يتعلق الأمر بالأهداف.

غالباً ما تتجسد الإرادوية في مثل هذه الظروف في إنتاج صيغها الخاصة بالأهداف في صورة شعارات لها رنين خاص، والتي يتلاشى رنينها بمجرد أن تحسم معركتها على الأرض. ثم تبدأ مرحلة جديدة يتوجب فيها على هذه الإرادوية أن تكتشف حقيقة الواقع الذي تتحرك فيه وكذا طبيعة الأدوات التي تحتاجها في معاركها القادمة. الذين واصلوا مراحلهم اللاحقة بأدوات الحروب والعنف فشلوا. وربما أدرك خصومهم، في كل التجارب البشرية، هذه الحقيقة فعملوا على إغراقهم فيها.

-6-

هذه هي طبيعة الحروب ونتائجها؛ فالشراكة اليوم، مثلاً، باعتبارها مفهوما سياسياً نصت عليه اتفاقات عديدة بين القوى السياسية، حولتها الحرب، بالنتيجة، إلى جغرافيا مغلقة بما انطوت عليه عند بعض الأطراف من نزعات يتجاذبها شعور بالتفوق العسكري يصاحبه إحساس تاريخي بالحرمان من ناحية، وشعور بامتلاك الفرصة التاريخية لتعويض هذا الحرمان من ناحية أخرى. وهي عند أطراف أخرى أداة مساومة بالحد الذي يمكن أن يحقق ميزانا أو تفوقاً في معادلة الحكم، وعند أطراف أخرى هي صراع من أجل الحفاظ على ما تحقق من مكاسب في أزمنة سابقة. عند هذه المفاهيم أُغلقت جغرافية الشراكة وذلك بالوضع الذي استقرت عليه وبالأدوات المنفذة لها. أي أن مشروع الحرب، الذي انخرط فيه الجميع ، والذي راح يتجدد من آونة لأخرى وتحت عنوان "التجديد"، أعاد صياغة الشراكة على نحو مختلف تماما عن مفهومها الذي أنتجته الثورة السلمية باعتبارها تسوية تاريخية تبدأ من الشراكة الحقيقية في حل القضايا الوطنية التي ترتبت على مسلك نظام فاشل في التعاطي مع الوحدة وتدميرها، وخاصة قضية الجنوب، ومسؤولية بناء الدولة وإدارتها بقواعد تضمن حق الجميع في العمل والتوظيف والترقي، وحقهم في ممارسة الاختيارات السياسية، وحقهم في الثروة وفي التعليم والخدمات الصحية، وحقهم في حياة آمنة ومستقرة وفي التملك وممارسة النشاط الاقتصادي والتمتع بالحقوق والحريات التي تكفل لهم العيش الأمن والكريم. باختصار حقهم في الحصول على "وطن" من واجبهم في حمايته والدفاع عنه وبنائه وتطويره.

إن ما تسمى بالشراكة اليوم هي انعكاس لموازين القوة التي تحركت في اتجاهات مختلفة طوال عقود لتنتج هيمنة أطراف بعينها وتشكل جوهر الصراع في هذا البلد، وهي مجرد نموذج للجغرافيا المغلقة التي أنتجتها الحروب، وأكسبتها مفهوما مشوها حددته الحاجة عند مختلف هذه القوى في توظيفها بما يحقق مصالحها فقط. لقد جرى إغلاقها في دائرة القوى المتصارعة لتبدو وكأنها استجابة لما ينتظر السياسة والثقافة والسلوك الاجتماعي من تبدلات جوهرية ستواصل تمزيق النسيج الاجتماعي لتضع البلد كله في فخ الصراعات التي قد تنتهي به إلى انهيارات كبرى.

-7-

لا يمكن أن تكون الحروب الأهلية حلا، كما أنها، بطبيعتها، لا تنتج أي حل يستوعب المشكلات المعقدة للمجتمع، ولم تكن كذلك في أي يوم من الأيام في تاريخ هذا البلد. ظلت الحروب تهيئ الأسباب للعنف ولحروب متتالية بعناوين مختلفة وأهداف واحدة، وهكذا. الشعوب الحية لا أحد يستطيع أن يقنعها بأن الحرب أو العنف طريق لبناء المستقبل؛ لأن الحروب كانت دائما ما تصادر مستقبلها وتأخذ الجزء الأكبر من لقمة عيشها ومن كرامتها، لتكافئ المنتصر. باسم الشراكة، يدخل اليمن اليوم مأزقا خطيراً تعيش فيه البلد فراغا سياسيا خطيرا بعد استقالة الرئيس التوافقي هادي وكذا حكومة بحاح. والحقيقة إن أي محاولة لحل الإشكال القائم اليوم على قاعدة أخرى غير شرعية التوافق التي أسست لقواعد مشتركة من التفاهم بين الأطراف المختلفة على بناء الدولة سيكون مصيرها الفشل، وستدخل البلد في اضطرابات خطيرة. وبهذا الصدد، أرى أن  تضبط إدارة الشرعية التوافقية بجملة من الإصلاحات الهامة التي من شأنها أن تعالج  الثغرات التي رافقت هذه الإدارة خلال الفترة الماضية. إن الذهاب إلى شرعيات أخرى في هذه اللحظة وتحت أي مسميات كانت سيؤسس لمرحلة من الفوضى وعدم الاستقرار. ولا بد بهذا الصدد أن تضع القوى السياسية وأنصار الله مع الرئيس هادي جملة من التوافقات تكون بمثابة قواعد لخارطة طريق توصل البلاد إلى انتخابات تكون بداية حقيقية لوضع البلاد على طريق الاستقرار والتنمية.

الثلاثاء, 27 كانون2/يناير 2015 18:27

" قلنا اخرج من الإخوان مش من الإسلام "

 

زعم الأستاذ العزيز عبد الجبار سعد في مقال نشره في "اليمن اليوم" منذ يومين أنني طالبت بإخراج الرئيس السابق علي عبد الله صالح من البلد . ولم أكن أتصور أن كاتبا حصيفا مثل عبد الجبار يقع في مثل هذا الخطأ الكبير الذي لا يفرق فيه بين السلطة والبلاد . ولا أملك إلا ن أرد على صديقي عبد الجبار بحكاية من داخل نفس الثقافة التي حكمت سلوك البعض في قلب الحقائق ، التي لا أرى له مكانا فيها رغما عن كل شيء . 

 كان الرئيس السابق علي صالح يتلذذ بسرد حكايته مع أحد قادة الإخوان المسلمين السابقين فيقول " طلبت منه أن يترك الإخوان المسلمين ، واتفقنا على ذلك ، وبعد فترة قابلته وقد بالغ في خروجه فقلت له : قلنا أخرج من الإخوان مش من الإسلام" . لا يهم صحة الرواية من عدمها ، مع يقيني أنها مفبركة ، لكن الهدف من إيرادها هو أن الرئيس السابق كان يغمز إلى أن البعض يراوغ في فهم المطلوب منه .  ألا ترى يا صديقي أن الفهم المراوغ آفة لا ينجو منها كثيرون . ما بالنا والبعض لا يفرق بين السلطة والوطن ، فالوطن عندهم هو السلطة ، والسلطة عندهم هي الوطن .

كان مطلوبا من الرئيس السابق مغادرة السلطة بموجب الاتفاق الذي وقع عليه وليس مغادرة البلاد ، وهذا ما طالبنا به ، ولا زلنا نرى أن عدم تنفيذه هو الذي أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه دون أي تزيد . هل فهمت الفرق يا عزيزي عبد الجبار.         

السبت, 24 كانون2/يناير 2015 16:09

وجهة نظر

 

 الوضع السياسي الراهن ينذر بكارثة حقيقة إذا لم تتحمل القوى السياسية التي وقعت على اتفاق السلم والشراكة مسئوليتها في التوصل إلى موقف واضح يجسد مضمون هذا الاتفاق لإنهاء الخلاف القائم بين أطرافه ، والذي أدى إلى استقالة الرئيس عبد ربه منصور هادي وكذا استقالة الحكومة .

إن العودة إلى البرلمان لحسم موضوع استقالة الرئيس (قد) يتعارض مع روح الاتفاقات الموقعة بين أطراف العملية السياسية التي اعتمدت التوافق في قيادة هذه المرحلة الانتقالية ،و(ربما) يؤدي إلى إشكالات إضافية في ظل الوضع السياسي المضطرب والحسابات الخاصة لمختلف القوى السياسية ، والمطلوب هو إيجاد الآلية العملية للإشراف على تنفيذ هذا التوافق .

لقد طالبنا بذلك منذ توقيع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ، ولكن الأمور سارت في مسارات أخرى . وإذا كان هناك من دور لمجلس النواب اليوم فليكن دوره هو العمل على إصلاح الوضع المتأزم لما في المجلس من شخصيات وطنية وسياسية ووجاهات قادرة على النصح واحتواء الموقف .

واليوم وقد وصلت الأوضاع في بلدنا إلى هذه الحالة الخطيرة  فإنه لا بد من أن تتحمل القوى السياسية الموقعة على اتفاق السلم والشراكة مسئوليتها في معالجة هذا الوضع وإيجاد الحل الذي يجنب البلاد مخاطر الانزلاق نحو المزيد من العنف ومن ثم التفكك . ليس أمامها من خيار آخر ، أو الإعلان عن فشل عملية التوافق وتتحمل الأطراف التي ترفض ذلك مسئولية ما يترتب على الخيارات البديلة من نتائج .

 ولا بد من الاشارة هنا إلى  أنه بسبب غياب الإطار السياسي للمرحلة الانتقالية فإن ثقل أعباء المرحلة انصب كله على الرئيس هادي، وهي أعباء ضخمة ، وفوق هذا فقد أدى الصراع بين القوى النافذة في سياق هذه العملية إلى تعرضه للابتزاز من قبل هذه القوى ، والتي ظلت تضغط عليه للحصول على مكاسب خاصة في الصراع ، حتى أن كل هذه القوى ، وفي وقت واحد ، راحت تكيل له الاتهامات بالانحياز إلى الآخر ، وأخذت تعمل على إفشال مهمته بشتى الوسائل والسبل .  ومارست بهذا دورها المعروف في أضعاف الدولة في كل المراحل لتقوم بابتزازها ، والعمل على بقائها مؤسسات هشة يسهل اختراقها وتوظيفها لمواصلة إضعاف الدولة .

إن ما وصلت إليه البلاد هو محصلة  طبيعة لمقاومة تنفيذ الاتفاقات المختلفة ، فالقوى التي تجد نفسها قادرة على التعطيل لم تتردد من ممارسة ذلك . إنني ، وقد وصل الوضع إلى ما وصل إليه ، أناشد كل الأطراف أن تحتكم في اللحظة الراهنة لصوت العقل ولمصلحة هذا الوطن ، ولا بد أن تتحمل الأحزاب والقوى التي وقعت على اتفاق السلم والشراكة مسئوليتها التاريخية في الوقوف أمام قضايا الخلاف بمسئولية كاملة ، وتنطلق في هذا مما تم الاتفاق عليه في بيان ذلك الاتفاق بتاريخ الأربعاء 21يناير2015، وتضع جدولا زمنيا لتنفيذه يكون ملزما للجميع مع تحديد مفهوم واضح لموضوع الشراكة في ضوء نصوص اتفاق السلم والشراكة .

وفي هذا السياق أرجو من الرئيس هادي أن يسحب الاستقالة وانجاز مشواره على طريق بناء الدولة ، وذلك بعد أن تقوم كافة الأحزاب والقوى الموقعة على اتفاق السلم والشراكة بتوقيع ميثاق شرف  يتضمن  إلتزامها بالعمل على تنفيذ الاتفاق بروح جماعية واستعادة الدولة وهيبتها ، وعلى أن تظل هذه القوى  بمثابة إطار سياسي مرجعي لتفسير بنود الاتفاق والإشراف على تنفيذه . ويتوجب على هذا الإطار السياسي ، الذي فشلنا في تحقيقه في المرحلة الأولى ، أن يعمل بكافة الوسائل النظامية وبموجب لائحة تنظم عمله ، وأن تكون قراراته التوافقية نهائية فيما يخص الإشكالات والخلافات التي تنشأ أثناء تنفيذ اتفاق السلم والشراكة .

وأرى أنه لا مخرج أمام اليمن غير التوافق لإنجاز مهام هذه المرحلة والوصول بالبلد إلى الخيار الديمقراطي ، وما عدا ذلك فإنه لن يكون أمامها غير طريق مجهول يعج بالأخطار والكوارث .

 

×ينشر بالتزامن مع صحيفة "الشارع"

السبت, 03 كانون2/يناير 2015 19:46

الجنرال فيليب جونزاليز

 

مات منذ أيام الجنرال العجوز الدكتاتور فيليب جونزاليس، رئيس كوستاريكا، إحدى جمهوريات أمريكا الوسطى في الثمانينيات. وجد ميتا في كوخه الصيفي، وفي يده كتاب هو عبارة عن مذكرات خصمه السياسي المعارض لنظام حكمه، سلفادور غراسيا.

لم يكن قد مضى على وفاته أكثر من ست ساعات، كما أكد ذلك تقرير الطبيب الشرعي، حينما اكتشفت ذلك ابنته الوحيدة التي كانت تزوره مرة كل أسبوع. فمن محاسن الصدف أن وفاته كانت قد صادفت اليوم الذي تعودت فيه ابنته "روزا" أن تزوره، لتهتم بشؤونه وتنظر في احتياجاته، وتجهز له ما أمكن لها أن تجهزه من طعام وغير ذلك من مستلزمات الحياة. ففي السنوات الخمس الأخيرة من حياته، عاش وحيدا بعد أن ماتت زوجته وتركته للخادمة التي عاشت معهم عمرا طويلا، ثم رحلت هي الأخرى إلى عالم الآخرة. أما أصدقاؤه فقد هجروه؛ وحتى أولئك الذين كانوا من أركان حكمه من الجنرالات وأمضى برفقتهم سنوات الاحتجاز الطويلة في منتجع رديء ورطب بالقرب من أحد موانئ تصدير الموز يلعبون الدومنا، ويعاقرون التكيلا، ويعاكسون الريفيات بملابسهن المزركشة، واللاتي يقدمن من وراء جبال السييرا ليعملن في تنظيف الموز قبل تعبئته وشحنه، ويتنبؤون بأحداث البلاد ويقامرون على المستقبل السياسي لكاسترو مع كل انقلاب يهز جنرالات الحكم فيما كان يعرف بجمهوريات الموز... لم يعد يلتقي بأحد منهم. آخر واحد منهم زاره منذ سنة وأهداه الكتاب الذي وجد بيده حين وفاته.

أدركت الابنة أن والدها قد غادر الحياة. نظرت إليه بهدوء، لم تسعفها الدموع في تلك اللحظة التي أخذت تقارن فيها بين والدها المسجى في فراش مبعثر الألوان والكيان يعكس حال الزمن الخاص الذي آل إليه، ووالدها الذي كانت تهتز لحركته الأرجاء المحيطة وتستنفر من هيبته الأشياء، بما فيها أبالسة القوم من أركان حكمه، وذلك بمجرد أن يلوح بعصى المارشالية ويصدر أمرا ما. كانت آنذاك صبية، وكان الجميع يتودد إليها بكلمات تحمل الكثير من النفاق، وقدرا كبيراً من الصدق عندما يتعلق الأمر بجمالها؛ فقد كانت ذات جمال أخاذ ورثته عن أمها، ممثلة المسرح التي أغرم بها الجنرال في بداية حكمه وقرر أن يملكها في عرس اعتبر زفاف العصر في تلك البلاد الفقيرة، التي يتوزع سكانها بين مزارع ومرافئ الموز، وملاعب كرة القدم ومكاتب الهجرة، وشواطئ التعري للتلصص على رواد تلك الشواطئ من أثرياء كوستاريكا والبلدان المجاورة، وأزقة تهريب السيجار الكوبي والماريجوانا الشاردة والمطاردة من الحدود المكسيكية الأمريكية، وحانات التيكيلا الرخيصة المقلدة للتيكيلا المكسيكية.

كانت أول نصيحة قدمتها له، وقد أوغل في اغتيال خصومه وأغرق حكمه في الدم: "لا تقتلهم لتحييهم في ضمير المجتمع، عليك أن تبقيهم أحياء وتقتلهم في عيون الناس". أعجبته الفكرة. جمع البلاطجة وشذاذ الآفاق وكل من سقط في قبضته أو على مائدته من تجار الكلمة، أو ممن أفقدهم آدميتهم وسخرهم لخدمته، وأخذ يشوه خصومه بالإشاعات والحملات الإعلامية؛ لكن كثيراً من خصومه الذين صمدوا أمام هذه الحملات ظلوا عرضة للموت على يد عصاباته. كان يستعجل نهاية خصومه ولا يطيق الانتظار. لذلك هاجر الكثيرون هربا إلى خارج البلاد، وهاجر سلفادور غراسيا، صاحب الكتاب الذي كان بيد الجنرال يوم مماته، إلى هندوراس متخفيا في شخصية عالم آثار مكسيكي متخصص في حضارة الـ"أنكا"، واستقر في قرية نائية على ضفاف نهير صغير يطلق عليه "آمور". بعد فترة أدركه الموت هناك وقد انتهى من تأليف كتابه، وأوصى المرأة التي عاش في كنفها في تلك القرية أن تسلم المخطوطة لصديقه أستاذ الفلسفة المتقاعد الذي كان يزوره من حين إلى آخر.

التقطت "روزا" الكتاب من على صدر والدها، واستجمعت قواها ولملمت أوصالها المنهارة. وخلال ساعات النهار، أنهت مراسم الدفن بمساعدة المجلس المحلي للبلدة الصغيرة التي يقع فيها الكوخ. حضر رئيس المجلس مراسم الدفن، بعد أن تسلم موافقة من العاصمة، وحمل معه "بوكيه" ورد ولوحة رخامية كتب عليها اسم الجنرال وصفته كرئيس سابق لكوستاريكا.

في المساء، عندما قررت العودة إلى البلدة التي تعمل وتعيش فيها مع فتاة بيروفية لا يتجاوز عمرها أحد عشر ربيعا، كانت قد تبنتها من إحدى مستوطنات الهنود الحمر في البيرو قبل سنوات، لم تجد ما تحمله معها سوى ذلك الكتاب وصورة فوتوغرافية قديمة تجمعها مع أمها وأبيها في حديقة منزلهم الرئاسي، ونظارة والدها ذات الإطار الذهبي، وبعض الأشياء الصغيرة التي لم تكن غير سقط متاع، لا قيمة لها إلا فيما تحمله من ذكريات.

وهي تقرأ مذكرات المعارض السياسي لوالدها، أخذت تسترجع كثيراً من صور حياة والدها وهو في الحكم. لم يكن الكاتب متحاملا، وما أدهشها أكثر هو أن الملاحظات التي سجلها والدها على الهوامش كانت تؤيد أقوال الكاتب أو تجادل بعض الوقائع بمنطق ضعيف. في أحد الهوامش سجل الجنرال: "كان سلفادور يضرب خصمه بقوة كلماته الناعمة والمحترمة وذات المضمون الثري، ولم يحدث أن خرج عن هذا النمط من التعبير المهذب حتى وهو يتعرض للإهانات والتشهير والتهديد بالقتل.. كنت أشعر أنه يتصرف بسمو وبترفع في مواجهة "نذالة" نظامي، وهذا ما كان يغيظني أكثر وأكثر. ظل يترفع في مواجهة سلوك منحط لنظام دكتاتوري كان بالإمكان أن تكون أدواته غير منحطة". 

وفي مكان آخر، يسجل الجنرال هامشا يقول فيه: "لقد وصف سلفادور نظام حكمي بأنه دكتاتوري ضعيف، ومصدر الضعف فيه هو الأدوات المنحطة التي استخدمها جلاوزة النظام في قمع معارضيه. وفعلا أستطيع القول اليوم بكل صراحة إن منهجنا كان دكتاتوريا، أما أدواتنا فقد كانت تعبر عن الرعب الذي يتملكنا تجاه وقائع الحياة، بما في ذلك مقاومة المجتمع. لقد كانت أدوات منحطة، لم تكن تجسد القوة التي تتجلى كمظهر للدكتاتورية بقدر ما كانت تعكس رخاوة السلوك الذي يتسم بالنذالة".

كان ذلك آخر ما سجله الجنرال جونزاليز على هامش مذكرات معارضه السياسي الشهير سلفادور غراسيا، وكأنه  يبرئ نفسه أمام معارضه في محكمة كان فيها الحضور مقتصراً على اثنين: كتاب يعج بالوقائع التاريخية وضمير ربما كان مثقلاً بآثارها.

 

الأربعاء, 12 تشرين2/نوفمبر 2014 18:54

بقع البارود فوق جدارية الحلم بوطن

يتصدع الحلم ببناء دولة المواطنة، وتعتور المسار نحو تحقيق هذا الهدف فجوات ضخمة، ويطرح سؤال: هل فشل الحوار وانتصر السلاح؟

تراكمت على صعيد تحقيق هذا الهدف (الحلم) عوامل إيجابية مواتية وأخرى بطبيعة الحال سلبية غير مواتية. وما يحدث في اليمن منذ زمن، هو احتكاك وصدام بين منظومتي هذه العوامل. أدوات ومظاهر هذا الصدام اختلفت وتماثلت من مرحلة إلى أخرى. ما نعيشه اليوم ليس هو الأسوأ؛ على الرغم من أن أدواته ومظهره في غاية السوء؛ لكن الزمن الذي أنتج هذا الوضع، وراكم شروط ولادته على هذا النحو، كان هو الأسوأ على الإطلاق. اليوم، وبعد كل هذا الزمن من الحلم والرفض، تتوزع بقع البارود ورائحته على جدارية الحلم من أزمان مختلفة، لتسجل صلافة الرفض المقاوم للوصول إليه، والذي ظلت تتناوبه أمم قد خلت وأمم تأتي، "وكلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا أدركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار" (صدق الله العظيم).

نحن اليوم أمام "النتيجة" التي كان من الطبيعي الوصول إليها بعد كل تلك المقدمات التي مثلت العنوان الأبرز لما يمر به اليمن من أحداث. لا أحد يستطيع أن يقول إن عناوين المشهد اليوم هي ولادة حديثة. لقد ولدت هذه العناوين كلها من رحم نظام سابق، رعاها وهيأها ووفر لها شروط البقاء والاستمرار، وكانت بمجملها العناوين التي شكلت منظومة العوامل السلبية وغير المواتية فيما يتعلق بهدف بناء دولة المواطنة؛ لأنه بطبيعته السياسية وبنيته الاجتماعية والاقتصادية، ومع ما أنتجه وما ورثه من كوارث، لم يكن مهيئا إلا لإنتاج هذا النوع من العوامل. وفي حين ظل ينتج ويهيئ منظومة هذه العوامل السلبية، فإنه أخذ يقمع بقوة منظومة العوامل الإيجابية ويضعفها حتى اختلت المعادلة وترتب على اختلال المعادلة نمط خاص للمشهد السياسي تمثل في أن منظومة العوامل السلبية أخذت تتصادم فيما بينها، وتعمل، في نفس الوقت، على خلق المناخ الذي راح يقضي على ما تراكم من عوامل إيجابية لصالح بناء هذه الدولة.

المشهد اليوم لا يخرج كثيرا عن هذه الحقيقة، ما يجعله مشوها بما يكتسبه من ملامح لا توفر أي شروط لانتقال فعلي لتحقيق هذا الهدف في المدى المنظور. وهو، يتميز، إضافة إلى ذلك، بأنه عصي على أن يتفرد به حزب أو قوة أو جماعة بمفردها، وهذا هو العنصر الإيجابي في هذه العملية المعقدة، الأمر الذي يجعل الوضع برمته يتجه نحو مسارين متعارضين: مسار المواجهات وعدم الاستقرار، أو مسار الحل على قاعدة التوافق، التي تشكل "القوة المهدرة" ولا يزال باستطاعتها أن تنتج فرص هذا الحل.

ولكي تبدو الصورة أوضح في قراءة المشهد، فإنه يمكننا التركيز على النقاط التالية:

أولاً: لا شك أننا أمام حالة من الاستقطاب السياسي والاجتماعي المفرغة من الخوف على "الوطن"، والمشحونة بالتعصب للمشاريع النخبوية التي تختزل الوطن بصورة تعسفية في أجنداتها الخاصة. وهي حالة مُنتَجة ومُرحَّلة من أزمنة سابقة. وقوى الصراع التي تحمل هذه المشاريع لم تستطع أن تتحول إلى مكونات سياسية؛ ذلك لأن أدواتها، التي ظلت تعمل بها، ليست سياسية في الأساس، وإنما هي أدوات أيديولوجية إقصائية في جوهرها وميولها، أو أنها أدوات فساد وإفساد مرحلة من الماضي، وجميعها يحميها السلاح والمخاتلة ورفض الآخر.

ثانياً: هشاشة الدولة، الاقتصاد والسياسة، وإلى جانبهما هامشية الثقافة في التأثير الإيجابي على أسلوب التعاطي مع مجريات الأحداث، جعلت الصراخ والعويل ظاهرة ملازمة لنا، نحن اليمنيين، في كل الأحوال، صغرت الأحداث أم كبرت، الخطيرة منها والعادية، كلها على السواء، نتعامل معها بصراخ وصخب يفتقران إلى الرشد في التعبير عن حجم المشكلة ومحتواها، ولا يمكن معهما أن نتبين أين يجب التركيز، أو أين يجب التوقف لبحث الحلول. صخب يحملنا إلى متاهات بالغة الإرباك والإنهاك، يبدو معه الحال وكأن النيران قد أحرقت كل شيء، وأنه لم يعد هناك ما هو قابل للإصلاح. في هذه المتاهات تختلط الحقائق بالأوهام، وحاجة الوطن بتصفية الحسابات؛ وتتجسد في معادلة البناء، التي يدعيها الجميع، عناصر متناقضة من معطيات ومجاهيل هذه المعادلة تجعل منها معادلة مخربة غير قابلة للحل. وكم هي المعادلات التي صاغتها الأحلام وخربتها نقائض الأفعال المعاكسة للحلم في أسوأ صورة لابتزاز الواقع المتطلع إلى التغيير.

ثالثاً: خطاب تخوين وتكفير الجميع للجميع، واتهامات الجميع للجميع، وابتزاز الجميع للجميع، باسم مصلحة الوطن، كما يراها كل واحد من مكانه وموقعه ومرجعيته، كلها تقدم أكثر من دليل على أن هذا البلد كان وسيظل ضحية التهريج، الذي تمارسه نخب تشوهت وتشوه خطابها ومنطقها بتشوه المصالح التي تنتظم في إطارها؛ هذه النخب بعناوينها العصبية، والسياسية وأنماط بناها الاقتصادية والاجتماعية، وكذا المذهبية بمحتواها السياسي والأيديولوجي، والتي انخرطت جميعها في مشروع العنف والحروب وتكديس السلاح أكثر من انخراطها في المشروع السياسي الديمقراطي وأدواته السياسية والثقافية والاقتصادية. يتزامن ذلك مع الحكم المستبد، الذي أنشأ معادلاته على الأرض، وحمى نظامه السياسي والاجتماعي، بتشجيع المشاريع ما دون الوطنية. شجع الثقافة التي تبحر بالمجتمع إلى الماضي ليغرق في أحداثه ومجاهيله والكثير من مفارقاته، التي تجعل من الحاضر والمستقبل مجرد محطات صراع يستحضر فيها هذا الماضي كعنوان لما يجب أن يتشكل بإيقاعاته وتأثيره واقع حال المجتمع ومستقبله. وشجع المشروع الاقتصادي المعطل للتنمية الجادة الشاملة، الذي أفرز بنية اجتماعية مشوهة سحقت فيها كل القوى والفئات الاجتماعية المؤهلة للمبادرة والرافعة للمشروع الاقتصادي التنموي، وخاصة البرجوازية الوطنية والطبقة الوسطى. وفر لهذه القوى الاجتماعية والسياسية شروط التكون والتسلُّح ليواجه بعضها بعضا؛ كي يأمن شرها بعد أن تكون قد استقطبت قطاعات واسعة من المجتمع لتنشغل بالماضي وبمصالحها المتصادمة وتترك بدورها أمر الحكم للحاكم. وهو اليوم يلعب في نفس المساحة التي أمضى سنوات حكمه الطويلة في تسويتها وإعدادها لتغدو ساحة لممارسة ثأره، ليس من خصومه، كما يدعي، وإنما من الشعب الذي ثار عليه في أجرأ انتفاضة ثورية شهدها اليمن.

رابعاً: تصدع الحلم ببناء الدولة هي عملية تراكمية طويلة ترافقت، جنبا إلى جنب، مع بنائه (أي هذا الحلم) في الوعي الشعبي كعملية تراكمية أيضاً. سارت العمليتان التراكميتان بمحاذاة بعضهما: مجتمع بقواه المدنية والشعبية الثورية يحلم ويصوغ هذا الحلم في صور شتى من الأهداف، وفي سبيل تحقيقها يقاوم الاستبداد ويقدم التضحيات ويناضل من أجل الدفع بعمليات إصلاحية وخلق حالات وبؤر ثورية للتغيير. وكان أكثر من يخونه هم أشباه المثقفين ممن امتهنوا الحديث باسم الجماهير ليتحولوا بعد ذلك إلى منصات مزاد عارضين بضاعتهم على الحاكم مقابل منصب أو جاه أو مال. ولم تكن قيادات كثير من مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية أقل انتهازية من أولئك المثقفين؛ فقد استسلمت لتفكيك منظماتها وأحزابها وصهرها في بوتقة الحاكم، وتحولت من قوى مناضلة إلى قوى مروضة، وهدمت جسورها مع الجماهير، وبعد ذاك تحولت إلى عبء حتى على الحاكم الذي روضها وطوعها للعمل لصالحه. وكانت هذه المنظومة الانتهازية والنفعية جزءا من بنية النظام السياسي الذي عمل على تكسير الحلم وانتكاسته؛ عبر عملية طويلة من التخريب القيمي الذي أفضى، في نهاية المطاف، إلى بيئة طاردة للأحلام الثورية ومستكينة للواقع المروض. وكانت هذه هي العملية التراكمية في الاتجاه المضاد.

خامساً: انقسام وتفكيك المجتمع الذي تعمل عليه هذه النخب بطابعها العصبوي ومضمونها الدوغمائي، بشقيه السياسي والاجتماعي وموروثه الفكري، لم يستطع أن يخترق المجتمع رأسياً، حيث ظل متماسكاً إلى حد كبير، وهو ما شكل حماية للبلاد من الانقسامات والتفكك وكذا الحروب المعبرة عنها.

تقوم كثير من الحروب بالاستناد إلى هذه القيم ما دون الوطنية؛ ولكنها كانت تبقى حروبا نخبوية فوقية، لا يشارك فيها إلا المنتسبون إلى هذه القوى والنخب والجماعات بصيغها العصبوية المختلفة. أما بقية الشعب بأغلبيته الساحقة فإنه يبقى خارج هذه الحروب، معبراً عن الحالة الوطنية المقاومة للاختراق العصبوي وحروبه العبثية. وإذا ما شاركت بعض القطاعات فبأجرها، دون انخراط حقيقي في لعبة هذا النوع من الاستقطاب. لم تسفر محاولات الاستقطاب التي جرت على هذه القاعدة، عبر مراحل طويلة من الصراع، عن شرخ انقسامي عميق في المجتمع؛ عدا بعض الشروخ الصغيرة التي تتوقف عند القشرة السطحية لبنية المجتمع وفي إطارات نخبوية. لقد شكل هذا التماسك لبنية المجتمع، حتى الآن، ضمانة حقيقية لبقاء اليمن بعيداً عن هذه الحروب الكارثية التي نشاهدها في أكثر من مكان من الوطن العربي، حتى أنها تبدو وكأنها حروب من طرف واحد، مثلما كانت دائماً طوال كل الحروب التي اندلعت في اليمن. حتى حرب 94، والتي حاول نظام صنعاء أن يصورها على أنها حرب الشمال الوحدوي على الجنوب الانفصالي، في إسقاط لحروب الشمال الأمريكي على جنوبه، كانت حرباً نخبوية لقوى متحالفة متنفذة ومعبرة عن مصالح طبقية بعينها، وإن كانت مشوهة، أرادت أن تعيد صياغة الوحدة على مقاسها، ولتحقيق ذلك كان لا بد من أن تضع الجنوب كله خصماً في مواجهة الشمال الذي رفض هذه الخصومة بإصرار.

سادساً: كان هذا المجتمع يقوم بدور هام في الحفاظ على كيان الدولة، عندما تتعرض الأنظمة السياسية والاجتماعية للانهيارات. كان هو العنصر الفاعل من عناصر الدولة، الذي يظل متماسكا في مواجهة الحروب والانهيارات، ويقاوم عبث النخب المتصارعة. وعندما لا تجد هذه النخب استجابة من المجتمع لهذا الاستقطاب لتغذية حروبها الفوقية، فإنها إما أن تتوقف، أو أن تتوحش أكثر. أما التي تتوقف فإنها تبدأ في البحث مجدداً عن وسيلة تربطها بالمجتمع، ثم تنخرط فيه مستخدمة الأدوات التي يقبلها، وتصبح طبيعة هذه الأدوات معياراً لمصداقية الانخراط في المجتمع. أي أن المجتمع يستطيع أن يكتشف هذه المصداقية من عدمها بسهولة من خلال هذه الأدوات. وكم هي المرات التي لفظ فيها المجتمع كثيراً من هذه النخب، حينما ضللته وقررت احتفاظها بأدوات الحروب لجولات أخرى من الصراع. وأما التي تتوحش أكثر فإنها تواصل الغرق في الدماء والانعزال عن المجتمع؛ فكلما غرقت في الدماء أكثر وأكثر، تقطعت روابطها مع المجتمع وتحولت إلى مجرد أداة للقتل والترويع.

سابعاً: لعب الحكام الفاسدون الدور الأساسي في تخليق وتكوين هذه النخب وتسليحها وإدارة معاركها، من منطلق استقر هدفه الأول، وربما الوحيد، على حماية أنظمتها الفاشلة من المساءلة الشعبية والانتفاضة عليها. وتحقق لها هذا الهدف في المرحلة الأولى؛ لكن هذه النخب لم تلبث أن أخذت تسوق نفسها كلاعب هام بمعزل نسبياً عن الأنظمة التي أنتجتها، وبدأت مرحلة جديدة من المواجهة والصراع والتحالف مع النظام، وفيما بينها. وفي هذه المواجهات والصراعات والتحالفات راحت تستخدم عناصر الحشد، المقبولة وغير المقبولة مجتمعيا، وأخذ كل منها يخبط في البركة التي يستطيع أن يصطاد منها ما يعزز قوته وبالسنارة التي صنعها لهذا الغرض. لا يهم عند هؤلاء حجم الضرر الذي يتعرض له المجتمع جراء ذلك؛ المهم هو كيف ينجح هؤلاء الفرقاء في تشكيل بيئة يستطيعون أن يمارسوا فيها خصوماتهم، وتبرر حروبهم وصراعاتهم دون انتظار أن تكون مقبولة أو غير مقبولة مجتمعيا.

ثامناً: مقاومة المجتمع اليمني لهذه الاختراقات لبنيته المتماسكة في مواجهة الانشقاقات الكبرى بدأت تتصدع في نقاط التماس المذهبي بجغرافيتها التاريخية، وذلك منذ فترة؛ أي منذ أن بدأ التطرف المذهبي والعرقي في هذه المناطق يهز أعماق السلم الاجتماعي؛ بالاغتيالات وخلق المبررات لاستدعاء الفتنة الطائفية من تجاويف تكاثرت داخل وعلى حافة الثقافة الوطنية، والمصالح المشتركة، والتعايش الذي كان قد أخذ يرتب حالة وطنية جامعة في هذه المناطق. يجري، منذ سنوات، وفي تساوق مع العبث الذي امتدت إليه يد الحكام السابقين، وما تلاه من شحن ديني – أيديولوجي، حتى الأحداث التي امتدت إلى هذه المناطق مؤخراً، سواء بعناوينها الثأرية أو العصبوية المتداخلة مع التراكيب الاجتماعية والسياسية والثقافية التي يتم تفريغها من محتواها الوطني وشحنها طائفياً من قبل الأطراف المتصارعة، يجري اختراق المجتمع رأسياً في أخطر صور الانقسام الاجتماعي. كان المجتمع قد تجاوز خطورة هذا الانقسام في فترات مبكرة أعقبت ثورتي سبتمبر وأكتوبر، عبر ترميم ملموس لبنيته التي تعرضت لهذه الاختراقات إبان حروب الإخضاع السياسي – الطائفي، والتي أورثت المجتمع أثقال تقسيمه بين حكام ومحكومين؛ بالاستناد إلى هذا المعيار الذي اعتمد على المذهب والقبيلة والعسكر. والحقيقة أن المذهبين الشافعي والزيدي، في صيغتهما غير الأيديولوجية، وكذا القبيلة في شكلها الاجتماعي غير الموظف سياسياً، كانا عنصرين ملحقين بالسلطة. ولكن عندما أصبحت السلطة هجيناً من العسكر والمذهب، بصيغته السياسية والأيديولوجية وكذا القبيلة (السياسية)، فإن دورهما أخذ يتبدل في معادلة الدولة بصورة جذرية، ما فتح أبواب العودة إلى الصراع المذهبي في صيغته الأيديولوجية. لكن القبيلة بصورة عامة ظلت تقوم بوظيفتها في الإطار السياسي المتسم بالبراجماتية والممانعة لمحاولات اختراقها أيديولوجيا؛ إلا في نطاق ضيق؛ وهو ما جعلها حاضنة للتنوع المذهبي، ولم تقبل بتحويل هذا التنوع إلى صيغة طائفية طوال عقود من الزمن. ربما استطاعت زعامات القبيلة أن ترسل إشارات في مختلف المراحل على اعتناقها الأيديولوجيا المذهبية، بشقيها، لزوم تأكيد الولاء وتمكين النفوذ؛ ولكن، ولأنها تدرك خطورة التمكين الأيديولوجي على نفوذها القبلي، فقد وقفت ضده بصمت ومقاومة وعناد في نفس الوقت.

ويمكن القول إن القبيلة لم تعتنق المذهب كأيديولوجيا، وذلك ما سهل عليها الانتقال من مذهب إلى آخر، حسب الظروف السياسية المعاشة وما يرافقها من نفوذ وسلطة وتسلط. وشكل هذا عاملاً هاماً في حماية المجتمع من الانقسام الطائفي العميق، الأمر الذي حاصر، إلى حد ما، الاستقطاب الأيديولوجي الذي يمارسه اللاعبون على المعادلة الطائفية، بمن فيهم أطرافها، حيث ظل هذا الاستقطاب داخل الفضاء القبلي محكوماً بحسابات مؤقتة ذات علاقة بالمصلحة والمنفعة في صيغتها السياسية والمادية.

تاسعاً: تعرض الفضاء القبلي المؤثر والمحيط بالعاصمة للتخريب والاستقطاب لفترة طويلة، بواسطة أدوات مذهبية أيديولوجية، وعسكرية وسياسية انتهازية، ومالية منظمة وعشوائية، وأدوات نفوذ تسلطية. كما تعرض، في جزء كبير منه، للقمع والإذلال، من قبل الجزء الذي تشابك مع السلطة في أهم مفاصلها، العسكرية والمالية والسياسية. وهيأ هذا الوضع مناخات لاستقطابات صدامية لا تفرق كثيراً بين الثورة والثأر. ولم يكن الخارج غائباً عن هذا التخريب، بوسائط تداخلت مع السلطة ومراكز النفوذ مروراً بأقطاب الوجاهات الاجتماعية والمشيخية وانتهاء بمراكز النفوذ الروحي.

لقد أدى هذا التخريب إلى تكوين جيوب واسعة قابلة للاستخدام العسكري ضمن سياقات الصراعات بعناوينها التعبوية المختلفة، ودون تركيز على مضامينها؛ المهم أن توفر العيش، وإلى جانبه قدر معقول من المبررات، مثل الانتقام أو الثأر أو البحث عن موضع ما في السلطة، بما يوفره ذلك من ضمانات للحصول على قدر من الثروة والجاه. ولم يكن الوضع المأساوي الذي وصلت إليه قطاعات واسعة من هذا الفضاء القبلي سوى نتاج طبيعي لهذه الصراعات.

لقد امتد هذا التخريب عقودا من الزمن شملت أجيالاً متعاقبة، وكان كل جيل منها يفقد قدراً من التماسك القديم، بسبب متغيرات وأعباء وضغوط الحياة والإحباطات التي يرتبها استمرار التخريب الممنهج، الذي أخذ يضرب بقوة جذر هذا التماسك الاجتماعي ويخلخل أوتاده الضاربة بقوة في الأرض. ولذلك فإن هذا الفضاء القبلي الحافل بكل التناقضات، التي تضخها إلى داخله أدوات الاستقطاب والتخريب تلك، لم يعد قادراً على المساهمة في حل مشاكل البلاد، فقد جرى تحويله، بما فيه من مخزون بشري كبير، إلى مصدر للمشاكل بصورها العديدة. لقد تحول إلى منجم للمقاتلين الذين تتصيدهم أطراف الصراع وتقذف بهم إلى محارق الموت، لا يعرفون، في كل جولات الحروب التي دفعوا إليها، لماذا يقاتلون أو من أجل ماذا يموتون.

عاشراً: في تاريخ حروب الصراع السياسي في اليمن، كان "المنتصر" دائماً لا يعرف كيف يتصرف بهذا الانتصار، أو كيف يديره؛ يرفع شعارات يعبئ بها المحاربين في صفه، ثم لا يلبث أن يعمل من خارج هذه الشعارات. يلتحق به في مسيرة الانتصار الآلاف ممن يرون فيه محطة جديدة للتكسب والعيش، أو تحقيق مآرب أخرى، وفي نشوة "النصر" تبدأ الأخطاء الصغيرة تنتج أخطاء أكبر. وعلى مائدة المراجعة يتصاعد نقد المخلصين ويرتفع عالياً مديح المتزلفين. وكانت الزعامة التي لم تعد تقبل النقد تقع ضحية المتزلفين، وتبدأ بخلط الأوراق. ثم تأخذ عجلة التحضير لصراعات أخرى تدور في نفس الاتجاه الذي خلص إليه المنتصرون السابقون. الانتصار بالحروب لا يسمح بتوليد مسارات ناجحة لتحقيق الأهداف الوطنية الكبرى؛ لأنها تتحقق غالباً على قاعدة مختلفة. تتضخم مكاسب المنتصرين بالحروب على حساب الشعارات التي يرفعونها. لا يستثنى من هذه القاعدة أحد. ولقد قلنا مراراً إن الحروب الداخلية هي خيار ثأري لا يرتب أي مسارات حقيقية للبناء والاستقرار والتعايش والتطور. وكل الحروب التي خاضها اليمنيون فيما بينهم، حتى اليوم، هي حروب ثأرية، في المقام الأول، ليس لها علاقة ببناء الدولة، وإنما تدور في حرم السلطة والتسلط، ينتصر طرف ويفرض سلطته ويقمع الدولة (المؤسسات، القانون، منظومة البناء الفوقي كاملة، بما في ذلك التنوع المذهبي والثقافي ومكونات السلم الاجتماعي) كمقدمة لقمع الآخرين.

ويمكن أن نتوقف هنا قليلاً عند مفهوم السلم الاجتماعي وشروطه وأركانه، وهو مفهوم يختلف عن أمن السلطة. فهذا النوع من السلطات يهتم بأمنه لا بالسلم الاجتماعي. فالسلم الاجتماعي يقوم على التعايش والقبول بالآخر والحوار والتفاهم والتسامح والعدل. أما هذا النوع من السلطات فإنه لا يجد أمنه إلا في إذكاء الصراعات السياسية والثقافية والدينية وتعميق التناقضات الاجتماعية وهيمنة فئة أو طائفة أو أيديولوجيا أو مذهب سياسي. وفي تساوق مع هذا الاختلاف، ينبذ السلم الاجتماعي الحروب الداخلية بأنواعها، في حين تعمل ميكانيزمات أمن هذه السلطات على توفير شروط العنف والحروب بصورة مستمرة، وعلى نحو متكرر، وفي دورات متجددة من العنف والمواجهات المسلحة.

نستطيع أن نقول إننا أمام حرب أخرى من حروب الثارات، ومهما كانت العناوين فهي حرب ثأرية بامتياز. ومثلما تعثرت حروب الثارات السابقة أمام معضلة تحويلها إلى مشاريع للتعمير، فإن مصير هذه الحرب لن يكون أكثر حظا من سابقتها؛ إذا لم يجرِ تحويلها فوراً إلى مشروع سياسي وطني ديمقراطي يستكمل ويصحح في مبناه ومعناه المسار السياسي الذي انتهى إليه الحوار الوطني. وبالاستناد إلى المعيار التاريخي في تقسيم المجتمع اليمني عرقياً، كما تستحضره بعض أطراف الصراع في شحنها الطائفي الرديء، فإنه جدير بـ "أنصار الله" أن يقرؤوا هذه المسألة بعناية؛ لأنهم سيخطئون كثيراً إذا ما قبلوا أن يكونوا طرفاً في معادلة من هذا النوع؛ لأسباب لا نعتقد أنها خارج وعيهم. ولكي تكون هذه آخر حروب الثارات، فإن تداعياتها لا بد أن تتوقف عند الاتفاق الموقع مؤخراً بين القوى السياسية بشأن تشكيل الحكومة، والبدء بتسخير الجهد الجمعي لبناء الدولة، وفقا لمخرجات الحوار الوطني والمبادرة الخليجية واتفاق السلم والشراكة، والقادرة (أي هذه الدولة) على دمج المجتمع اليمني في صيغة وطنية تكاملية متعايشة ومنسجمة، مع العمل على تصحيح الموقف من حل القضية الجنوبية، حتى لا تبقى هذه القضية ثغرة لتقويض العملية كلها. ولا بد أن يكون صوت وخيارات الشعب في الجنوب حاضرين في الحل.

حادي عشر: إبان الانتفاضة الشعبية التي شهدتها صنعاء وتعز، عام 1992، صدر بيان مجهول الهوية، ووزع على نطاق واسع، قال إن مصير من يقفون وراء هذه الانتفاضة سيكون نفس مصير "أصحاب أحداث أغسطس 1968" (هكذا وبهذا التعبير الفج)، وكلام كثير يستحضر ويستنجد بالمناطقية والطائفية. وكان هذا بعد الوحدة التي يفترض أنها كانت قد وضعت تسوية نهائية لكل الصراعات السابقة لها وبواعثها. يجسد هذا حقيقة أن بواعث الصراعات والحروب القديمة لا تنتهي بانتهاء هذه الصراعات؛ ولكنها تظل كامنة في الوعي لتجنيدها في الوقت المناسب من قبل الأنظمة الفاشلة، والنخب التي لا تحمل مشروعاً لبناء الوطن. والحاكم الذي يجسد أسوأ أنماط الحكم هو ذلك الحاكم الذي يقوم على تدمير الدولة ونظامها المؤسسي ليبقى في الحكم أطول فترة ممكنة.

إن الاستعانة بالخطاب الطائفي في مواجهة استحقاقات بناء هذا الوطن، في أي مرحلة تاريخية، كان وسيظل وسيلة لتدمير المقومات الرئيسية التي شكلت على الدوام عناصر التماسك والتلاحم الوطني لأبناء اليمن، على اختلاف وتنوع مذاهبهم ونحلهم وأعراقهم ومنابعهم الاجتماعية وثقافاتهم، بالإضافة إلى أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية. إن مثل هذا التدمير، بتوظيف هذا العنصر، الذي لم "يتطرف" في أي يوم من الأيام إلى المستوى الذي يصبح فيه مصدر تهديد لكيان الدولة، بات يمثل خطراً شديداً، بعد أن أوشك أن يصبح  لعبة إقليمية، وتصبح معه الحروب حروباً بالوكالة على الأرض اليمنية. والحروب بالوكالة هي أكثر الحروب إنتاجا للتطرف، ولا يلتحق بها إلا المهووسون بالتدمير؛ فهم لا يحملون أي قضية تخص وطنهم، وإنما يقحمون أوطانهم في صراعات وحروب تتعلق بموضوعات لا تمثل أي أولوية في أجندات القضايا الوطنية على اختلافها وتنوعها.

ثاني عشر: اليوم تغيرت المعادلة السياسية والاجتماعية تغيراً كاملاً، بعد أن أصبح "أنصار الله" اللاعب الأكثر حضوراً في المشهد السياسي، وأخذ هذا التغيير يعيد بناء المشهد، ومعه أدوات اللعبة بكامل منظومتها. يتقاطع "مؤتمر" صالح و"أنصار الله" عند النقطة المتعلقة بضرورات العمل معاً على تغييب عناصر بعينها من المشهد السياسي القديم. وهذه هي النقطة الجامعة للطرفين، وكلٌّ يراها من زاويته. وخارج هذه النقطة لا يحمل أي من الطرفين وداً للآخر، فالماضي القريب مثقل بحروب صعدة الست ونتائجها؛ وإن كان فتح هذا الملف يبدو أنه مؤجل إلى حين. ومع تغير ميزان المعادلة، بأدواتها الاجتماعية والعسكرية والتحالفات الإقليمية، فإن "مؤتمر" صالح، بصيغته التي استقر عليها، لم يعد يرى منافساً قوياً له غير "أنصار الله"، وهو يعمل بكل قوة على توريطهم في معارك طويلة الأمد، يكون فيها طرفاً من الجهتين (مسانداً ومواجهاً في نفس الوقت). وفي مثل هذا الوضع لا يمكن له (أي "مؤتمر" صالح) أن يكون غير ذلك؛ انسجاماً مع خطه وخبرته التاريخية وتمسكه بالتفرد بالسلطة. ولكي لا يبقى "أنصار الله" داخل هذه الكماشة، فعلى القوى السياسية أن تمد لهم يدها بدون تردد، بما في ذلك المؤتمر الشعبي، بصيغته الوطنية التي تعمل أجنحة كثيرة فيه على الظهور بها، وعلى "أنصار الله"، بالمقابل، ألا ينتظروا من هذه القوى مباركة كل تصرف يحسب عليهم. عليهم أن يستمعوا إلى الجميع، ويدققوا في النقد، ويتحاوروا بوضوح مع القوى السياسية، حول المستقبل وبناء الدولة، ليتحملوا معاً عبء المرحلة القادمة. وهناك فرق بين نقد الفعل، ونقد الفاعل، وخاصة في المرحلة المبكرة من اختبار الفاعل ومدى استجابته للتفاعل مع نقد الظاهرة. من المناسب أن  يتوجه النقد، في هذه المرحلة المبكرة، نحو الفعل، ليتيح ذلك فرصة لتجاوز الأخطاء، بدلاً من الاحتشاد في خنادق المواجهة.

في المشهد العام، هناك فجوات تطرح أسئلة كثيرة بدون إجابات واضحة حتى الآن. إن أهم فجوة في المشهد هي أن أدوات المشروع السياسي الوطني انكفأت أمام ما يطرح بأنها متطلبات إنجاز مهام "حالة ثورية" تشكلت في وجدان قوة اجتماعية عانت من الظلم وخرجت لتنتقم، أو لتساهم في بناء دولة. وسيتوقف ذلك على أدوات إداراتها لحراكها اللاحق. ولكن حتى هذا الانتقام أخذ طابعاً انتقائياً، مرده في الأساس إلى تقدير هذه القوة لحاجتها إلى ألا يكون الانتقام مجرد حالة وجدانية، وإنما يأخذ بعده السياسي، فيما يوفره ذلك من شروط لتحويل الانتقام إلى "حالة ثورية". لكن الحالة الثورية تستدعي من "أنصار الله" ألا يغرقوا في الانتقام إلى الدرجة التي قد يفقدون فيها تدريجياً القدرة على الإمساك بخيوط المشروع السياسي الوطني، الذي من شأنه وحده أن يعظم من مكانتهم كطرف في المعادلة السياسية لبناء الدولة، وخلق الوطن المؤجل الذي ينتظره الجميع.

ثالث عشر: قبل سنتين، طلبت من "الإصلاح"، ضمن قراءة شاملة للوضع السياسي ما بعد ثورة التغيير11 فبراير، أن يستخدموا الإمكانيات المتوفرة لديهم في دعم الحياة السياسية والمشروع السياسي، من خلال دعم الأحزاب والمكونات السياسية، وألا ينظروا إليها كمنافس لهم، وإنما كرافعة للمشروع السياسي الذي سيصبح "الإصلاح" جزءاً منه؛ يتفاعل معه في عملية تبادلية وجدلية يوفر له الحماية من الانزلاق نحو العنف والحروب؛ لأن البديل، كما قلنا يومها، لعدم نجاح المشروع السياسي، هو مشروع الحروب، والذي سيجد نفسه -شاء أم أبى- طرفاً فيه. سألني بعضهم: كيف سيتحقق ذلك؟ أسهبت في الشرح في لقاءات عديدة. وشرحت لـ "أنصار الله"، في أكثر من مناسبة، كيف أن "الإصلاح" كان له موقف رافض مع أحزاب المشترك لحروب صعدة. سارت الأمور على نحو مختلف، حمل عليَّ بعض المنتسبين إلى "أنصار الله"، بكتابات عبرت عن هوشلية "اللمة"، من خارج أولئك الذين حملوا القضية من البداية بروح كفاحية المظلوم، وكانوا، كعادة أولئك الملتحقين بأي مسيرة في مراحلها الأخيرة، يبحثون عن مكان في الطابور؛ بأي وسيلة كانت، ولو بالإساءة يميناً وشمالاً. وكفرني بعض المنتسبين إلى "الإصلاح" بصورة لا تستفز المشاعر الإيمانية للمرء فحسب، ولكنها تستنفر كل ما لديه من ولاء لعقيدته وإنسانيته، وهاجمني منهم آخرون بتهم سخيفة، وهي أن الاشتراكي شريك للحوثيين في دخول عمران، وغيرها من أقاويل التضليل التي أرادت بها هذه الأصوات أن تقرطس هذا "التجمع" الكبير في قرطاس من التعالي على النقد، وعلى شروط الانتقال إلى الحياة السياسية. كانت هناك بعض أصوات تزأر من مواقع أيديولوجية أو نفعية محنطة أسدلت ستاراً من التضليل على مراكز القرار التي كان من الممكن لها أن تدعم المشروع السياسي وتمنحه المساحة الكافية لتقديم أفضلياته. ظلت تعمل على تعطيل الانفتاح على الحياة السياسية؛ إلا بشروطها هي، وهي شروط معطلة بطبيعتها، ووجدت نفسها مستغرقة في مشروع الحرب؛ لأنه المشروع الذي كان من الطبيعي أن يتمدد على الأرض، بسبب ضعف وتراجع المشروع السياسي. ظل مشروع الحرب، طوال عقود من الزمن، يتربص بالمشهد السياسي، فينقض عليه كلما بدأ هذا المشروع السلمي يرتب أوراقه ويبني أدواته ويتجه نحو تحقيق أهدافه. كان يأتي من قلب العاصفة السياسية التي يجري افتعالها في أكثر من محطة تاريخية. وبدلاً من تطوير الأدوات السياسية القادرة على مواجهة العاصفة، وتفكيك المشكلات المتراكمة داخل هذه العاصفة، فإن حماة مشروع الحرب كانوا يجدونها فرصة مناسبة لتفجير الحرب في وجه المحاولات السياسية، حتى يتم تدمير كل ما تحقق من تراكم على هذا الصعيد.

لن يغادر مشروع الحروب المشهد إلا إذا التحقت كل القوى بالمشروع السياسي السلمي الديمقراطي، وبدأت تستخدم أدواته في تطوير أوضاعها الداخلية وفي نضالها السلمي. وهي لن تتمكن من ذلك إلا في حالة واحدة، وهي أن تكون هذه القوى قد اقتنعت بفكرة التعايش والشراكة السياسية، وقبلها الشراكة في الحياة؛ على قاعدة بناء وتنمية إرادة شعبية وطنية تقرر، دون غيرها، أسس وقواعد وضوابط هذه الشراكة مع العمل على خلق دولة نظام وقانون تحميها.

رابع عشر: أهم ما في هذه اللحظات التاريخية هو الحفاظ على كيان الدولة وحمايته من الانهيار، وتقف على رأس العوامل المرتبطة بالحفاظ على كيان الدولة مسألتان جوهريتان:

الأولى: تجنب الانزلاق نحو أي صراع يأخذ منحى طائفياً، على أي نحو كان. وعلى القوى السياسية والاجتماعية والدينية، بألوانها المختلفة، أن تقف عند هذه المسألة بمسؤولية كاملة، وتتوقف عن الشحن الطائفي، وتلتزم بحقيقة أن خلافها هو سياسي واقتصادي بدرجة أساسية، وأن العنوان المذهبي أو الطائفي ليس سوى أداة شحن خبيثة لتحويل الخلافات التي يمكن حلها على قاعدة الاتفاق على إدارة رشيدة للمصالح، إلى صراع يستأثر فيه المتغلب بكل المصالح. لا تكمن المشكلة في أن تكون هناك مذاهب أو طوائف أو أعراق؛ لكن المهم هو كيف تدار مصالح هذه الفئات جميعاً على قاعدة المواطنة المتساوية وحماية مصالح الجميع. لم يشكل الخلاف السياسي والاقتصادي في كل حالات الصراع ومظاهرها، بما فيها الحروب، مشكلة بذات الخطورة فيما لو أصر فرقاء الصراع على جرها إلى دائرة الصراع الطائفي الانقسامي للمجتمع. ولا يلجأ إلى تحويل الصراع الدنيوي بمضمونه السياسي والاقتصادي إلى صراع ديني ببعد طائفي إلا تلك القوى التي تعجز عن خلق مقاربات سياسية ذات مضمون وطني لخطابها وعملها بين الناس، ويكون الخطاب الديني ذو المحتوى الأيديولوجي الانقسامي هو أداتها التي تعيد بواسطتها شحن قطاع من المجتمع وتعبئته في مواجهة قطاع أو قطاعات أخرى، لتبدو المسألة وكأنها مواجهة على أرضية دينية مجردة من المصالح الدنيوية، بينما الحقيقة هي أن المسألة عند هؤلاء جميعا لم تعد لها علاقة بمن كان له أحقية في الحكم بالأمس البعيد، وإنما في من يرى نفسه أحق بالحكم اليوم. ولا يجب أن نسقط أمس على اليوم، أو نستعين به أو ندحضه، في معارك الأحقية في "الحكم" من منظور تاريخي، أو صراع هيمنة المصالح التي تجري على الأرض، بكل ما تحمله من نوازع بشرية محضة لا علاقة لها بالسماء ولا بالأمس.

الثانية: التعاطي المسؤول والواقعي مع قضية الجنوب من قبل كافة القوى السياسية، وأبدأ هنا بالنخب السياسية الجنوبية، بمشاريعها المتنوعة. من الملاحظ أن الأوضاع في اليمن تتحرك على الأرض بطريقة لا تترك أمام هذه النخب سوى أن تتفق على قواسم مشتركة في اللحظة الراهنة، دون أي غطرسة أو مخاتلة من قبل أي طرف بفرض خياره على الآخرين كخيار وحيد. لقد أدت هذه المحاولات، بفرض خيار سياسي أحادي من قبل هذا الطرف أو ذاك، إلى تمزيق الكتلة الثورية الجنوبية، المتمثلة في الحراك السلمي، الأمر الذي لم تتمكن معه من صياغة مشروع سياسي برؤاه الاستراتيجية وتفاصيله التكتيكية. وأدى هذا الوضع إلى ضياع كثير من الفرص التي كان بالإمكان استغلالها لتعزيز المسار لحل القضية وفقا لخيارات الشعب في الجنوب حلاً عادلاً. لقد كان من الممكن أن يعمل الجميع على تكوين قاسم مشترك لكل القوى الفاعلة على الساحة الجنوبية، ووضع خارطة طريق واقعية، بعيدا عن الانقسامات التي تحكمت في مسار العمل السياسي والشعبي وأفقدته القدرة على قراءة الواقع في حركته، وكل ما ينشأ عن هذه الحركة من تغيرات وتبدلات في مواقف الناس والنخب صعودا وهبوطا، وكذا مواقف القوى ذات الارتباط المباشر أو غير المباشر بهذه القضية، بما في ذلك وضع السلطة ومؤسساتها وأجنحتها، إضافة إلى التبدلات في مواقف المجتمع الإقليمي والدولي، بفعل التأثير الإيجابي أو السلبي الذي يتشكل في ضوء الحالة السياسية التي تكون عليها هذه القوى. وتبدأ هذه الخارطة أولاً: برفض تقسيم الجنوب إلى إقليمين، وتوقيع وثيقة شرف بذلك. وتكمن أهمية ذلك في أن كثيراً من الأصوات تريد أن تستخدم فقط كلمة "الجنوب" لتمرير مشروع تجزئته إلى شرقي وغربي، بما يحمله ذلك من أهداف تتفق موضوعيا مع من يريد أن يوظف التقسيم على هذا النحو لتفريغ القضية من معانيها السياسية التاريخية، والوقوف بها عند حدود تقسيم إداري مجرد من هذه المعاني. وثانياً: لا بد لهذه القوى الفاعلة في الجنوب أن تنتج روابط وثيقة بالعملية السياسية الجارية على صعيد البلاد كلها دون تحفظ، كما أنه لا يجوز النظر إلى هذه العملية كما لو أنها تجري في مكان بعيد من العالم ولا تعنيهم في شيء. إن هذه العملية تعنيهم وتعني القضية الجنوبية، ففي سياقها فقط يمكن حل القضية الجنوبية. ونجاحها في الحفاظ على كيان الدولة يعد ركناً أساسياً في توفير الشروط لحل هذه القضية. أما إذا حدث الانهيار فإن الجنوب سيجد نفسه تائهاً ومتخبطاً ومقسماً وسط هذا الانهيار؛ ربما أكثر من الشمال. إن على القوى السياسية الجنوبية المنخرطة في الحراك السلمي أن تعي تماماً أن كل العوامل المؤدية إلى انهيار كيان الدولة ستنعكس سلباً على الجنوب، بسبب هشاشة الوضع السياسي والاجتماعي، وكثرة اللاعبين، وكذا الحسابات المتناقضة التي تتحكم في هؤلاء اللاعبين. لذلك فإن من مصلحة الجنوب وقضيته ألا ينهار كيان الدولة، وألا تبقى في صيغتها الهشة القائمة. وعلى قوى الحراك السلمي ألا تقف موقف اللامبالاة مما يحدث باعتباره شأنا شمالياً كما يقول البعض. وفي هذا السياق، يمكن أن تتأسس الدولة الاتحادية من إقليمين، وعلى الجنوب أن يتعامل معها باعتبارها خطوة حاسمة وضرورية لاستعادة المبادرة السياسية والشعبية لوضع القضية الجنوبية في مكانها الصحيح. أما القوى السياسية في الشمال فإن عليها أن تدرك تماماً أن السير في نفس الطريق القديم، وبنفس المنهج المتعالي على حق الشعب في تقرير خياراته السياسية، كما ورد في وثيقة الحلول للقضية الجنوبية ضمن مخرجات الحوار الوطني، لن يزيد المشهد إرباكاً فحسب، وإنما سيضع البلاد كلها أمام استحقاقات شعبية لن تستطيع "الدولة" أن تواجهها بأدوات القوة التي كانت تعتمد عليها، ما سيؤدي بالنتيجة إلى انهيارات أكثر خطورة، يسبقها تفكك اجتماعي مدعوم بحروب محلية بنكهات طائفية وجهوية ومناطقية، وغيرها من المواجهات المسلحة بطابعها الإرهابي والثأري وتصفية الحسابات من منطلقات متباينة الأهداف. وسيبقى البارود عالقا بجدارية الحلم بوطن قد نخسره قبل أن نبذل أي جهد حقيقي لتشييده.

 

آفاق..

الهوية على خارطة العبور

لم تكن الهوية إحدى مشاكل اليمن، وخاصة منذ قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر. وحتى في ظل التشطير، كانت الهوية اليمنية الوطنية هي عنوان الارتباط المصيري المشترك، والتي أخذ اليمنيون على عاتقهم رعايتها والحفاظ عليها، سواء توحد اليمن أم لم يتوحد. كان المشروع الوطني، في صورته التي عبرت عنه الثورتان، قد حمل هذه الهوية بدرجة عالية من الحرص على جعلها أساساً لتحويل البلد إلى "وطن"، وقاعدة لنهوض شامل، لإدراكه أن تفكيك هذه الهوية سيرتب آثاراً ضارة على مستقبله واستقراره. ونستطيع القول إن الهوية كانت الوجه الآخر للمشروع الوطني، خلال الفترة التي ظل فيها ممسكاً بأطراف المعادلة، وذلك قبل أن يتعرض للتكسير بأكثر من معول من تلك المعاول التي خرج بعضها من مخابئه ليصفي حسابه مع هذا المشروع، بدعم من نخب الحكم التي كانت ترى أن هؤلاء هم حلفاؤها في مشروعهم التفكيكي الذي تصدى له المشروع الوطني في موجات من متكررة من الصراع والمواجهات والمعارك.

في هذه الأثناء، كانت الهوية تطرح من قبل البعض على خارطة الصراع كجزء من المشكلة، بل أحياناً باعتبارها المشكلة كلها. ولا بد من التأكيد اليوم على حقيقة أن تراجع المشروع الوطني في مساحة من الوعي الاجتماعي قد خلق حالة تشوش عامة بالنسبة للهوية. ففي هذه المساحة التي تراجع فيها هذا المشروع، أو اهتزت صورته، أخذت صور شتى من الهويات الصغيرة المحلية والثقافية والقبلية والمذهبية، والتي كانت قد انفتحت على هوية أكبر في إطار ذلك المشروع الكبير، تناوش وتشاغب لتكرس دوافع لصراعات جانبية تحرف المجتمع عن نضاله من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية، وحقوقه الطبيعية والسياسية، وحقه في الحياة الكريمة، والتقدم الاجتماعي والاقتصادي.

هذه الصراعات وإن بدت مجرد تعبير موضوعي عن مشاريع مشاغبة، إلا أنها، في الحقيقة، لم تتوقف عند حدود المشاغبة، منذ أن أخذ زخم المشروع الوطني يهتز بمفارقات جسّدها نظام يتحدث عن الوحدة والوطن، ويمارس على الأرض نقيض ذلك تماماً؛ بدءاً بتحويل النظام السياسي والاجتماعي إلى نظام فردي ـ عائلي، ومعه، في هذا السياق، إعلان الخصومة لكل عناصر المشروع الوطني، واللجوء إلى هذه الهويات للاستعانة بها في حماية مشروعه العائلي. في هذه الظروف عادت هذه الهويات، في صورتها العابسة والمتجهمة، إلى الظهور ضداً على الهوية الوطنية، وأخذت تستقطب قطاعات واسعة من الشعب؛ ولكن دون قدرة كاملة على التحول إلى حالة سياسية متكاملة العناصر.

لقد ظلت هذه الهويات تتحرك في إطار منسجم مع حالة الغضب المتراكم، الذي حكم سلوكها في كثير من الأحيان، بسبب قسوة المشروع الوطني وهويته الكبرى المصاحبة في التعاطي معها. لقد عملا على دمج هذه الهويات قسراً فيهما، ولم يسمحا لها بالتعبير عن نفسها، سواء بالأدوات الثقافية أو الفكرية أو الاجتماعية أو السياسية أو حتى المذهبية، وهو الأمر الذي جعلها تتكور على نفسها داخل هذا المشروع وتتحين الفرصة للخروج من داخل عباءته كخصم في الوقت المناسب.

هذا، باختصار، هو واقع الحال فيما يخص موضوع الهوية، والانقسامات التي تجري على هامشها اليوم في صورة تنتج هذا الوضع المرتبك بتعقيدات مضاعفة، والذي يزيده ارتباكاً غياب الرؤية الاستراتيجية للقوى السياسية المعول عليها في حماية المشروع الوطني، الذي أعاد مؤتمر الحوار صياغته في الحدود المقبولة التي توافقت عليها هذه القوى.

على أن الطريق لحماية هذا المشروع لا يزال طويلاً وشائكاً, ويستلزم التخلي عن السلوك القمعي والهيمنة القديمين على ما يتفاعل في المجتمع من هويات ثقافية وسياسية واجتماعية ومذاهب دينية، في صيغتها المعبرة عن التنوع الذي لا غنى عنه لأي مجتمع كي يبقى حيوياً ومنتجاً لشروط  التطور؛ والمعبرة كذلك عن حضور مهم ولازم في تكوين الهوية الوطنية. وهنا تكمن نقطة البداية في عبور المضيق.

الذين يشعلون النار في هذه الهويات لتخليص "المشروع الوطني" منها، ربما لا يعلمون أنهم يحرقون المشروع نفسه، لتبقى هذه الهويات على نحو أقوى، وتكتسب بذلك شروط التحول إلى مشاريع، تبقى هي الحاضرة في المشهد وتبقى هي العنصر الحاسم في تقرير مستقبل هذا البلد.

وكذلك الحال عندما يفكر البعض في إشعال النار في المبنى الكبير لطرد هذه الهويات؛ يمكنهم، بدلاً من ذلك، استضافتها باحترام داخل غرف المبنى، وتكون مفتوحة على صالات واسعة تلتقي فيها، برعاية توفر لها شروط التعبير عن نفسها كجزء منه ومن هويته الكبرى. وسيتوقف عليه، بعد ذلك، خلق فرص تفاعلات حقيقية لتعايش يوفر شروط البناء والتقدم، دون حاجة إلى تحويل الهوية الكبرى إلى سيف مصلت في هذا المسار. مسؤولية هذه الهوية الكبرى هي رعاية التنوع، فبهذا التنوع وحده تستطيع هي نفسها أن تجتاز المضيق والعبور بالبلد إلى "الوطن".

شخصياً، لا أرى فيما استجد من ظروف، منذ نهاية الحوار، أن الشروط قد نضجت لعبور المضيق على ظهر هذا المشروع الكبير. صحيح أن هناك كثيرا من القضايا على كافة الأصعدة السياسية، الثقافية، الحقوقية، الاجتماعية، الاقتصادية، والمعرفية، المعبرة عنه، قد حسمت بالتوافق الذي عبرت عنه مخرجات الحوار؛ لكن سلوك كثير من النخب والقوى السياسية والاجتماعية، التي تقدم نفسها كحامل لهذا المشروع وهويته، لا يزال يمثل حالة أدنى من حاجة هذا المشروع كما عبرت عنه مخرجات الحوار. هناك وقائع عملية تحدثتُ عنها في مكان آخر من هذا الموضوع.

كان المعول هو أن روح الحوار قد نقلت الجميع إلى المكان الصحيح الذي يستطيعون منه مشاهدة المعطيات الفسيحة لمشروع بهذا الحجم والمضمون، وكذا رؤية الحاجة الفعلية لحمايته من خطورة أن تتحول تلك الهويات المتنوعة والعديدة إلى مشاريع معطلة للتحول إلى "وطن". لكن البعض، للأسف، فضلوا أن يبقوا في نفس الجحور القديمة التي سحبوا إليها مشروعي سبتمبر وأكتوبر، ومعهما مشروع ثورة التغيير، بما توفر لديهم من إمكانيات لجر عملية التغيير إلى مسارات أخرى، والعبث بموازين الحياة السياسية. غرقوا في الحديث عن تفاصيل اتهامات للآخر، باعتباره الشر، كي يبرروا بقاءهم في تلك الجحور. فالآخر عند هؤلاء مصلوب إلى عنوان أو مسمى؛ هو الشيطان، وهو الخطيئة، وهو الخائن، وهو الكافر... وهو كل هذا عندما يتوجب تصفيته بالحرب، أو بالاغتيال، أو بأي طريقة من طرق العنف البليدة الأخرى.

مغادرة هذه الجحور شرط لا غنى عنه لكل من يريد أن يصبح جزءاً من هذا المشروع، ومن هذه الهوية الجامعة. لن يدار مثل هذا المشروع من داخل هذه الجحور، ولم نسمع أن مشروعا بهذا الحجم جرى إنتاجه، أو إدارته، من داخل جحر أيديولوجي مغلق، أو جحور عائلية، أو عسكرية، أو نخبوية، ضيقة الانتساب!

لن تتشكل مثل هذه الهوية الجامعة القادرة على مواجهة مطبات مشاريع الهويات المتنوعة -القابلة للتحول إلى هويات انقسامية- غير في الهواء الطلق، وعلى مساحة أوسع من الحرية السياسية والفكرية، ومنظومة متكاملة من الحقوق التي يرعاها القانون، وعلى قاعدة راسخة من التنوع والديمقراطية التعددية والعدالة الاجتماعية.

على هذه القاعدة يتشكل، على نحو تاريخي، الحامل الحقيقي لمشروع ما بعد الحوار؛ فهل سيكون النضال من أجل ذلك مستوعباً من قبل مرجعيات القرار الأممي؟! أسأل هذا السؤال لأن النضال على هذا الطريق سيصطدم، ولا شك، بحالة السكون التي يفترضها القرار، في الوضع العام والذي سيعد تكديره عرقلة تستحق العقاب. فأيهما أجدر بالعقاب في هذه الحالة؟ أهو السكون العام الذي يشكل غطاء لتشوه وعجز الحامل الاجتماعي والسياسي لمشروع ما بعد الحوار؟ أم هو فضح وكشف هذا العجز بهدف خلق هذا الحامل الذي يتوقف عليه وحده تنفيذ مخرجات الحوار، والسير نحو تحويل البلاد إلى "وطن"؟!

البلد الذي يحوله أبناؤه إلى "وطن"، يصبح أكثر رسوخاً واستقراراً وأقوى إعداداً واستعداداً للنهوض. والبلد الذي لا تتحكم به نخبة، ولا تصادره أيديولوجيا، ولا تتوارثه عائلة، ولا تتقلد قيادته مشيئة تتصادم مع مشيئة الشعب أو تقمعها، هو الذي يتحول إلى "وطن" يجد فيه أبناؤه الحرية والعدالة والكرامة والأمن والاستقرار.

 

سالمين.. سقطرى.. و"الشيخ والبحر"

في نهاية هذا الجزء الأول من هذا الموضوع، الذي يتكون من جزأين (لم أنته من الثاني بعد)، سأروي جانباً من سيرة شكلت محطة من حياة طويلة، كان الحوار فيها هو مشروع العمر بالنسبة لي، خلال حياة طويلة من العمل السياسي والجدال والنقد والحوار والاتفاق والاختلاف، حرصت -من طرفي على الأقل- على ألا تكدرها خصومة الاختلاف ولا تستهتر بها نعومة الاتفاق.

الحياة، للذين يعملون، تعج بالمواقف. فيها الصح وفيها الخطأ. ونفس هذه الحياة، بحلوها ومرها، هي التي تفرز الصواب والخطأ، ولو أنها، في أحيان كثيرة، لا تفرق بين من يعملون ومن لا يعملون، لا يعنيها كثيراً في أي الخانات يقف الإنسان؛ ولذلك لا تفرز الصح والخطأ إلا بعد زمن، وبعد أن تكون قد عاقبت كثيرين لا يستحقون العقاب، وكافأت آخرين لا يستحقون المكافأة.

الأوطان هي التي لا يجب أن تنتظر فرز الحياة للصح والخطأ بمؤشر مرور الزمن؛ فالفرصة التي تضيع تبدد دهراً بأكمله، وتعرض أجيالا للضياع. والحياة بطبيعتها لا يمكن أن تسير في خط مستقيم للوصول إلى الهدف المنشود. في تفاعل تام مع مجرياتها؛ يكون هناك الخطأ وهناك الصواب. وهما لا يتقرران على الورق، وإنما في التطبيق على أرض الواقع، وبوجود الخطأ يعرف الصواب. فلو لم يكن هناك خطأ لما عرف الصواب، ولو لم تكن هناك معرفة لما عرف للجهل معنى, ولو لم يكن هناك قبح لما سمي الجمال جمالاً... فالشيء يعرف بضده, "وبضدها تتميز الأشياء". حياة البشر لا يمكن أن تستقيم إلا بوجود هذه النقائض معاً، وفي زمن واحد ومكان واحد. وفي إطار المجموعات، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو سياسية، لا بد من وجود الفكرة وضدها. ففي مثل هذا التعايش بين الأضداد تبقى هذه المجموعات حية ومليئة بالحيوية. المهم أن تعرف كيف تدير تناقضاتها، وكيف تحل خلافاتها. عندما تكشف الحياة، من خلال الوقائع على الأرض، الصواب من الخطأ، على الذين أخطأوا أن يعترفوا بأنهم أخطأوا؛ لأن الفرق بين الخطأ والخطيئة هو هذا الاعتراف من عدمه، ولا يصر على البقاء في الموقع الخطأ إلا الذين لا يقيمون وزناً لأهمية أن نفهم الحياة في حركتها لا في سكونها. والحياة بهذا المفهوم لا تعترف بالصيغ الجامدة التي تدعي التعبير عما يجري فيها، ما لم يثبت ذلك الفعل على الأرض.

الجنوب سيبعث من داخله من يحمل قضيته. لا شيء يموت! وبلاد اليمن ستتحول إلى "وطن". واليمن هو الهوية التي نعود إليها حاملين أثقال تاريخ فيه من التناقضات والصراعات ما يجعلنا ميالين دائماً إلى الغضب من كل شيء بحثاً عن لا شيء.

شاركتُ في مؤتمر الحوار الأخير، وعملتُ على نجاحه، ودافعتُ عنه، وسأظل أنتقد بقوة التشويه الذي تعرض له، بما مورس في محطته الأخيرة من تكتيكات حملت روائح الماضي. وسأدعو إلى مقاومة كل محاولات تفريغ نتائجه من مضامينها الثورية والمدنية. كما سأواصل الدعوة إلى تصحيح ما خربته اللحظات الأخيرة. لأن الحوار هو مشروع عمري، منذ أيام الشباب، وفي بواكير الحياة السياسية، في ثانوية خور مكسر بعدن، في أوائل الستينيات، حيث كنت لا أرى السياسة غير حوار لا يهدأ، حتى في المحطات التي ينتصر فيها طرف، وتهزم فيها أطراف أخرى، وأنا أشاغب الرئيس سالمين رحمه الله، وكان مسؤولاً عن منظمة التنظيم السياسي الجبهة القومية/ عدن، وكنت عضواً فيها ورئيساً للدائرة الاقتصادية، بعد تخرجي في جامعة القاهرة عام 1971. كان قائداً، يدير التناقضات من حوله ولا يفرض قناعاته ــ ربما لجأ إلى ذلك في وقت متأخر عندما اشتد ضغط المشكلات. سألت في أحد الاجتماعات: لماذا لا يحاور تنظيم الجبهة القومية كل من اختلفوا مع النظام آنذاك؟! هب فوقي بعض أعضاء لجنة المحافظة؛ لكن سالمين قال بلهجته المحببة: "كلام بن نعمان صح، بس يقول لنا مع من نتحاور بالضبط؟"، وهي العبارة نفسها التي سمعتها من الصديق عبد الوهاب الآنسي، بعد ذلك بخمس وثلاثين سنة، عندما ناقشت معه فكرة الحوار الشامل مع مختلف القوى السياسية قبل سنوات من قبول الفكرة بعد ذلك من كثيرين.

كان لي صديق من شبوة كثيراً ما حدثني، ونحن طلبة في القاهرة، عن أحداث كثيرة، جرت وتجري يومذاك في شبوة، أدت إلى نتائج اجتماعية شوهت مضامين الثورة، على أكثر من صعيد، حيث ترك الكثيرون ديارهم وغادروا. طلبت من سالمين أن يسمح لي بالذهاب إلى شبوة، في اللحظة نفسها التي أكمل فيها عبارته السابقة، عندما قال لي: "قدم لنا مقترحاً بمن نتحاور معهم". استغرب طلبي؛ ولكنه لم يسألني: لماذا؟ فقد أدرك ماذا كانت تعنيه شبوة في ذلك الحين. وبعد أن وافق، اتصلت بذلك الصديق، الذي جاء من درب "آل بو طهيف" ـ درب الفلاحين، حيث كان يزور والده المريض، والتقينا في عتق، وزرنا يشبم، والصعيد، وخورة العليا والسفلى، ومرخة العليا والسفلى، وحطيب، والهجر، ونصاب، وجزءا من عرمة، ومررنا على كور العوالق، في رحلات يومية مضنية، وزرنا بيحان، وعسيلان، ووصلنا إلى قريب البلق، وعدنا إلى عزان، وميفعة، وعين، والنقعة، وبئر علي... سجلت وقائع كثيرة منها تلك الربوع المهجورة عن بكرة أبيها والمخيم عليها حالة من السكون، والتي بدت كوشم أخذ الزمن يمحو ملامح خطوطه من على ظهر كف تغضن جلده بقسوة الحياة. سلمتها للرئيس سالمين، وما زلت أحتفظ بنسخة منها إلى اليوم. وفيها قلت إن العودة إلى الحوار هو الوحيد الذي سيفتح طريقاً إلى قلوب لن يترك اليأس أمامها من سبيل سوى المقاومة. بعد أسبوع، وأثناء اجتماع لجنة المحافظة، قال سالمين، مخاطباً أعضاء لجنة المحافظة، فجأة: "با نرسلكم يا أعضاء لجنة المحافظة إلى سقطرى، كل واحد يبقى لمدة شهرين هناك، والجدول بايطلعكم عليه الأخ علي سالم لعور"، وكان الأخير نائباً للرئيس سالمين في قيادة منظمة التنظيم في محافظة عدن. كنت على رأس القائمة، وكان عليَّ أن أغادر إلى سقطرى مع أول طائرة تطير إلى هناك، أي بعد أسبوعين على الأقل. في الاجتماع، الذي أعقب القرار، سألت سالمين عما هو مطلوب مني أن أعمله في سقطرى، قال: "شوف أحوال الناس واقرأ وفكر في الأشياء التي ما قدرتش تفكر فيها في الزحمة، هناك هدوء". لم أعتبر ذلك عقاباً، مثلما اعتبره الآخرون، فقد كان عندي يقين أن لسالمين هدفا آخر؛ ولكنني كنت في غاية الحنق، بعد أن تملكتني حالة من الشك؛ ففي اللحظة التي سمعتُ فيها مبرر الذهاب ربطتُ بين القرار وإلحاحي على الحوار، بعد زيارة شبوة. ومع ذلك، كنت لا أرى إلا أن لسالمين هدفا آخر غير العقاب. وحتى عندما حاول الأخ علي سالم لعور -الشهيد بعد ذلك في أحداث 1978- أن يلتمس لي عذراً للتأجيل، رفضت وأصررت على الذهاب في الموعد.

أمضيت في سقطرى شهرين بين الجبل والبحر. لم تكن سقطرى، يومذاك، مكاناً للتأمل؛ إلا بمقدار ما تكون قادراً على أن تغمض عينيك وفؤادك عن معاناة الناس، في تلك الفترة المبكرة. ومع ذلك، قرأت كثيراً، ومن أهم ما قرأت رواية "الشيخ والبحر" لأرنست همنجواي؛ فالصياد العجوز يصطاد بقاربه العتيق الصغير سمكة ضخمة لم يستطع أن يسحبها إلى قاربه، وإن استطاع، بمعجزة ما، فلن يتسع لها القارب، وقرر أن يشدها إلى ظهر القارب كي تساعده الأمواج في سحبها إلى الشاطئ. في الطريق إلى الشاطئ، هاجمت أسماك القرش سمكته. قاومها بقوة وعناد شديدين.. قاوم، وظل يقاوم، حتى وصل إلى الشاطئ، ولم يكن قد بقي من سمكته غير هيكل عظمي.

بعد أن عدتُ من سقطرى بأيام، عرفت أن جدول زيارات سقطرى لمن تبقى من الأعضاء، قد أُجِّل إلى أجل غير مسمى. وفي لقاء مع سالمين، سألني باقتضاب عن سقطرى، فقلت له: المهم ألا تصل إلى الشاطئ بهيكل عظمي. وأعطيته الرواية، وكان يقرأ كثيراً.

لم يعد لدينا خيار سوى أن نعبر المضيق، ونصل إلى الشاطئ، إلى حيث ينتظرنا "وطن" مؤجل؛ ولكن علينا أن نحسب حساب ألا نصل إليه بهيكل عظمي.

 

رابط الحلقة الرابعة

رابط الحلقة الخامسة

رابط الحلقة السادسة

-           كتاب جديد للدكتور ياسين سعيد نعمان، يُنشر في صحيفة "الشارع"، بالتزامن مع موقع "الاشتراكي نت".

 

 

الخميس, 24 نيسان/أبريل 2014 20:52

عبور المضيق ..في نقد أولي للتجربة (6)

 

طي صفحة النظام السابق:

رسالة للمستقبل

كان القرار الأممي قد أورد العبارة الخاصة بطي صفحة حكم علي صالح، في السياق العام لما يُفهم منه أنه نهاية نظام سياسي واجتماعي فشل في قيادة البلاد. وهذه العبارة لها مدلول كبير! ويجب أن تقرأ على النحو الذي يُفهم منه أن المقصود هو منظومة قيم وأدوات وأساليب وممارسات نظام سياسي واجتماعي يجب أن يُطوى، وأنه لم يعد مقبولاً دولياً، بعد أن لفظه المجتمع. وليس المقصود شخصا بعينه، أو بمعزل عن النظام الذي أداره خلال كل هذه السنوات. هي رسالة للمستقبل بقدر ما هي إدانة للماضي. أي أنها تريد أن تقول، باختصار: إن مظاهر ذلك النظام يجب ألا يعاد إنتاجها في بنية النظام الجديد.

يشكل هذا الربط بين الماضي المدان، والمستقبل المأمول، واحدا من عناصر قوة هذا القرار، فيما يخص علاقته بعملية التحول والتغيير التي يتطلع إليها اليمنيون.

إن إشاراتنا المتكررة إلى الميول الاستبعادية، التي برزت عند البعض، لحسم الخلاف حول بعض قضايا الحوار، هي صورة من صور الإقصاء التي مارسها النظام السابق. وفي تساوق مع هذه الثقافة، تعمل بعض القوى على أن تتحول إلى مراكز استقطاب سياسي واجتماعي، موظفة ما لديها من مال وسلاح وأيديولوجيا. وهي في سعيها هذا تتجه نحو الدولة ومؤسساتها، وتمارس أشد أنواع الاستقطاب بشاعة، من خلال تجريف البعد الوطني لهذه المؤسسات لتغدو ملحقة بها. يمكننا ملاحظة ذلك من خلال ما تمارسه العناصر المحسوبة عليها من تصفيات وإحلال للكوادر، محكومين بهذه السياسة التي تعيد إنتاج قيم النظام القديم بأدوات مستهترة بالقانون وبحقوق المواطنين، ورغما عن كل ما كان يتطلع إليه الناس من أمل في مغادرة الماضي. إن الحديث عن طي "الصفحة" يحمل دعوة إلى مغادرة أساليب وممارسات الماضي. ما الفرق بين أن يقصيك نظامٌ ما بالحرب، أو يقصيك تحالف السلطة الجديد بوسائل أخرى؟! وعلى كل الذين رحبوا بطي صفحة هذا الحكم أن يبرهنوا على قدرة ملموسة لنبذ منظومة قيم نظامه. إن العرقلة لا تقف عند تعطيل العملية السياسية بصورة مجردة عن مضامينها؛ ذلك أن للتعطيل أوجهاً عدة، كما أشرنا سابقاً، وأن النجاح الحقيقي للعملية السياسية يتوقف، ضمن قضايا أخرى، على إقامة النظام السياسي والاجتماعي بمنظومة قيم وأدوات وممارسات مختلفة، بما في ذلك محددات الحكم الرشيد التي نصت عليها مخرجات الحوار، واحترام حقوق الناس.

إن أهم ما يمكن أن يثار هنا من مقاربات، هي العلاقة ما بين السلطة والدولة. فالنظام السابق بسط نفوذ السلطة على حساب الدولة ومؤسساتها، التي أبقاها ضعيفة. ظلت الدولة ضعيفة غير قادرة على حماية نفسها من عبث السلطة، وتجسدت السلطة في شخصية الرئيس، والآلية التي أخذ يحرك بها مؤسسات الدولة، التشريعية والقضائية والتنفيذية والرقابية كهياكل مفرغة لا حول لها، حينما يتعلق الأمر بعلاقتها بالسلطة. لقد طغت السلطة -بهذا المعنى- على الدولة، الأمر الذي لم يكن بالإمكان معه إقامة دولة النظام المؤسسي والقانوني، مما قاد إلى الاختلالات السياسية والاجتماعية والقانونية، وأخذت مصالح الناس تتعرض للتعديات والضرر البالغ، وانتشر الفساد مع غياب العدالة، وأخذ الناس يتجهون، بمشاكلهم وقضاياهم، إلى السلطة المتعالية على الدولة ومؤسساتها، حتى اضمحلت الدولة في وعي الناس بسبب اضمحلالها في الواقع.

لم تُبدِ كثير من القوى المؤثرة في مجرى العملية السياسية اهتماماً بالدولة، حيث كان هدفها هو الوصول إلى السلطة في ظل غياب كامل للدولة. وكانت نقطة الخلاف قد تركزت حول: أيهما أهم، في هذه المرحلة: الانتخابات، أم بناء الدولة الضامنة بالحد الذي يؤمن مسار العملية السياسية، بما فيها حماية مخرجات الحوار والانتخابات؟ الذين أخذوا يتحدثون عن الانتخابات، كانت عيونهم في الأصل على السلطة، غير معطين للدولة أي قيمة في أجنداتهم السياسية، فهم يعتبرونها مهمة لاحقة، متجاهلين أن بناء الدولة الضامنة ليس مهمة مقتصرة على من ينجح في الانتخابات فقط، وإنما هي مهمة كل أطراف العملية السياسية، حتى لا ينفرد طرف بتكوينها، بما يعنيه ذلك من إخلال بمعايير وطنية مؤسسات الدولة وتوازناتها السياسية والاجتماعية. أما الذين تمسكوا بخيار أولوية بناء المؤسسات الرئيسية للدولة الضامنة، بشراكة وطنية متكاملة، بما في ذلك استكمال هيكلة القوات المسلحة، فقد انطلقوا من حقيقة أن الذهاب الفوري إلى السلطة، بواسطة انتخابات مشكوك في نزاهتها، إنما هو هروب من الاستحقاقات الوطنية في بناء الدولة المدنية ووضع ضمانات رادعة لكل من يحاول إعادة إنتاج علاقات التسلط القديمة التي غيبت الدولة لصالح سلطة فرد أو تنظيم أو جماعة أو عائلة.

انتهى النقاش بوثيقة الضمانات، التي وضعت أسساً وقواعد لبناء الدولة الضامنة، بشراكة كل القوى المتحاورة. وشكلت هذه الوثيقة خارطة طريق هامة لتنفيذ مخرجات الحوار، بمشاركة وإشراف كافة القوى السياسية، مما جسد حالة من التوافق التي أعطت لمخرجات الحوار بعدها المقبول اجتماعيا كأساس لبناء الدولة. كان المؤتمر الشعبي العام هو الممانع الوحيد، ثم التحق به، جزئياً، آخرون فيما يتعلق ببعض القضايا، وخاصة الحكومة ومجلس النواب، وكل ما يتعلق بالهيئة المشرفة على صياغة الدستور، وكيفية تشكيلها. غير أن الأمور سارت، بعد ذلك، في الاتجاه الذي حكمته "صفقة" بقاء الوضع عائماً، فوق حالة من عدم الانضباط لشروط الوفاق، وفي ظل غياب شراكة بعض القوى، وتجاهل شراكة بعض القوى الأخرى، والسير بالتالي نحو احتكار التعيينات في المناصب القيادية ومعها القرار السياسي.

ويمكن القول، بكل أسف، إنه لا وجود للدولة الضامنة في العملية التي أعقبت مؤتمر الحوار، كما أنه لا وجود للإطار السياسي الذي يجسد كتلة هذا الوفاق، فقد استبدل كل ذلك بتحالف هش شهدنا ولادته في نهاية مؤتمر الحوار، مع تنفيذ الفصل الأول من صفقته، ويجري تنفيذ بقية الفصول بصورة تضع العملية السياسية كلها على المحك، مع ما يرافق إدارتها من تجاهل للتوافق السياسي والشراكة، وما يصاحب ذلك من مواجهات مسلحة، واستعراض للقوة، وخرق للقانون، على أكثر من صعيد. وفي المحافظات المحيطة بالعاصمة صنعاء، تتجدد المواجهات المسلحة، بسبب الهروب من استحقاقات بناء مؤسسات الدولة الضامنة، التي كان يعول عليها خلق بيئة مستقرة تحتوي الخلاقات في إطار من الشعور بالاطمئنان والثقة والمسؤولية المشتركة.

ندرك، في ظل الظروف الحالية، صعوبة تحقيق شراكة بهذا المستوى المثالي؛ ولكن الإمام الشافعي يقول: "وكم عيب يغطيه السخاء". ونحن نقول: وكم عيب تغطيه الإدارة المحنكة والرشيدة لهذه الشراكة؛ أي: تلك الإدارة التي تمتلك مواصفات القيادة. والقيادة، على عكس الإدارة، تبدع في تحويل العيوب والأخطاء إلى مجرد عناصر طارئة قابلة للتصحيح في الوقت المناسب، وقبل أن تصبح جزءاً من بنية العملية التراكمية. وهي لا تلتفت كثيراً إلى الوراء؛ لأنها تركز على المستقبل؛ وللمستقبل دائما شروطه وأدواته. وكان الحوار، وما ارتبط به من تبدلات منهجية في إنتاج أدوات هذا المستقبل، قد حمل آمالاً عريضة بخلق بيئة سياسية تتواصل فيها شروط خلق مثل هذه القيادات؛ إلا أن العجز الذاتي للنخب السياسية والاجتماعية قد أضعف، في لحظة فارقة، كل العوامل الموضوعية التي ظلت تعمل بتوافق كبير مع هذه التبدلات المنهجية.

في هذه اللحظة الفارقة، تبين حجم الفجوة الهائلة، التي تفصل المستقبل عن الأدوات البالية، ومناهج الجمود، التي تحاول هذه القوى أن تقود بها عملية التغيير، مما جعل عملية التغيير تبدو وكأنها تسير في طريق مسدود.

في حديث لي مع الرئيس هادي، عند توديعي له أثناء سفري للعلاج، قلت له، ضمن حديث طويل، ما معناه: الحياة تقدم فرصة لليمن وضعتك في صدارتها فلا تخسرها.. لا تقبلْ أن تكون ضحية.. ثقافة الحكم في اليمن هي صناعة الصنم بهدف تقديمه ضحية، في الوقت المناسب، والتجارب على ذلك كثيرة، وأعتقد أنك عاصرتها كلها.. أنت تقود توافقا سياسيا حققت بواسطته قدراً كبيراً من النجاح، حتى الآن، وإن كانت نهاية الحوار قد أربكت مسار العملية كثيراً، وخاصة انحيازك إلى طرف، في أهم موضوعات الحوار، دون أن تترك الموضوع لمؤتمر الحوار لحسمه، وفقاً لنظامه الداخلي.. لا تجعلْ أي طرف من أطراف هذا التوافق يجلس بمفرده إلى جانبك في غرفة القيادة؛ لأن الخطأ ستتحمله أنت، أما ذلك الذي سيشاركك القيادة بمفرده، وخارج هذا التوافق، فكل ما يعنيه هو أن يحقق أكبر قدر من  المكاسب لصالحه دون أن يتحمل مسؤولية أي خطأ.

ما يشهده الواقع، من مواصلة توظيف هذه الأدوات القديمة، بما فيها العنف والتحريض عليه، والإقصاء والمراوغات، واحتواء عوامل التغيير بنفس هذه الأدوات، التي كانت تهشم الكلمة والفعل معاً، في مشهد يتوسع داخل البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية الهشة، يتم ذلك بصورة تتحقق معها كسر إرادة التغيير، وإحياء نزعة التغلب بالحروب، التي يفترض أن تكون قد أصبحت من الماضي، بعد أن قبل الجميع الجلوس على طاولة الحوار. وهنا يظل السؤال عن سبب استمرار التمسك بهذه الأدوات البليدة، بحاجة إلى إجابة واضحة. لا بد للشريك الدولي أن يبحث في الأسباب التي شجعت على تصعيد هذه الاضطرابات إلى هذا المستوى. ورأيي أنه، إلى جانب الأسباب المتعلقة بمقاومة هذه القوى التقليدية لعملية التغيير، بإصرارها على استعادة زمام المبادرة ليبقى القرار الحاسم بيدها، فإن جانباً آخر من هذه الأسباب يعود إلى تجاوز أهم حلقات الحوار، التي أشرنا إليها فيما سبق، بإخراجها من معادلة الحوار إلى أيدي قوى بعينها لتقرر بشأنها نيابة عن الجميع.

لقد فتح هذا الوضع ثغرة أمام هذه القوى في جدار العملية السياسية لمواصلة اختبار إرادة التغيير بالمزيد من الخروقات، وذلك لإعلان بقائها حاضرة في المشهد، واكتسابها المزيد من الأدوات التي تمكنها من تعطيل العملية دون أن يشار إليها بأصبع الاتهام. وهذا السلوك وإن كان قد استنفر شحنات واسعة من الرفض من قبل قوى سياسية واجتماعية واسعة؛ إلا أن هذا الرفض أخذ يصطدم بالإصرار على مواصلة الخطأ في إدارة العملية السياسية، وتوسيع الثغرات التي تنفذ منها القوى المعطلة بيسر وبأقنعة يصعب أحيانا كشف ما تخفيه.

العملية السياسية والإقليم

في أول اجتماع لمجلس التعاون الخليجي، بعد اتخاذ القرار الأممي رقم (2140)، لم يشر البيان الصادر عن المجلس إليه، لا من قريب ولا من بعيد؛ رغم أن البيان تطرق إلى دعم المجلس لنتائج الحوار. ولم يكن ذلك أمراً من الممكن تجاوزه بدون الوقوف أمام دلالاته بدقة. فمجلس التعاون الخليجي هو صاحب المبادرة التي حكمت التسوية السياسية، في صيغتها المبدئية، التي ركزت على تسليم السلطة وشروطها من الرئيس إلى نائبه، وذلك قبل أن تدخل عليها الآلية التنفيذية تلك التعديلات الكبيرة، التي لم تمس جوهر الفكرة، وإنما غيرت في كيفية نقل السلطة، وأضافت الحوار الوطني. ومجلس التعاون هو الذي استضاف توقيع المبادرة والآلية التنفيذية، في الرياض في نوفمبر 2011، وشارك في كل مراحل العملية الانتقالية؛ وإن كان في المرحلة ما بين تفجير جامع الرئاسة حتى صياغة الآلية التنفيذية، قد فقد قدراً من حماسه للمبادرة. وهو يمثل نصف عدد مجموع الدول العشرة -بغياب قطر التي انسحبت من المبادرة من فترة مبكرة- مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، والتي تتابع تنفيذ الاتفاق، وتعقد اجتماعات دورية مع الأطراف السياسية للاستماع إليها وحثها على التغلب على مختلف الصعوبات التي تواجه التسوية والحوار، ناهيك عن الاجتماعات التي تعقدها فيما بينها، أو مع المبعوث الأممي، لمتابعة التقارير المتعلقة بمستوى تنفيذ اتفاق المبادرة والآلية التنفيذية، وغيرها من القضايا ذات الارتباط المباشر وغير المباشر بالتسوية. ودول مجلس التعاون تحملت نصيب الأسد من الدعم المالي، في الاجتماعات التي دعت إليها مجموعة أصدقاء اليمن. ولدى المجلس، منذ بداية العملية السياسية والمرحلة الانتقالية، مكتب في صنعاء أنشئ لهذا الغرض. خلاصة القول: إن حضور مجلس التعاون الخليجي في التسوية السياسية في اليمن كان من القوة بحيث يصعب فهم "عدم الوضوح" هذا في علاقته بقرار مجلس الأمن الذي يضع اليمن تحت البند السابع. صمتت دول المجلس ولم تُبدِ أي رأي بشأنه، كما أنه لم يصدر عنها أي فعل، أو رد فعل، يفهم منه موافقتها، أو عدم موافقتها، عليه، مشاركتها، أو عدم مشاركتها، فيه.

إن صعوبة فهم هذا الموقف يأتي من حقيقة أن المجتمع الدولي، ممثلاً بمجلس الأمن وأمين عام الأمم المتحدة، حرص، دوماً، على التشاور مع دول مجلس التعاون قبل اتخاذ أي خطوة أو قرار يخص اليمن، من منطلق أن مبادرتهم هي أساس التسوية السياسية؛ فهل يعقل أن يتخذ مثل هذا القرار دون التشاور معهم، أو حتى دون علمهم؟! ثم ما هي الدلالة التي يمكن أن تُقرأ من موقف كهذا، في حالة أنه لم يتم التشاور معهم أو إطلاعهم على النية باتخاذ هذا القرار؟! شخصياً، لا أميل إلى الاعتقاد بأن دول مجلس التعاون تجهل نية مجلس الأمن اتخاذ مثل هذا القرار؛ فكل ما يمكن قوله هنا هو أن التشاور معها قد تم؛ ولكنه ذلك النوع من التشاور الذي لا يتطلب موقفاً بالرفض، أو الموافقة؛ إما لأن دول المجلس نفسها فضلت ألا يكون لها موقف، من أي نوع كان، تجاه قرار من هذا النوع لحساسيته، وإما أن تقاليد عمل مجلس الأمن كانت قد رتبت آلية للسير في اتخاذ مثل هذا القرار لم يمكن دول التعاون من أن يكون لها رأي في القرار، فيما عدا ذلك القدر من التشاور غير الرسمي. والواقع لو أن دول مجلس التعاون قد أخذت قرارها عنوة، بأن تنأى بنفسها عن موضوع كهذا، لأصبح الأمر مقبولاً، لحساسيته، فيما يخص مستقبل المنطقة كلها، كي لا يبدو الأمر وكأنه سابقة شاركوا فيها، ليصبح، بعد ذلك، سيفاً مصلتاً على الجميع؛ ولكن سيبدو الأمر مختلفاً في الحالة الثانية، فيما لو لم يعتد برأيهم كشريك في التسوية السياسية في اليمن. مثل هذا الموقف الأممي سيعقد، بالتأكيد، شراكة دول مجلس التعاون في التسوية السياسية، وسينظر إليها باعتبارها مجرد خزانة لتمويل العمليات المرافقة لهذه التسوية، التي يجري تقرير عناصرها وآلياتها في أماكن أخرى، وهو ما من شأنه أن يثير امتعاض نخبها السياسية على أكثر من صعيد.

والحقيقة هي أن الوضع القائم، والمستجد، بين دول مجلس التعاون، قد أضعف الموقف المتماسك القديم لدول المجلس تجاه القضايا الحيوية في المنطقة. فالخلافات، التي ظلت كامنة وبرزت مؤخراً في صورة انقسام بين دوله، قد أغرت المجتمع الدولي بوضع خارطة المنطقة في برواز خاص، مسلطاً عليه مجهر التغيير السياسي والجيوـ سياسي لوضع عام تتنازعه استقطابات داخلية وخارجية تعرض المصالح الحيوية للدول الكبرى فيه للخطر.

ولأن الشرق الأوسط كله ينام على وضع متحرك وهش، فإن هذه المنطقة، ومعها مصر ربما، تُشكل حجر الزاوية لدى الدول الكبرى، في الإمساك بدفة التغيير المطلوب لحماية هذه المصالح، من خلال تشكيل تكوينات جيوـ سياسية مستقرة، يعقبها الدفع بقيام أنظمة مقبولة شعبياً، لا تعتمد على مقايضة الوفرة بالتنازل عن المشاركة في صناعة القرار السياسي، كما لا تعتمد، أيضاً، على الحشد الأيديولوجي الذي يرتب فقاعات تغييرات سياسية شكلية وهشة تفضي إلى سقوط السلطة بيد "أوليجارشيات" جديدة لا هم لها سوى اغتصاب الحكم.

كانت ثورات الربيع العربي قد استندت على زخم شعبي هائل؛ لكن هذا الزخم لم يجد تعبيراته السياسية والثقافية سوى في ما أنتجته ظروف ما قبل هذه الثورات من نخب جاهزة أخذت تتبادل الحشد والمواجهات، وإعادة إنتاج صراعاتها القديمة المتجددة، في ظل تربص الدولة العميقة، في بعض البلدان كمصر، بالثورة وجميع قواها. أما بعضها، فسرعان ما أعاد ترتيب وضعه في إطار أوسع من التحالفات السياسية، وعلى وجه الخصوص الإقليمية، ضارباً عرض الحائط بالتحالفات الداخلية، التي شكلت كتلة وطنية متماسكة لإسقاط الاستبداد. لقد وجدت في هذه التحالفات الخارجية فرصة للانقضاض على السلطة، وإقصاء القوى الأخرى، في مشهد أظهرت فيه بعض البلدان الكبيرة، المحيطة بالإقليم، شغفاً بهذا التحول وبهذا الانقضاض، وبدت كما لو أنها تستعيد، بواسطته، مشاريعها التاريخية، من خلال أنساق سياسية جديدة، وما عليها إلا أن تمدها بالمال والسلاح والدعم الإعلامي والمعنوي، لتقوم بالدور الذي قام به عسكرها ذات يوم، وبصيغ وعناوين مختلفة تصرف الأنظار بعيداً عن الأحلاف الجديدة التي أخذت تنشئها هذه العمليات المكثفة. هذا الوضع استفز بقية دول الإقليم، وتلك الدول ذات المصالح الحيوية في هذه المنطقة، وبدأت العواصف تهب على ثورات الربيع العربي، من داخلها ومن خارجها على السواء.

وكانت العواصف التي هبت عليها من داخلها، محملة بغبار كثيف فقد مسارها فيه الرؤية لدى بعض القوى، حيث اتجهت نحو مسارات احتكار السلطة في صيغته القديمة، مستعينة بذلك العامل الخارجي، الذي شكل حلقة طوق غليظة حول الأهداف الوطنية العريضة لهذه الثورات، كي تبقى محاصرة في ذاتها وغير قادرة على إنتاج معادلها الموضوعي على الأرض.

في ظل هذه الظروف، أخذت محصلة هذه التجربة القصيرة تضع تلك البلدان أمام تحديات تصحيح المسارات. كانت الكلفة، في بعضها، ضخمة، ولا يزال الغموض يكتنف، بشكل كامل، عملية التصحيح.

في اليمن، سار التصحيح جنباً إلى جنب مع الثورة، ولم ينفصل عنها، وهو ما قدم فرصة تاريخية لأن يكون اليمن نموذجا لحماية ثورته، بكلفة أقل. لا تكمن المشكلة في اليمن في ما يريده الآخرون من ثورة التغيير؛ ولكن في ما يريده اليمنيون أنفسهم مما تبقى من عناصر هذه الثورة. ربما أدرك اليمنيون أن ما يحتاجونه هو تحويل بلدهم من جغرافيا ينتمون لها، إلى وطن يعيشون فيه بكرامة. اتسعت عندهم، في لحظة حاسمة من لحظات صحوتهم، جغرافية الحياة، بعناوينها العديدة والمتنوعة، وأدركوا أنها هي العملية الموضوعية الوحيدة التي لا يستطيع أحد أن يقررها نيابة عنهم، أو يقوم بها سواهم. تحقق الجزء النظري من ذلك، ويشتد الصراع، وسيشتد، حول تنفيذ ذلك عملياً على أرض الواقع.

المنطقة اليوم، بما اختمر فيها من أحداث وإرهاصات لتغيرات كبيرة، وربما جذرية، تواجه سؤالاً متعلقاً بقدرتها على إدارة هذه الأحداث والتبدلات، دون تدخلات قد تفضي بها إلى الفصل السابع. ربما كان الظرف الدولي سانحاً لاتخاذ قرار من هذا النوع بسهولة، في حالة اليمن، وذلك قبل أن تنفجر أزمة أوكرانيا، التي أفضت إلى ضم جزيرة القرم إلى روسيا، في مارس 2014. ولو أن هذا القرار، الخاص باليمن، تأخر، لأي سبب من الأسباب، لأصبح اتخاذه مرهوناً بعوامل إضافية قد تعقد من اتخاذه. لكن هذه الدول، على كل حال، لا تعدم الحيلة حينما تريد أن تتخذ قراراً من هذا النوع، وعلى المنطقة ألا تراهن كثيراً على المشاكل التي تنشأ فيما بين هذه البلدان بسبب بعض الحسابات الاستراتيجية. فأوكرانيا أكثر أهمية، في حلقات المصالح الحيوية، لروسيا، وغيرها من الدول الأوروبية وأمريكا، من سوريا. كما أنه لا جدال بأن السلاح النووي الإيراني أكثر أهمية عند إيران من النظام السوري؛ إذا ما أزفت لحظة المفاضلة لاتخاذ القرار الأنسب بالنسبة للمصلحة الحيوية لإيران، ويصبح النظام السوري هو الثمن، وقد تصبح سوريا ضحية تسوية لمصالح الأطراف المختلفة في أوكرانيا، في الوقت الذي تقرر فيه هذه الأطراف الدولية حل المشكلة الأوكرانية، مثلاً.

تتراجع أهمية دول المنطقة لدى المجتمع الدولي حينما يواجه مشكلة في إطار الحلقات الأكثر حيوية، والأشد ارتباطاً بالأمن القومي للدول الكبرى. ومع ذلك، فإن احتواءها على أكثر من ثلثي المخزون الممكن استخراجه من النفط، وبكلفة أقل من غيرها من المناطق الأخرى المنتجة للنفط، إضافة إلى موقعها الجيوـ سياسي الاستراتيجي، الذي يتوسط العالم، وما يمثله ذلك من أهمية كبيرة في حماية خطوط التواصل بين العالمين الجديد والقديم، ناهيك عما تمثله من كتلة ثقافية بعنوان ديني مشترك يحفل بدلالات لا تخلو من المحاذير عند الآخرين، عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي للأمم الكبرى. زراعة اسرائيل في قلب المنطقة، على ذلك النحو، وفي تلك الفترة المبكرة، لم يكن غير عنوان بارز لهذه المحاذير التي تتجدد بقوة مع كل دورة من دورات الصراع الدولي.

لا يمكن أن تكون هذه العوامل إلا سبباً لتلك الدرجة العالية من الاهتمام بهذه المنطقة. والاهتمام على هذا الصعيد لا يولد دائماً شروطاً إيجابية للتطور والاستقرار؛ ولكنه يمكن أن ينتج شروطاً سلبية، بموجبها تواصل القوى الكبرى التفتيش عن عوامل التفتيت والتفكيك وخلق التناقضات، ليسهل عليها السيطرة على المنطقة ومقدراتها.

خلال العقود الماضية، وبنهاية السيطرة الاستعمارية، شهدنا دورة تحول المشروع الوطني إلى مشروع هش، لم يصمد كثيراً أمام المشروع التفكيكي، الذي بدأ بتقسيم المجتمعات تقسيما طائفياً وعرقياً، وحولها من مجتمعات تبحث عن حلول سياسية واجتماعية لمشاكل الفقر والجهل والتخلف والانقسام الطبقي المحكوم بغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروات، إلى مجتمعات متناحرة بإشكاليات اجتماعية وثقافية ودينية - سنة وشيعة، وما يصاحبها من انقسامات طائفية وعرقية - قبائل ومدينيين [المنتسبين إلى أي مهنة أو حرفة من حرف ومهن المدينة] -على سبيل المثال لا الحصر- تحلق خارج متطلبات التطور الاقتصادي والاجتماعي والمعرفي لشعوب المنطقة. وإلى داخل هذه المنطقة جرى تصدير ثقافة التطرف الديني، التي وُظفت، في بداية الأمر، في الصراع الدولي لحسم واحد من أطول وأقوى صراعات القرن العشرين بين القطبين اللذين قسما العالم إلى معسكرين لأكثر من سبعة عقود، ليستقر الأمر، بعدها، لصالح أحد أقطاب الصراع، ويصبح، بما جناه من توظيف للتطرف في معركته التاريخية، هدفاً له؛ ثم تبيئة هذا التطرف في هذه المنطقة لتتحمل وحدها نتائجه التدميرية، ومنها إحكام السيطرة عليها بدافع مكافحة التطرف والإرهاب. وهي لا يراها المجتمع الدولي شريكاً إلا في مكافحة الإرهاب، الذي كان في الأساس منتَجاً دولياً بامتياز، ليغدو تهمة تطارد شعوب المنطقة، التي صار عليها أن تدفع وحدها ثمن ما ألحقته بها هذه السياسات من أضرار لن تتوقف عند حدود معينة.

نسمع أحاديث كثيرة عن أن اليمن يمتلك خصائص للتطور تغنيه عن الاعتماد على دول النفط. هذه أحاديث تتجاوز منطق الأشياء، عندما يتجهون بالمعنى نحو إغلاق أبواب اليمن على نفسها! ولكن حينما يتجه المعنى إلى خطورة ذلك النوع من الاعتماد الأحادي، الذي يعمل في اتجاه واحد فقط، فإنه يصيب كبد الحقيقة. لا يمكن لليمن أن يستمر في هذا الوضع، الذي لا يعمل فيه بجدية على أن يكون شريكاً حقيقياً في العيش المشترك مع دول المنطقة. وهناك فرق كبير بين أنه لا يستطيع، أو أنه لا يعمل. اليمن، في الحقيقة، يستطيع؛ ولكنه لم يعمل، وهنا تتحول المشكلة إلى معضلة يجب التفتيش عن حلها في ما هو أعمق من الحلول التقليدية التي لجأت إليها الكثير من البلدان.

كان الحوار قد أجاب على كثير من الأسئلة المعقدة المرتبطة بهذه الحلول الأعمق. وبهذا يكون قد انتقل بالعملية كلها إلى منحنى أعلى، ولم يعد يتحرك على المنحنى القديم، ذهاباً وإياباً، وصعوداً وهبوطاً، كدليل على إدراكه لأهمية البحث عن الحل بعيداً عن كل التجارب السابقة التي استهلكت الجهد والوقت، في حين أخذ الزمن ينتج مشكلات جديدة أكثر تعقيداً وخطورة، لا تنفع معها المراهم القديمة ولا الدهانات السطحية.

أين ستقف دول الإقليم من هذه الحقيقة، التي وجد فيها اليمنيون خيارهم للسير نحو المستقبل، مدفوعين بضرورة أن يصبحوا شركاء حقيقيين في هذه المنطقة الهامة؟ سيكون من الضروري أن تتغير استراتيجية الطرفين تجاه بعضهما، في ضوء ما أفرزه الحوار من نتائج ومتطلبات. ولا بد من أن يرتب نجاح التسوية السياسية استمرار جهود دعم اليمن لتحقيق الخطوات الأولى من النهوض، التي تضعه على طريق التطور والاستقرار. ومن هذا المنطلق، على الدول الكبرى الداعمة للمبادرة أن تعمل على خلق مزيد من الروابط بين اليمن ودول الإقليم، بتوظيف جهدها واهتمامها لتحقيق هذه الغاية، وأن تمتنع عن إقامة أي حواجز بينهما، تحت أي عنوان، أو لأي سبب كان، حتى لا يؤثر ذلك سلباً على بناء تلك الاستراتيجية الجديدة. ويأتي سؤالنا المرتبط بالقرار الأممي، وعلاقة دول مجلس التعاون به، من هذه الزاوية؛ فكلما اقتربت هذه الدول من أي قرار دولي يخص اليمن، كان ذلك رافداً لتعزيز روابط المصير المشترك.

غير أن هناك مسألة تعني اليمنيين أنفسهم قبل غيرهم، وهي أن عليهم ألا يغرقوا، ويُغرقوا معهم مصلحة بلدهم، في مشاكل الآخرين. شهدنا حالات كثيرة تناست فيها النخب اليمنية أن اليمن لا يحتمل خصومات إضافية، داخلية أو خارجية، تجعل التغيير عملية مثقلة بحمولات تجعلها غير ممكنة التحقيق. فقد شهدنا، خلال الفترة الماضية، وأثناء المرحلة الحاسمة للعملية السياسية اليمنية، كيف أن اليمنيين هربوا إلى مشاكل غيرهم، غير مبالين بما خلقه ذلك من تأثيرات سلبية على جبهتهم الداخلية.

لم يبدُ على اليمنيين أنهم أدركوا حقيقة أن معظم نخب البلدان العربية الأخرى لا تهتم كثيراً لأوجاعهم كي يستهلكوا ذلك الوقت في صراعات لا ناقة لليمن فيها ولا جمل، وأدت إلى تعميق الانقسام الداخلي. اليمن بلد منسي عند معظم هؤلاء؛ فلماذا نُصرُّ على أن نضعه داخل ذاكرة لا تراه غير بلد مستقطب في مشاكلهم وخلافاتهم؟!

 

لطالما عبر هذا النزوع عن استهانة بعض النخب اليمنية بأولويات داخلية تفرض عليها حشد كامل جهدها لمواجهتها، وأنه لا يجب أن تتعثر بمشاكل قادمة من أمكنة أخرى، مهما بدا أنها هامة لبعض القوى، فهي تتعلق بها على وجه الخصوص، وليست من أولويات البلد. برزت تداعيات هذا النزوع إلى الغرق في قضايا الآخرين بصورة بادية للعيان في حالة مصر، وخلافات دول مجلس التعاون، ومشاكل بعض دول الإقليم مع المجتمع الدولي، وهي تشكل أحياناً موزايكو رغبات عند البعض مهووسة بجر اليمن إلى مستنقع هذه الخلافات الخارجية، في حين أن لدى اليمن ما يكفيه من مشكلات نابعة من أوضاعه المتعثرة.

 

رابط الحلقة الاولى

رابط الحلقة الثانية 

رابط الحلقة الثالثة

رابط الحلقة الرابعة

رابط الحلقة الخامسة

-       كتاب جديد للدكتور ياسين سعيد نعمان، يُنشر في صحيفة "الشارع"، بالتزامن مع موقع "الاشتراكي نت".

 
الأربعاء, 23 نيسان/أبريل 2014 18:26

عبور المضيق.. في نقد أولي للتجربة (5)

 

شروط إصلاح مسار العملية السياسية

إن أول شرط على هذا الصعيد يكمن في الاعتراف بالخطأ؛ فكما يقول المثل: الاعتراف بالجهل بداية المعرفة. لا شك أن بعض الأخطاء، التي رافقت العملية السياسية، والحوار على وجه الخصوص، قد خلخلت، إلى حد كبير، الأسس التي قامت عليها هذه العملية، ورتبت، على أكثر من صعيد، نتائج لن تتوقف آثارها السلبية عند حدود معينة، بل ستتعداها إلى تخليق أنساق من السلوك الخطير المقاوم لعملية التغيير، وخاصة عند القوى التي يعاد إنتاجها في قلب الدولة بنفس الأدوات القديمة، وعلى نفس المنهج القديم. تحتاج اليوم القوى التي تحاورت أن تتجرد من أنانية التفرد وروح الغلبة، إلى أن تقف أمام هذه الأخطاء بمسؤولية، قبل أن تترتب عليها نتائج على الأرض يصعب معالجتها بعد ذلك، إلا بكلفة باهظة. وفي هذا الإطار يمكن أن يصبح القرار الأممي عنصراً مهما في هذه العملية التصحيحية.

وفي هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن توظيف هذا القرار كرصيد سياسي لأي طرف، خارج عملية الوفاق التي حكمت مسار العملية السياسية، سيشجع على ارتكاب المزيد من الأخطاء القاتلة في إدارة المرحلة القادمة، والتي تعد من أكثر المراحل حساسية، عندما يتعلق الأمر بالشروع في بناء الدولة التي انتظرها اليمنيون طويلاً. وأعتقد أن على مكونات المنظومة السياسية، وعلى رأسها الرئيس هادي، تقع مسؤولية تصحيح هذه الأخطاء، وخاصة موضوع شكل الدولة الاتحادية، في خطوة تصحيحية لقراءة رصينة لمحتوى القضية الجنوبية، وكذا العلاقة بين متطلبات تنفيذ مخرجات الحوار لتحقيق بناء الدولة والحكم الرشيد، وبين التركيبة الهشة والمشوهة لمؤسسات الدولة وجهازها التنفيذي، الذي جرى تطعيمه، على عجل وبدون قواعد أو أسس تحميه من الفساد ومن الفشل، بتعيينات تمت في معظمها بالقسمة بين الطرفين التقليديين في معادلة التقاسم. وسيكون على الرئيس، في هذه المرحلة، أن يحتاط كثيراً وهو يمارس دوره كقائد لهذا الوفاق، وليس طرفاً في خلافات أطرافه المختلفة. سيتعرض لضغوط من نفس القوى، التي ظلت تعتمد على الدولة في حسم صراعاتها مع الآخرين، وعند نقطة ما لا بد أن تكون له كلمته الفصل في رفض القيام بهذا الدور؛ لأن القبول به لن يعني أكثر من تسديد لكمة قاتلة في وجه التغيير.

إن جزءاً من صعوبات المرحلة القادمة تأتي من الخلل الذي لحق بالعملية السياسية في نهاية الحوار، والخروج على قواعده. هذه الظاهرة، يتوجب على الرئيس هادي، أولاً، إذا أراد أن يهيئ الشروط المناسبة للانتقال بالتسوية إلى المسار الذي يتجه بها نحو التغيير، وبناء الدولة، وإرساء أسس الاستقرار لهذا البلد، أن يعالج جذرها، بالتعاون مع كافة القوى السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وكذا الأطراف التي وضعت العملية السياسية كلها، ومعها الرئيس هادي، في مصيدة العنف، ومصيدة ما يسمى "الدفاع عن الوحدة".

لقد أخذت مصيدة العنف تتسع وتأخذ مداها في الشمال، داخل البنى الاجتماعية والثقافية والسياسية، بعناوين مختلفة، منها العناوين المذهبية والدينية، والتي تقترب من الطائفية على نحو خطير. وكانت تلك أخطر العناوين التي تمتد داخل تاريخ يعج بالصراع من أجل الحكم. ولا أدل على ذلك من حقيقة أن محاولة القضاء على المذهب الزيدي، في صورته الفقهية، قد تم تحت عنوان سياسي، من خلال توظيف منهج الحكم الكهنوتي المستبد للأئمة، والذي نسب قصداً إلى هذا المذهب، أثناء وبعد هذا الحكم الذي أساء هو نفسه إلى المذهب إياه. لقد أدى هذا الربط التحكمي إلى سهولة تصفية المذهب الزيدي خلال فترة وجيزة بين السكان على نطاق واسع امتد ليشمل معظم المساحة الجغرافية التي كانت تعتنق هذا المذهب، بحجة أنه مذهب الأئمة الذين حكموا اليمن الشمالي، وأن التمسك به إنما هو تمسك بحكم هؤلاء الأئمة.

كنا في شهارة، نهاية عام 1993، وقمنا لصلاة المغرب، وبعد الصلاة، سألت، على سبيل المزاح، أحد الإخوة القياديين ممن كانوا معنا: ألست على المذهب الزيدي، فلماذا تضم بينما الزيدية تسربل؟ فوجئ بسؤالي، والتفت حوله، وقال: هذا مذهب الأئمة الظلمة. وصمت. إن التغيير المذهبي لهذه الكتلة السكانية الكبيرة، بتلك الطريقة، أعاد فرزها على قاعدة مختلفة خطيرة على التماسك الوطني، خاصة في ظل تراجع المشروع الوطني، الذي حوصر وأخفق في توفير غطاء المواطنة والهوية والحقوق لكل السكان، على مختلف انتماءاتهم وأعراقهم ونحلهم. وفي الوقت الذي كان فيه المذهب الزيدي، كبقية المذاهب الفقهية الأخرى، قد أعطى مظلة أوسع لهذه الكتلة السكانية الكبيرة من اليمن، بأعراقها المتنوعة، فإن انحساره بتلك الصورة قد فتح الباب لانقسامات ومواجهات "عرقية" -قحطانية وعدنانيةـ أكثر حساسية تجاه التاريخ، في واقع لم يتحصن بما فيه الكفاية تجاه تلك المؤثرات التاريخية.

والحقيقة أن هناك، بالمقابل، من يسيء لهذا المذهب من داخله؛ بتوفير أسباب الهجوم عليه، عندما يصر بعض هؤلاء على توظيفه لأغراض سياسية. والجميع يخطئون حينما يستدعون التاريخ لدعم التحفظات التي يطلقونها ضد بعضهم، في مشهد لا يمكن وصفه إلا بأنهم لم يعودوا يرون أحدا إلى جانبهم يتسع له هذا الوطن، وأن انتصار أحدهم على الآخر هو، بمعيارهم، انتصار للوطن.

إن هذا اللون من الصراع يجب أن ينتهي فوراً. وعلى المجتمع أن يعلن رفضه له جملة وتفصيلاً، وأن الاصطفاف إلى جانب أي من طرفيه هو تعميق للشرخ الاجتماعي والوطني؛ فالذي ينتصر على الآخر لن يكون نهاية المطاف، وإنما سيكون بمثابة فتح باب أوسع لجروح أعمق ودماء أغزر.

في ظروف سابقة، جرى استهلاك الدولة في إخضاع أطراف لصالح أطراف أخرى، في تناوب بين هذا الطرف أو ذاك يقرره الحاكم، حسب ما تمليه مصلحة اللحظة. وعلى الرغم من أنه لم يكن للدولة أي مصلحة في الزج بها في مثل تلك الحروب؛ إلا أن الحاكم لم يكن يفرق بين مصلحة الدولة ومصلحته في البقاء في الحكم، فهو لا يرى الدولة غير أداة بيده تحمي حكمه، حتى عندما يصبح حكمه سبباً في تدمير هذه الدولة. الحاكم يجب أن يدير الدولة لصالح الدولة. تدخُّل الدولة لا يجب أن يحولها إلى طرف في الصراع، وإنما يجب أن يتم بشروط تُفرض على الجميع من الموقع الذي تقف فيه على مسافة واحدة منهم، دون زيادة أو نقصان، وأن يكون التدخل فقط لتنفيذ هذه الشروط.

وفي الجنوب، حاول البعض، من داخل النظام ومن خارجه، أن يملؤوا الفراغ الذي تولد عن بقاء القضية الجنوبية معلقة من غير حل واضح، بإشعال بؤر العنف، إلى جانب موروث ما ينسب إلى تنظيم القاعدة في تشابكه مع النظام القديم، في حلقات متداخلة، أدى، في بداية الفترة الانتقالية، إلى السيطرة على محافظة أبين وجزء من شبوة، وانتشر في أكثر من محافظة. 

كان على الرئيس هادي أن يتجاوز مصيدة العنف في مناطق التوتر والحروب، وهو ما استطاع فعلا أن يتجاوزه إلى حد كبير؛ أي بالمعنى الذي لا يقصد به تصفية هذه الحروب وأعمال العنف، وإنما عدم إغراق الدولة في حروب الشمال، والعمل على تهدئتها أو تسويتها في الجنوب. فالدولة الآن ليست طرفاً في حروب الشمال؛ لكن في الجنوب الدولة هي الطرف الرئيسي في هذه الحروب، ذلك أن ماهيتها تختلف عن حروب الشمال. وهذه المفارقة لها مدلولها؛ ذلك أن الدولة في الشمال ظلت رهينة بيد القوى التي تتصارع وتحترب. وكانت الدولة دائماً ما تأخذ موقفاً إلى جانب هذا الطرف أو ذاك. وحينما أخذت تتميز، هاجمتها هذه الأطراف، كل طرف بحسب وضعه على أرض المعركة. أما في الجنوب فقد ظلت الدولة محتفظة بالمبادرة؛ بسبب غياب الأطراف المتصارعة على نهب الدولة، وبسبب ماهية الصراع التي تجعل للحرب معنى مختلفا.

 كانت هذه أخطر مصيدة يوضع فيها الرئيس هادي. ففي الوقت الذي أدرك فيه خطورة توريط الدولة في حروب الشمال، حاولتْ هذه القوى توريطه في حروب الجنوب. وأعتقد شخصياً أنه جنّب الدولة التورط في حروب كسر العظم التي تمارسها هذه القوى ضد بعضها، وكذا مغبة الخسائر الجسيمة المادية والمعنوية لمثل هذه الحروب، وخاصة في الشمال، حيث تدار الحروب من خنادق كل القوى التي لها حساب مع الدولة، حتى أن هناك من بات ينظر إلى عدم التدخُّل هذا على أنه موافقة ضمنية من قبل الرئيس على استمرارها؛ نظراً لما يترتب على  استمرارها من إضعاف لنفوذ هذه القوى، والضغوط التي تمارسها عليه في تأدية مهامه. وكثيراً ما لمَّحتْ وصرحت بعض الأطراف، وكذا بعض المراقبين، إلى ذلك. غير أنني أعتقد أن المسألة أكثر تعقيداً من هذا الحساب المبسط، وإن كان في نتائجه قدر من الصحة. لكن الأكثر أهمية من هذا هو أن الرئيس هادي، ومن خلال موقعه كنائب سابق للرئيس، كان قد شهد الخسائر الضخمة التي مني بها الجيش في مثل هذه الحروب، التي اتسمت، في جانب كبير منها، بتصفية الحسابات بين أجنحة السلطة؛ ولذلك قرر أن يتجنب مصيدة هذه الحروب. فأن يتحمل ما يصل إليه من رذاذها إنما هو أهون من تحمل تبعاتها. غير أنه في الواقع لن يستطيع أن يستمر على هذا الموقف، إذا ما استمرت الحروب تتصاعد وتهدد بإغراق البلاد في جحيمها، وخاصة إذا ما أصبح التدخل مطلباً شعبياً. وسيكون عليه، وعلى معاونيه، أن يضعوا استراتيجية واضحة لا تقتصر على الجانب العسكري فحسب؛ ولكنها تأخذ البعد السياسي والاجتماعي والمذهبي للصراع، وفق شروط ملزمة للجميع، مع رؤية تقوم على ترسيخ أركان الدولة والمواطنة كأساس لاجتثاث جذور الصراع. بمعنى أن على الدولة أن تتدخل بشروط تفرضها على الأطراف كلها ومن مسافة واحدة.

أما مصيدة "الخوف على الوحدة" فقد سبقتها حملات إعلامية تتهم "هادي" بأنه يعمل على فصل الجنوب، وأنه يعين الانفصاليين، ويقيم سلطة الجنوبيين مع إهمال للشماليين، وأن اللجان الشعبية التي شكلت لمواجهة الأوضاع الأمنية المتردية في الجنوب ليست سوى تأسيس لجيش جنوبي يسند عملية الانفصال... إلى غير ذلك من نغمات الابتزاز باسم الوحدة. ثم شنوا الهجوم تلو الهجوم على كل من خالفهم الرأي، ولم يجدوا ما يخوضون به معاركهم المفتعلة سوى العودة إلى معزوفة الوحدة والانفصال، في مشهد كوميدي مثير للسخرية. وأعادوا إنتاج أجواء أزمة 1993 و94 مستشهدين باصطفاف المدافعين عن الوحدة، في دعوة ديماغوجية ابتزازية لإعادة ذلك الاصطفاف. وخرجت بعض القيادات السابقة واللاحقة من كهوفها، ومعها الشلة إياها التي تشكلت على إيقاع طبول حرب 1994، ليرموا بقفاز الوحدة في وجه العملية السياسية، ومعها حمولات التخوين والتكفير واختراع أكاذيب وتلفيقات تبرر التحريض على القتل، وتصفية الخصوم، في أبشع صور ممارسة السفه، الذي تفشى في أواسط معينة، كظاهرة سياسية ملتبسة بأيديولوجيات دينية.

ومن مجالس ودواوين أولئك الذين عقروا الوحدة على بوابة "يمن" مصادر ومنهوب، خرج بعض المهرجين من أصحاب "الدال" المضافة إلى عاهات التحقت بالجامعات من بوابة جهاز الأمن، ليغتالوا حلم الناس بالتغيير، نيابة عن أولياء نِعَمهم، بتسويق مشروع التخلف وحمله على رافعة الوحدة ومغلفاً بخديعة الخوف عليها.

كان كل ذلك يتم بوقاحة من يقتل القتيل ويمشي في جنازته. "الوحدة في خطر"! هو العنوان الأبرز الذي اختفى هؤلاء وراءه بخيبتهم، التي جعلت من الوحدة مجرد متراس في معاركهم السياسية السطحية والتكتيكية، وكأنّ هناك وحدة قائمة فعلاً، بعد أن دمروها وقضوا على كل جسم حي فيها بسلوكهم الانفصالي. وظفوا كل ذلك لتبرير المواقف المتشددة والرافضة الاعتراف بأن هناك قضية عادلة في الجنوب تحتاج إلى حل يحقق الاستقرار الذي يهيئ اليمن كله للتوجه نحو البناء والتنمية، ووظفوه لإخفاء حقيقة أن هناك يمناً يتعثر بناؤه بسبب مواصلة تحليقهم الدائم حوالي مشاكله الأساسية بدلاً من الخوض في عمقها، لما سيترتب على ذلك من فضح الأدوار المعروفة لمعظم هذه القوى في الوصول بهذا البلد إلى ما وصل إليه. إن الإصرار على تقسيم الجنوب إلى إقليمين، وتقسيم الشمال إلى أربعة أقاليم، ليس سوى هروب من استحقاقات الحل الواقعي، إلى حلول مثقلة بما هو فوق السياسي؛ نعم، بما هو فوق السياسي، الذي يحلق في عوالم مترعة بحسابات هزيمة وكسر الآخر، فيما عرف بنقل المعركة إلى ساحات تغيب فيها الشروط السياسية؛ والمعارك التي تغيب فيها الشروط السياسية تتجسد في الحالة الذهنية للقوى التي لا هم لها سوى الاستيلاء على السلطة واحتكارها.

إن العودة إلى مربع احتكار السلطة، بتجلياته التي لا تخطئها العين، ومنها احتكار المناصب السيادية لقوى بعينها، وعلى نحو  يبعث على الاعتقاد بأن هذه العملية لا تتم بصورة غير منهجية، إنما هو عمل يغير اتجاه مجرى العملية السياسية إلى الاتجاه المعاكس لتيار التغيير، والقائمون بذلك يكررون سلوك سمك السلمون، الذي يقرر العودة إلى "موطنه" بالسباحة عكس تيار النهر، فيموت بمجرد بلوغه الهدف. في حالة هذه القوى التي تسبح ضد التيار، الذي يموت هو بلد بأكمله، أما هم فحياتهم تتوقف باستمرار على موت هذا البلد؛ لا يعيشون إلا بموته، ويعلمون جيداً أنهم لن يموتوا إلا في حالة أن تعود إليه الحياة.

لا بد من مواجهة هذا الوضع، دون تردد، ودون مجازفة بالاعتماد على مجاراة سلوك هذه القوى، أو التمسك بمقاربات التجربة والخطأ، التي حكمت المسار السياسي لعقود، متجنبين الحلول الواقعية، بسبب ما قد تؤدي إليه من نتائج، وما قد تفرضه من شروط غير مواتية لنخب الحكم. فالحقيقة تقول إنه لم يعد هناك للتجربة والخطأ أي هامش بعد أن وصلت البلاد إلى ما وصلت إليه. وفي ظروف كهذه يجب ألا يسمح بتكرارها تحت أي مبرر كان. ربما كانت "مصيدة الوحدة"، التي وُضع فيها هادي، أكثر جلبة، من حيث حجم الضوضاء التي رافقتها، حتى أنها لم تمكنه من التمييز بين غيرة هؤلاء على الوحدة، وغيرتهم على السلطة. ولذلك فإنه لم يتمكن من تجنب هذه المصيدة مثلما حدث مع مصيدة الحروب. ومن داخل هذه المصيدة راح الطريق إلى احتكار السلطة يمتد داخل نفق من التجارب التي لا تخطئ الهدف.

كيف سيتعامل القائمون على تنفيذ القرار الأممي، مثلاً، مع النماذج العملية لاحتكار السلطة، التي يجري تنفيذها على الأرض، بشروط تخالف الحكم الرشيد، الذي تحدث عنه القرار، وتخالف، في الوقت نفسه، الحقوق والحريات التي تعطي الحق لأي مواطن في الحصول على حقه في التعيين والترقي، ومقاومة الفصل التعسفي، ورفض احتكار الوظيفة في فئات سياسية أو اجتماعية بعينها، وبدون معايير تبرر ذلك؟

إن العرقلة عملية متعددة الأدوات، ومتنوعة الصور والأشكال، وأخطرها على الإطلاق هو أن تمارس من داخل السلطة نفسها. لا أحد يستطيع أن يقول لنا إن العدالة والحقوق هي مجرد مفاهيم نظرية لا صلة لها بما يجري في الواقع من خروقات وتعسف لحقوق الناس. تشكيل لجنة الأقاليم، وأسلوب عملها، فيه خرق لقواعد الحوار. تشكيل اللجنة الدستورية فيه تجاوز للقواعد المتفق عليها بشأن تشكيل اللجنة؛ فلا هي مستقلة، كما أُعلن عنها، ولا هي حزبية لاستثناء أحزاب فاعلة في العملية السياسية من عضويتها. إعداد نظامها، وجزء مهم من محتواه، يحتاج إلى تصحيح، وخاصة ما يتعلق بعلاقة الدستور بمخرجات الحوار. أنظر، مثلاً، المادة (31)، حيث يرد في نهايتها، بشكل صريح، ما يجيز الخروج على مخرجات الحوار؛ إذ تنص على: "وإذا كان رأي الهيئة الوطنية للرقابة على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني بأن هناك جوانب معينة في المسودة لا تتوافق بشكل كبير مع قرارات وتوصيات مؤتمر الحوار... إلخ". لاحظوا ورود عبارة: "لا تتوافق بشكل كبير"؛ ألا يعني ذلك أن القرار يجيز للجنة الدستور الخروج عن قرارات المؤتمر ومخرجاته، من حيث المبدأ، ويصبح الجدل بعد ذلك يدور حول عبارة "بشكل كبير"؟ فكيف سيتم تقدير هذا الخروج، فيما إذا كان صغيراً أو كبيراً؟! ثم من يعطي الحق بتجاوز قرارات مؤتمر الحوار، وهي محصلة جهد ونقاش وتصويت الأطراف المتحاورة، التي يفترض أنه لا سلطان لأحد على قراراتها؟! بالتأكيد، ما كان بالإمكان ورود مثل هذا النص في لائحة إعداد الدستور، لو لم يتم إضعاف مؤتمر الحوار، بمثل تلك القرارات الإدارية نيابة عنه، وصمت أعضائه عن سحب أكثر قضايا الحوار أهمية من أيديهم إلى أيدي السلطة.

لا أحد يستطيع أن ينفي أن هناك خروقات كبيرة قد تمت، من خلال العمل من خارج إرادة المتحاورين، وبسلطة مجموعة تعمدت أن تضع هذه الإرادة كملحقة بمسار العملية السياسية، لنشهد ذلك الانقلاب على الحوار في أيامه الأخيرة. لم يكن هذا مطلقاً هو طريق التغيير الذي بشر به انعقاد مؤتمر الحوار منذ أن كان فكرة حتى صدور مخرجاته.

فتح هذا الانقلاب أبواباً لعودة القديم، بكل حمولاته وأثقاله، ليحتل من جديد مساحة واسعة في الوعي الاجتماعي، الذي كان قد بدأ يتشكل برؤى تشده نحو المستقبل.

ما الذي يتوقعه مجلس الأمن من القوى التي يجري إقصاؤها في سياق عملية مراوغة مركبة، تتعسف روح الحوار وتتمسك بشكلياته فقط، وتؤسس على الأرض مراكز نفوذ وولاءات على النحو الذي مارسه النظام القديم، لتحويل الديمقراطية إلى مجرد لعبة بيد جزء من نفس النظام الذي انقسم على نفسه؟

للحوار روح، هي الأهم، بكل المقاييس، وذلك حينما ينصرف معنى الحوار وهدفه إلى خلق بيئة مقاومة للفساد السياسي وللحروب والعنف والصراعات، التي تدور حول السيطرة على القرار السياسي. هل يتجسد هذا المعنى للحوار في الواقع العملي الآن؟ أم أن هذا الواقع لا يزال يتحرك بأدوات ما قبل الحوار؟ هو حمّال أوجه، بكل تأكيد، وإن نزع إلى التمسك بالأدوات القديمة، ربما لأنها المتاحة، وربما لأن التبديل يحتاج إلى إرادة أنبياء كفت الأرض عن إنتاجهم. هذا ما يجب أن ترد عليه لجنة العقوبات ضد المعرقلين، وخبراؤها عندما يبدؤون بفرز الحقائق من النقطة التي يتعين عليهم فيها فتح شريط تسجيل المخالفات.

والحقيقة أنه يعنينا كثيراً، نحن اليمنيين، ما إذا كان هؤلاء، ومعهم نخب السلطة، سيهتمون بهذا المضمون الفلسفي والأخلاقي لروح ومعنى الحوار، كما نراه، وكما نريده أن يكون؛ أم أنهم سينظرون إليه من الزاوية التي تجسد ظاهر الأشياء في صيغتها النصية؛ ذلك أن هذا النصي، عندما يكون بلا محتوى، وغير جوهري، يصبح في كل الأحيان شكلياً. وخلاصة القول إننا نؤكد، وبكل قوة، أننا سنرفض رفضاً قاطعاً أن تتحول نتائج الحوار إلى مجرد عجينة يجري تشكيلها في صور لا تمت بصلة لما ناضلنا وضحينا من أجله. وهنا مربط الفرس في مدى توافق الفهم الحريص على تفسير مخرجات الحوار وتنفيذها، على النحو الذي يبني اليمن الجديد من ناحية، أو الفهم الذي يحولها إلى أداة لإعادة إنتاج التخلف والاستبداد بمعايير مقبولة دولياً من ناحية أخرى.

لقد برز جلياً، في أكثر من موقف، أثناء تنفيذ مهمات المرحلة الانتقالية، خلال السنتين السابقتين، أن محاولة تأسيس فهم مشترك لمضمون العملية السياسية، انطلاقاً من الحاجة الفعلية لليمن، قد حقق نجاحاً هنا، وإخفاقا هناك. ولكم تجادلنا مع المبعوث الأممي، السيد جمال بن عمر، وخبرائه، واتفقنا واختلفنا، وكان السيد جمال، بثقافته السياسية والعامة القريبة من اليمن، سرعان ما يقترب من جوهر المشكلة كما يعرضها اليمنيون، ما سجل حالة من التقارب، ولا أقول من التطابق، بين مضامين ومحتوى العملية السياسية من ناحية، وتعبيراتها العملية والتطبيقية من ناحية أخرى. لقد كان يقترب من المشكلة بعد أن يستوعب تأثير محتواها على جملة من المتغيرات، التي لم تكن ترتبط بعلاقة مباشرة معها في كثير من الأحيان. لكن المشكلة، في الغالب، كانت تأتي من بعض اليمنيين، باعتبارهم مصدر ثقة لدى بعض أطراف المجتمع الدولي؛ ذلك أن كل طرف فيه يسعى إلى قراءة المشكلة بالاعتماد، في الأساس، على مصادره، فتتعطل كثير من الأمور، ثم تأخذ منحى مختلفا، كما حدث مع موضوعات كثيرة. من هذه الموضوعات كان موضوع نقل السلطة، وموضوع شكل الدولة، وموضوعات الحصانة، العزل السياسي، الحكم الرشيد، والعدالة الانتقالية؛ في حين أن هناك موضوعات أخرى ظلت مثار نقاش طويل؛ مثل الضمانات الخاصة بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والتي لم تتضمنها المبادرة ولا الآلية التنفيذية، وإنما جرى اشتقاقها من واقع التجارب اليمنية في الحوارات السابقة، التي كانت تنتهي، وتسلم لنفس قوى الهيمنة لتلقي بها في الأدراج. كنا لا نريد لهذا الحوار أن ينتهي إلى أيدي مراكز السلطة القديمة لتلقى نفس المصير. وكنا نرى أن هذه آخر فرصة تقدمها الحياة لليمن ليغادر مأزق الصراع والاستبداد، ومعهما التخلف بكل ما يحيط به من عوامل محبطة ومفسدة لأي جهد في هذا الاتجاه. ودار جدل واسع حول تعريف الفترة الانتقالية على أنها ليست زمناً فقط، وإنما مهام يجب إنجازها. قلنا: تنتهي الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية بإنجاز مهامها الأساسية، على أن ذلك لا يلغي قيمة الزمن. ولأن هناك أسباباً عطلت إنجاز هذه المهام بصورة مقصودة، فقد تحول الزمن إلى عنصر غير وحيد في العملية. كان ذلك رأياً يمنياً ورد لأول مرة مكتوباً بوضوح في ورقتنا التي قدمناها بشأن ضمانات تنفيذ مخرجات الحوار الوطني.

إن هذا التوافق يتطلب تفاهمات مشتركة بصورة دائمة، ما يعني الحضور القوي للعقل اليمني وللإرادة اليمنية في المعادلة، حتى يصبح تنفيذ القرار ملبيا للهدف المعلن، وهو ما يعني أن اليمن لا يجب أن يفقد شروط استخدام هذا العقل والإرادة معاً. وقواعد العمل تقول إن الفترة الانتقالية لا تزال محكومة بروح التوافق بين القوى المتحاورة، وأن أي محاولة للتفرد بالقرار من قبل أي طرف إنما هو خروج على قواعد التسوية. فكيف سيتعامل مجلس الأمن مع ذلك؟ وهل سيعتبره مظهراً من مظاهر العرقلة؟

بمجرد أن يبدأ العمل من خارج القواعد المتفق عليها فإنه يصعب التحكم، بعد ذلك، في التداعيات التي تنشأ عن هذا الخروج. ونعرف تماماً أن جانباً مما واجهه البلد من صعوبات، خلال السنتين الماضيتين، هو بسبب الخروج عن القواعد التي حكمت التسوية السياسية؛ مثال على ذلك صمت العديد من الأطراف على موضوع النقل الكامل للسلطة من الرئيس السابق إلى الرئيس التوافقي، بمن فيهم رعاة المبادرة أو شركاء العملية السياسية، حيث تعلل بعضهم بأن الاتفاق لم ينص على ذلك، بينما هم يعرفون تماماً أن ذلك لم يكن صحيحا بالمطلق، فتعريف نقل السلطة شمل جانبها السياسي على نحو لم يترك مجالاً لأي تأويل مخالف لهذا التعريف. انتظر الجميع أن تقوم اللجنة، التي صاغت الآلية التنفيذية، بتوضيح الحقيقة؛ لكننا لم نسمع غير حشرجات لا تلتئم في جملة مفيدة واحدة. وصمت الجميع عن عدم تشكيل لجنة التفسير التي نصت عليها الآلية التنفيذية.

ظللنا نثير موضوع نقل السلطة على مدى سنتين، في معارك لم نكن نستهدف منها أحداً بعينه، بقدر ما كنا ننبه لقضية أساسية، وهي أن حلقات العملية السياسية مترابطة، وأن أي تعثر يصيب إحداها لا بد أن ينعكس سلباً على مجمل العملية. تعرضتُ شخصياً، بسبب هذا الموضوع، لمتاعب كثيرة، ولم أكتشف أن هناك حسابات مغايرة للكثيرين، بشأن هذا الموضوع، إلا في وقت متأخر. فهناك من كان يريد عدم نقل السلطة لأغراض تمديد الفترة الانتقالية، وهناك من لا يريد الخوض فيها حتى يبقي الحبل ممدوداً مع "أوليجارشية" النظام القديم، وهناك من كان يضع يده على قلبه خوفاً من سقوط السلطة كلية بيد معارضي "صالح"، ومن ثم يغض الطرف عن عدم نقل السلطة، من هذه الزاوية... وهناك من كانت له حسابات أن يبقى هذا البلد في حالة من الاضطرابات الدائمة، وألا يقدم نموذجاً في المنطقة للحل الثوري السلمي، فعند هؤلاء لا بد أن تكون الثورة دماء وحروبا وطريقا مجهولا، حتى لا يفكر أي شعب في اللجوء إليها كخيار أو كوسيلة للخلاص من الأنظمة السياسية الفاسدة والمستبدة...

ثم لا يجد كل هؤلاء، بعد ذلك، حرجاً من الحديث عن العقوبات التي سيتعرض لها معرقلو تنفيذ مخرجات الحوار الوطني!

إن من يتتبع مسار هذه العملية المعقدة، منذ بداياتها، سيجد أن جذور العرقلة قد جرى ترسيمها بالتغاضي عن أكثر الممارسات ضرراً بها، وهو ما جعلها تبدو وكأنها قد صممت لأغراض مختلفة عما يبشر بها.

ومع المدى، ومع بدء الانتقال العملي إلى الأرض لتطبيق حسابات موازين القوة، في سياق ترتيب وضع السلطة القادم، بدأت قواعد اللعبة تتغير، وأخذ البعض يكيف نفسه مع القواعد الجديدة؛ فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن أخذ نسيج العملية يتعرض لقدر من الاهتراء، وراحت الفجوات تملأ رقعة النسيج، وهي الفجوات التي أخذت تتسع مع كل قرار يتخذ خارج التوافق لتعزيز مكانة أطراف بعينها في معادلة السلطة، كما حدث بصورة مشهودة حتى  الآن. وبدا أن هناك درجة عالية من النزوع نحو السير في هذا الطريق.

ولا بد من التأكيد هنا، أن من قواعد العملية السياسية الرئيسية، خلال المرحلة الانتقالية، تلك التي تتمثل في تعزيز الوفاق والشراكة السياسية لتذليل حل القضايا التي تحتاج إلى مبادرات سياسية وطنية كبرى. غير أن تعطيل هذه المبادرات، باستخدام تحالفات ذات أهداف ضيقة وصغيرة وتكتيكية، قد أفسد مسار العملية السياسية، وأنتج مجرد إرادات تحكمية أضرت كثيراً بروح التصالح، التي كان من الممكن أن تشكل أرضية مناسبة لمبادرات أخرى كان عليها أن تصفي مجرى العملية السياسية. إن قضية كبرى مثل القضية الجنوبية ستظل عالقة في مجرى العملية السياسية، ولن يجدي نفعاً أن نشهر في وجهها قرار مجلس الأمن، بتفسيرات لا تخدم إلا توجهات الأطراف التي عطلت تلك المبادرات وتعسفت حلها حلاً عادلاً.

رابط الحلقة الرابعة

-       كتاب جديد للدكتور ياسين سعيد نعمان، يُنشر في صحيفة "الشارع"، بالتزامن مع موقع "الاشتراكي نت".

 

الثلاثاء, 22 نيسان/أبريل 2014 18:16

عبور المضيق.. في نقد أولي للتجربة (4)

 

الوفاق الوطني: لملمة اليمن المنهك

جاء هذا القرار الأممي، بموجب حيثياته، ووفقاً لتفسير أصحابه، لدعم الوفاق الوطني. هذا الوفاق الذي أخذ على عاتقه مهمة لملمة اليمن المنهك، وإنقاذه، وبنائه على أسس جديدة، وبآفاق حددتها وثيقة العقد الاجتماعي الممثلة في مخرجات الحوار. ومن هذا المنطلق، فإنه لم يأت ليدعم طرفاً، أو أطرافاً بعينها، على حساب آخرين؛ إلا في حالة واحدة، وهي أن تكون لذلك صلة بالموقف من الهدف الذي اتخذ من أجله القرار؛ أي أن هناك طرفاً، أو أطرافاً تعمل من أجل تحقيق هذا الهدف، وأخرى تعرقل تحقيقه؛ وهي مسألة لا يمكن الحكم عليها من مكان ثابت؛ بسبب المتغيرات والظروف المتحركة، التي لا تترك مجالاً لمثل هذا التحديد بصورة مطلقة! فقد رأينا كيف تحركت مواقف البعض في نهاية الحوار، وهي التي كانت متنافرة، لتنتج توافقات سريعة من أجل غرض واحد، وهو تمرير مشروع تعطيل قيام الدولة الاتحادية، باختلاق المواقف الحدية تجاه شكل الدولة وتصحيح المسار التاريخي.

ومن هذه الزاوية، يمكن النظر إليه على أنه لم يشكل انتصاراً لأحد، إلا لهدف التغيير، وهو بهذا يأتي متفقاً مع المطلب العام بمواجهة المعرقلين لعملية التغيير التي عبرت عنها مخرجات مؤتمر الحوار. هكذا يجب أن يُقرأ، وأي قراءة تنصرف به إلى المكان الذي من شأنه أن يؤسس لمراكز نفوذ جديدة من أي نوع كان، أو توظفه للانتقام، أو لكسر إرادة الناس في التعبير عن آرائهم، أو الاستقواء به في إحداث تغييرات سياسية أو بنيوية تخدم أطرافاً معينة لأسباب لا صلة لها بالهدف العام، فإن ذلك لن يقرر أثره المستقبلي على مسار العملية السياسية بصورة سلبية فحسب؛ ولكن سيفتح، بكل تأكيد، طريقاً لمزيد من الصراعات والفوضى، ولاستعادة القوى التقليدية المسلحة لأوراق اللعبة.

هذا يعني أن هذا الوفاق، الذي جنب اليمن مغبة السير في طريق الحروب والعنف، وقدم الكثير من الأدلة على أنه قادر على أن يجر اليمن، بقاطرة السلام والتفاهم والتعايش والاعتراف بالآخر، إلى المحطة التي تربطه بفكرة التحول إلى "وطن"، والتي يجب عليه أن يؤسس عندها قواعد بناء الدولة الاتحادية الديمقراطية العادلة... هذا الوفاق لا مفر من أن تستحضر قيمه في توجيه دفة العمل السياسي، خلال المرحلة القادمة، كشاهد على أن احتكار القرار السياسي والسلطة كان هو المنتج الفعلي لكل مشكلات هذا البلد.

والوفاق عملية شاملة لا تقتصر على البعد السياسي في صيغته المعبرة عن توافقات أفقية بين القوى السياسية والاجتماعية؛ بل هو، في ظروف اليمن، عملية رأسية ذات بعد وطني، تستهدف، بداية، مكونات البنية الوطنية للدولة، بحل القضايا الكبرى العالقة، التي لا معنى للوفاق إلا بحلها، وفي الصدارة القضية الجنوبية. وهو لا يعني، بأي حال، عدم الاختلاف؛ بل ينصرف المعنى إلى إدارة الخلاف على قاعدة ضرورة الاتفاق بالحوار، والتنازل المتبادل، وعدم السماح لأدوات الصراع بأن تكون جزءاً من الحل. والوفاق لا ينسجم مطلقاً مع مبدأ أن الآخر خطأ دائماً، وإذا كان لا بد من ذلك فليكن، إنما هو "خطأ يحتمل الصواب"، كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه، وهو الأمر الذي سيسهل الحوار، بكل تأكيد، ويبقيه في نطاق ما يمكن أن يسمى التفاهم الموصل إلى الوفاق.

إننا نعرف أن الرأي لا يمكن إثبات صحته إلا بشواهد مادية على ذلك في أرض الواقع، وليس بالجدل المجرد عن هذه الحقيقة. وفي بلد ما زالت عناصر الاستقرار فيه متحركة،  والمجاهيل في معادلة استقراره ونموه هي الطاغية، فإنه لا يجب أن يجادل أحد بصحة رأيه من داخل الأيديولوجية التي تحركه، أو بالاستناد إلى قوة اجتماعية، أو عسكرية، أو مالية، أو تسلطية، من أي نوع كان. الوفاق هو البحث عن الممكن المشترك، دون التضحية بالحقيقة عندما ما تكون هناك إمكانية للوصول إليها.

وإذا كانت التجربة القصيرة الماضية، منذ ما بعد ثورة التغيير، قد أثبتت أن بعض القوى قد عادت لاستعراض القوة باتجاه احتكار القرار السياسي، من خلال الضغط على مركز السلطة لتمرير مشاريعها وآرائها بوسائل وأدوات مختلفة خربت مضامين هذه العملية التاريخية؛ فإن توظيف القرار الأممي كرصيد سياسي إضافي لهذه الأطراف سيجعل آليات القرار تعمل في الاتجاه المعاكس لأهدافه المتمثلة في حماية الوفاق الوطني.

لا يجب أن تغيب عن منفذي القرار الأممي الخارطة السياسية المصحوبة بالتجربة التاريخية، والعوامل التي تحكمت فيها؛ فهذا العنصر، في مجمله، يجب أن يظل حاضراً؛ لأن جزءاً رئيسياً من الإشكال يكمن في ما ينتجه من دوافع الصراع والتململ وعدم الثبات، ولا يمكن إلغاء تأثيره بعزله، أو استبعاده من الحسبان. المشاهد الملموسة لهذه الحقيقة تفجر يومياً ألغاماً ضخمة أمام العملية السياسية، من أعالي الشمال إلى سهول الجنوب، وهي لا يمكن أن تكون مفرغة من شحنات الظلم والمعاناة والاستبعاد، أو من تراكمات مجمل الصراعات التي شهدها البلد. إن تنفيذ القرار يجب أن يبدأ باستيعاب هذه الحلقة الحاكمة لكثير من السلوك السياسي.

والوفاق الوطني لا بد أن يبدأ من تصحيح نتائج الظلم السياسي الذي لحق بالجنوب، وكذا الظلم الاجتماعي الذي مورس على مناطق واسعة من اليمن، وألحق بفئات اجتماعية وسياسية أضراراً بالغة عجزت مرحلة ما بعد الثورة عن أن تقدم أي مؤشرات دالة على أن هذا الظلم في طريقه إلى الزوال، أو أن تبعث قدراً من الثقة عند الناس بالقدرة على إزالته. كما أنها أخفقت في تقديم خارطة أهداف مقنعة بأن النتائج التي رتبتها السنوات، التي مورست فيها مظاهر هذا الظلم، من إقصاء واستبعاد اجتماعي وملاحقات، قد بدأت تأخذ طريقها إلى الحل.

بالعكس، إن ما يجري في الواقع يشي بقدر كبير من حقيقة مؤلمة، وهي أن الظلم القديم لا تجري إزالته، وإنما يهال التراب على من لحق بهم ذلك الظلم؛ ظناً بأن ذلك يغيّب الظلم، مثلما كانت تعمل بعض قبائل العرب في الزمن القديم، عملا بما صار مثلاً: "غيّب المظلوم ينتهي الظلم"، حيث يحكى أن إعرابياً تعرض لظلم في قبيلته فأخذ يشكو ويبث ظلمه بين العرب، شعراً ونثراً، حتى ساءت سمعة قبيلته بين العرب، فما كان من أمر زعماء القبيلة إلا أن اجتمعوا ليتدبروا الأمر، وبدلا من أن يبحثوا في أمر المظلوم أخذوا يناقشون سمعة قبيلتهم التي تشوهت، فقرروا قتل المظلوم لينتهي الظلم ويستعيدوا سمعة القبيلة، بعد أن أطلق أحدهم العبارة أعلاه، والتي صارت مثالاً للغباء.

في مشهد قريب من هذا، تقوم اليوم نفس القوى، التي مارست هذا الظلم، باقتسام كل شيء، بما في ذلك الوظيفة العامة، وأدوات النفوذ بصورها المتنوعة، وغير ذلك من الفعاليات التي تقرر مستقبل البلاد. وهي، في هذا المسار الأعوج، الذي خذلت فيه أحلام الشعب والشباب بالتغيير، لا ترى أولئك الذين ظُلموا غير مخلوقات هامشية لا يستحقون منها عناء البحث في مصيرهم. ولا عجب بعد ذلك أن نراها وقد قررت أن تسير على هدى زعماء قبيلة الإعرابي وتتقمص غباءهم. ولم يكن الموقف السلبي، بل والمتأفف، من النقاط العشرين، والإحدى عشرة، الذي عبرت عنه هذه القوى بأكثر من شكل، سوى صورة للمشكلة الكامنة في ثقافة لم تستطع أن تغادر المؤثرات التي يضخها ذلك العنوان البارز، الذي قررت تلك القبيلة، بموجبه، قتل المظلوم للتخلص من الظلم، مع ضمير مغلف بفساد الطوية تجاه حقيقة دوافع حرب 1994، وما رتبته نتائجها من مقدمات لصبغ منظومة قيم الظلم بلون مريح لأصحاب هذه الضمائر.

على مدى سنوات من تكسير الروابط الوطنية، وبناء حواجز نفسية بين الجنوب والشمال، من قبل النظام الحاكم في صنعاء، ومعه بعض النخب الملحقة، التي خرجت من كهوفها لتستعيد مشاريعها القديمة بشأن الجنوب، فإنه لم يكن ببال أحد، وقد توفرت من خلال الثورة والحوار شروط تكوين بيئة مقبولة إلى حد ما لإعادة بناء جسور الثقة، أن يصل الحال بهذه القوى إلى تلك الدرجة التي ترفض فيها منح قضية الجنوب فرصة كاملة لحوار موضوعي جاد يتفق مع قيمتها كقضية اتفق الجميع على أنها المحورية في مؤتمر الحوار الوطني.

قفزت فوق كل خلافاتها وصراعاتها لتتفق فقط على "كسر هذه القضية"، في أشد صور التحالف إغراقاً في تكتيكات انتهت بتفريغ الحوار من مضامينه. ربما شعرت أنها خسرت الرهان، بعد أن جاءت نتائج الحوار، في كل محاوره، لصالح تحويل البلاد إلى "وطن"، وبناء الدولة الاتحادية بنظامها الديمقراطي المدني الحديث، فرتب العامل الموضوعي، بإرادتها أو رغماً عن إرادتها، هذا الموقف من القضية الجنوبية، بطمسها في خيمة "شكل الدولة"، ليبدو الأمر طبيعياً وكأنه يعالج مشكلة "المركزية" المزعج. بالطبع، لم يكن الأمر كذلك بالمطلق؛ فالقضية الجنوبية لم تكن مشكلتها النظام المركزي فقط، وإنما في الأساس إعادة تشكيل الدولة على أسس مختلفة عن تلك التي قامت عليها الوحدة الاندماجية التي فشلت؛ أي: تصحيح تاريخي جذري لذلك الحدث الهام الذي تم يوم 22 مايو 1990، وهو ما يعني أن عنوان "شكل الدولة" كان يرتبط ارتباطاً حاسماً بموضوع الحل العادل للقضية الجنوبية، ولم يستحدث لطمسها، كما وظف فيما بعد. وهذا هو جوهر الدولة الاتحادية، أي أنها تنشأ بين مكونات سياسية، وليس تقسيم البلد إلى أقاليم على ذلك النحو المفرغ من ضرورة حل هذه القضية.

كانت مقدمات هذه التحالفات، التي تجسدت بصورة أو بأخرى فيما يعرف بـ "مكر التاريخ"، قد برزت في أحداث شهدتها مدينة عدن، في مناسبات عديدة، خلال السنتين الماضيتين. فقد ظهر مكون السلطة الجديدة بشقيه، "الثوري الصاعد" و"القديم المنحل"، كخلطة مركبة بمذاق الدم، في مواجهة مع السخط الشعبي المتمثل في الحراك السلمي، وهو ما قلب المعادلة في أهم لحظة من لحظات التحول، وأفرغ محتواها لصالح استعادة قوى النظام القديم للمبادرة، مما أعطاها زخماً إضافياً للسير في طريق وضع العراقيل أمام مؤتمر الحوار، وإقامة حلقات من زراعة الألغام، بما في ذلك لغم الإقليم الشرقي، وتعطيل عمل لجنة القضية الجنوبية، على النحو الذي مكنهما معا، بعد ذلك، من نقل مصير الدولة الاتحادية كلها من طاولة الحوار إلى قبضة السلطة، كما ذكرنا من سابق.

هل كان تعطيل مناقشة القضية الجنوبية ممنهجاً بهدف الوصول بها، وبموضوع الدولة الاتحادية، إلى قبضة السلطة؟ أم أنه كان محسوباً بحسابات تتجاوز ذلك إلى ما هو أبعد منه؛ وهو إفشال قيام الدولة الاتحادية والحوار برمته؟  ربما تباينت الخيارات! فبينما نجد أن طرفاً في المؤتمر الشعبي كان يسعى إلى الخيار المتطرف الأخير، نجد أن أطرافا في "التحالف" التكتيكي الذي ظهر فجأة، لم يكن هذا خيارها، لكنها مع خيار أن ينقل الموضوع إلى قبضة السلطة لحسمه هناك باتفاق تكون حاضرة فيه ببصمات أقوى. طرف في "الإصلاح" كان مع هذا، وأعتقد أن الخيار قد استقر على نقل القضية إلى مائدة السلطة بتأثير هذه الأطراف، أو ربما بعضها؛ لكنها سرعان ما باركته بعد أن وجدت فيه خيارا أفضل لفرض مشروعها الذي أبرمته على عجل في "برزة" من ذلك النوع الذي تدار به القضايا التي لا ترتب أي آثار إلا على طرفي "البرزة". هكذا نظر طرفا "البرزة" إلى الحوار، وإلى شكل الدولة، وقررا أن يحسماه بتلك الصورة، في تدافع غير محسوب العواقب، مما ترتب عليه، فيما بعد، بقاء الوضع في البلاد هشاً وقابلاً لانفجار في أي لحظة.

والحقيقة أن هذه القوى لم يكن لديها أي تصور مكتوب، أو غير مكتوب، يفسر هذا المشروع، وخاصة ما يتعلق بكيفية تقسيم الشمال إلى أربعة أقاليم، سوى ما ترسخ في الوعي من هواجس بشأن تمدد الحوثيين، لدرجة أن الإقليم الذي شمل صعدة ومناطق تواجدهم (ما سمي "آزال") أخذ شكلاً حلزونياً مصطنعاً اصطناعاً لا مقومات ولا هدف له، إلا مواجهة هذا التمدد! أما تقسيم الجنوب إلى إقليمين فكان واضحاً منه جر القضية الجنوبية، كحاضن حقيقي لدولة يمنية اتحادية، إلى مربع الصراع الجنوبي - الجنوبي، واستدعاء تاريخه المتشظي قبل 1967 ليعبروا، بواسطته، باليمن كله إلى المجهول، وليس إلى الدولة الاتحادية مثلما يزعمون.

إن أخطر ما في هذه العملية كلها هو إعادة تشغيل مكونات الصراعات، التي تغيرت أكثر من مرة على مدى العقود الماضية، على الموجة الموجهة على مؤتمر الحوار، وذلك لتعقيد مسار العملية السياسية.

ومما سهل المهمة هو أن بعض المجموعات، والأفراد الذين توزعوا على أطراف سياسية عديدة في غمرة الصراعات السياسية، قرروا، في لحظة خطيرة، أن يعيدوا إنتاج أنفسهم في العملية لحسابهم الخاص، وتحت عنوان حمل القضية الجنوبية؛ ووجدت هذه النزعة رعاية خاصة، بعد أن تكسر مؤتمر شعب الجنوب المشارك في الحوار لأسباب ذاتية تتعلق بقيادة المجموعة، والعلاقات الداخلية فيما بين هذه القيادة، والنزعات التي سادت بين الكثير من أعضائه في تلك اللحظات، التي كان يلجأ فيها الكثيرون إلى استدعاء صراعات الماضي لتقرر هي إلى أين يتجهون.

ولم يقتصر هذا الأمر على مكون بعينه؛ فقد ألقى الماضي بثقله على الكثير ممن ظل يتوكأ على هذا الماضي كعكاز لا يرى الطريق بدونه. ومعه بدا البعض كأسمال بالية مليئة بالرقع التي يصعب معها أن تصبح رداء للمستقبل الذي يزعمون أنهم يشاركون في صناعته.

عند هؤلاء حضر الماضي وغاب المستقبل. وعندهم صار الهدف من الحوار هو تحويل المستقبل إلى حاضن للماضي كي يواصل تفريخ أمراضه فيه. والمؤسف أن هذه الظواهر وجدت من يشجعها من داخل أروقة مؤتمر الحوار، ودفعت بها للتشويش على الصورة، بهدف تأطير المؤتمر في البرواز الذي يبقيه رهين حالة التشوش تلك.

والسؤال: لماذا؟ والجواب ببساطة هو أن هؤلاء الوكلاء قد قرروا ألا يكون هناك صوت أقوى من صوت السلطة. تجمعوا في حلقات متداخلة تتغذى من بعضها، وكل حلقة تدور حول مصالحها المتشابكة مع السلطة، وتلتقي عند نقطة واحدة، وهي ألا يذهب الحوار إلى ما هو أبعد من المسموح به.

بالمقابل، كانت الرقابة على تطبيق النظام الداخلي لمؤتمر الحوار قد ضعفت، والجهات التي كان عليها أن تقوم بهذه المهمة قد تهاونت في مهمتها، في تجليات تثير أكثر من تساؤل، أو، ربما، أن أحداً لم يعد يستمع إليها. لكن في غالب الظن أنها انخرطت في لعبة المراوغة للوصول إلى هذه النتيجة. كما أن الأجواء، التي أحاطت بالحوار من عنف وتعطيل وحروب وحملات إعلامية واغتيالات، قد سهلت مهمة هذه القوى في الوصول بالحوار إلى أن يتوقف عند المسموح به.

وفي اللحظة التي أضعف فيها مؤتمر الحوار، وفقد الكثير من روحه القديمة، وبدئ باستقطابه كأفراد وكمكونات أو أجنحة، من قبل مختلف القوى، التي وقفت خارجه مراهنة على فشله، ضمن لعبة إضعاف مؤتمر الحوار؛ كان تدخل السلطة بأدواتها قد بدأ. والسلطة هنا لا يُقصد بها شخص، أو أشخاص بعينهم؛ ولكنها كامل المنظومة، التي ظلت تستقوي بأدوات غير حوارية لتمرير آرائها ووجهات نظرها، كما حدث في حالات كثيرة.

لقد تبلورت هذه المنظومة، على اختلاف مكوناتها ونحلها السياسية ورؤاها، في أشد اللحظات حماساً وإصراراً عند المتحاورين لتجاوز الصعوبات بهدف إنجاح الحوار، وذلك كرد فعل منها للتعبير عن الخوف من أن يمضي الحوار إلى نهايته، متجاوزاً نفوذها وخططها وضغوطها، وكل ما لديها من مناورات لتطويعه. وهي بهذا العمل لا تشتكل مع تاريخها؛ فقد كانت، على الدوام، تستخدم المراوغات في تكوين التوافقات السياسية المؤقتة، ثم لا تلبث أن تعود إلى استخدام أدوات نفوذها لفرض خياراتها، وذلك في دورات متكررة من الاشتباكات والصدامات مع حاجة المجتمع إلى التصالح والاستقرار والتنمية.

والحقيقة أنه لا يمكن تفسير ذلك بمعزل عن طبيعة البنى التي تشكلت ونمت فيها مصالحها. فلقد تشكلت هذه المصالح في شكلها الجنيني حتى نمت وتعملقت داخل نسق من القيم والبنى الاجتماعية والثقافية والسيكولوجية، ظلت توفر الحماية لنفسها من داخلها، بالاعتماد على ما توفره من مخرجات فكرية وثقافية، وأنماط اقتصادية، وعلاقات اجتماعية، حتى تمكنت من إنتاج معادلها السياسي، وكذا الحقوقي، في صورتيه العرفية والقانونية، الذي انتزعته من خلال سيطرتها على أدوات التشريع، والذي ظل هو الآخر تعبيراً عن هذه المصالح، بما جسده من تكوينات وآليات تعمل لخدمة بقاء واستمرار تلك البنى وإعادة إنتاجها بشكل موسع.

ويأتي الصراع مع مؤتمر الحوار من عمق هذه الحقيقة؛ فعندما رأت هذه القوى -ممثلة في الأطراف السياسية التي تعبر عنها- أن مؤتمر الحوار يعيد صياغة المعادلات السياسية، ومنظومة القيم، والحكم الرشيد، والحقوق والحريات، والتنمية، وبناء الدولة ومؤسساتها، بما فيها الجيش والأمن والخدمة المدنية، على أسس جديدة ستؤثر، لا محالة، على قواعد اللعبة، وشروط بناء الدولة المدنية؛ سارعت، كما رأينا، إلى تخريب الحوار، وقتل قيمته في أعماق المتحاورين، والدفع بالتدخل بأدوات سلطوية تحل محل إرادتهم في بعض القضايا، التي كان يمكن حلها وفق آليات مؤتمر الحوار. والمؤسف أن ذلك كان يتم أحياناً بسبب تخلي المتحاورين عن مسؤوليتهم، أو تحت مبرر الخوف من إفشال الحوار. والحقيقة أن محاولات إفشال الحوار كانت قد تمت بأكثر من صورة؛ غير أن ذلك لا يبرر أن ننتزع من مؤتمر الحوار مسؤوليته في تصحيح مساراته، ومعالجة أخطائه، والتصدي لمحاولات إفشاله؛ وإلا فإن هذه القوى والمكونات، التي اجتمعت، ليست مؤهلة لإنجاز هذه العملية التاريخية. وبالمقابل، فقد أعطى النظام الداخلي لمؤتمر الحوار أكثر من خط رجعة، وأكثر من مخرج، لتجاوز الصعوبات التي تعترض طريقه، وعلى النحو الذي يجعل الحل قضية خاصة بالمتحاورين أنفسهم.

لا شك أن هذه الممارسات، التي جرى تأصيلها في قلب النظام الجديد، الذي يفترض أنه يطوي نظام "صالح"، على تعبير القرار الأممي، قد هدمت جزءاً من شروط نقد أخطاء ذلك النظام القديم، الذي تسبب في كل هذه الآلام، واستلزم كل هذا الجهد من التضحيات والعمل السياسي والحوار لبناء النظام البديل، الذي يليق بكل هذا الجهد؛ فكيف سيتم التعامل معها ومع نتائجها؟ بل كيف سيُنظر إلى من يرفضها باعتبارها غير عادلة وتشكل أرضية لتمردات سياسية واجتماعية  مشروعة؟

إن مواصلة فرض استقطاب الحالة السياسية والاجتماعية بنفس الأدوات، التي ظلت تفرز الناس بين موالين وخصوم، لتتقرر بذلك أهليتهم لشغل الوظائف القيادية والترقي، وحتى التوظيف، بعيداً عن معايير المواطنة والكفاءة والحقوق والمساواة، لا يشكل مجرد تماهٍ مع نظام جرى لفظه فحسب، ولكنه، في حقيقة الأمر، تثبيت لقيم ذلك النظام داخل بيئة يفترض أنها قد تخلصت، بواسطة الثورة وبالحوار، من كافة العوامل التي تبقيها فريسة لها.

في مثل هذه الظروف، ما الذي سيعنيه معاقبة "المعرقلين"، في الوقت الذي تجري فيه على الأرض إعادة إنتاج نفس البيئة التي تواصل احتضان تلك القيم البالية، ومدها بعناصر القوة اللازمة لرفض عملية التغيير؟! لن يعني بالطبع أكثر من أن صمت المجتمع الدولي على هذه الحقيقة إنما يحوله، في نظر الناس، إلى انتقائي، يفقد معه الزخم الشعبي الذي لا يمكن أن يستغني عنه في تنفيذ قراراته. إذا نفض الشعب يده من القرار الأممي، أو أخذ يعارضه، فإن الشخص، أو الأشخاص الذين سيطبق عليهم كمعرقلين سيتحولون، بدون أدنى شك، في نظره إلى أبطال. ولكي لا تخسر هذه القرارات مصداقيتها، فلا يجب أن تقع في مثل هذه الانتقائية، التي لا بد أن تقوم بعض الأطراف السياسية بتوظيفها لصالحها.

وأخيراً، لا يجب أن نتجاهل أن التناقض الذي حكم مسار العملية يكمن في حقيقة أن للحوار أخلاقه وقيمه، وله شروطه، وأن للسلطة أخلاقها وقيمها الموروثة، ولها شروطها أيضاً، وأن هذه الأخلاق والقيم والشروط تتصادم، كتعبير طبيعي عن قوة الانطلاق إلى الأمام بفعل الأولى، أي الحوار، وعن المراوحة في نفس المكان، بفعل استمرار مقاومة وتأثير الثانية أي السلطة.

من سيحمل مخرجات الحوار إذا استمرت عملية بناء هياكل السلطة في الاعتماد على نفس النخب المُرحلة، والمعاد إنتاجها من النظام القديم، وبالصورة التي تتم بها التعيينات وإعادة التعيينات في المراكز القيادية، بصورة مسيئة لعملية التغيير، والتي يصبح الحديث معها عن طي صفحة ذلك النظام  ضربا من الوهم وربما المغالطة؟

 

-       كتاب جديد للدكتور ياسين سعيد نعمان، يُنشر في صحيفة "الشارع"، بالتزامن مع موقع "الاشتراكي نت".

رابط الحلقة الاولى

رابط الحلقة الثانية 

رابط الحلقة الثالثة

الإثنين, 21 نيسان/أبريل 2014 18:47

عبور المضيق.. في نقد أولي للتجربة (3)

 

المجتمع الدولي ليس شرا

إن المجتمع الدولي ليس شراً، كما قلت سابقاً؛ ولكنه ليس خيراً كله في كثير من الأحيان. ويتوقف الأمر في الأساس على وضع الدولة، سواء التي تطلب هي نفسها دعم المجتمع الدولي، أو تلك التي يرى المجتمع الدولي أنها بحاجة إلى مساعدته. فهناك الدولة التي يحكمها نظام فاشل ويتجه بها نحو الفشل، ويرى الجميع أنها أصبحت تعرض شعبها والأمن والسلم الدوليين للخطر، وهناك الدولة التي تعصف بها أحداث ضخمة ويستعصي على نخبها وقادتها التفاهم لإخراجها إلى بر الأمان وتحتاج إلى مساعدة المجتمع الدولي، وهناك ما يسمى الدول التي تعد ملاذاً للإرهاب وموطناً للتطرف والعنف وهناك... وهناك... إلخ.

وفي تقديري أن بلاد اليمن جمعت شيئاً من هذا، وشيئا من ذاك، وهي تحتاج إلى مساعدة المجتمع الدولي لمواجهة المتربصين بمستقبلها، ممن يوفرون البيئة لتكريس مثل هذه العوامل؛ ولكن ليس إلى الدرجة التي يمكن أن تفقد فيها قرارها السياسي. صحيح أن الخبراء الأربعة لن يأتوا لممارسة مهام عادية وقد كلفتهم لجنة العقوبات بمساعدتها في تحقيق ما أسمته "Its mandate"، والتي تحمل مدلولا أكبر يتجاوز ما يعرف بالمهام [tasks]، حيث ترجمها البعض إلى [ولايتها]، بل هي الترجمة الرسمية التي صدرت مترافقة مع النص الإنجليزي، وربما كان علينا أن نستشف من هذا شيئاً أكبر من المهمة في الظروف العادية، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقرار السياسي اليمني الذي يشتبك، بهذا القدر أو ذاك، مع القرار الأممي في فضاءات لن تتسع للاثنين بكل تأكيد.

وبطبيعة الحال، تتوقف المساحة التي يمكن الإبقاء عليها بين القرارين على قدرة الفعاليات السياسية اليمنية، وحيوية قوى ونخب المجتمع بشكل عام، وفي المقدمة الرئيس هادي وحكومة الوفاق، على التعاطي مع هذا القرار بالروح التي تضفي عليه وظيفة الداعم والمساند لجهدها الذي يجب أن يتكثف نحو تنفيذ مخرجات الحوار على الأرض، وإصلاح ما خرب منها، وخاصة المتعلق بحل القضية الجنوبية حلا عادلا وبما يحقق الانسجام الكامل بين وثيقة الحل وتقسيم الأقاليم؛ والحفاظ على الشراكة الوطنية بمعايير لا تسمح لأي طرف باحتكار السلطة، أو السعي إلى ذلك، من خلال تحقيق أي تراكمات كمية من أي نوع تؤدي بدورها إلى الانقضاض على السلطة، وبالتالي على أي أمل في التغيير.

تعود مسألة الانقضاض على السلطة إلى مفاهيم سريالية، بلا أشكال محددة، للشراكة الوطنية التي طالما شيد اليمنيون قصوراً للتعايش في ظلها؛ غير أنها لم تكن غير قصور من رمل يجري تدميرها وتسويتها بالأرض برفسة قدم حينما يحين موعد التنافس على السلطة. قال المجتمع الدولي أكثر من مرة إن بلداً مثل اليمن يحتاج إلى جهد أبنائه جميعاً للخروج من مأزق التخلف؛ لكنه يصفق كثيراً لمن يحصد مقاعد البرلمان بالانتخابات، ولا يركز كثيراً على سلامة ونزاهة هذه الانتخابات. فالتزوير في هذه البلدان عملية مقبولة، ويمكن أن يغض الطرف عنها، لأن الجميع لا يزال يتعلم!! لا بأس أن يكون ثمن التعلم هنا، من وجهة نظرهم، إقصاء الجزء الأكبر من فعاليات وقوى المجتمع التي بإمكانها أن تكون جزءاً فاعلاً من القوة المطلوب تعبئتها للنهوض بالبلد ليتجاوز التخلف، وأحياناً إقصاء المجتمع كله من خلال اغتصاب إرادته. وهنا تبدأ هذه المفارقة عملها في اتجاه يتعارض مع ما يقوله هذا المجتمع الدولي عن شراكة المجتمع بكل قواه وشرائحه وفئاته في النهوض السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

أدرك كثير من النخب السياسية، بحسها المرهف تجاه السلطة، أن المجتمع الدولي أضحى مغرماً بالوصول إلى السلطة عبر الانتخابات، أياً كان شكلها وأياً كانت سمعتها، ولا يعنيه كثيراً، بعد ذلك، ما الذي تحققه هذه السلطة الحاكمة من تقدم على الصعيد السياسي والاقتصادي والعلمي. لا يعمل، عندما يتعين عليه أن يقول كلمته عند الفشل، سوى أنه يعزوه إلى أن هذه السلطة هي خيار الشعب، بينما هو يدرك أنه خيار مطعون في سلامته بالتزوير، ومشكوك في صحته، بسبب أن طبيعة وحجم المشكلات في هذه البلدان تحتاج إلى شراكة حقيقة. لم يسأل المجتمع الدولي، وهو يؤكد على هذه الشراكة، عن الصيغة التي يمكن أن تتحقق بها دون إخلال بالديمقراطية المعبرة عن احترام التعددية السياسية.

إن أحد أسباب التخلف الشامل، الذي غرقت فيه هذه البلدان، هو أن النفوذ القديم للقوى التقليدية ما قبل الدولة هو الذي شكل صيغة ومنهج الحكم بأدوات مجتزأة من "الديمقراطية"، بعد أن أخضعها لمعاييره، وأعاد بناءها داخل بنية أيديولوجية تتعارض معها جملة وتفصيلاً، وكانت، بذلك، وسيلته للسيطرة على السلطة، التي أبقت الدولة مجرد هياكل فارغة بدون مؤسسات فاعلة لتسهل على القوى المؤتلفة في نسيجه السيطرة على البلاد ومقدراتها وثرواتها.

كانت هذه المسألة (الشراكة الحقيقية للنهوض باليمن وتحويله إلى وطن ومغادرة التخلف الشامل) هي إحدى القواعد التي قامت عليها فكرة الحوار الوطني، منذ البداية، ومنذ أن قدمت إلى اللقاء المشترك ورقة بفكرة مشروع الحوار، الذي يشمل كافة الأطراف السياسية، بما فيها الحراك السلمي الجنوبي والحوثيون، وكل القوى الأخرى، إلى جانب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام، وذلك في بداية عام 2008. وقد أقر اللقاء المشترك هذا المشروع، بعد أن أخذ نقاشاً طويلاً. وبعد إقراره كُلفت بصياغة رسالة إلى قيادة المؤتمر الشعبي ملخصها أن اللقاء المشترك، وقد تدارس بجدية ومسؤولية المتغيرات في الحياة السياسية وما تتطلبه معالجة المشكلات الوطنية الكبرى، وغيرها من المشكلات السياسية والاقتصادية، من تضافر جهود كل القوى السياسية الفاعلة في المجتمع، بمن فيهم الحراك السلمي الجنوبي والحوثيون وغيرهم، فإنه (أي اللقاء المشترك) منذ اليوم لا يرى أن هناك أي معنى لأي حوار سياسي بدون مشاركة هذه الأطراف، وأن أحزاب اللقاء المشترك لن تشارك في أي حوار ما لم يشمل هؤلاء جميعاً. نوقشت هذه الرسالة مع قيادة المؤتمر الشعبي، بحضور الرئيس السابق، ورُفضت الفكرة من قبلهم، بل إن بعضهم غادر اللقاء باستهتار.

لقد كان هذا الموقف أهم محطة سياسية قلبت موازين النظام السابق، وهو ما أوجد أرضية مناسبة لمزيد من التفاعلات الاجتماعية، وذلك بعد أن أوصد الباب أمام ألاعيب النظام بتوظيف الحوارات الثنائية لأغراض سياسية أضرت كثيراً بالحياة السياسية. ومنذ ذلك الوقت توقف الحوار مع النظام بإصرار من اللقاء المشترك على ضرورة وأهمية مشاركة الأطراف الأخرى. ولم يكن الحوار الشامل بحد ذاته هبة من أحد، كما أنه لم يكن مجرد نزوة سياسية عابرة من الممكن التعاطي معها بخفة واستهتار. لقد كان محصلة نضال شاق وطويل، ونقاشات مضنية، وتقديرات تباينت بين الموافقة والتردد، حتى تهيأت له الظروف ما بعد ثورة التغيير. ويمكن القول إن الحوار بالنسبة لنا كان مسألة مبدئية في صلته بموضوع الشراكة لتقرير مستقبل هذا البلد.

ولم يكن عبطاً أن توقفنا طويلاً، أثناء الحوار، أمام كيفية تنفيذ مخرجاته، وتساءلنا عمن هي القوى التي ستحمله إلى التنفيذ. وفي الجدل الذي دار حول هذا الموضوع الخطير، من وجهة نظري، حمل علينا البعض بأننا نريد تمديد الفترة الانتقالية لغرض التمسك بالسلطة، وهو ما لم يكن حاضراً داخل الفكرة، لأن الحضور الطاغي كان فعلاً للمسألة الأكثر أهمية من كل شيء، وهي تلك المتعلقة بمصير مخرجات الحوار. كما أن السلطة في مثل هذه الظروف لا تعني للقوى السياسية الحريصة على مستقبل البلد ومستقبلها أكثر من التضحية.

تحت الظروف الاقتصادية والمعيشية والأمنية الصعبة، كان الضغط المجتمعي، الذي تقوده نخبة ساخطة على الحوار  لإنهاء الفترة الانتقالية، قوياً لدرجة تراجعت فيها بعض القوى السياسية عن فكرة الضمانات؛ طبعا ليس بسبب هذا الضغط، ولكنه توافق مع هوى في نفسها، وأخذت تتحدث عن انتخابات مبكرة. لكن السؤال المتعلق بمن سيحمل مخرجات الحوار ظل عالقاً من غير إجابة، وظل السؤال الخاص بعلاقة السلطة بالدولة مبهماً في ظروف التحول التي ورثت وضعاً شاذاً غابت فيه الدولة وحضرت السلطة.

غير أننا، بعد ذلك، توصلنا، عبر نقاشات عامة، إلى صيغة مبدئية تلخص القاعدة التي ستحكم التعاطي مع عناصر العملية السياسية، وفي مقدمتها مخرجات الحوار، بما في ذلك الخطوات البنائية التراكمية لهذه الشراكة مستقبلاً: "شركاء في وضع أسس بناء الدولة وشركاء في التنفيذ".

بعد أن أخذ المسار ينتظم في إطار هذه المعادلة، هناك من بدأ يضيق ذرعاً بما أطلق عليه "المحددات التحكمية لمسار العملية الديمقراطية"، ويعود إلى مربع انتهاء الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات في وقتها أو بعد ذلك بقليل، ولم يكن ذلك غير "عبارة" حق يراد بها باطل.

لماذا لم تكن هذه "المحددات التحكمية" حاضرة في البال عندما كنا نناضل ضد النظام السابق، بسبب احتكار السلطة والقرار السياسي بيد مجموعة من الموالين والمحاسيب  تحولوا، مع المدى، إلى "أوليجارشية" احتكرت السلطة والثروة؟ ما الذي يمنع ذلك من أن يتكرر تحت مسميات أخرى، إذا لم ينتج التغيير صيغة مناسبة للشراكة في بناء الدولة الضامنة والقادرة على حماية البلاد من الانزلاق مجدداً نحو سلطة أوليجارشية لعينة أخرى؟ هل يجوز، الآن وبعد كل هذا الجهد والنضال الشاق والتضحيات، أن يترك هذا الموضوع للتجربة والخطأ، أو للمجهول، أو لقوى معينة كي تقرره في لحظة من لحظات استعراض القوة وبعد ذلك "شرعكم يا اسياد"؟

والمجتمع الدولي، وهو يقدم نفسه كشريك، لا بد أن يستوعب هذه الحقيقة، ولا يغلق عينيه أمام تداعيات محاولات التفرد التي أضرت بالحياة السياسية. أي أنه لكي لا يكون للعرقلة عنده مفهوم مجرد عن طبيعة المشكلات الأساسية التي تتخلق في أحشائها معضلات ذات طابع بنيوي، كانت على الدوام أهم عوائق بناء وتقدم هذا البلد، فإن على المجتمع الدولي أن يظهر اهتمامه بمخرجات الحوار بوضعها في إطارها الذي يتمكن فيه اليمنيون من معالجة هذه القضية، الشراكة الوطنية، التي كانت ولا تزال أهم تحديات الماضي والمستقبل.

ليبدأ، من الآن، يضع نصب عينيه تلك العمليات التي تتحكم في موضوع الشراكة السياسية الوطنية وكيفية إدارتها؛ وهل الطريقة الحالية، التي تدار وتنفذ بها هذه العمليات، تخلق الأرضية المناسبة لتحقيق هذه الشراكة، أم أنها تتم في الأساس بنفس الشروط والمعايير التي ظلت تولد على الدوام الفجوات الاجتماعية والسياسية الضخمة التي تسربت منها الأحلام ببناء يمن جديد لتغدو هباء تذروه الرياح؟

إصلاح الخلل الذي أضر بالحوار

لا شيء يضر بحركة التغيير أكثر من التردد؛ تعرف الخطأ وتتردد في إصلاحه.

 يتوجب القول، دون أدنى تردد، إن إصلاح الخلل الذي أضر بجوهر فكرة الحوار يأتي في مقدمة استعادة روح التوافق التي حكمت العملية السياسية والحوار الوطني.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل هذه العملية التصحيحية، وذلك بالعودة إلى وثيقة الضمانات التي أقرتها لجنة التوفيق، بما اشتملت عليه من رؤى ومعالجات لقضية بناء الدولة الضامنة كحامل لمخرجات الحوار، وكذا الوثيقة التي استخلصها المبعوث الأممي من نقاشات لجنة الستة عشر الخاصة بالقضية الجنوبية، والتي اشتملت على بابين: الباب الأول، وشمل تحول اليمن إلى دولة اتحادية، وتحدث بوضوح عن طرفين متكافئين في معادلة الدولة الاتحادية، هما الشمال والجنوب، وذلك بالاستناد إلى الحقائق السياسية والتاريخية، التي انتظمت في إطارها عملية توحيد اليمن بين دولتين يوم 22 مايو 1990. فالاتحاد لا يتم إلا بين كيانات سياسية في الأصل. وانطلاقاً من ذلك، تحدثت الوثيقة عن علاقات مكونات الدولة بالسلطة والثروة، في هذا الإطار المحدد سلفاً، وهو أهم جزء في هذا الحوار، الذي ظل دوماً مصدر الحروب والصراعات والانقسامات. وبسبب التدخلات، التي كانت قد شكلت ضغطاً على الحوار، تركت الوثيقة في بابها الثاني موضوع التقسيم الإداري للأقاليم بخيارين [إقليمين: الشمال إقليم، والجنوب إقليم، أو ستة أقاليم: اثنان في الجنوب، وأربعة في الشمال] لمزيد من الدراسة، والتي لم يكن بالإمكان أن تتجاهل مضامين المبادئ الأساسية التي حواها هذا الباب من الوثيقة فيما لو تركت للدراسة الجادة في ضوء استخلاصات فريق العمل.

لم يقف الاجتماع، الذي دعا إليه الرئيس فريق الستة عشر وأمناء الأحزاب، يوم الأحد 22 ديسمبر 2013، أمام الوثيقة، وإنما انتقل النقاش مباشرة إلى خيار الستة الأقاليم، وكأن المسألة كانت مبيتة لتمرير خيار لم تقدم بشأنه أي رؤية واضحة، بل لم يكن مطروحا على طاولة الحوار إلى ما قبل يومين من تاريخ تقديم الوثيقة. كان هنالك إصرار من قبل بعض الأطراف على تمرير خيارهم بطريقة لم تترك فرصة لأي حوار جاد، وأخذت تعود إلى نمط السلوك القديم في التعاطي مع الحوارات. وعلى تلك الطاولة الضيقة، جرى ذبح الحوار بالسكين القديمة التي ذبحت بها وثيقة العهد والاتفاق. رأيت الحوار، كمشروع مناهض للتسلط، يذبح من الوريد إلى الوريد، ومعه ترفع علامات النصر من قبل البعض، في استعراض مبهم لانتصار ليس له سوى معنى واحد، وهو أن البعض لم يستوعب الدرس بعد.

  كانت لحظة فارقة بين السير إلى الأمام، أو العودة إلى الخلف، تلك اللحظة التي عصف فيها التعصب والتسلط واللامبالاة والحسابات القصيرة، التي تملكت تلك القوى، بجهود الحوار، وتحويله إلى مجرد عمل شكلي لا يختلف كثيراً عما كان يمارسه "أوليجارشية" النظام القديم. كل ما يمكن قوله هنا هو أن هذه "الأوليجارشية" الآفلة استطاعت أن تسحب معها "مشاريع" أوليجارشية جديدة لتدعم خياراتها التي دائماً ما حالت دون الوصول بالحوار إلى غاياته. قد لا يكون المهم هنا خطأ القرار أو صحته، فذلك متروك للتطبيق؛ ولكن الطريقة التي فُرض بها القرار، والاستجابة الرخوة من قبل من كان يعول عليهم تجديد خلق الحاضن السياسي الشعبي لهموم هذا البلد في صيغته التي خلقتها الثورة بتضحياتها الكبيرة.

غاب، في تلك اللحظة، عن هؤلاء أن الكثير منهم كانوا في صدارة المعارضين للتعسف الذي مارسه النظام السابق على الحياة السياسية، ثم عادوا هم أنفسهم لينخرطوا في ممارسة هذا التعسف وبأسوأ صوره. إن عودتهم بتلك الصورة قد وضعتهم في المكان الخطأ من العملية السياسية، أي في المكان نفسه الذي كان قد حوصر فيه النظام القديم، والذي يصبح معه الحديث عن التغيير، بعد ذلك من هذا الموقع، مجرد خديعة للنفس قبل أن تكون مغالطة للآخرين.

في لحظة، أحرَقَ التسلط، الذي استحضر نفسه عنوة من كل محطات الصراع، كل الجسور التي كان يجري بناؤها مع المستقبل بواسطة الحوار. لقد تصدى الحوار لمهمة عظيمة تتمثل في تهذيب قوى النفوذ والعصبيات، ومعها السلطة، بكل مكوناتها وأشكالها وأدواتها، بقيم وأسس بناء الدولة العادلة، التي كان مؤتمر الحوار قد أقر الكثير منها، بشكل جعلنا جميعاً نشعر أن الفراغ الروحي، والخواء المعنوي، اللذين خلقهما الاستبداد والفساد في المجتمع، قد مُلئ بروح الحوار وصموده الأسطوري أمام مراوغات التخلف.

كان المجتمع اليمني بذلك يستعيد روحه، التي غيبها وأنهكها نظام "الأوليجارشية"، الذي أخذ يقزم الشعب، ويضخم الحاكم. شعر، أم لم يشعر، أولئك الذين وقفوا في هذا المكان الخاطئ من العملية السياسية، بهذه الخطيئة، التي ضربت جوهر ومضمون الحوار، حينما قرروا تحويل مؤتمره إلى مجرد مصفق للقرارات الإدارية؛ إلا أنهم، في واقع الأمر، قد هدموا أهم شروط نجاحه، وفتحوا، من جديد، أبوابا للعودة إلى سلوك وقيم وأدوات الماضي، وهو ما يشهده البلد اليوم من عودة إلى مربع الصراعات واستعراض القوة والتخفي في أسمال التخلف والمراوغات والتحايل على شروط التغيير.

أخشى أن يشرب هؤلاء من نفس الإناء الذي استخدموه لإطفاء تلك الجذوة، التي أضاءت في لحظة تاريخية تلك الأعماق المظلمة لتطرد منها أشباح الخوف من التغيير.

القضية الجنوبية حسمت بقرار إداري

 لقد كان أبرز تجليات هذا الخلل هو نقل القضية الجنوبية من طاولة الحوار إلى مائدة السلطة لتحسم بقرار إداري، وخاصة فيما يتعلق بشكل الدولة، الذي استخدم لتغييب مضمون هذه القضية، داخل مشروع الأقاليم الستة، وتقسيم الجنوب إلى إقليمين، على وجه الخصوص. وهناك ما يمكن الاستناد إليه في إصلاح هذا الخلل من داخل وثائق الحوار نفسها، وذلك بتطبيق القاعدة التي شملتها وثيقة الحلول الخاصة بالقضية الجنوبية في بابها الأول، كما أشرنا، والتي تقضي بتمكين الناس من اختيار مكانتهم السياسية، وهي القاعدة التي أُهملت، وانقلب عليها البعض، عندما أصروا على تحديد الأقاليم، بصورة تحكمية لا تستند إلى جوهر ومضامين هذه الوثيقة. وبدون العودة إلى وثيقة الحلول وتصحيح شكل الدولة الاتحادية، في ضوء هذه الوثيقة، فإن هذا الخلل سيظل حجة على أصحاب القرار الأممي ومنفذيه معا، وسيفتح بابا إلى مزيد من الخلافات التي ستضع القرار نفسه على المحك.

القرار يتحدث عن انتقال اليمن من دولة وحدوية إلى دولة اتحادية؛ ويفهم التعبير "وحدوية" على أنه الشكل الاندماجي لدولة الوحدة، والذي فشل، ليس بسبب إدارته فحسب، ولكن لأنه كان ضد طبائع الأمور، وحقائق الحياة، وخاصة عندما يتعلق الأمر بذلك النوع من الوحدة، التي تتم بين دولتين اختصمتا وتحاربتا، ولم يجمع بينهما، في أي يوم من الأيام، نظام سياسي واجتماعي مشترك الهوية كان من الممكن أن يشكل ملامح سمات مشتركة في الأبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبدلاً من مراعاة هذه الأبنية، عند تقرير شكل الدولة الوحدوية، جرى تعسفها، باعتقاد أن من الممكن تحييدها بواسطة الإرادوية المغمسة بحلم مشطور بين الفكرة الخبيثة للظفر بمساحة أوسع من الأرض، وإلحاقها بما هو تحت اليد، لمزيد من تعزيز النفوذ والهيمنة، وآخر كان يحلق بسذاجة داخل مشروع دولة تحقق النهوض لكل اليمن بدون أي مؤشرات دالة على إمكانية تحقيقها بالتوافق.

بتوظيف أدوات وموازين الواقع السياسي والاجتماعي، جرى تعسف الجزء الثاني من الحلم، واعتبر أنه الجانب الطوباوي من الحلم، الذي لا صلة له بواقع  تحركه أصابع النفوذ، الذي لم يرَ في "الوحدة" غير تمدد على مساحة أوسع من الأرض؛ وجرى، من ثم، تكريس مضامين الوحدة بما يحقق الجانب الأول من الحلم المشطور.

لقد استقر الوضع عند هذه الحقيقة، باتفاق وحماية الأطراف نفسها، التي أصرت أن تنقل على عاتقها القضية الجنوبية من معادلة الحوار إلى مائدة السلطة لتقرر مصيرها بحسابات وغايات لا علاقة لها بحق الشعوب في تقرير مكانتهم السياسية، مثلما ورد في الوثيقة.

ومن الواضح أن مجلس الأمن اهتدى إلى هذه الحقيقة عندما تحدث عن التحول من هذا الوضع الفاشل إلى دولة اتحادية، وهذه الدولة الاتحادية هي بيت القصيد في المسألة التي نحن بصددها، وما إذا كان التقسيم المعلن للأقاليم الستة معبراً عنها، أو أنه تكرار للتجارب الخاطئة، التي أورثت اليمن مسلسل هدر الفرص في كافة المحطات التاريخية بسبب حسابات تكتيكية قصيرة.

إن الدولة الاتحادية، بالمعنى الذي يفهم من قرار المجلس الأمن، هي الدولة التي يجري بناؤها بالعودة إلى جذر المسألة لتصحيح مسار العملية التي تمت بين دولتين، بما يمكن أن يطلق عليه تصحيحا تاريخيا، ويرتب هذا الوضع طريقا مستقيماً إلى المكان الذي يجب عنده التصحيح.

جوهر الخلاف مع هذه القوى يتمثل في أنها انطلقت من نتائج حرب 1994، باعتبار أن هذه الحرب قد رتبت وضعاً ثابتاً لما استقر في وعيها من فكرة عن الوحدة، وأنها لهذا لا تقوم بأكثر من تصحيح ما كان يجب عمله من قبلها بعد الحرب. أما نحن، فنرى أن هذه الحرب قد دمرت الأسس السلمية للوحدة، وأن نتائجها لا تصلح في الأساس لأي تصحيح، مهما كان؛ فالتصحيح يجب أن يقوم على الفكرة الأساسية، وهي الوحدة السلمية المتكافئة بين الشمال والجنوب، والتي تمت في مايو 1990، وأن كل ما أساء إليها، من أحداث وسلوك وممارسات، يجب ألا يعتد به على الإطلاق في تقرير الوضع الذي ستستقر عنده دولتها القادمة.

كل ما عملوه هو أنهم تحايلوا على ما وافقوا عليه في الباب الأول من الوثيقة، والتي تحدثت عن قيام الدولة الاتحادية بين جيو - سياسيتين تاريخيتين: شمال وجنوب. وحتى في مشروع أقاليمهم الستة، قالوا: إقليمين في الجنوب، وأربعة أقاليم في الشمال، وقال المشروع الآخر: إقليم في الجنوب، وإقليم في الشمال؛ فكيف يكون الأول وحدوياً، والثاني انفصالياً؟!

الأحد, 20 نيسان/أبريل 2014 18:38

عبور المضيق.. في نقد أولي للتجربة (2)

 

من زمن قديم

نَمَتْ على قبر أمي

شجيراتٌ

تطلقُ أزهاراً،

لها لونُ مُحَيَّاها..

ولها عبقُ شعرِها

وسحرُ عينيها

وصفاءُ روحِها

ووضوحُ كلماتِها...

على يديها، وعلى حافة قبرها

تعلمتُ

أن للكلمة ثمناً، هو الموقف

وأن الموقفَ يعني التضحية

وأن حاصل جمع:

الثمن في الأولى والمعنى في الثانية، هو الحياة!

*****

اليمن داخل المضيق

يثار، قبل هذا، سؤال حول الموقع الذي توقف فيه اليمن منذ بداية العملية السياسية، وما إذا كان الحوار قد استطاع أن يشكل رافعة إنقاذ لعبور المضيق.

في الحقيقة، إن موقع اليمن في الوقت الحاضر هو داخل المضيق، وهو وضع يعد أكثر تعقيداً وخطورة مما كان عليه وهو خارجه قبل أن يبدأ بالعبور. لم يعد لديه من خيار سوى أن يعبر المضيق إلى الضفة الأخرى منه، أما البقاء فيه فلن يكون غير قرار انتحاري، أخذت مظاهره تتبلور في صور شتى من العودة إلى تمجيد حالة الترهل العامة التي تنتجها الحروب الداخلية والتي تشكل البيئة المناسبة لهذه الحالة. والمفارقة أن العنف لا ينتج، في نهاية المطاف، غير الرخاوة والترهل. وحالة العنف والحروب، على ما تظهره من شدة وجبروت للمجتمعات التي تغرق فيها، إلا أن هذا لا يعدو أن يكون غير مظهر مزيف للحقيقة. فلم تكن مظاهر هذا العنف، ومنها تلك الحروب، في يوم من الأيام، سوى وسيلة لهروب هذه المجتمعات ونخبها، وأنظمتها الفاشلة، من مواجهة التحديات الضخمة لعملية الانتقال بالبلاد إلى الحالة التي تستقر عندها "كوطن"، ومعه تحقيق النهوض الاقتصادي والعلمي الشامل، باعتبار ذلك اختباراً حقيقياً لإرادة الشعوب وقدرتها على البقاء في عالم يدهس في طريقه المتخاذلين والفاشلين.

لا تحتاج الأنظمة المستبدة إلى دليل على فشلها أكثر من تلك الحقيقة التي تقول إنها أعاقت تحويل بلدانها إلى "أوطان"، وحافظت على البنى الاجتماعية والثقافية ما قبل الدولة، واستعانت بها في تعطيل مشروع الدولة، وتخريب كل التراكمات التي تنشأ مع التطور الكمي البطيء الذي يحدث في هذه المجتمعات كضرورة للبقاء ولاستمرار الحياة. الأنظمة المستبدة لا توفر الظروف المناسبة لخلق بيئة تساعد على التراكم طويل المدى؛ لأن الحاكم هنا لا يحسب إلا حساب فترة بقائه في الحكم، وهي لذلك تعطل أهم شروط التطور لمجتمعاتها. فبغياب التراكم الكمي لا تنشأ أي إمكانية لتحولات نوعية ــ معرفية، علمية، تكنولوجية، فنون - من أي صورة كانت. وهكذا فإنه بالقدر الذي تستخف فيه هذه الأنظمة بعملية التطور وشروطها، فإنها تستخف ببناء الدولة. ولهذا نجد أن مصير الأنظمة المستبدة لا يختلف عن مصير دولها التي يتم الاستخفاف بها في تساوق مع طبيعة السلطة التي لا تدير الدولة وإنما تحل محلها. فعندما تنتهي الدولة إلى الفشل والانهيار، تكون الأنظمة التي أوصلتها إلى هذا الوضع -مع أدواتها التسلطية- أول من يتعرض للنتائج المأساوية لهذا الفشل.

إن المجتمع الذي يغرق في إنتاج وإعادة إنتاج العنف والحروب يعيش حالة من الرخاوة الداخلية. وتعبر عن هذه الرخاوة نخبه التي تفشل في خلق منظومة سياسية تتصدى لعملية التحول السياسي لهذه المجتمعات، على قاعدة مؤسسية مدنية شاملة. نراها تعمل، عوضاً عن ذلك، على إغراق المجتمع في العنف، وإنتاج العصبيات، على حساب الفعاليات المدنية، لتغطية هذا الفشل، وعجزها عن تحمل استحقاقات التحول السياسي. فإذا رأيت بلداً يغرق في الحروب فاعرف أن وراء ذلك نظاماً سياسياً واجتماعياً فاشلاً بسلطته وبنخبه، يغطي فشله بتنمية نزعات الحروب الداخلية، وطبيعة هذه الحروب تفضي، في كل الأحيان، إلى نشوء معادلات اجتماعية وسياسية ذات أبعاد عصبوية، تتناقض موضوعيا مع شروط الدولة المدنية؛ أي دولة المواطنة.

وعندما تقود عمليةَ التغيير سلطةٌ تتكون في جزء كبير منها من هذه العصبيات، أو تحت تأثير ثقافتها، فلا بد أن البقاء في المضيق سيطول، وسيحتاج إلى إرادة خارقة، وإلى وقت تحشد فيه قوى التغيير المدنية كامل طاقاتها وقوتها لمغادرته. إذاً، البقاء في المضيق، في ظل هذه الحالة، وبسبب طبيعة هذه القوى، سيؤدي إلى المزيد من تآكل البلاد، بكل فعالياتها السياسية والاقتصادية والبشرية والأمنية. لم يسجل التاريخ أي نهوض لأي بلد من البلدان في ظل هيمنة ونفوذ هذه العصبيات؛ فهي تتشبث بنفوذها ومصالحها التقليدية، وتجر معها بلدانها إلى القاع.

أما العودة إلى الخلف للخروج من المضيق، فمن المفروض أن القرار (2140) قد أغلق باب هذه العودة؛ ولكن هل سيقتصر أثره على إغلاق باب العودة إلى الوراء؟ أم أنه سيساعد على توليد قوة الدفع للخروج من المضيق إلى الإمام، حيث تنفتح أمام اليمن آفاق النهوض والتطور محمولا بقواه المدنية؟ الحقيقة أنه لا معنى للقرار الأممي إذا اقتصر أثره على إبقاء اليمن في المضيق بمنع العودة إلى الوراء؛ لأنه في هذه الحالة لن يعمل أكثر من تأبيد بقائه في وضع التآكل.

كان اليمن قد غادر، بفعل الثورة، موقعه القديم الذي تجمد فيه، وأخذ يتآكل بمعدلات أخذت تتزايد طردياً مع مرور الزمن، وتحرك، على عجل، نحو المضيق، الذي كان لا بد أن يعبر من خلاله إلى الطرف الآخر نحو أن يصبح وطناً. غير أنه توقف في المضيق، بعد أن تفاعلت العوامل المعيقة لعبوره محاصرة إياه داخل المضيق. وفيه لم يعد أمامه من خيار سوى الخروج منه، أو الموت فيه. من هذه الحقيقة يتجلى دور هذا القرار ومدى قوته في مساعدة اليمن على توفير الراحلة القادرة على حمله قدماً في مساره نحو النور. لا أقول أن يتحول هو، أي القرار، إلى راحلة؛ لأنه بكل تأكيد لن يستطيع أن يكون كذلك، بل ولا يجب أن يكون كذلك.

القرار بين الأمس واليوم:

أسئلة لا تنتهي

عندما تكون هناك إمكانية للسير إلى الأمام، يصبح الإصرار على البقاء في المكان نفسه ضرباً من التلهي بقيم الحياة. هكذا يبدو العبث.. هو اللون الفاقع لهذا التلهي المخادع، الذي يسرق السنين ويولم للنهايات المثيرة، في المكان نفسه، على صوت المزامير، وقرعات الطبول، وأقواس النصر، وقهقهة المخدوعين، وأراجيف المتربصين. وضعت الثورة اليمن على مسار جديد، يفتح أمامه خطاً طويلا للحركة إلى الأمام. هذا الخط ليس مستقيماً، ولا معبداً، بكل تأكيد؛ لكن فيه قدر من الوضوح يكفي لبدء مشوار السير الطويل. أضاء الحوار مساحة لا بأس بها من خط السير إلى الأمام، والسؤال: لماذا تعثر السير في ضوء ذلك؟ هل كان اليمنيون ينتظرون صفارة الانطلاق من مكان آخر؟ وهل اعتبر قرار مجلس الأمن هو صفارة الانطلاق؟

تثار أسئلة عديدة حول أسباب اتخاذ القرار الأممي اليوم، وقد أنجز اليمنيون الحوار، وأصبحت المرحلة الانتقالية على وشك الانتهاء، وليس بالأمس، عندما كانت المتاريس تملأ شوارع المدن، وكانت البلاد حبلى بحرب طاحنة، ومخاضها يعتصر جوف البلاد من أقصاه إلى أقصاه، وكل شيء فيه ينذر بالكارثة.

وقبل كل ذلك، كانت هناك ثورة سلمية تصارع محاولات إخراجها من المشهد العام بالتركيز، بدلا عنها، على الأسلحة المشرعة في المواجهة، وعلى المعارك العسكرية المندلعة هنا وهناك. ثورة كانت تقاوم محاولات ابتلاعها من قبل ذلك الطفح الهائل، الذي تدفق عليها بمضامين غير ثورية، ليصبغ عليها لوناً مختلفاً وأهدافاً جرى اشتقاقها من كهوف لم تشعل ثورات، وعلى مدى تاريخها كانت كل خبراتها تكمن في ابتلاع الثورات. ثورة استهلكتها زعامات "مقرطسة" في تطلعات تختزل المسافات إلى الشهرة، وتسبق النضال الحقيقي إلى القيادة، وغارقة في ظلمات من الخوف والحذر من الآخر، الذي لا تراه إلا خصما يجب أن يطيع أو يستبعد... أو يموت.

ثم، لماذا اليوم وليس بالأمس، عندما كانت العملية الانتقالية في حاجة إلى حماية ورعاية حقيقيتين لتتمكن من إنجاز مهامها، وكانت إشكالية عدم نقل السلطة تثير أكثر من سؤال حول المستقبل السياسي للبلاد وما يكتنفه من غموض بسبب ما كان يهدد المرحلة الانتقالية من مخاطر؟ كثيراً ما توقف اليمنيون أمام موضوع عدم نقل السلطة، وصلته بتأجيج الاضطرابات، وأعمال العنف، وحروب كسر العظم بعناوينها المختلفة، التي تثير الفزع مما تخلقه في النفوس من نزعات يصعب ترويضها على قبول الحقيقة المتمثلة في حاجة البلاد إلى التعايش والسلام والشراكة في بنائه.

تساءلوا عن موقف المجتمع الدولي، ورعاة المبادرة، من أعمال العنف التي اتسعت على نطاق واسع، وتفجيرات أنبوب النفط، وتدمير أبراج الكهرباء، ونزع الألياف الضوئية، وتفجير المعسكرات، والاغتيالات، والاختلالات الاقتصادية والمعيشية، التي عانى منها الشعب على ذلك النحو الذي أخذ يهدد العملية السياسية والحوار، ويدخل البلاد في دوامة المواجهة والانزلاق نحو الحرب الأهلية مجدداً.

تحدثوا عن الدعم المطلق للرئيس التوافقي هادي، وكان هذا موقفاً لا غبار عليه؛ ولكن عندما قلنا للمجتمع الدولي إن الرئيس هادي هو المرجعية الوحيدة التي نثق بقدرتها ونزاهتها في أن تخبركم عمن يقوم بهذه الأعمال التخريبية، التي تعرقل العملية الانتقالية، لم يصغِ أحد إلى ذلك؛ لماذا؟! وأخذت أعمال التخريب تتسع. لربما فهم المخربون هذا الصمت أن هناك إشارة من مكان ما بوضع هذا التخريب في إطار ما يعرف بـ "الفوضى الخلاقة". ولا ندري ما هو "الخلق" في تفجيرات أنبوب النفط وأبراج الكهرباء، وفي الاغتيالات، وغيرها من الأعمال، التي شهدتها البلاد في تلك الفترة.

لم يجد اليمنيون تفسيراً واضحاً لتأجيل القرار إلى الآن، غير واحد من ثلاثة تفسيرات:

1-      إما أن المجتمع الدولي كان يرى أن اليمنيين قادرون على تنفيذ اتفاقهم السياسي الذي رسم ملامح المرحلة الانتقالية وأهدافها، ومن ثمَّ خوض معركة نجاح هذه المرحلة، بكل ما فيها من تعقيدات، بدعم أقل من المجتمع الدولي، وبالتالي لم يكن مجلس الأمن في عجلة من أمره لاتخاذ مثل هذا القرار الذي من شأنه في حالة اتخاذه بدون مبررات قوية أن يلقي بظلال من الشك على دول الإقليم التي ستنظر للقرار بتوجس كبير، خاصة إذا لم يكن مدعوما بأسباب قوية؛ أو:

2-      أن المجتمع الدولي قد تصرف بقدر من التروي تجاه العملية السياسية اليمنية، والحوار على وجه الخصوص، ورأى أن يترك لها حرية السير إلى النهاية التي يقررها اليمنيون، مع ذلك القدر من الرعاية الأممية، التي شملتها قرارات مجلس الأمن، وخاصة القرار رقم (2051)؛ أو:

3-      أن المجتمع الدولي كان يرقب الحراك السياسي وقد قرر ألا تؤدي العملية السياسية، واتفاقات التسوية، إلى انتصار طرف على آخر، لاسيما وأنه لم يكن يثق كثيراً في المعارضة، الممثلة في اللقاء المشترك، أحد طرفي اتفاق التسوية السياسية، بأن تنفرد بالحكم، مثلما لم يعد يرى أن المؤتمر الشعبي، الطرف الثاني، مؤهل لمواصلة الحكم وقيادة البلاد، ومن هذا المنطلق أخذ على عاتقه أن يرعى التسوية، مع ما يصاحبها من تخريب وعنف وفوضى، وألا يتدخل في تلك المرحلة بعصا غليظة حتى لا يؤثر على ميزان التسوية.

سأرد على ذلك من خلال ما عشته من وقائع، وبالاستناد إلى وجهة نظر لا ترى المجتمع الدولي شراً يجوس خلال ديارنا يتصيد الأخطاء ليؤدب اليمنيين ويتقصد الانتقاص من سيادتهم، ولا تراه خيراً كله، وخصوصاً عندما تستعيد الحرب الباردة القديمة بعضا من أسبابها المسترخية تحت أكوام من المصالح الحيوية للدول الكبيرة التي رتبتها سنوات الاستقطاب الطويلة، وكذلك حينما تصطدم قشرة الاستقرار الهشة الطافية فوق ركام من مخلفات الصراع بموضوع الأحادية أو التعددية القطبية؛ وإنما تنظر إليه من الزاوية التي تبرز فيها الحاجة إلى السلام والاستقرار والتعايش والعمل المشترك للأمم في تعمير الأرض وحمايتها من أي مخاطر، كأهم وظائفه؛ هذه الحاجة التي شكلها التوافق العالمي بعد حروب كونية تعرض فيها العالم للدمار، مما دفع بتنظيم هذا الجهد على نحو مؤسسي يرعى ويحمي المصالح الدولية، بما فيها مصالح الشعوب، وقيم العيش المشترك.

كان المجتمع الدولي شريكاً فعالاً في احتواء الأوضاع الخطيرة التي مر بها اليمن. ولسنا بحاجة هنا لاستعراض تجربة تلك الشراكة بتفاصيلها؛ فقد رسم القراران (2014) و(2051) الملامح الأساسية لهذه الشراكة. وفي محتويات هذين القرارين تأسست الخطوط العريضة لمعطيات هذا القرار الأخير رقم (2140) وحيثياته. لهذا يمكن القول بأن المجتمع الدولي لم يكن، وعلى مدى استمرار هذه الأوضاع، في مواجهة مع اليمن ليفسر القرار وكأنه يستهدف سلامته وسيادته، فالذي كان في مواجهة مع اليمن واستقراره هي تلك القوى والعصبيات الداخلية التي عطلت تقدمه وبناءه واستقراره، وما زالت، مع ما جرته معها من الغثاء الذي أنتجته المرحلة الانتقالية، تعطل مسارات عملية التغيير، وهي نفسها القوى والغثاء، التي يفترض أن يكون القرار قد استهدفها.

يمكن القول، ربما من باب الإنصاف، بأن المجتمع الدولي عندما تعامل مع قضية اليمن عمل كمجموعة متجانسة، لم تكدرها تناقضات المصالح الحيوية التي برزت تجاه أكثر من حالة من حالات الربيع العربي، وهو ما جعل الاحتمالات الثلاثة تبدو متداخلة العناصر، ولا يمكن فرزها، عندما يتعلق الأمر بتحديد السبب الأساسي لتأجيل القرار حتى نهاية الحوار. فالسبب هو خليط من هذه وتلك، وهو محصلة تفاعل كل هذه الاحتمالات الثلاثة التي شرحناها أعلاه.

 وهكذا، ومع عدم إغفال الأهمية القصوى للعاملين الآخرين، وخاصة العامل الثالث والأخير، أي ذلك المتعلق بميزان التسوية،  ففي رأيي أن المجتمع الدولي نظر إلى المسألة من الزاوية التي رأى من خلالها أن الحوار يجب أن يظل تعبيراً عن إرادة يمنية، وأن اتخاذ أي قرار بهذا المستوى قبل انتهاء الحوار من شأنه أن يضع مخرجات الحوار في خانة الإملاء الخارجي، مما من شأنه أن يهدد سلامة الخيارات السياسية في نظر الناس ويضعها على المحك. وبعد أن تحققت إرادة اليمنيين بالاتفاق والتوافق على وثيقة الحوار، فيما عدا ذلك الجزء الذي جسد حالة من الانقلاب على هذا التوافق وشوه جانبا من هذه العملية التاريخية وكسرها في أهم مفاصلها (القضية الجنوبية)، جاء دور المجتمع الدولي لدعم هذا التوافق فيما ينتظره من تعقيدات وصعوبات التنفيذ.

على هذا النحو بدا الأمر، أو على أقل تقدير، هكذا يمكن أن يفسر؛ لأنه لا يمكن تفسير تأجيل القرار بأي شيء آخر غير هذه الاحتمالات؛ فالأوضاع التي استدعت اتخاذه لم تتغير كثيراً، بل إن شروط اتخاذه تقلصت، بعد انتهاء الحوار، حتى أن الجميع كان يتوقع أن ينشغل المجتمع الدولي بقضايا أكثر أهمية من اليمن، وأنه كان ينتظر انتهاء الحوار ليعلن انتهاء المهمة في اليمن. ينسى البعض ممن ينتقدون القرار أن الكثير منهم كان يضع يده على قلبه خوفاً من أن يتخلى المجتمع الدولي عن اهتمامه باليمن، وكان هذا سؤالاً مثاراً من قبل الجميع، وهو: ما الذي سيكون عليه الوضع لو أن المجتمع الدولي تخلى عن اليمن فجأة، كما حدث في الصومال، وتركها تحت رحمة المليشيات المسلحة للقوى المختلفة التي تنتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يغادر فيها المجتمع الدولي اليمن وهو بلا دولة تحميه من مشروع العنف الذي يلفه طولا وعرضاً؟

يدرك الجميع أن الاتفاق على الورق لا يشكل مشكلة كبيرة في معظم الأوقات، وخاصة في اليمن، الذي جرب ذلك كثيراً (وثيقة العهد والاتفاق نموذجاً)، وإنما تنشأ المشكلات الفعلية عندما يبدأ تطبيق هذه الاتفاقات على الأرض، بما يحدثه التطبيق من تأثير على المصالح ومراكز النفوذ.

فالمقدمات التي برزت مع قرب نهاية الحوار جسدت في الواقع نماذج لصور المقاومة العملية التي كان يُتوقع أن تواجه التطبيق. غير أن أخطر ما في العملية هو أن الاستخفاف، الذي عومل به النظام الداخلي لمؤتمر الحوار، وخاصة في المراحل الأخيرة منه، وإحلال القرارات الإدارية بدلا عنه، قد فتح الباب أمام مزيد من صعوبات التنفيذ. وفي مثل هذه الظروف يجد المعرقلون فرصتهم الذهبية، حيث يجدون في مثل هذا الخلل فرصة لسحب العملية إلى مسار مختلف عن مسارها، لاسيما عندما لا يكون هذا الخلل مجرد خلل تنظيمي، وإنما تقف وراءه إرادة من ذلك النوع الذي ينزع إلى تمرير مشاريع بعينها.

وكان لا بد للمجتمع الدولي أن يحسب حساب استعراض مظاهر التعطيل التي برزت في نهاية مؤتمر الحوار، من قبل بعض الأطراف، وما أشيع من فوضى واحتمالات فض الحوار، وما تم من اغتيالات، وإعلان العديد من التحديات الرافضة لمخرجات المؤتمر، والتهيئة للبدء بفوضى عامة. ومن هذا المنطلق كان عليه أن يضطلع بدوره الذي كان قد مهد له في قرارات سابقة لحماية العملية السياسية من الانهيار.

غير أن ما يجب أن نلفت انتباهه إليه، كمهمة غاية في التأثير على سير العملية السياسية مستقبلاً، هو تصحيح ذلك التشوه الذي ألحق بالحوار، والمتمثل في فرض خيارات إدارية بأدوات سلطوية بعيداً عن معادلات الحوار، وهو لن يستطيع تجاوزها أو تجاهلها عندما سيتعين عليه أن يفصل في بعض مواضيع العرقلة.

إن أخطر ما يواجه الحوارات السياسية هي النزعة الإرادوية التي تقف وراءها سلطة، أو نفوذ من أي نوع، والتي تنقضُّ، في لحظة ما، ولأسباب يقدرها أصحابها، على مجرى الحوار، لتشكل نهاياته على النحو الذي يضع الحوار كله في خانة المساءلة التاريخية.

لا يهم إن كان الهدف من التدخل نبيلاً أو غير نبيل؛ المهم هو أن الحوار الذي يضعف أمام هذه النزعة الإرادوية، في أي مرحلة من مراحل الحوار، وعند مناقشة أي قضية من القضايا، من السهل تهشيم قيمته، ما بالنا والتدخل الإرادوي جاء في أهم لحظة، وعند أهم قضية مفصلية من قضايا الحوار، ولأسباب تتصل برغبات وضغوط بعض المتحاورين لتمرير مشاريعهم؟! ترى هل أدرك المجتمع الدولي المعنى الذي حمله التدخل الإرادوي، الذي تم بدفع من بعض الأطراف، وعلى إثره جاء قراره ليمنع التمادي في مواصلة السير في هذا الطريق الضار؟ أم أنه هو الذي أعطى الإشارة بذلك، وجاء القرار ليدعم هذا المسار؟ سنترك الإجابة على هذا التساؤل لتجيب عليه الأيام في تساوق مع تطبيق القرار على الأرض.

القرار.. والجوهري في الحالة اليمنية

إن الاتفاق والاختلاف بشأن موضوع القرار الأممي أمر طبيعي، لاسيما وأن هناك حالات من هذه القرارات في بلدان عديدة أخفقت في تحقيق الأهداف التي أعلنت من أجلها. ويعود السبب، في تقديري، إلى الحالات المغايرة التي اتخذ بسببها القرار، فليست الحالات كلها متشابهة. أما بالنسبة للحالات القريبة من الحالة اليمنية، فغالباً ما يعود الفشل إلى أن القوى السياسية، والنخب الاجتماعية، تعثرت في الوصول إلى رؤى توافقية محددة بشأن الخروج من الأزمات التي عصفت ببلدانها، الأمر الذي ينصرف فيه الفشل إلى مكان آخر، وبالتالي لا يمكن للعطار أن يصلح ما أفسده الدهر وسادته.

المشكلة في تلك التجارب هي أن الفعاليات والنخب السياسية نفسها لا تعرف أحيانا ماذا تريد. كما أن استمرار الصراع فيما بينها، ومحاولة التفرد بالقرار السياسي، واحتكار توظيفه، أدى إلى أن يصبح القرار الأممي جزءاً من بنية الصراع الداخلي، مما قاد إلى فشله في نهاية المطاف. واتخذ الفشل صوراً عديدة، من أبرزها انهيار العمليات السياسية، وتزايد التدخل الخارجي في هذه البلدان، وبشروط أكثر إجحافاً، لم يكن أقلها إيلاماً التدخل الفج في القرار السياسي لهذه البلدان، والتعامل معها كـ "سفيه" فقد الأهلية في اتخاذ القرار.

إن ميثاق الأمم المتحدة ينظم هذه المسألة في الفصل السابع، الذي يتضمن عقوبات تصل إلى التدخل العسكري. ولا يمكن، في كل الأحوال، ألا يكون للفشل أسباب أخرى تتعلق بتأثير الحل الأممي على المصالح الحيوية للبلدان صاحبة القرار، وعلى الأخص منها بلدان "الفيتو"؛ فأثناء التنفيذ قد تبرز معطيات جديدة تتعارض مع مصالح بعضها، أو مصالح بلدان أخرى ذات أهمية خاصة لهذه البلدان، تدفعها إلى مراجعة موقفها، مما يبطئ مسار العملية عند حلقات معينة أو يعطلها في حلقات أخرى.

إن الجوهري في الحالة اليمنية لا يكمن حصراً فيما يمكن أن يهدد التوافقات التي توصلت إليها القوى التي تحاورت، وإنما أيضا في مسألتين جوهريتين:

الأولى: عدم مشاركة قوى سياسية جنوبية حية في الحوار، وخاصة فيما يخص قضية الجنوب، وتتحمل هي بمفردها مسؤولية غيابها وبقاء البحث الجاد لقضية الحل ناقصاً إلى حد كبير.

الثانية: عدم توصل القوى المتحاورة إلى اتفاق حول الحل العادل للقضية الجنوبية، حتى يكون ذلك أساساً مشتركاً للتفاوض مع الممانعين، إذا ما تهيأت الفرصة لذلك.

لقد فوّتَ تحالف القوى، التي تمسكت بفكرة تغييب القضية الجنوبية في موضوع شكل الدولة بتقسيم الجنوب على ذلك النحو غير المدروس، هذه الفرصة التاريخية للتوافق، مما عقد المسألة أكثر، وهو ما يضع أمام مجلس الأمن مسؤولية لا تنتهي، بإصدار قراره الأخير؛ ولكن فيما يمكن توفيره من شروط لجعل تنفيذ القرار مهمة إنقاذية وليس تأديبية. أفق المهمة الإنقاذية أوسع وأشمل؛ ذلك أنه لا يتوقف أمام النتائج فقط؛ ولكنه يتناول الأسباب وجملة العوامل المؤثرة في العملية كلها.

كان من الممكن أن يخلص المتحاورون إلى خيارات تبقي الباب مفتوحاً أمام مواصلة الحوار مع الذين لم يشاركوا فيه، وخاصة حول القضية الجنوبية، وذلك لإغلاق كل الفجوات التي يمكن أن تعود منها عوامل الصراع مجدداً إلى ربوع "السعيدة"؛ غير أن هذا للأسف لم يحدث، فقد أديرت نهاية الحوار بنفس سلوك وأدوات "الغلبة"، التي حكمت مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية المنشئة لسلطة التغلب الحاكمة طوال سنوات طويلة.

لم يسمح للحوار أن يستأصل، أو حتى يهذب، سلوك "التغلب" عند البعض، فكسروا التوافق بين أطراف الحوار ليجعلوا المستقبل مكشوفاً من جديد على  خيارات الصراع وإعادة إنتاجه. وربما كان ذلك هو الفصل الأول من سيناريو استعادة أوراق اللعبة إلى أيدي القوى التي دائماً ما عرفت نفسها بأهل الحل والعقد، والتي أخذت -كما قلنا- تتناوب خلق التبريرات لمواصلة الفوضى والعنف والحروب.

كان الحوار، في مشهده الأول، لوحة رائعة للتغيير الذي يتطلع إليه اليمنيون. وقف الجميع، بفئاتهم وطبقاتهم وموازين قوتهم ونفوذهم، في قاعة واحدة، وبحقوق متساوية، لتقرير مستقبل اليمن. الذين لم يحتملوا الموقف انسحبوا بهدوء. المشكلة في الوكلاء الذين أخذوا على عاتقهم مهمة تمزيق هذه اللوحة، وعندما لم يستطيعوا عملوا على تشويهها بممارسات دللت على أن العصبيات التي كرستها عهود من مقاومة بناء الدولة، وعقود من محاولات بنائها وهدمها، لن تستوعب عملية التغيير الموضوعية وشروطها بسهولة.

لا أتحدث هنا عن أولئك العدميين، من الجانبين، الذين لم يكن لديهم أي رؤية موضوعية جادة لنجاح الحوار، بما في ذلك حل قضية الجنوب حلاً يليق بهذه القضية العادلة، ويقبل به الجنوبيون، سوى ما تتفتق به أدمغتهم من تهويمات لا ترى الآخر إلا شراً يجب أن يقمع، أو يزاح عن الطريق، بأي وسيلة كانت، وما يسرح به خيالهم من حلول تتراوح بين الإلحاق أو الانفصال، كخيارين متطرفين... إنما أتحدث عن تلك النخب، وهي الأغلبية، التي كان بإمكانها أن تصل معاً بمشاريعها إلى منتصف الطريق من الاتجاهات المتعاكسة لتخلق المشروع الذي يستوعب الجميع.

لكن؛ ما الذي حدث؟ في الجنوب تسيد الاتجاه المتطرف، وفي تجاويفه العديدة تزاحم المراوغون، والأرزقية، وما أكل السبع، وأولئك الذي تجمدوا في كهوف الانتقام، وخرجوا في أكثر من مناسبة يفتشون عن أقصر طريق للانتقام، بحسابات لا علاقة لها مطلقاً بالحل العادل للقضية الجنوبية، ولم يتمكن هذا الاتجاه المتطرف من أن يتبنى أي رؤية قابلة للنقاش، أو للحوار، عدا تلك الرؤى الحدية القاطعة الطاردة لكل ما يختلف معها حتى بالحد الأدنى. وداخل هذا الاتجاه راحت تتحرك موجات من التلاحم والافتراق، لا تهدأ إلا لتضج من جديد، كلما استفزها التطرف القادم من الاتجاه الآخر. أما التطرف المكون من أجنحة القوى التي انخرطت في الحوار، فقد كان إثمه أعظم بما لا يقاس، وهو يتكون من مستويين: المستوى الأول: وهو ذلك الذي ظل ينتج التطرف في الجنوب، بممارسته وسلوكه، الذي دمر المعاني الجميلة للوحدة وخلق، من ثمّ، البيئة المناسبة لإنتاج مشاريع التطرف السياسية. أما المستوى الثاني فهو ذلك الذي منع الحوار من أن يخوض نقاشاً جاداً ومسؤولاً يفضي إلى حل  القضية، أو على الأقل تكوين رأي توافقي، بين فرقاء الحوار، يقوم على الاعتراف بالقضية بوضوح، وبدون مراوغة، ويفتح باباً للحوار أكثر تركيزاً ومسؤولية. وكان هذا المحور بمستوييه قد حسم أمره مبكراً عندما قرر أن كل ما يختلف مع رؤيته هو مشروع انفصال. أما مناقشاته بعد ذلك فهي مجرد تفاصيل للمراوغة واستهلاك الوقت.

وللحقيقة فإن مركزي التطرف غذيا بعضهما بالأسباب وبالمبررات، وبمختلف الذرائع، لمواصلة السير في طريق التطرف، وأفسدا بذلك أهم فرصة تاريخية لإغلاق ملف الصراعات الكبرى في اليمن إلى الأبد. والسؤال الذي يبدو محيراً هو: لماذا انساقت الأجنحة المعتدلة وراء الأجنحة المتطرفة في الوصول بالقضية إلى هذا الوضع الذي تراجعت فيه المسؤولية وتصدرت المراوغة وفرض الأمر الواقع؟!

سيكون على العقل اليمني أن يبحث عن الأسباب في طبيعة تكوين وتركيب المؤسسات السياسية، وبناها الفكرية والثقافية والاجتماعية، ومنظومة المصالح المتشابكة التي تعبر عنها. وسيكون على أصحاب القرار الأممي أن يغوصوا إلى الأعماق ليضعوا أيديهم على مصدر التطرف، الذي سيظل ملهماً للتعطيل، ومصدراً لاحتباس المسؤولية داخل ركام الممانعة والغلو، مما يجعل النخب السياسية مجرد عنوان مخادع وطاقية إخفاء للأجنحة المتطرفة والفاعلة في تحريك الأمور على الأرض.

عند مشروع العدالة الانتقالية، ومخرجات الحوار المتعلقة بهذا الموضوع الهام، توقفت أجنحة التطرف طويلاً، لتجد نفسها في خندق واحد مع أولئك الذين استُهدفوا بالعدالة الانتقالية من الزاوية التي تعيد إصلاحهم كمواطنين صالحين. أخذت هؤلاء العزة بالإثم، فأخذوا يخلطون الحابل بالنابل، ويخبطون في بطن التاريخ خبط عشواء، بحثاً عن لا شيء، سوى أنهم قصدوا بذلك تعطيل هذا المشروع واستبداله بآخر أطلقوا عليه "المصالحة". وهم لم يقصدوا بالمصالحة سوى تبرئة "المتهمين"، وإعادة إنتاجهم في بيئة جديدة كمصلحين، بدون توفر شروط "المصلح"، وهو ما يعني أن المصالحة ليست تلك المرتبطة بتحقيق العدالة المعبرة عن التسامح، والتربية، وكشف الحقيقة، والوعد بعدم تكرار الجريمة، وإنما تلك التي تغيب فيها العدالة، وإبقاء كل شيء مفتوحاً على خيار العودة لمربع الصراعات والعنف والانتقام.

حاول هؤلاء إخراج الضحية من معادلة العدالة الانتقالية. ولم يكن مصطلح "المصالحة"، في البداية، غير صرخة استغاثة أطلقها الحكام السابقون في وجه المشروع. ومع الرخاوة التي أصابت الكثيرين، بسبب الحسابات التي برزت على أكثر من صعيد، تحول المصطلح عند هؤلاء، وغيرهم، إلى بديل للعدالة الانتقالية.

وعندما تصدى بعض من مكون الشباب، وآخرين من بعض أعضاء المكونات الأخرى، لهذا التوجه، سواء في فريق العدالة الانتقالية، أو في فريق الحكم الرشيد، بطرح موضوع رفع الحصانة، وتطبيق العدالة القضائية، مع الإشارة إلى موضوع العزل السياسي لكل من تورط في ارتكاب جرائم جسيمة، قامت القيامة، ووضع مؤتمر الحوار كله على المحك، وتوقفت أعمال بعض الفرق لأسابيع، ورأينا الاستهتار الذي يتمتع به البعض إزاء المحطات التاريخية التي يتقرر فيها مصير البلد. ولم يكن مصدر هذا الاستهتار طرف بعينه فقط، فقد تداخلت حسابات بعض الأطراف الأخرى لتجد، في مثل هذا الاستهتار، فرصة لتمرير قضايا معينة أو تعطيل أخرى بالمساومة.

في هذه اللحظات، التي تقاطعت فيها هذه المواقف المعبرة عن حالة الخوف من نجاح الحوار عند هذه الأطراف، بدأت تظهر علامات التحالف حول قضايا أخرى أساسية، الأمر الذي أخذ الحوار يفقد حيويته في أهم مفاصله، ولم يعد أعضاء مؤتمر الحوار، أو فرقه، أو لجانه، يعنيهم كثيراً من الذي سيتخذ القرار، أو كيف سيتخذ. صار قرار الأمر الواقع هو القرار الذي يجب أن تنتظم في إطاره الأمور، باعتباره الفيصل الذي لا أحد يعترض عليه. أما الجسم الحي من مؤتمر الحوار فلم يعد أحد يستمع إليه، بل صار يهدد بالعقوبات الأممية في كل لحظة يرفع فيها صوته بالاحتجاج أو الاعتراض على تجاوز القواعد المنظمة للحوار من قبل بعض من رواد التغيير بالأقنعة الممكيجة.

صار موضوع رفع الحصانة، وموضوع العزل السياسي، مثار جدل واسع في المجتمع، واستخدم بقوة لإخراج مشروع ضعيف للعدالة الانتقالية. وحتى هذا المشروع الضعيف، في تقديري، لن يرى النور قريباً، مما يعني أن على الضحايا أن يواصلوا التضحية لغيرهم، سواء من أولئك الجلادين أو ممن قرروا ربط مواقفهم بالقرب منهم؛ ولكن بحسابات ما هو أهم عندما يحين اتخاذ الموقف.

كم هي المرات التي شاركنا فيها السيد جمال بن عمر الاجتماعات  ليبعث، بأسلوبه الخاص ومصداقيته في النصح، الأمل في التوصل إلى حلول توافقية..؟ ودعني أقُل كلمة إنصاف بحق هذا الرجل، إنه لم يكن يتعامل كمبعوث أممي فحسب؛ ولكنه كان يلتحم بالمشكلة المعروضة، بموضوعية وبدرجة عالية من المسؤولية، التي لا يمكن معها إلا أن تحترم نصائحه، والتي غالباً ما كانت تقود إلى تفاهمات بين أطراف الحوار، عدا تلك الحالات التي كانت أطراف سياسية قد قررت أن تحتجز الحل بيدها كرهينة إلى حين.

عند هذه النقطة من مسار الحوار، لا بد أن التاريخ سيتوقف طويلا ليستقصي أهم فصل من فصول التراجيديا اليمنية في تحول النخب من التعاطي مع متطلبات الواقع بصورتها المادية والروحية إلى الحالة الذهنية التي يغيب فيها هذا الواقع بكل تجلياته، وتحل محله تهويمات الاستئثار، والعمل على هزيمة الآخر، والتفرد، واحتواء الحل... ليأخذ الحوار، وفقاً لهذه الحالة الذهنية، مساراً خارج حاجة هذا الواقع، ويحاصر، من ثم، فيما تمليه هذه الحالة من حاجة.

- كتاب جديد يُنشر، على حلقات، في صحيفة "الشارع"، بالتزامن مع موقع "الاشتراكي نت".

 

من زمن قديم

نمت على قبر أمي

شجيرات

تطلق أزهاراً،

لها لون محياها..

ولها عبق شعرها

و سحر عينيها

وصفاء روحها

ووضوح كلماتها..

على يديها، وعلى حافة قبرها

تعلمت

أن للكلمة ثمن، هو الموقف

وأن الموقف يعنى التضحية

وأن حاصل جمع:

الثمن في الأولى والمعنى في الثانية هو الحياة!

*****

مارس 2014

تمهيد

لم تكن فكرة الكتابة في هذا الموضوع قد اختمرت في ذهني قبل صدور قرار مجلس الأمن رقم (2140) لعام 2014، والذي يضع اليمن تحت طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة. لم تثر الفكرة عندي حماسة الكتابة في ذلك الوقت الذي كانت تحتدم فيه الأحداث في أكثر صورها تعبيراً عن مخاضات عسيرة لولادة متوقعة للجديد.. فقد اعتبرتها مهمة؛ ولكن مؤجلة إلى الوقت الذي تتم فيه الولادة، وتصفو فيه الروح، وتكون المشاعر قد هدأت وتخلصت من تأثير الصدمة التي أحدثتها تلك اللحظات الدرامية التي ابتلعت جزءاً هاماً من الحوار في واحد من أكثر المشاهد ملهاة واستخفافاً بالمعاني الأصيلة لقيمته في حياة اليمنيين.

منذ ما قبل الحوار وأثناءه وأنا أتساءل عما إذا كان باستطاعة اليمن أن يخرج، هذه المرة، منتصراً، وحاملاً بيده مشعل المستقبل يضيء طريقه إلى حياة أفضل. تفرع هذا السؤال إلى عدة أسئلة. رأيت اليمن قد تحرك من حالة الجمود والتفكك، التي عاشها لعقود، نحو المضيق الذي يوصله بالمستقبل، محمولاً على راحلة ثورة التغيير والحوار. على هذه الراحلة، وفي رحلته نحو هذا المستقبل، دخل هذا المضيق، وعلى نجاحها يتوقف خروجه منها. لم يعد أمامه من خيار سوى النجاح أو الموت داخل هذا المضيق. هناك فقط خيار واحد، وهو العبور بنجاح كامل. ليس هناك نصف حل لهذا الخيار الحاسم.

وتفرع عن ذلك سؤال آخر، وهو: هل الوطن مجرد جغرافيا وأنظمة تسلط، ورعية، وحقوق منهوبة، وحريات مغتصبة واستبعاد اجتماعي...؟ أم أن الوطن قيمة أنبل من كل القيم  الأخرى؛ قيمة جامعة لكل القيم التي تجسد الإنسان في كامل صورته كمستخلف على هذه الأرض، ومن هذا الاستخلاف يستمد انتماءه وحقوقه وحرياته كمواطن لا كرعوي، كسيد على الجغرافيا لا كمسود، كصانع لحياته لا كمهمش ينتظر الإحسان من مغتصبي حريته وحقوقه؟ البلدان التي بقيت مجرد جغرافيا وأنظمة تسلط ورعية، وفشلت في أن تتحول إلى وطن يُجسد المعنى الإنساني للحياة على هذه الجغرافيا، راوحت في مكانها، وغرقت في التخلف والصراعات والعنف، وتعرضت للانهيارات المستمرة.

تعسرت الولادة. فهل كان القرار الأممي بمثابة الحدث الذي حرك قطع الشطرنج من أماكنها، على أي نحو كان، لتسريع المخاض وإنهاء اللعبة؟

 يجب أن نعرف أن "الأوطان" لا تصل إليها الشعوب بقرارات دولية؛ فهي عملية موضوعية نضالية تعتمد في الأساس على إدراك الشعوب لما تعنيه كلمة "الأوطان" في حياتها، وأن النضال من أجلها يستحق التضحيات.

لا أحد يستطيع أن يهبنا "وطن" ما لم تكن الحوافز لدينا للوصول إليه أقوى مما في معادلة الحياة من تحديات، وما لم نكن مستعدين للعمل الجاد من أجل الوصول إليه؛ ذلك الاستعداد الذي تحركه دوافع أن نعيش ونحيا بكرامة، بعيداً عن ضغوط الهجرة وجراح الترحيل. آباؤنا وهبونا بلداً -جغرافيا-  نعيش عليه وننتمي إليه. أما تحويله إلى "وطن" فقد بقي مهمة نتوارثها، وحانت فرصة تحقيقها. هذه الفرصة لا يجب أن تهدر فوق ما أهدر من فرص. لا أحد يملك القدرة على منعنا من تحويل بلدنا إلى "وطن"، كبقية خلق الله الذين سبقونا إلى ذلك. وحتى حينما يتعارض مفهوم هذا الوطن مع ما كرسه الاستبداد من مصالح فاسدة، وأنماط اقتصادية طفيلية، وثقافة تبريرية منهكة لحوافز التغيير، وبنى اجتماعية مشوهة؛ وكلها تقاوم هذا التحول؛ فإن هذا الغث كله غالباً ما يفضي إلى خلق القوة المناهضة له في الجانب الآخر من المشهد. إنها القوة التي ستتحمل تحقيق هذه المهمة. من هي هذه القوة في الحالة اليمنية؟! هذا ما سنرد عليه في الجزء الثاني.

في التجربة التاريخية لا تنشأ الحوافز القوية للتغيير إلا في واقع انحط، ولم يعد هناك أمل في إصلاحه. وهذه الحوافز تطلقها مبادرات تأتي من الأوساط الشعبية المؤهلة للقيام بهذه العمليات التاريخية، التي كان يقوم بها الأنبياء في الزمن القديم، عندما كانت مجتمعاتهم تصل إلى تلك الدرجات العالية من الانحطاط.

خيار التحول إلى وطن:

الفرص المهدرة

اليمن بلد ضاقت خياراته، تعثر بحكامه طويلاً، حتى وصل في مسيرته إلى المضيق، الذي لم يعد عنده مفر من البحث عن مخرج منه سوى أن تتصدر قوى الشعب الحية هذه العملية.

ليس لديه خيار آخر غير التحول إلى وطن، أو الكارثة. لن تكون روشتات الخارج على هذا الطريق، في أحسن الأحوال، سوى عامل مساعد لكبح جماح المتنطعين من أبنائه ممن أرهقوه بخياراتهم النزقة، والتي طالما تعارضت مع خيارات بنائه وتطويره على أسس سليمة.

ببقائه مجرد بلد تتنازعه الأهواء وتعصف به الأنواء، خسر كل المحطات التاريخية التي كان من الممكن أن تكون نقطة انطلاق جادة لمسيرة بنائه. ولم تكن تلك الخسارات هينة بحساب ضياع الفرصة واستهلاك الزمن. ضياع الفرصة يعقبه دائما استهلاك عبثي للزمن. ولنحسب هذه المحطات كفرص وما أعقبها من زمن ضائع.

منذ 2007، وحتى 2011، استعاد الشعب المبادرة، وكان الشباب والنساء في الصدارة. فالحراك السلمي في الجنوب، والذي بدأ يتشكل منذ ما بعد حرب 1994 في صورة احتجاجات ومصادمات مع النظام، على إثر الإجراءات التصفوية والقمعية التي مارسها ضد سكان الجنوب، كان رائداً في إطلاق المبادرة الثورية السلمية التي احتشدت فيها الجماهير على ذلك النحو، الذي لم يكن فقط معبراً عن مجرد احتقان اجتماعي، ولكنه شكل حالة سياسية ثورية كان لها تأثيرها البالغ، بعد ذلك، في إخراج الحياة السياسية من جمودها، وتحريك العوامل الثورية لتشتعل البلاد كلها بعد ذلك بثورة التغيير السلمية. أضحى "الوطن" على مرمى حجر. وبدا أن الفرصة التي تقدمها الحياة لليمن، بواسطة هذه المبادرة الثورية، في حاجة إلى حمايتها من الانزلاق مجدداً إلى أيدي المتنطعين، أيّاً كان منشؤهم أو انتماؤهم. فكل ما يمكن أن يستدل به على الخوف من الانزلاق بها مجدداً إلى أيديهم، هو أنهم كانوا دائما لا يقفون في الاتجاه المعاكس لمثل هذه الهبات، وإنما يسيرون بمحاذاة الفرصة ليتمكنوا من احتوائها، ويعيدوا بناءها لصالح مشروعهم المقاوم للتغيير. ومع كل فرصة مهدرة كانت قائمة هؤلاء تتسع، وتقل معها إمكانية إنتاج فرص أخرى.

في الزمن الأخير، لم يعد المشهد يتسع إلا لهؤلاء. ضاقوا بمن حولهم، ثم ضاقوا ببعضهم، ولم تعد "التورتة" قابلة للقسمة على هذا العدد المتزايد منهم، ومعهم الطابور الطويل من المحاسيب ممن ظلوا ينتظرون دورهم على المائدة. وكانت بداية النهاية لمرحلة، وبداية البداية لمرحلة جديدة، ومعها فرصة لا يجب أن تتعثر.

بهذا المعنى، كان لا بد أن تتعايش بدايتان، وبصورة جدلية: بداية النهاية لمرحلة، وبداية البداية لمرحلة أخرى؛ أي أن هذه البداية تتحقق في رحم نهاية مرحلة سابقة، مع كل ما يرتبه ذلك من تصادمات مسموح بها. فالتعايش هنا يجب ألا يعكس جموداً، وإنما حراكاً ديناميكياً ينتج البديل الذي يتوقف نجاحه على قدرته في توسيع مساحة هذا الحراك على الصعيدين السياسي والاجتماعي، دون الإخلال بشروط التسوية التي قامت على الالتزام بالتغيير السلمي عبر الحوار والتعايش والمشاركة الوطنية. كما أن هذه التصادمات لن يجري تكريسها، بصورة تحكمية، في نفس السياقات التي حكمت التحالفات السياسية للمرحلة السابقة؛ فهي ستأخذ مداها في الجانب الاجتماعي والثقافي والوطني وبناء الدولة والاقتصاد، وغيرها من شؤون الحياة المختلفة؛ أي أنها ستنشئ مساحة لتقاطعات أوسع، بل وستتجاوز رقعة التحالفات السياسية وعناصرها التي استقرت زمناً عند حالة بعينها، وهذا ما أثبته الحوار.

قال الحوار كلمته في أهم لحظة تاريخية من اللحظات الفارقة في حياة الشعوب المتطلعة إلى المستقبل، وأكد على أننا جميعا نريد أن نعبر المضيق إلى الضفة الأخرى، حيث ينتظرنا "وطن" مؤجل.

والسؤال: كيف سنمر؟ ومتى؟ وعلى أي "راحلة"؟ وما هي أدواتنا المكملة للحوار للمرور إلى المرحلة القادمة؟

لا يجب أن تكون هذه "الراحلة"، بكل تأكيد، هي قرار مجلس الأمن رقم (2140) لعام 2014. يجب أن نعفيه من هذه المهمة، حتى يأخذ قيمته من واقع ما يقرره اليمنيون من مسؤولية على عاتقهم تجاه بناء مستقبلهم. هذا على افتراض أن نخبه قد استوعبت الدرس، وأدركت أن القرار يلوح بإدانة تاريخية للفشل الذي منوا به في إدارة بلدهم. القرار لا يعفي أحداً من المسؤولية، على الرغم من أن قراءته على النحو الذي يعتبر فيه محفزا لأن يأخذ اليمنيون مسؤولية بناء بلدهم بجدية، لا تزال ممكنة.

منذ أن صدر قرار مجلس الأمن رقم (2140) بشأن معرقلي العملية السياسية في اليمن، واليمنيون عاكفون على تفسير هذا القرار، الذي بدا وكأنه جاء مفاجأة وبدون مقدمات، أو كأنَّ هناك من لقمه رصاصة الرحمة لتطلق على ما تبقى لدى أبنائه من رغبة في إنقاذ بلدهم، أو لتصيد ما فضل من سيادة لبلد لم تكن مشكلته في يوم من الأيام مع "السيادة" وإنما مع "سادة" النفوذ الذين عصروه ورهنوه وعجنوه وأكلوا زرعه قبل أوانه، في أكثر صور الاستعارة تعبيراً عن العجلة في تدمير الأشياء.

القرار لم يقُل بوضوح من هم المعرقلون؛ ولكنه أخضع الجميع للرقابة. هذا الإجراء بحد ذاته يحمل دلالة ذات مغزى كبير بشأن تقييم المجتمع الدولي للمنظومة السياسية اليمنية بأكملها. لم يشفع "نجاح" الحوار للمنظومة السياسية لدى المجتمع الدولي؛ فهو لا يزال يراها غير مؤهلة لتنفيذ المخرجات التي توافقت عليها. وهو بهذا لا يتجنى عليها، وفي ثقافتها ما يشي ببقاء الفجوة والجفوة بين القول والفعل قائمة على غير ما يعلمنا ديننا الحنيف، لقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون، كبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".

كالعادة، سرعان ما يصطف اليمنيون إزاء حدث ما من داخل المواقع نفسها التي سبق أن رتبها الفرز السياسي كمنتج سابق لأسباب وأحداث أخرى، ولا يبذلون الجهد الكافي لدراسته على النحو الذي يمكن أن يوضع في إطاره الصحيح.

هذا القرار، الذي شكل حدثا استثنائيا، لم يكن معزولا عن تطورات الأحداث التي عاشها اليمن خلال السنوات الماضية. ومنذ أن بدأت مظاهر فشل الدولة تطوي تاريخاً من النضال السياسي والتضحيات ومحاولات التنمية والبناء، راحت تتلف كل آمال الشعب في الاستقرار والتقدم والعيش الكريم، وأخذت تلفت انتباه المجتمع الدولي وتثير انتباهه وتضعه أمام مسؤولية إنقاذ مبكرة، عبر عنها بوسائله التقليدية، حينما كان أنين المجتمع خافتاً، ولم يولد بعد التفاعلات الاجتماعية والحالة السياسية التي عبرت عنها الثورة الشعبية السلمية 2007ــ2011، فيما بعد. هذا التحول الذي حدث على الصعيد الشعبي كان لا بد أن يصاحبه تغيير مناسب في أشكال ووسائل التعبير الدولية تجاه ذلك الوضع المستجد بشكل عام.

الموقف الأممي تطور مع اشتداد الزخم الشعبي وظهور حالة ثورية من داخل ذلك الوسط الذي لم يكن أحد غيره قادراً على توليدها؛ وهو لم تكن له علاقة بالفرز السياسي الرأسي الذي شهدته البلاد قبل ظهور هذه الحالة الثورية، حتى يبدو وكأنه استجابة لحاجة سياسية يمثلها طرف بعينه كما يحدث مع بلدان أخرى.

كان اليمن سيشهد، في كل الأحوال، قراراً كهذا منذ أن بدأت مؤشرات فشل "الدولة" تأخذ مظاهرها على الأرض، في صور شتى من الضعف العام للنظام: حروب، عنف، صراعات مسلحة، إرهاب، اتساع رقعة الفقر، فساد متجذر في بنية سياسية هشة، تزايد البطالة بين الشباب، توقف برامج التنمية، بروز قضايا وطنية كبرى اتسعت معها الفجوات الاجتماعية...

ومنذ ذلك الوقت المبكر أخذ المجتمع الدولي ينظر إلى اليمن على أنه بلد أخذ يشكل خطراً على نفسه وعلى أمن الإقليم والمجتمع الدولي.

أياً كان الأمر، فإن هذا التقييم يُعد، عند كثير من المهتمين بشؤون اليمن، سبباً رئيسياً من بين الأسباب التي دفعت المجتمع الدولي لاتخاذ هذا القرار. وهنا يصبح للقرار وجه آخر يتعلق بالأمن العالمي، الذي لا يستطيع أحد أن يجادل فيه بالحيثيات نفسها، عندما يتعلق الأمر بمساعدة اليمن على مواجهة مصاعبه بصورة مجردة عن علاقة هذه المساعدة بالأمن الدولي.

ومن الطبيعي أن ينظر المجتمع الدولي إلى مساعدة اليمن، وإلى دعمه على هذا الصعيد، من زاوية صلتهما الوثيقة بهذا الموضوع. وهذا ما يجعل المسألة تبدو مترابطة العناصر ومتداخلة الأهداف: دولة ذات مؤسسات هشة، تتجه نحو الفشل وتهدد والأمن والاستقرار الدوليين. هذا السبب. أما النتيجة فستكون هي ما يتوجب على المؤسسة الدولية المكلفة بحماية المصالح الأممية عمله إزاء وضع كهذا. سيكون من البديهي أن تعمل على منع انهيار هذه الدولة، ومقاومة عوامل فشلها، لتتجنب ما يمكن أن يترتب على هذا الفشل من مخاطر على الصعيد الدولي، وهو ما عبر عنه القرار بوضوح. أما ما سيتم على الأرض فذلك ما يمكن أن نعتبره مثار جدل سنستعرض بعض جوانبه فيما بعد.

الذين أوصلوا بلدانهم إلى هذا الوضع، غالبا ما يرتفع صراخهم بالرفض، حرصاً على السيادة كما يزعمون. فهم لن يجدوا ما يدرؤون به الخطر القادم نحوهم سوى الحديث عن السيادة المنتهكة. والحقيقة أن السيادة لا تكون في مأمن في مثل هذه الأحوال، تماماً مثلما لم تكن أثناء حكمهم مصانة. علينا أن ننظر للمسألة من الزاوية التي كان عندها احتكار القرار السياسي من قبل هؤلاء الحكام الفاشلين سبباً رئيسياً في تخريب المقومات الرئيسية لهذه السيادة والتفريط، من ثم، بها باضطهاد شعوبهم، والاستعانة بالخارج في كل الأحوال لقمع إرادة هذه الشعوب. ولا يجهل أحد أن الثمن الذي يدفعه مثل هؤلاء الحكام، مقابل استمرارهم في الحكم، لم يكن غير هذه السيادة. لقد كانت السيادة ثمناً لاحتكار القرار السياسي، واغتصاب السلطة، واضطهاد الشعوب، وما يترتب على ذلك من تبعات تدور مع هذه الحلقة المفرغة، لينتهي الأمر إلى سحب القرار السياسي من أيديهم. فبأي وجه بعد هذا يتحدث هؤلاء السادة عن السيادة؟!

في هذا السياق يبرز سؤال ذو مغزى، وهو: هل من الممكن أن يصبح هذا القرار موضع استقطاب، أو احتواء سياسي مراوغ، يوسع الشرخ الاجتماعي والوطني، على النحو الذي يجعله أداة بيد طرف، أو أطراف بعينها، لمواجهة طرف، أو أطراف أخرى، في عملية إعادة إنتاج الصراع التي انتهت إلى ذلك التوافق الوطني عبر العملية السياسية؟ بمعنى: هل من الممكن أن تنشأ ظروف تجعل القرار محط صراع بين أطراف المعادلة السياسية بهدف تحويله إلى أداة بيد طرف أو تحالف أطراف لقمع الأطراف الأخرى؟

أسأل هذا السؤال وأنا ما زلت متمسكا بأن العملية السياسية كان هدفها في الأساس هو التغيير الذي استهدفته ثورة التغيير السلمية، وذلك بغض النظر عن الآفاق الاجتماعية والمضامين الفلسفية التي حملتها الأطراف الثورية كعناصر مرجحة لنضالها عند التحامها معا في المجرى العام للحركة الثورية.

كان هذا هو الهدف؛ لكن الحياة، ربما، لم تكن منصفة مرة أخرى، عندما يتعلق الأمر بالحامل السياسي الذي تولى إنجاز المهمة! والحامل السياسي ليس فرداً، أو مجموعة أفراد؛ ولكنه مجموعة القوى التي تولت أمر إنتاجه في لحظة تاريخية كانت حبلى بتناقضات مذهلة، ولم تكن سهلة، ولا ممكنة الاجتياز، إلا بتوافقات مضنية. كان هذا العنصر الموضوعي؛ أما الذاتي فكان قد تمثل في الوضع الخاص لهذه القوى، سواء في صيغة بُناها التنظيمية والسياسية والفكرية، وقدراتها النضالية، وكذا مخزونها من التجارب الكفاحية على هذا الطريق، أو في علاقتها بعضها ببعض، ومدى استعداد هذه العلاقة لتوفير شروط إنجاح هذا التوافق.

ومع ذلك، وحتى بعد أن تكبد الحوار خسارة معنوية في مجمل مساراته الناجحة، وذلك بالتدخل، الذي مرر، بأدوات سلطوية، لصالح بعض الأطراف السياسية، في أهم حلقة من حلقاته، والخاص بالقضية الجنوبية وشكل الدولة؛ فإنني أعتقد أنه لا يزال هناك عنصر موضوعي أفرزته هذه التغيرات، سيرفد هذه العملية بقدر كبير من الثبات، عندما يتعلق الأمر بتوظيف العوامل الداعمة لنجاحها، وسيهيئ في نهاية المطاف الشروط لتصحيح الخلل. وأقول "تصحيح الخلل" كضرورة لفتح الباب أمام هذه العوامل الإيجابية الداعمة لنجاح هذه العملية التاريخية؛ ما لم فإن الذي سيملأ مساحة الفعل هي العوامل السلبية التي تتربص بها من كل جانب.

البيئة السياسية الجديدة

يتمثل هذا العنصر الموضوعي في البيئة السياسية الجديدة، التي شهدت تفكيك مراكز القوى، وإنتاج آليات متنافرة لعملها (أي هذه القوى) جعلتها تتربص ببعضها إلى درجة فقدت معها تأثيرها القديم على الأحداث. وأخذ هذا العنصر الجديد يشكل رقابة شديدة الحساسية على أي ميول أو نزعات من شأنها أن تقود هذه العملية إلى مجرى مختلف، أو أن توظف هذا القرار خارج أهدافه؛ إلا إذا قرر المجتمع الدولي بنفسه السير في هذا المجرى، لأي سبب من الأسباب، أو قرر أن يغض الطرف عمن يدفع إلى السير فيه.

ولا بد من التأكيد هنا على أن القوى التي ستفكر بالسير في هذا المنحى، ولو حتى برضى المجتمع الدولي، أو أطراف فيه، ستكون من الناحية العملية قد قررت أن تفتح طريق العودة بالبلاد إلى مربع الصراع.

إعادة إنتاج الصراع اليوم ستكون عملية أكثر تعقيداً، وستأخذ، من وجهة نظري، مساراً مغايراً، وستمتد إلى داخل شروخ التجربة القصيرة في السلطة، التي حكمت حسابات الأطراف السياسية المختلفة، بما فيها تلك التي تحالفت لتغيير نظام "صالح". ولذلك يجب أن يكون الرهان الأول على إنجاح عملية التغيير، وليس على إزاحة طرف، أو أطراف، من العملية السياسية، توطئة لاحتكار القرار السياسي والسلطة. ويكون الرهان الثاني على حل القضايا الكبرى العالقة، حلا ينتج شروط السير إلى الأمام، وليس على المراوغة والتحليق حولها.

إن أهم شيء في هذه العملية كلها هو ألا يؤدي القرار الأممي (2140) إلى إنتاج آليات عمل تقود إلى تركيز النفوذ بيد أي طرف، تحت أي عنوان من العناوين، وتحت أي سبب من الأسباب. المطلوب هو دعم وتشجيع القرار السياسي المستند إلى شراكة وطنية فاعلة ومسؤولة، والموصول بالإرادة الشعبية، من خلال تنمية قدرات المشاركة لدى القوى السياسية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني والشباب والمرأة وكافة فعاليات المجتمع.

حالة التخبط التي ظهرت عليها القوى السياسية ومكونات المجتمع ونخبه المختلفة، تجاه المسار السياسي، بعد صدور هذا القرار الهام، من الضروري أن تتوقف، ومعها لا بد من مغادرة ما يمكن أن يطلق عليه "الموديل" اليمني المعروف في التعاطي مع الأحداث الجادة، من خلال الاحتواء المراوغ للحدث. هذا الاحتواء المراوغ لا يقوم بأكثر من إعادة بناء هذه الأحداث كحالة ذهنية مجردة عن حراك الواقع، لدى الأطراف المختلفة، والتي تقوم بعدئذ بتسويقها في الوعي الاجتماعي من منظورها السياسي والأيديولوجي وبدوافعها الخاصة.

والمعروف أن هذه الحالة الذهنية المجردة لا تغير من تأثير الحدث، فهو يأخذ مساره في الواقع المادي وينتج تأثيراته ومعادلاته، وغالبا ما يكون أكثر قدرة على المراوغة هو الآخر بتشكيل دفاعاته وأدواته، ولا يقيم لحالة الاحتواء وتجلياتها الذهنية تلك أي قيمة. هي حالة من تشكل الوعي الزائف، ثم لا يلبث المجتمع أن يشهد أكواما من المشكلات والمتغيرات التي تواصل حصاره في كماشة التخلف؛ وكل ما تفعله هذه القوى والنخب هو أنها تنسب هذه النتيجة دائما للآخر المجهول، متخطية خيبتها في التعاطي مع الأحداث كما أفرزتها معطيات الواقع.

حكم الاستبداد، في مساره التاريخي، وفي علاقته بالتشكل المشوه والمتصادم للمصالح الاجتماعية لمختلف القوى والطبقات والمكونات الاجتماعية، ليس حالة ذهنية. والثورة، بما أنتجته من معطيات وشروط للتغيير، وما رافقها من اختراقات، ليست حالة ذهنية. والعملية السياسية، بما أفضت إليه من عقد اجتماعي توافقي لبناء دولة اتحادية ديمقراطية حديثة ونظام سياسي واجتماعي مختلف عن سابقه، ليست حالة ذهنية؛ وإن كانت هذه الحالة الذهنية قد برز بعض تجلياتها في آخر مراحل مؤتمر الحوار، وذلك بالاستعانة بشيء من مخزون قيم النظام السياسي السابق من قبل البعض، وذلك عملا بالقاعدة الفقهية للمرجئة "لا تضر مع الإيمان معصية ولا تنفع مع الكفر طاعة"... وأخيراً قرار مجلس الأمن، بما توخاه من أهداف ومقاصد وما تنتصب أمام لجنة العقوبات من مهام، ليس حالة ذهنية.

الحالة الذهنية الوحيدة التي تمارسها هذه الأطراف، بعد كل هذا الذي جرى، ومن مواقعها المختلفة، هي  الحلم بالعودة إلى السلطة؛ للانتقام عند البعض، ومحاولات حشد المزيد من العوامل لإقصاء الآخرين، واحتكار السلطة والتفرد بالقرار، عند البعض الآخر.

هل ستستطيع هذه الحالة الذهنية أن تغير مجرى هذا العملية التاريخية، بأن تحتوي في إطارها كل العمليات الموضوعية التي ترتبط بها أو تشتق منها؟

لا بد من ملاحظة أنه، كانعكاس لهذه الحالة الذهنية، جرى، منذ نهاية مؤتمر الحوار، الاستعانة بقيم وأدوات النظام القديم لفرض ترتيبات تكوين الدولة الجديدة واحتكارها، بالتعيينات التي رتبت وضعاً إقصائيا مختلا لكثير من القوى، وهو الآمر الذي فتح باباً لصراعات جديدة، كالتي نراها على أكثر من صعيد وعلى أكثر من وجه. فانطبق على هذا الوضع قول البردوني:

دخلتْ صنعاء بابا ثالثا

ليتها تدري إلى أين افتتح!

هل سيستطيع قرار مجلس الأمن أن يغلق هذا الباب الثالث إذا لم يعالج أسبابه الحقيقية؟

تكديس السلاح على مدى عقود من الزمن بيد هذه القوى يثير أكثر من سؤال حول قبولها بمعادلة توافقية لبناء دولة مدنية تتقرر فيها مكانتها بانتخابات عادلة ونزيهة؛ انتخابات يسبقها بناء مؤسسات دولة ضامنة تستلم هذا السلاح، وتعيد صياغة السلوك الاجتماعي للنفوذ القديم في إطار قانوني يحمي المجتمع، بمن فيه أصحاب هذا النفوذ، ويحمي الدولة ومؤسساتها، ويصون الحياة السياسية من أي اختراقات خارجية.

إن المشهد الذي شكل حالة توسط مربكة بين الثورة السلمية والانزلاق إلى الحرب الأهلية لن يغيب عن البال؛ فهذا المشهد هو نفسه الذي يتكرر، وبصورة أوضح على الأرض، كمشكلة أمام عملية التغيير التي يراد لها أن تتم بواسطة العملية السياسية. إن القوى التي تنام على ترسانة هذا السلاح، هي نفس القوى التي ظلت تثير الحروب العبثية على نطاق واسع، وتورط الدولة فيها بهدف إضعافها و"تفيُّد" سلاحها، في نهاية المطاف، ليتحول إلى مصدر قوة لها. فكم هي الحروب التي أُشعلت، وزُجَّ بالدولة في أتونها للحصول على السلاح والمال والقوة! واستطاعت هذه القوى أن تزرع وكلاءها في جسم النظام للقيام بالمهمة في الوقت المناسب لتغدو الدولة مجرد مخزن لتسليحها في الوقت الذي يقرره وكلاؤها.

قصة السلاح في اليمن فيها الكثير مما يمكن أن يعتبر صورة لتفريط النخبة الحاكمة بقوة ومكانة وهيبة الدولة لصالح هذه القوى، التي تشابكت معها عند مفاصل عديدة، حتى أن السلاح، الذي حصلت عليه من الدولة، كان بالمستوى نفسه الذي لدى الجيش، في أحيان كثيرة، وخاصة الأسلحة التي تشكل العنصر الأساسي في الحروب الداخلية. كانت السلطة الحاكمة ترى في مؤسسات الدولة القوية خطراً عليها، بل ظلت تراها أكثر خطورة من هذه القوى، التي غالباً ما استطاعت السلطة أن توظف صراعاتها وحروبها لتهرب من استحقاقات بناء الدولة، وإنجاز مهمات الإصلاح السياسي والبناء الاقتصادي والاجتماعي.

ذيول هذه القضية، وما رتبته من حقائق على الأرض، ستظل عائقاً أساسياً أمام نجاح هذا البلد في مغادرة الحلقة المفرغة للتخلف في صورته المركبة. ولا يبدو أن هناك من يضع هذه المسألة الهامة في إطارها الصحيح حتى الآن. هذه المسألة لم تعد تقبل أي مناورات أو مساومات من ذلك النوع الذي ينتهي بتسوية خاصة بين هذه القوى، وتكون التسوية على حساب الدولة. فالسلاح واحتكاره من قبل الدولة قضية جوهرية، لا يمكن أن تترك لتقديرات مغايرة لحقيقة أنه بوضعه المنفلت ظل يشكل مصدراً لكل المصاعب التي واجهت اليمن في كل محاولاته للتحول إلى وطن، بما في ذلك محولات تعطيل العملية السياسية والحوار مؤخراً. كان السلاح المنفلت هو القاسم المشترك لكل تلك الصعوبات ومحاولات التعطيل، وكانت حيازته، بتلك الصورة، تعكس خللا جوهرياً في مفهوم الدولة، حيث أخذت تتناسل من هذا المفهوم أنساق من السلوك الاجتماعي المعبر عن الفوضى، وعدم الانضباط، والتطاول على القانون، والجرأة على إفساد كل محاولة لبناء دولة النظام والقانون.

كثير من هذه الأمراض انتقلت إلى مجرى عملية التغيير التي تجسدت في الحوار الوطني الشامل؛ الاغتيالات والحروب وإثارة الفوضى والانسحابات وتعليق المشاركات في الحوار، والاستخفاف بالنظام الداخلي لمؤتمر الحوار، ومراوغات وضغوط القوى التي أجادت الانقسام في لحظات الضرورة -كما تفعل الرخويات ذات الخلية الواحدة- لتوزيع الأدوار بين من يرفضون لتحسين شروط من يوافقون، والحملات الإعلامية المضللة لإضعاف قيمة الحوار في الوعي الشعبي، وكذا التحريض واستعراض القوة والتحالفات التكتيكية، والضخ الإعلامي المضلل للحقائق، والإشاعات وحملات تشويه الآخر، واختلاق الأكاذيب للتكفير والتحريض على القتل... كلها تداعيات، مباشرة وغير مباشرة، لما استقر في أعماق هذه القوى من اعتقاد بأنها وحدها من يجب أن يقرر مسار هذا البلد وإلى أين يتجه.

هذه الظواهر وتداعياتها شكلت بيئة محبطة للروح التوافقية، جعلت العملية السياسية مضغوطة بكماشة تلك القوى التي تسعى إلى احتكار القرار، وتقدم نفسها على أنها الوحيدة القادرة على مواجهة هذه الفوضى الضاربة أطنابها في الأرض، وحاجتها إلى عين حمراء من طراز لا يتوفر إلا عندها. هي التي تثير هذه الفوضى، وتقدم نفسها في الوقت ذاته على أنها هي الحل. لم تكن تستهدف غير تفويت الفرصة على مؤتمر الحوار لتحقيق أهدافه التاريخية. ومن الطبيعي ألا يتوقف دورها هذا في المحطة التي انتهى عندها مؤتمر الحوار، وهذا ما شهدناه في أكثر من واقعة وأكثر من حدث؛ فقد باتت تتناوب خلق الذرائع فيما بينها لمواصلة إغراق البلاد في الفوضى والعنف والحروب، لاستعادة أوراق اللعبة إلى بين يديها، ويسلم الجميع بألا حل إلا بتوافق هذه القوى بالعودة إلى الطاولة لاقتسام الكعكة. فهل من الممكن أن يقبل الشعب، وقواه المدنية الحية، العودة بالبلد إلى أحضان هذا الضلال القديم؟

-        كتاب جديد يُنشر، على حلقات، في صحيفة "الشارع"، بالتزامن مع موقع "الاشتراكي نت".

الجمعة, 07 آذار/مارس 2014 19:12

الى المرأة في يومها العالمي :

الى المرأة في يومها أهدي:

ورودا كثيرة ..

وعطرا كثيرا..

وحبا اكثر .

***

بين يديها تصير الورود ورودا..

وبعبقها يصبح العطر عطرا..

وبها يعرف الحب .

***

المرأة أمي..

المرأة اختي..

المرأة زوجتي..

المرأة ابنتي..

المرأة رفيقتي في مسيرة الحياة

***

يومها..

يلد اﻷيام..

يصنع السنين..

على حواشيه تنتظم اﻷزمان

وبين ثناياه

تأتلف مواكب المنتجين

في رحلة التواصل بين:

الأمس

واليوم

والغد..

***

طيفها ..

لوحة العمر

بألوانها المتناسقة

مع ألوان حلمها ..

***

حلمها ..

قنديل في كهف

تملؤه الاشباح..

ومخلوقات لا تبصر إﻻ في الظلمة

***

عمرها ..

صوت الحرية

يصفع وجه الاستبداد ..

ويمزق ثوب الاستعباد

***

صداها..

إيقاع الفرس

المتأهب ..

نط الحاجز .

8مارس 2014

الصفحة 2 من 2