الخروج من عنق الزجاجة

الإثنين, 01 كانون1/ديسمبر 2014 19:16
قيم الموضوع
(0 أصوات)

ليس بوسع أحد أن يأتي بحديث ولو مجتزئ عن تاريخ اليمن المعاصر, دون التطرق إلى الحزب الاشتراكي اليمني, وطابور طويل من مناضليه الذين اجترحوا مأثرة الوطنية اليمنية جنوباً وشمالاً.

ومن أُؤتي بَسْطةً في علم التاريخ ومحايثة الأحداث يعرف أن هذا القول لا يحمل أي مبالغة أو ادعاء.

يمثل الحزب الاشتراكي اليمني عُصارة تاريخ الحركة الوطنية اليمنية بروافدها المتعددة ومدارسها المختلفة, وظلَّ يشير في مسيرته الحافلة بالعطاء وبالأحداث الجليلة إلى معنى أن التاريخ لا يهبط من السماء أو يأتي استجابة لرغبة دفينة في الوجدان, بقدر ما يتشكّل من فعلٍ واعٍ, واندفاعٍ كبيرٍ في التضحية.

اليوم, يقف حزبنا على عتبة جديدة في حياته الداخلية؛ فقد باتت إرادة التغيير والتجديد في بنيته التنظيمية وأدائه السياسي, محل إجماع غير مسبوق على مستوى القيادة والقاعدة.

جاء هذا الإجماع انعكاساً للضرورة الوطنية, التي تولّدت إثر انطلاق الانتفاضة الجنوبية في  7/7/2007م, وصولاً إلى تفجر ثورة 11 فبراير 2011م, والتي فرضت على الحزب أن يعيد ترتيب علاقته بقواه الاجتماعية وبالجماهير الشعبية.

ورغم ما تميَّز به الحزب من أداء سياسي خلال الفترة الماضية, فاق إمكاناته المادية وجهوزيته التنظيمية, متغلباً في ذلك على الطوق الذي فرضته عليه السلطة الغاشمة منذ حرب صيف 94م، فإن دوره ظلَّ مقتصراً على تقديم أفكار وتصورات واقعية, وفتح آفاق أمام القوى السياسية دون أن يتمكّن من تحويلها إلى قوة مادية تحملها الجماهير وتضغط في سبيل تحقيقها.

والحاصل أن هناك جملة من الأسباب الموضوعية تقف وراء ذلك, وهي أسباب يطول شرحها. غير أنّ الواقع المتولّد عن الحراك الشعبي لم يعد يوفّر للحزب فرصة للمراوحة أو الترحيل واستجرار الماضي.

إن حزبنا الاشتراكي اليمني اليوم في سباق مع الزمن, وثمة حاجة موضوعية وحاجة ذاتية لأن يخوض الحزبيون, كلَّ الحزبيين, عملية كفاحية من أجل انتشال حزبهم مما هو فيه وإخراجه من عنق الزجاجة. وتتمثل المحطة الأولى في سياق هذه العملية في انعقاد المجلس الوطني الحزبي الذي سيرسم اتجاهات عمل للمرحلة القادمة على طريق عقد المؤتمر العام السادس الذي لا بديل عن شرعيته.

أمام المجلس الوطني الحزبي جملة من القضايا ذات الأهمية القصوى, ومنها: فتح حوار داخلي يقود الحزب إلى وضع تصورات وآليات واقعية وشاملة لمواجهة المشاكل والتحديات التي تعصف به.

ولكي يغدو مثل هذا الحوار ناجحاً وناجزاً, يخدم الحياة الداخلية لحزبنا, فإن ذلك يستدعي:

أن يكون حواراً ديمقراطياً, يقوم على شروط الحرية والتفاعلية والإفصاح.

لقد جاءت الانتفاضة الشعبية اليمنية (جنوباً وشمالاً) بواقع سياسي واجتماعي جديد, ورفعت من منسوب الوعي الجمعي تجاه العمل السياسي والحزبي, وصارت الحرية بمفهومها الواسع قيمة حاكمة, في وقتٍ أمست التصرفات البيروقراطية وحصر أو احتواء مسائل الشأن الداخلي في أطر ضيقة, تصرفات تنتمي إلى الماضي, ولم يعد لها وزن في عالم مفتوح على أوسعه, حيث أصبحت التكنولوجيا والوسائط التواصلية في متناول الجميع ودونما تمييز.

أن يكون حواراً شاملاً, لا يُستثنى منه أحد. يبدأ من المستويات الأدنى (في الدوائر والمديريات والقطاعات المهنية والعمالية), مروراً بالمستويات الوسطية (منظمات المحافظات ومجلسي التنسيق "الجنوبي" و"الشمالي"), وانتهاءً بالمستويات العليا. وعلى نحوٍ يشمل كل القضايا المتصلة بالشأن الداخلي (الهوية الفكرية, والاتجاهات السياسية, والآليات التنظيمية), بالإضافة إلى القضايا ذات الصلة بالسياقين الوطني والاجتماعي.

ونود القول هنا بأنه من المهم الاستماع والإنصات وبصدر مفتوح لكل أشكال النقد الجاري داخل الحزب, وتفهُّم حالات التذمر والسخط التي تصدر من هنا أو هناك, والسعي الجاد إلى استيعابها وتحويلها إلى حالة إيجابية توافقية تصب في مجرى إصلاح الخلل وتقويم الأداء.

وأن يكون حواراً عقلانياً رشيداً, يسترشد بأطروحات علمية وتصورات عملية, يسهم فيها خيرة كوادر الحزب المجربة, ولا بأس من الاستعانة بخبرات أكاديمية ومدنية تنتمي إلى تحالف قوى الحداثة, وفي مجالات مختلفة, في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والقانون والإدارة والتخطيط والتاريخ المعاصر وحقوق الإنسان؛ ليقدموا عبر ندوات وورش عمل مُعدَّة إعداداً لازماً, قراءات ومقاربات لجملة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الوطنية وتصورات حول الإدارة والتنظيم والتخطيط, وأنساق العمل المدني والجماهيري, للإفادة منها في صوغ برنامج الحزب القادم.

وأخيراً أن يكون حواراً مثمراً, يوضع له إطاراً ودليلاً إرشادياً ينظمان المداولات والنقاشات ويصلان به إلى الاستخلاصات والتوصيات ذات الفائدة المرجوة.

في ضوء ذلك, نقترح أن تُشكّل "لجان حوارية" على مستوى كل منظمة حزبية في كل محافظة بحيث تقتصر مهمتها على التيسير والتنظيم والإعداد الفني, دون أن تتدخل بدور توجيهي أو تفرض وصاية من أيّ نوعٍ كان.

ويجدر التشديد هنا على ضرورة أن تُشكَّل هذه اللجان الحوارية من خارج الهيئات القائمة حالياً؛ ذلك لأن لدى هذه الهيئات مهام يقتضي الوضع الحزبي الحالي منها أن تحشد طاقاتها و تضاعف جهودها من أجل إنجازها بالصورة المطلوبة.

في تصوري أن مثل هذا الحوار فيما إنْ تم, سيعود بالنفع الكبير للحياة الحزبية, إذ سيفتح الباب واسعاً أمام الأعضاء لأن يسهموا وأن يكونوا جزءاً أصيلاً وفاعلاً في عملية إعادة بناء وهيكلة الحزب. كما وسيمنح الحزب مصادر قوة ومتانة, لجهة أن العمل الحزبي القادم ينبغي أن ينبثق عن عملية توافقية خلاقة تشمل جميع الأعضاء.

قراءة 1365 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة