ماذا بعد؟

الثلاثاء, 23 أيلول/سبتمبر 2014 17:06
قيم الموضوع
(2 أصوات)

 

في مقال سابق قلنا: "إن ثبات الرئيس على موقفه، كرئيس لجميع اليمنيين، ورفضه الإنزلاق إلى تأييد طرف ضد طرف، أمر يجب تشجيعه، لاسيما من قبل الحوثيين أنفسهم، باتخاذهم مواقف إيجابية منه، تمكن الرئيس من إدارة الأزمة، إدارة ناجحة، لصالح اليمن كله. ويكفيهم إنجازاً أنهم نجحوا في تحريك المياه الراكدة، ودفعوا الجميع إلى إعادة التفكير في سياساتهم وممارساتهم، كما أعادوا الرئاسة إلى دائرة، الشراكة الوطنية، في رسم مستقبل اليمن، وعدم الإنفراد في اتخاذ القرارات المصيرية، دون مشاركة القوى الوطنية الفاعلة. أما إذا اندفعوا في تصعيد المواجهة إلى الصدام المسلح، فسيكون الخاسر الأكبر الوطن والشعب، الذي يتحدثون باسمه، وسيخسرون هم أيضاً، ويفقدون ما بدأوا يكسبونه من احترام في الشارع اليمني".   

وهنا لابد أن نؤكد صحة هذا القول، في جزئه الأول، ونضع الجزء الأخير منه موضع التساؤل: هل كانت الحركة الحوثية محقة في استخدام العنف؟ وهل كان العهد، الذي جاء على أكتاف ثورة الساحات، بحاجة إلى عصاء غليظة تُرفع في وجهه، ليتحول من مجرد امتداد للعهد السابق، يكرر سلبياته ويزيد عليها، إلى عهد يرضي أحلام الثائرين ويحقق أهدافهم؟ وهل سينساق الحوثيون، تحت مشاعر الإنتصار وأوهام التغلب، فيكررون أخطاء حزب الإصلاح وأسلوبه في التعامل مع الآخرين؟ أسئلة من هذا النوع تجول في أذهان الكثيرين، ممن يخشون نهج العنف ويخافون على مستقبل اليمن وحياة المواطنين من انفلاته.      

لقد جَهِد حزب الإصلاح، في وسائل إعلامه المحلية وامتداداتها الخارجية، على تصوير صراع الحوثيين، على أنه صراع ضد الدولة. فالحوثيون متمردون على سلطة الدولة، والإصلاحيون هنا يقاتلون في صف الدولة، أو يمثلون الدولة. وساعد على إيصال هذه الصورة إلى المواطنين في الداخل، وإلى العالم الخارجي، كون جزء من الجيش كان يقاتل الحوثيين إلى جانبهم. ولأن التشكيلات القتالية للحوثيين قد اكتملت، وأصبحوا يمتلكون قدرات عسكرية ويستندون إلى دعم مادي وسياسي خارجي، وقبول لايستهان به، لدى المواطنين اليمنيين، فإنهم لم يكترثوا بما يسوقه الإصلاحيون إعلامياً، وواصلوا زحفهم على مناطق مختلفة، مما كان يسمى بشمال الشمال، وفق خطة واضحة وأهداف محددة. 

تحركات الحوثيين بدت وكأنها تسبب ضيقاً وحرجاً لرئاسة الجمهورية. لأنها شكلت تحد علني لها. مع أن أصواتاً كثيرة كانت تهمس، بأن الرئاسة تتصنع الغضب من هذا الإحراج وتستمتع به في قرارة نفسها. لأن الإحراج الذي يسببه الإصلاح لها في الخفاء هو أشد إيلاماً. بل ذهب البعض إلى القول، بأن الرئاسة وجدت في الحركة الحوثية منقذاً لها من قبضة الإصلاح ومن هيمنته على القرار السياسي، فقد حققت حالة من توازن القوى، ربما تستطيع الرئاسة أن تتنفس فيها، بقدر أكبر من الحرية، إذا لم تجد نفسها وقد تخلصت من قبضة الإصلاح وحلفائه، لتقع في قبضة الحركة الحوثية. 

إن حزب الإصلاح حزب مهم، يحتل موقعاً بارزاً في الخارطة السياسية اليمنية، وسيبقى وجوده مطلوباً لتحقيق التوازن السياسي، على أن يكون حزباً من الأحزاب، لا قوة مهيمنة على الأحزاب وعلى الدولة. وهذا مرهون بمراجعة سياساته وممارساته السابقة، سواءً عندما كان شريكاً للرئيس السابق، أو وهو يقود المعارضة ضده، أو وهو الشريك الأقوى في الحكم في عهد الرئيس الحالي. فالنهج الذي انتهجه في العمل السياسي، داخل السلطة، أو في صفوف المعارضة، نهج غير موفق. ولعل هذا يفسر حالة الرضى، التي نراها لدى كثيرين، وحتى لدى بعض حلفائه، وهم يتابعون صراعه مع الحوثيين، ويرون تقلص مساحة نفوذه. هذا في حد ذاته يوجب على الإصلاح تغيير نهجه في العمل السياسي وفي علاقته بالآخرين، ليبقى حزباً مقبولاً ومؤثراً، لمصلحته ولمصلحة الحياة السياسية في اليمن. 

أما الحوثيون فقد قاتلوا ضد الرئيس السابق دفاعاً عن أنفسهم. وكان أداؤهم القتالي مفاجئاً. حيث واجهوا قوات السلطة، المتفوقة عليهم أعداداً وعتاداً في ستة حروب متوالية، مقاومة قوية، جعلت السلطة عاجزة عن إلحاق الهزيمة بهم. وقد قوي عودهم، من خلال تلك الحروب، واكتسبوا خبرات ومهارات قتالية وتمكنوا من بناء قدرتهم العسكرية وتطوير أدائهم السياسي. ولأن قوتهم العسكرية وأداءهم السياسي، قد تطورا، من خلال المواجهة مع الرئيس السابق، فقد آنسوا في أنفسهم القدرة على توسيع رقعة نفوذهم وغدوا قوة عسكرية ـ سياسية تفرض نفسها على الجميع. وتمكنوا، عبر تكتيكات ذكية، من تقليص نفوذ منافسهم القوي، حزب الإصلاح، وألحقوا به وبحلفائه العسكريين والقبليين هزائم عسكرية متلاحقة. ودفعوا به للتراجع السريع جنوباً، من محيط صعدة حتى مدينة صنعاء وضواحيها، بعد أن تمددوا نحو الشرق، إلى محافظة الجوف، ونحو الغرب، إلى محافظة حجة. 

وتتابعت الأحداث في محيط صنعاء، ثم في صنعاء نفسها، تتابعت بشكل متسارع، خلال أيام معدودة، وانتهت بالحسم العسكري، الذي توج بتوقيع الأطراف السياسية الفاعلة في اليمن على اتفاق، يفترض أن يحقق الشراكة السياسية ويلبي المطالب الشعبية، التي تبناها الحوثيون، ويضع الحوثيين في موضعهم الطبيعي، كشريك فاعل في عملية صنع القرار، لا يمكن تجاهله.

وقد بدا تأخير مراسم التوقيع، في نظر الكثيرين، كما لو أنه تأخير مقصود، لإتاحة وقت كافي للحسم العسكري, الذي حققه الحوثيون بصورة غير متوقعة، من حيث السرعة والدقة في الأداء ومستوى الإنضباط. ومن اللافت للنظر أن أسلوب تعاملهم مع المواطنين وممتلكاتهم، أثناء القتال وبعد الحسم العسكري، كان أسلوباً راقياً. وكمواطن يمني، لا أنتمي إلى الحوثيين ولا إلى خصومهم، لابد أن أحيي هذا السلوك وأشجع عليه. فقد تصرف شبابهم بروح المسؤولية، وتجاوزوا ثقافة الفيد والنهب، الممتدة عبر التاريخ، وقاموا بحراسة المنشآت والمرافق العامة والبنوك، لمنع الإعتداء عليها ونهبها والعبث بمحتوياتها. تعاونهم في ذلك، أجهزة الدولة، وعلى رأسها الشرطة العسكرية وأجهزة وزارة الداخلية، بناءً على توجيهات رسمية. وهذا سلوك سيحسب للحوثيين، وسيصبح، إذا ما حافظوا عليه وتمسكوا به ولم ينحرفوا عنه، سيصبح نموذجاً لأخلاق الإنسان اليمني الجديد، في الحرب والسلم. 

لقد خلق الحسم العسكري واقعاً جديداً في اليمن, يمثل إجابة على سؤال، ظل يتردد في أذهاننا طوال الأيام المنصرمة: لماذا صنعاء؟ ونظن الآن أننا عرفنا الإجابة عليه. فالحوثيون، كما يبدو، وجدوا أن المعارك خارج صنعاء لن تحدث تغييراً جوهرياً في المسار السياسي، مالم يُحسم الأمر في صنعاء نفسها. ولكن هذا يضعنا أمام سؤال جديد، لا نستطيع أن نتحاشاه، وهو: ماذا بعد؟ إنه سؤال، إذا لم يوفق اليمنيون في الإجابة عليه، فإن كل ما حدث سيغدو ضرباً من العبث المؤلم.

قراءة 2172 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة