خيارنا بناء الدولة القوية العادلة

الجمعة, 29 آب/أغسطس 2014 16:37
قيم الموضوع
(0 أصوات)

 

في مقال سابق أكدنا على "أننا نريد حكماً وطنياً رشيداً، مؤهلاً لبناء الدولة المدنية الحديثة، يملك مشروعاً نهضوياً واضح المعالم، يحشد حوله كل المواطنين، دون استبعاد أو إقصاء أو تهميش، حكماً قادراً على إحلال الأمن والاستقرار وتطبيق القانون على الجميع، دون استثناء، وإقامة العدل والمساواة بين أبناء اليمن، وتحسين ظروف الحياة، وصون كرامة المواطن وحقوقه، وضمان تكافؤ الفرص أمام اليمنيين جميعهم، في التعليم والعلاج والتوظيف، وفي تسنم المواقع العليا في أجهزة الدولة".  

نعم، نريد حكماً رشيداً، يكون همه الأكبر بناء الدولة. فمن أجل هذا قامت الثورات وقُدمت التضحيات، وأسقطت الإمامة وأسقطت الرئاسة، التي لم تستطع أن تتجاوز إرث الإمامة. نريد استعادة أهداف ثورة سبتمبر الستة، التي فرطنا بها. نريد استعادة أحلام ثورة الشباب وطموحاتها، التي اختطفت وأجهضت. نريد حكماً يجسد مضمون الثورتين. فخيارنا ليس توازن القوى المتصارعة، التي تفرض وجودها خارج سلطة الدولة، بل خيارنا بناء الدولة، التي تنضوي تحت لوائها كل القوى، وتتلاشي كل المليشيات المسلحة، ويأمن الجميع في ظلها على حاضره ومستقبله، وتنتفي الحاجة إلى حمل السلاح، بوجود هذه الدولة، الضامنة لأمن الجميع، المالكة وحدها للقوة المسلحة. إن بناء الدولة هو المضمون الأساسي للثورتين، فبدونه لن ننهض ولن نتطور ولن نحقق أي هدف من أهدافهما. 

كان يقال في العهد السابق، إن سلطة الدولة تنتهي في باب شعوب. وأصبح يقال في العهد الحالي، إن سلطة الدولة لا تتجاوز جولتي عصر ومذبح. هذه هي نظرة المواطن البسيط إلى العهدين، وهذا هو تعبيره. وهي نظرة رمزية وتعبير مجازي، لا يُفهما بحرفيتهما، بل بمغزاهما. فهل نستغرب أن تنهض قوى ومليشيات لتملأ الفراغ، الذي عجزت أجهزة الدولة عن ملئه؟. وهل نستغرب أن تتحدث هذه القوى المتناقضة كلها باسم الشعب؟ وهل نستغرب أن نجد من يهمس، وهو يرى ضعف هيبة الدولة: رحم الله الإمام، أو يصرخ بصوت عال، وهو يشعر بأن الأحوال لم تتحسن عما كانت عليه في العهد السابق: سلام الله على عفَّاش؟ أي بليَّة هذه، نُبتلى بها، وأي امتحان نُمتحن به؟ هل أصبح قدرنا أن نسير دائماً إلى الخلف، بدلاً من الانطلاق إلى الأمام، وأن نترحم على عهود رفضناها، رغم أننا ما نزال نحصد ما زرعت ونجنى ما بذرت؟.

ومما يجرح صدقية السلطة ويمس هيبتها، ما يتحدث به الناس جهاراً عن استفحال الفساد وعن الإنفاق العبثي، الذي يوجه أموال الشعب إلى غير وجهته، في نفس الوقت، الذي يُرفع فيه الدعم عن المشتقات النفطية. هل نعتبر هذا الحديث مجرد دعاية مغرضة، كما هو دأب الأنظمة الحاكمة، في وصف ما يطرحه عامة الناس؟.

نحن لا نجادل في حق السلطة باتخاذ أي إجراء، عندما يكون ضرورياً لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الانهيار، أي عندما يكون ضرورياً للمصلحة العامة. ولكننا نجادل في هذه الحجة بالذات، أي في ما إذا كان رفع الدعم ضرورياً فعلاً، لإنقاذ الاقتصاد الوطني. فليس سراً أن الغالبية العظمى من أبناء الشعب، إذا لم يكن جميعهم، سواءً من يتظاهرون في طريق المطار أو من يتظاهرون في عصر أو في شارع الخمسين، ليسوا مقتنعين بضرورة هذا الإجراء، ولا بالأسباب التي قدمتها السلطة، لتبرير ما أقدمت عليه، لاسيما أن تصريحات رسمية تكررت على مدى أشهر، قبل إعلان القرار، تكذب ما يشاع عن رفع الدعم. وكان الأولى بها، قبل اتخاذ القرار، أن تعلن نيتها بوضوح وتخوض حواراً مفتوحاً، تشرح فيه مبرراتها وتتفاعل مع آراء المواطنين وتستعين بالخبراء الاقتصاديين وتكلفهم بخوض النقاش العلني وعقد الندوات وورش العمل، لدراسة هذا الموضوع الحساس. ألا يمكن، لو أنها سلكت هذا السبيل، أن يكون رد الفعل الشعبي مختلفاً ومتفهماً ومتقبلاً لهذا القرار، بعد أن يثبت له أنه قرار ضروري. لأن الشعب حينها سيشعر بأنه شارك في صياغته، عن اقتناع بضرورته.

إن لسان الحال يقول: آخر العلاج الكي. وكان يمكن جعل رفع الدعم هو آخر العلاج، بعد الدراسة والحوار، وبعد أن تستنفذ السلطة كل الوسائل العلاجية. عندها كانت ستُعذر وكان المواطن سيتفهم ويتحمل نصيبه من العناء، دون تذمر. أما أن يفاجأ بالقرار، أثناء عطلة العيد، وهو يرى العبث مستمراً والفساد مستفحلاً والأموال العامة تصرف لغير مستحقيها والسيارات الفارهة تشترى للخدمة العامة، ثم تنتهي إلى (الأحواش) الخاصة بالمسؤولين، والملايين تصرف في تأثيث المكاتب والبدلات والهبات... إلخ، فإنه لابد أن يتذمر ويتألم ولا يبدي تفهماً لهذا الإجراء، مهما بُرر رسمياً.

باختصار شديد نقول: علينا أن نوقف العبث المالي ونغلق الحنفيات السائبة، ولتكن رئاسة الدولة هي القدوة والنموذج في هذا الطريق، وسنقف جميعنا معها، في وجه أي قوة تشكل تهديداً لها، سواءً تهديداً صريحاً في العلن، أو تهديداً مبطناً في الخفاء. لأننا نريدها أن تجسد الكيان العاقل الجامع، الممثل للشعب كله، والمعبر عن إرادته العامة، والمرجعية العليا لكل القوى السياسية، بمختلف مشاربها. فإذا ارتقت إلى هذا المستوى الذي نريده، فسنصطف وراءها، لا كرعايا، بل كشركاء في هذا الوطن، نبنيه معاً ونرسي دعائم دولتنا القوية العادلة، التي حلمنا بها، وسنبقى نحلم بها، حتى نتمكن من تحقيقها على أرض الواقع. فليس أمامنا من خيار آخر، إلا هذا الخيار. وسنظل متمسكين به، مهما توالت الإخفاقات ومهما بلغت الصعوبات.  

قراءة 1906 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة