بقاء اليمن فـي دوامة الحرب ليس من صالح السعودية

الأربعاء, 20 أيار 2015 19:28 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

ارتكبت السعودية عدداً من الأخطاء الاستراتيجية جعلها تخسر كثيراً من أوراق اللعبة في اليمن. إنها ليست المرة الأولى التي تدخل فيها السعودية كطرف في حرب يمنية داخلية. لكنها المرة الأولى التي تدخل بهذا الوضوح المباشر. ففي 2009كان تدخلها جزئياً، أي محصوراً في مدينة صعدة، حيث سيطرة الحوثيين وتواجدهم.

البعض يتحدث عن خطأ استراتيجي في قرار الحرب باليمن، وهو تفسير غير دقيق، فبدون تحيز وطني، بالنسبة للسعودية دخول الحرب مسألة وجود. تحارب حتى لا تجد عدوتها ايران في الجارة المهمة والمفصلية لأمنها القومي اليمن. هي أيضاً دعمت الملكيين بعد ثورة 26سبتمبر، ضد الجمهوريين لمواجهة خطر ناصر. مع اختلاف وجهي الخطر. مع اختلاف رهاناتها. فما علينا فهمه أيضاً ان السياسة البرجماتية تتخذ قرارات الصراع وفق مصالحها الآنية. لذا علينا أيضاً تحديد هذه الوجهة الحربية.

هل اخطأت السعودية حين اتخذت قرار الحرب؟، الخطأ الاستراتيجي ليس في ذلك، إذ انها بحكم مفهومها لأمنها لا بد ان تمنع حلفاء ايران من السيطرة على الحكم في اليمن. لكن علينا ان نسأل انفسنا لماذا رفضت التواصل مع صالح. وهي تدرك انه صاحب القوة الفاعلة على الأرض. هل تؤيد ثورة اليمنيين ضده، أو انها محكـــــومــة بتغـــير رؤوس الحكـــم؟. خصوصاً لوجود لبس في علاقة صالح بمحمد بن نائف بن عبدالعزيز آل سعود. وكذلك سلمان. كانت تشاع أقاويل ان الملك عبدالله يحب اليمنيين، وان سلطان وسلمان ونائف لا يحبونهم. وهو أمر مرتبط بعلاقة صالح مع الأسرة المالكة. وهو الأمر الذي تدار به شكل العلاقات والمصالح بين الدول في المنطقة.

المراهنة على المزاج الخاص لرؤوس الحكم. صالح بنى علاقة قوية مع عبدالله مستغلاً نقطة خلافه مع السديريين وهم الجانب الأقوى من أولاد عبدالعزيز. عندما دعمت الملكيين بعد 62، وخسر طرفها الحرب، أعادت صياغة تحالفاتها داخل السلطة الجمهورية، أي الثورة المضادة المتمثلة بانقلاب 68، وهيمنة حلفائها على الحكم في اليمن. وهي طبيعة الحكم التي ستمهد لهذا التمدد الحوثي. بما انها خلصت إلى تأكيد هيمنة جهوية على طبيعة الحكم. هيمنة المركز القبلي التاريخي، لكن بتعريف جديد لشكل الحكم. وهو الغلاف الذي اعتمد عليه صالح وحلفاؤه، وأظهر أنيابه في إشعال حرب أهلية.

خطأ الرياض الاستراتيجي لم يكن في قرار الحرب. لأنه ليس مجرد فتوة أو ترفيه تستعرض فيها طائراتها. لكنه الخطأ الذي جعلها تخسر اليمن، البلد الأكثر أهمية في العالم على الأمن القومي السعودي. فجأة ستجد عدوتها الرئيسة ايران تزاحمها في الحديقة الخلفية، ليس في لبنان أو سوريا. إنما في اليمن.

الخطأ الاستراتيجي انها وجدت نفسها مضطرة لاتخاذ هذا القرار. لأنها ستجد نفسها في عبء تداعيات هذه الحرب، خصوصاً إن طالت، وهو المرجح. سترهقها تبعات الفوضى. وكما يبدو لا تمتلك السعودية أدوات الحل، بل تمتلك خيار فرضها، لكن كيف؟، من يعرف. إلا ان بقاء اليمن في دوامة الحرب، ليس من صالحها. والأرجح ان الحرب أنتجت اليوم أمراء حرب من كل الأطراف يستفيدون من إطالتها. السعودية متخبطة إلى حد كبير وهذا هو الواقع. واليمن ستدفع ثمن هذا التخبط ايضاً.

تعكس السعودية نفسها دائماً في صورة خاطئة. ربما عن سذاجة واحياناً عن غرور. تعامل القوي مع الضعيف. هي الصورة التي مهدت لإيران التغول كلاعب في اليمن.

نحن نعرف ان عمقنا الحقيقي هو الخليج، وليس ايران. لكن ايضاً السعودية مشوشة في قراراتها. ماذا بعد الحرب؟ كيف ستتعامل مع تلك المراكز المتعددة، ما المدى الذي ستستمر به في الحرب؟ هل حققت أهدافها، كيف ستحقق تلك الأهداف؟. وهذا لا يعني ان الحوثي أو صالح سينتصرون. هذا مجرد وهم. الواقع سيفرض منطق الأقوى. في أحسن الأحوال سيحصر الحوثي في جيوب. لكن هل ستنطفئ نيران الحرب في اليمن. تبدو اليوم لي، انها حرب أهلية طويلة.

على أرض الواقع ما زال صالح والحوثي يسيطرون، رغم ضربات الجو، هذا دليل ان المقاومة التي تدعمها السعودية غير منظمة بصورة جيدة، وغير مستعدة بالسلاح. إنها مقاومة ايضاً تعاني من الانقسامات، وهو ما سيمهد لصراعات فيما بينها. أنا لا أقلل منها. لكن تلك هي المعلومات التي تأتينا. ثمة وجاهات تتحول إلى أمراء حرب لا أكثر، حمود سعيد في تعز، واحد من تلك الوجاهات، ولم يكن عنواناً جيداً في عام سيطرة حلفائه على الحكم. السعودية تدرك ايضاً انها مصاصة لإرضاع الانتهازيين والأكثر برجماتية.

السعودية أخطأت حين اضطرت لجعل حديقتها الخلفية ساحة حرب، لكن هل كان بمقدورها استدراك ذلك؟. ربما لا، الأرجح لا. لكن كان بمقدورها في هذا اليوم، ان تكون اكثر قدرة على حسم المعركة. اذا لم تقع في اخطاء استراتيجية تمتد عبر عقود في تاريخ علاقتها باليمن. لأن إطالة الحرب هنا سيكون أثقل مما تتصوره كنوزها، لأنه ليس مجرد إنفاق مليارات. هي مسألة عادية تلك المليارات، لكنه أعمق في مساره الأمني. بعد اعوام سيتم التعامل مع اليمن كمجموعة كيانات منقسمة.

السعودية نظام حكم يفكر بحماية مصالح لكن الكارثة الحقيقية اليوم، هما صالح والحوثي. اتفق لشهوتهما ان ارتبطت برغبة ايران ان تجعل اليمن مجرد ملف ضغط في مفاوضاتها. وهناك دائماً نجد لاعبي اليمن يبحثون عن حليف لرهن سياساتهم. وعندما كانت العمالة للسعودية محللة رسمياً خلال العقود الماضية، صارت اليوم محرمة، واستبدلت بإيران. بينما صار محرمو تلك العمالة قابلين لها. وبعيداً عن تلك المزايدات وأوهام بيع السياسة. على اليمن تبني علاقة جيدة بالسعودية، تضمن مصالح مشتركة، لأنهما يشكلان لبعض عمقاً حقيقياً واستراتيجياً. بدلاً من القفز ناحية ايران، بعد ان كانت السعودية مجرد مصاصة إرضاع. وهو الشكل الذي يتخذه كثير من الذاهبين إلى الرياض.

قراءة 3745 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة