30نوفمبر الحدث والذكرى مميز

الأربعاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2016 12:20 كتبه 
قيم الموضوع
(0 أصوات)

كنت في الثانية عشرة من العمر عندما بدأ الحديث عن رحيل القوات البريطانية من عدن والجنوب، وكانت معلوماتنا المحدودة عن ثورة الرابع عشر من أوكتوبر التي تلقيناها من المدرسة التي عرفنا فيما بعد أنها كانت أحد مشاريع الجبهة القومية، تقول لنا أن الاستعمار بغيض وأن النضالات التي يخوضها الثوار في جبال ردفان ومحيطها تهدف إلى الحرية والاستقلال لكننا كنا نعيش في مناطق لم يصل إليها الاستعمار ولا نعرف ماذا يعني وكل ما عرفنا من الثورة هو تلك الآلاف من النازحين من أبناء ردفان الذين وفدوا إلى مناطقنا هاربين من قصف الطيران البريطاني لمناطقهم وقتل العشرات من المدنيين الأبرياء، كما كنا نسمع من حين إلى آخر عن العمليات الفدائية النادرة التي كان الثوار ينفذونها ضد الجنود والضباط البريطانيين وبعض المتعاونين معهم من المخبرين المحليين.

صباح يوم الثلاثين نوفمبر 1967م كان استثنائيا فلأول مرة نسمع إذاعة عدن تذيع الأناشيد الوطنية "برع يا استعمار" و"ثرنا على الرجعية" و"كل الشعب قومية" و"أيا ثورة الشعب" وغيرها والتي كانت تذاع مصحوبة ببيانات وخطابات تكرس لأول مرة مفردات "الثورة" و"الحرية والاستقلال" و"جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية"، بعد أن كانت الإذاعة لا تذيع إلا ما يتعلق بنشاط المندوب السامي ومجلس وزراء حكومة الاتحاد وأسعار الخضار والفواكه.

الكثيرون لا يعلمون أن عدن لم تعرف إلا ما بين 4 إلى 5 مدارس ثانوية، وإن التعليم فيها كان حكرا على مواليد عدن فلا يقبل فيها إلا من كانت لديه مخلقة (شهادة ميلاد) صادرة في عدن، وأن عدد كل المستشفيات في عدن هو اثنان وربما ثلاثة والأولوية فيها لجنود الاحتلال وموظفي السلطات، ولم تعرف الأرياف المدرسة الابتدائية إلا واحدة أو اثنتين في اثنتين  أو ثلاث مدن رئيسية أما التعليم الثانوي فقد اقتصر على أربع أو خمس ثانويات كلها في عدن لم يتجاوز إجمالي عدد طلابها بضع مئات.

لم يكن يوم الثلا ثين من نوفمبر  مجرد يوم إعلان الاستقلال، بل لقد كان لحظة انعطاف تاريخية تغير معها كل شيء في حياة الناس في جنوب اليمن، فعوضا عن 23 دويلة وسلطنة وإمارة ومشيخة صار للجنوب والجنوبيين كيانا سياسيا واحدا معبرا عن هويتهم وكينونتهم السياسية وانتمائهم الوطني ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم.

كما شهدت المدن والأرياف حركة نهوض منقطعة النظير شملت مجالات التعليم والتطبيب وشق الطرقات وبناء المؤسسة الإدارية والأمنية والقضائية وخدمات التموين، وتعرفت العديد من المناطق لأول مرة على مركز الشرطة والمحكمة وتعاملت لأول مرة مع القانون الذي يساوي بين الغفير والزير وبين الغني والفقير.

هذه الأيام وخصوصا بعد فشل مشروع الوحدة الخائب وتحوله إلى احتلال جديد بلباسه ومضمونه المتخلف والرجعي نسمع الكثير من الأصوات التي تتباكى على زمن الاستعمار، والكثير من أصحاب هذه الأصوات يقولون هذا بدافع الإحباط والشعور باليأس وربما لا يعلم هؤلاء أن الثلاثة والعشرين عاما من عمر الاستقلال كانت فترة تغييرات جذرية في الحقوق والحريات وبناء منظومة العدالة الاجتماعية وتحرير الطبقات الفقيرة من سطوة النظام الطبقي الاستعماري، وأن فيها تمكنت أوسع الشرائح الاجتماعية من التعبير عن نفسها في إطار الشراكة الوطنية وبناء المجتمع الجديد.

لا يستطيع أن يدرك المعاني الكبيرة والأبعاد التاريخية للثلاثين من نوفمبر إلا أولائك الذين خسروا كل شيء بفعل مشروع الوحدة المرتجل الفاشل الذي أعاد الجنوب عقودا إلى الوراء وحول المواطنين الجنوبيين إلى مواطنين من الدرجات الثالثة والرابعة وربما الخامسة، حيث خسروا كل شيء من الحرية وحق التعبير إلى الخدمات الطبية والتعليمية المجانية ومن حق العمل والسكن إلى حق التأمين والأمان والاستقرار.

ستظل ذكرى 30 نوفمبر خالدة في ذاكرة الأجيال وسيعلم الذين زوروا التاريخ واعتقدوا أن الأجيال الجديدة لا ذاكرة لها أن أجيال اليوم والغد هي أكثر ذكاء في استحضار بطولات الآباء والأجداد والتعلم منها وأخذ العبرة من لحظاتها المشرقة وهو ما أكدته المقاومة الجنوبية لمشروع الغزو الثاني وإجبار الغزاة على الاندحار مهزوما، والتعلم كيف يتجاوزون ما أخطأ فيه الأوائل بفعل موروث التخلف ومحدودية التجربة السياسية والمهارة الإدارية.

الخلود للثلاثين من نوفمبر

والمجد للشهداء

 

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

 

 

 

 

 

 

قراءة 2606 مرات آخر تعديل على الأربعاء, 30 تشرين2/نوفمبر 2016 20:34

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة