أكذوبة إعطاء الأولوية للجنوبيينالمهندس نبيل بن عبود نموذجا

الخميس, 10 تموز/يوليو 2014 02:50
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

لا بد أولا من الإشارة إلى إنني لست مع أي تمييز لأي منطقة على حساب منطقة أو شطر على حساب شطر أو توجه سياسي على حساب آخر أو طائفة أو مذهب على حساب سواهما، فهذا النوع من السياسات إنما يعبر إما عن فشل النخبة السياسية التي تدير البلد، وإما عن حالة  أبارثيدية تخفي وراءها أغراض سياسية ومصالح طبقية واقتصادية معينة، وإما عن رغبة تدميرية تستهدف زرع الضغائن وتوسيع دائرة الأحقاد بين أبناء البلد.

هناك سياسات حمقاء تمارسها السلطة الحاكمة بكل أطرافها من شأنها مواصلة توسيع الشرخ الذي صنعته حرب 1994م بين أبناء الشمال والجنوب من خلال الحديث عن تمييز الجنوبيين وإعطاء الأولوية لهم في الوظائف الحكومية، المدنية والعسكرية والتنفيذية، وما شابه ذلك وممارسة العكس على صعيد الممارسة العملية.

لن أخوض في مخرجات الحوار الوطني حول قضايا المناصفة وغيرها وفي تصوري أن القضية الجنوبية هي أكبر من مجموعة وظائف أو مجموعة منهوبات، لأنها اليوم قد انتقلت من المصالح والوظائف والحقوق المصادرة والمنهوبة إلى المشاعر والأنفسالمنقسمة والوعي المشطر والتطلعات المتصادمة مع مشاعر ومصالح وتطلعات المتنفذين الممسكين بالشأن اليمني، وأن أي حلول يجب أن تعالج هذا المستوى من المشكلة، وإن كانت إعادة الحقوق والمصالح والوظائف جزءا من هذه المعالجة لكنها ليس كل المعالجة.

من بين أكذوبات المناصفة تشكيل لجنة برئاسة وزير الاتصالات (الجنوبي جدا) لدراسة منح الأفضلية للجنوبيين، وكانت أولى الخطوات التي اتخذها هذا الوزير إن قام بتعيين أكثر من 17 مدير عام  في وزراته لإدارات هامة بعضها أسسها مهندسون جنوبيون، وليس بين من تم تعيينهم جنوبيا واحدا، ليس لعدم وجود الكفاءات بينهم بل لأن معالي الوزير اعتبر وجوده على رأس الوزارة هو حصة الجنوب وكفى.

من المؤسف إن الحالة السياسية الفاشلة في اليمن قد أوصلت الناس إلى عرض المشاكل ومناقشتها والمطالبة بالحقوق على الأساس الشطري أو المناطقي أو العشائري أو القبلي أو الجهوي، لكن تلك هي مخرجات جمهورية 7/7/94م، أما المواطنون الجنوبيون فإنهم لم يكونوا قط يطالبون بأي تمييز أو أفضلية، بل ظلوا وما يزالون يطالبون بتعويضهم من الضيم والإجحاف والغبن الذي تعرضوا له والتمييز الذي عانوا منه طوال العقدين الماضيين

حتى اليوم لم يصل عدد من أعيدوا إلى اعمالهم ممن أبعدوا بعد الحرب الظالمة إلى ما يساوي أصابع اليدين، بينما استقطبت بعض الوزارات العشرين والثلاثين ألف موظف جديد ليس بينهم مواطنا جنوبيا واحدا، ما عدا من انطبقت عليهم المعايير الحزبية للطرف الذي نفذ عملية الاستقطاب.

أن التمييز ضد الجنوبيين ما يزال مستمرا على من لم تطلهم أيادي القتلة (الملثمين) وغير الملثمين، وبالعودة إلى وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات التي يديرها رئيس لجنة إعطاء الأفضلية للجنوبيين، أذكر أستاذ التاريخ الذي يدير أكثر الوزارات اتصالا بالحداثة والمعرفة أن لديه عشرات الكوادر ممن ساهموا في تأسيس العديد من المؤسسات وشركات خدمات الاتصالات التابعة لوزارته، وقادوا بنجاح مشاريع ما كان لها أن تنجح لولا الكفاءة والنزاهة والابتكار التي تمتعوا بها وهم اليوم مبعدون لسبب واحد وحيد هو جنوبيتهم، وحل محلهم أفراد وافدون من مؤسسات لا علاقة لها بالاتصالات ولا بتقنيات المعلومات.

  *        *        *

سأشير هنا إلى مثال واحد هو صورة لمئات  وربما آلاف الحالات من صور (إعطاء الأولوية للجنوبيين)، وهو المهندس نبيل سالم صالح عبود، من أوائل الخريجين في هندسة الاتصالات وتقنية المعلومات في منتصف الثمانينات ولو أن الوزراء يختارون تبعا للكفاءة والخبرة لكان المهندس نبيل هو الأفضل لتولي مهمة وزير الاتصالات وتقنية المعلومات لأنه من أقدم العاملين في الوزارة ومن أكثرهم كفاءة ونزاهة وخبرة وارتباطا بالمهنة، لكن المحاصصة ونظام الولاءات الحزبية هو من يأتي بمدرس تاريخ ليتولى وزارة هي الأقرب اتصالا بالعصر والتكنولوجيا والمعرفة والأقل علاقة بتاريخ الحكم الإمامي في اليمن.

ساهم المهندس نبيل في الإعداد والتخطيط وتقديم الدراسات والتصاميم للعديد من المشاريع الناجحة مثل: إعداد المسوح والتصاميم لإنشاء شبكات الاتصالات في الجمهورية، إعداد المواصفات الفنية لشبكات الاتصالات في اليمن، إنشاء الأبراج وزرع شبكات الكوابل النحاسية والألياف الضوئية وغيرها عشرات البرامج والمشاريع التي لا يتقنها إلا أصحاب الكفاءات العالية في هذا المجال، كما أدار المهندس نبيل العديد من المؤسسات التابعة للوزارة وأكسبها سمعة رفيعة وحققت بفضل كفاءته ونزاهته أرباحا خيالية من تلك المليارات التي ذهب معظمها إلى جيوب الفاسدين، من أهم تلك الإدارات مشروعي الشبكة الوطنية والإقليمية، ثم الإدارة العامة للإحصاء فالإدارة العامة للتخطيط والمشاريع في الهيئة العامة للاتصالات،  وبفضل وجوده في هذه المواقع حققت المؤسسات التي أدارها نجاحات لا ينكرها أحد، وإلى جانب ذلك كان نبيل مشاركا فاعلا في إعداد الاتفاقيات وإدارة المفاوضات التعاقدية مع الشركات العالمية، وإعداد خطة الترقيم الوطنية، الإشراف على تنفيذ مشاريع الاتصالات بمختلف تجهيزاتها ومكوناتها، المشاركة في إدخال نظام الـGSM   في اليمن، إنشاء شبكتي الإنترنت والتراسل وفي كافة تحديثات الشبكة وهو رئيس اللجنة الفنية لتأسيس شركة يمن موبايل، وغير ذلك من الأعمال والدراسات كما مثل اليمن في عدة مؤتمرات دولية وإقليمية.

لقد استبعد المهندس نبيل من عمله وأجبر على الجلوس في منزله لسبب وحيد وهو أن الوزير السابق لم يكن راضيا عنه، لكن في عصر إعطاء الأولوية للجنوبيين وفي ظل الوزير الجنوبي (جدا) ما يزال هذا الكادر الاستثنائي مقعدا في بيته وحل محله من لا علاقة لهم لا بالاتصالات ولا بتقنية المعلومات، لكن سيادة الوزير راض عنهم لأسباب حزبية وربما شخصية.

الحديث عن تمييز الجنوبيين سخافة وأكذوبة وسياسة مستفزة ومقززة فهو سخافة لأن الجنوبيين لا يطلبون تمييزا بل يطلبون الإنصاف والتعويض عما لحق بهم خلال عقدين من المرارات، وهو أكذوبة لأنه لا يوجد تمييز ولا أحد يريد التمييز والتمييز الوحيد هو ما تعرض له الجنوبيون طوال عقدين من عمر سلطة 7/ 7 وما يزال مستمرا حتى اليوم، ويبدو أنه سيستمر طويلا، وهو سياسة مستفزة ومقززة لأنه يتحدث عما لا وجود له ويستخف بعقول الناس وقدراتها الذهنية والمعرفية ويكرس النزعة العدائية على اللاشيء.

برقيات:

*    من السابق لأوانه تقييم تطورات الأحداث في عمران لكن الأمر الوحيد الذي يمكن تأكيده هو إن غياب الدولة، وعجزها عن القيام بوظيفتها يجعل كل بلدة في اليمن مرشحة للسقوط بيد أي جماعة من الجماعات المتكاثرة في البلد مع العلم أن معظم مناطق اليمن هي بأيدي جماعات، حتى وإن احتفظ ممثل السلطة بعاصمة المحافظة.

*    مقتل العميد حميد القشيبي على يد جماعة الحوثي أمر مؤسف خصوصا إذا صدقت الأنباء التي تقول أنه اغتيل بعد القبض عليه، وهو مؤسف مثلما هو مؤسف حصد آلاف الأرواح اليمنية في الحروب العبثية التي هي الشيء الوحيد الذي يتقنه بعض الساسة اليمنيون.

*    قال أبو الطيب المتنبي:

وَكُنْ  عَلى  حَذَرٍ للــــنّاسِ  تَسْتُرُهُ        وَلا يَغـــــــُرَّكَ  مِنهُمْ  ثَغْرُ  مُبتَسِمِ

سُبحانَ  خالِقِ  نَفسي  كيفَ  لذّتُها        فيما  النّفُوسُ  تَــــــراهُ  غايَةَ  الألَمِ

الدّهْرُ  يَعْجَبُ  من  حَمْلي  نَوَائِبَهُ        وَصَبرِ نَفْسِي  على  أحْداثِهِ  الحُطُمِ

أتَى  الزّمَانَ  بَنُوهُ  في  شَبيـــبَتِهِ         فَــسَرّهُمْ  وَأتَــيـنَاهُ  عَـــلى  الهـَرَمِ

قراءة 1846 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة