قراء هادئة في المشهد السياسي والاجتماعي الراهن

الثلاثاء, 08 تموز/يوليو 2014 23:47
قيم الموضوع
(1 تصويت)

 

أعترف بأنني لم أجد صعوبة في قراءتي لأي مشهد سياسي واجتماعي سابق، كما أجد نفسي اليوم؛ ذلك أن واقعنا اليوم أصبح أكثر بؤساً، بسبب جملة من التحديات والمصاعب الجسيمة التي تبدو اليوم، ولأسباب مختلفة، وكأنها عصية على الحل. ومع ذلك حرصت على أن تكون قراءتي للمشهد السياسي والاجتماعي الراهن قراءة هادئة، حتى لا أجد نفسي منساقاً وراء عواطفي، فأتعامل مع هذا المشهد السياسي والاجتماعي غير المألوف بدرجة عالية من الانفعال، تُفقد الموضوع ما يحتاجه من توازن وحكمة ورصانة وحصافة! وحقيقة الأمر، وبقدر كبير من الموضوعية يبدو هذا المشهد اليوم شديد القتامة؛ لأسباب عديدة سأتناولها في الفقرات التالية:

غياب الدولة شبه الكامل في حياتنا السياسية والاجتماعية. ولعلنا نجد في هذا الغياب شبه الكامل للدولة ما يضر مجمل المصاعب والتحديات المنتصبة أمام مجتمعنا ككل. وغياب الدولة، شبه الكامل، في بلادنا ليس صدفة، بل هو نتيجة طبيعية لتسيد وهيمنة القوى المتنفذة في المجتمع. وهو أمر طبيعي ألا تجد هذه القوى المنفذة أية مصلحة لها في وجود دولة، ولو بحدها الأدنى. ولا تجد هذه القوى أية غضاضة في ممارسة التخريب، وعلى نطاق واسع، وبكل أشكاله وأنواعه؛ لانعدام الحد الأدنى من الإحساس بالمسؤولية لديها تجاه الوطن والشعب؛ ولأنها، أيضاً، تجد في بقاء الوضع الراهن، كما هو عليه الآن، هو الأنسب لها، لخدمة مصالحها غير المشروعة، والمتعارضة، بالمطلق، مع المصلحة العليا للوطن؛ ولأن مصالحها من جهة، وقيام دولة من جهة ثانية، خطان لا يلتقيان في ثقافتها وقناعاتها.

وهنا، تجدر الإشارة والانتباه الواعي، إلى أن أية جهود خيرة تبذل باتجاه بناء دولة مدنية حديثة، متكاملة البناء، كمهمة حضارية ملحة، ليست مهمة الرئيس عبد ربه وحده، الذي يبدو عليه الآن وحيداً، في ميدان المعركة الوطنية، وإنما هي مهمة المجتمع ككل، بكل قواه السياسية، لنصبح جديرين بالحياة على نحو سوي، وبدون أية منغصات!! والرئيس عبد ربه، في مواجهته لكل هذه التحديات، مدعو إلى إدارة حوار وطني شامل، ليس فقط لمعالجة هذا الخلل في المجتمع، المتمثل في غياب الدولة شبه الكامل؛ ولكن، في الأساس، لخلق وتهيئة الظروف المناسبة، لإعادة الاعتبار للدولة الغائبة، وتكريس وجودها في حياتنا أولاً، ثم التوجه، لاحقاً، نحو بنائها على أسس حديثة.

إن إدارة هذا الحوار الوطني الشامل، بين الرئيس هادي والأحزاب السياسية كافة، وبمبادرة من الرئيس هادي نفسه، لإنجاز المهمات الوطنية، مسألة حيوية وضرورية. وفي غياب هذا الحوار الوطني الشامل، تزداد الحياة السياسية جموداً وركوداً وتكلساً، وتتضاعف وتتعقد المصاعب التي يواجهها المجتمع.

إن مبادرة الرئيس هادي إلى دعوة الأحزاب والتنظيمات السياسية كافة، لا تنقص من قيمته كرئيس على الإطلاق.

فالرئيس هادي، في مبادرته، بإطلاق هذا الحوار، لا يستجدي تعاطف هذه الأحزاب معه، بقدر ما يعني، في الأساس، إشراكها فعلياً، معه، في مواجهة مختلف التحديات التي يواجهها مجتمعنا اليوم. وبهذا الحوار الوطني الشامل الذي ندعو الرئيس هادي، لإطلاقه عاجلاً، تتعزز الآمال في إمكانية التغلب على الصعاب والتحديات، بما يسمح بتنفيذ مخرجات الحوار، والانتقال إلى تنفيذ مهمات جديدة منتصبة اليوم.

معاندة النظام السابق ورموزه:

مازال النظام السابق متواجداً، بقوة، في المشهد السياسي اليوم، ويمارس رموزه كل الضغوط التي يتيحها لهم غياب الدولة شبه التام، لعرقلة التحول الديمقراطي في بلادنا، وللحيلولة دون تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، ولكبح أية جهود جدية وخيرة تبذل باتجاه بناء دولة عصرية. ولا يستطيع رموز النظام السابق أن يتصوروا، ولو للحظة، أنهم لم يعودوا في السلطة وحدهم، منفردين، كما كانوا في السابق. ولذلك لا نجد غرابة في مقاومتهم لأية تغيرات جدية تستهدف إعادة الاعتبار لهيبة الدولة أولاً، ثم إعادة بنائها، لاحقاً، على أسس عصرية.

ويبدو على رموز النظام السابق وكأنهم اختاروا أن يكونوا في خصومة مع الوطن والمجتمع بأسره، وفي خصومة مع سائر القوى السياسية. ولذلك أجد أنه طبيعي، في ظل هذه الأجواء شديدة التوتر، أن تسوء العلاقة بين "صالح" و"هادي"، وتتفجر المشاكل العديدة والمتنوعة بينهما، بين حين وآخر. وقد تسوء العلاقة بينهما، لاحقاً، على نحو أسوأ.

وما يزيد الوضع تعقيداً هو الدور التآمري المبطن الذي يلعبه بعض العسكريين الذين يدعون، زوراً، انضمامهم إلى صفوف الثورة. هؤلاء لا يقلون شراسة عن رموز النظام السابق، في خصومتهم للمجتمع ككل، وفي عرقلة الجهود الخيرة للرئيس هادي، للخروج بالوطن من مأزقه الراهن.

الانفلات الأمني:

يبدو الانفلات الأمني في صنعاء العاصمة، وفي سائر المدن اليمنية، وكأنه هو المتسيد للمشهد السياسي والاجتماعي. والانفلات الأمني دليل صارخ على سعي القوى المتنفذة في المجتمع لتكريس غياب الدولة تماماً، في حياتنا. وليس من المستبعد أن ثمة تواطؤاً بين بعض القيادات العسكرية والأمنية النافذة، وبين هذا الانفلات الأمني الذي يتكرس اليوم في حياتنا على نحو غير مسبوق، من جهة، وعلى نحو ممنهج وواع من جهة أخرى. ويبدو أن هذا الانفلات الأمني، الذي يعاني منه مجتمعنا اليوم، وكأنه بات قدر هذا الشعب أن تتعقد حياته أكثر وأكثر بسبب استفحاله.

ومن بين أبرز مظاهر هذا الانفلات الأمني: مسلسل الاغتيالات في صنعاء وعدن وحصرموت، ومدن يمنية أخرى. وباتت تشكل هذه الاغتيالات، شبه اليومية، خطراً جدياً على أمن واستقرار الوطن.

ولا يبدو، في الأفق، ما يشير إلى أن ثمة إمكانية للقضاء على هذا الانفلات الأمني، مع ما يلازمه من مسلسل للاغتيالات، في ظل تكالب قوى التخريب واستشرائها، بهدف تكريس الانفلات في حياتنا، كأمر واقع لا فكاك منه.

حرب عمران العبثية:

ليس هناك ما يشهد اليوم على غياب الدولة شبه الكامل، في حياتنا، كما تشهد على ذلك هذه الحرب العبثية في عمران، وهي حرب مدمرة بكل المقاييس، ومستمرة لعدة أشهر! ولا تكرس هذه الحرب العبثية في عمران غياب الدولة وتغييبها معاً، فحسب، بقدر ما تشكل أكبر خطر يهدد أمن واستقرار الوطن، كما تشكل تهديداً صارخاً للمجتمع ككل. فهذه الحرب العبثية، من قبل الميليشيات المسلحة لطرفي الصراع، قد بلغت في استخفافها بالمجتمع درجة قصوى لا مثيل لها. وكل الأطراف المشاركة فيها تتحمل وزرها بالكامل؛ لأنها تسهم، بوعي منها أو بدون وعي، ليس في تكريس الانفلات الأمني، وفي تكريس غياب الدولة، وإنما تسهم في تمويل حياة الناس إلى جحيم قاتل.

ويبدو أن المشكلات والتحديات التي تواجه مجتمعنا متداخلة مع بعضها، إلى درجة تجعل من تصدي الرئيس هادي لها، منفرداً، أمراً متعذرا؛ ذلك أنها أكبر بكثير من قدراته، مهما كانت نواياه في التصدي لها صادقة ومخلصة وجادة. إن التصدي لكل هذه التحديات الجسيمة هو في الأساس مهمة المجتمع ككل، بكل قواه السياسية، وبتضافرها معاً. وفي غياب هذا الفعل المجتمعي المشترك تستمر هذه الحرب العبثية في عمران، كما يستمر الانفلات الأمني، دون وجود فعل رادع قوي لها، يضع حداً نهائياً للحرب العبثية في عمران، وينهي حالة الانفلات الأمني بشكل كامل.

ثمة حاجة موضوعية لوجود هذا الفعل الرادع والقوي، للتغلب على كل هذه التحديات التي تواجه مجتمعنا. كما أن ذلك لن يتم إلا بمزيد من الإجراءات العسكرية والأمنية، لبناء مؤسستي الجيش والأمن على أساس وطني، ليكونا في مأمن عن أي صراع يجعلهما طرفاً فيه. المؤسستان العسكرية والأمنية ترمزان إلى سيادة الوطن، وإعادة بنائهما على أساس وطني مهمة ملحة وعاجلة.

6. الفساد المتجذر في مجتمعنا:

الآفات الاجتماعية التي تنخر جسم مجتمعنا كثيرة؛ غير أن الفساد المتجذر في حياتنا هو الآفة الاجتماعية الأكبر، هو الطامة الكبرى، التي أنهكت جسم المجتمع وأصابته بالهزال! وأقول إنه مع كل هذه التحديات التي يواجهها مجتمعنا، وإلى جانبها، نجد الفساد يتجذر في مجتمعنا، وتصبح مكافحته، على الرغم من ضرورتها الوطنية، وكأنها مجرد وهم؛ فالفاسدون الكبار يزدادون فساداً، ويفرِّخون كل يوم فاسدين كباراً وصغاراً على السواء. إني أحيي الإخوة الأعضاء الأفاضل في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، الذين يحاولون، بإخلاص، التصدي لمكافحة الفساد، كمهمة وطنية نبيلة. وأتمنى لهم النجاح في مهمتهم الصعبة هذه. وأقول لهم: لا توجد أية صعوبة في التعرف على الفاسدين، الكبار منهم والصغار على السواء، فبالعين المجردة وحدها يمكن أن يشار إليهم بالبنان. هل يقدر الإخوة الأفاضل في الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد على كشف وتعرية واحد فقط من هؤلاء الفاسدين؟ لو تحقق هذا الأمر، سيكون، حقاً، إنجازاً تاريخياً عظيماً، وسيدخلهم هذا الإنجاز التاريخ من أوسع أبوابه. وأتمنى أن يكونوا حقاً في مستوى المسؤولية التي أنيطت بهم.

7. الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، ولساعات طويلة:

علاوةً على كل الصعوبات والتحديات الجسيمة المشار إليها في الفقرات السابقة، والتي جعلت من حياة المجتمع شديدة الصعوبة وأكثر بؤساً وأكثر قتامة وتعاسة، يأتي الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، ولساعات طويلة، ليزيد من معاناة الناس، ويفقدهم القدرة على التنفس الطبيعي. كما أن هذا الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، ولساعات طويلة، يؤثر سلباً على الوضع الاقتصادي والإنساني، وتبدو العاصمة وغيرها من المدن بلا روح ولا حياة.

وتبدو هذه المشكلة، كالمشكلات الأخرى، عصية على الحل تماماً. إن الكهرباء هي عَصَب الحياة. ومع هذا الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي، يبدو علينا وكأننا نعيش في أحلك أيام القرون الوسطى. العجيب والمؤلم معاً، أن الذين يخربون أبراج الكهرباء ومحطاتها معروفون تماماً، وهم يمارسون عبثهم هذا باستخفاف بالغ بالدولة وبالمجتمع. ومع ذلك، نجدهم طليقين أحراراً، وكأنهم دولة داخل دولة.

والملاحظ، بكثير من الاستنكار والاستغراب، أن الكهرباء تعمل لساعات قليلة، وأحياناً لأقل من ساعتين، وينقطع التيار الكهربائي لساعات طويلة، تصل أحياناً إلى أكثر من خمس ساعات. لا أعتقد أن ثمة عبثاً بحياتنا أكثر سوءاً من هذا العبث! والعجيب أن هذا العبث بحياة المواطنين مستمر، وتبدو الدولة إزاءه عاجزة تماماً، وقوى التخريب، مع ذلك، حرة وطليقة، ومستمرة في ممارستها لكل أشكال وأنواع التخريب، وعلى نطاق واسع!

تقييم هادئ لأداء السياسي للرئيس عبد ربه

في ظل واقع مجتمعي شديد التعقيد، كواقع مجتمعنا اليوم، تسَلَّمَ الأخ عبد ربه منصور هادي مهماته الرئاسية. والرئيس هادي، وهو في هذا الموقع الرفيع، يبدو وكأنه يكافح ودون كلل، في عدة جبهات، وكل جبهة أثقل من الأخرى، بما تحمله من تحديات، أشبه بالألغام التي تتفجر تباعاً، بين وقت وآخر.

يُعيب البعض على الرئيس هادي أنه متردد في أدائه السياسي، ويبدو عليه العجز في نظر هذا البعض. وهذا حكم غير منصف وغير دقيق للأداء السياسي للرئيس هادي.

هو حذرٌ نعم! والحذر طبيعة بشرية مألوفة، لاسيما عند العقلاء والحكماء تحديداً. إلا أن المبالغة في الحذر تظهر صاحبها وكأنه عاجز وضعيف، لاسيما إذا كان في موقع المسؤولية، كرئيس للجمهورية.

قَدَرُ الأخ الرئيس عبد ربه، الذي قبل التصدي لكل هذه التحديات الصعبة والمعقدة من موقعه كرئيس، أن يكون أكثر جرأة وأكثر حزماً في مواجهتها، وقبل فوات الأوان. ذلك أنها ستغدو، فيما بعد، عصية على الحل، فتزداد معاناة الناس، وتزداد حياتهم بؤساً.

وللإنصاف، يمكن القول إن الأداء السياسي للرئيس هادي أكثر من جيد، وهذا أمر يحسب له؛ ولكن لا يمكن تجاهل أن ثمة حاجة ضرورية لإظهاره المزيد من الحزم، في مواجهة كل هذه التحديات، وبمشاركة فاعلة من قبل كل المجتمع، بكل قواه السياسية. ولنكن أكثر تفاؤلاً في التصدي لكل هذه التحديات، وإمكانية الانتصار عليها، لكي ينهض مجتمعنا، ويتمتع بحياة سوية. لكنه التفاؤل المقرون بالعزم والإرادة الصلبة. فالتفاؤل وحده غير كافٍ، إذا لم يقترن بالحكمة المتسلحة بالعزم والفعل الجسور.

هل يعي كبار القوم حجم معاناة شعبنا، وأن هذه المعاناة تزداد وتتضاعف كل يوم؟ وكبار القوم هم الرئيس هادي ورئيس الوزراء الأخ محمد سالم باسندوة، وكل القيادات لأحزابنا السياسية. كبار القوم مطالبون بالعمل على وضع حد نهائي لمعاناة الناس، وعلى وجه السرعة، وقبل فوات الأوان. ذلك أن حياة الناس لم تعد تطاق، فحياتهم، في ظل كل هذه الصعاب والتحديات الجسيمة، تحولت إلى جحيم. نحن فعلاً، في حاجة إلى معجزة حقيقية، للتغلب على كل هذه التحديات الصعبة والمتداخلة مع بعضها. فلتتضافر جهودنا جميعاً، لعلها تصنع هذه المعجزة.

قراءة 2243 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة