أخـــر الأخبــــار

 
سعيد المخلافي

سعيد المخلافي

الجمعة, 02 حزيران/يونيو 2017 23:04

طربوش والمخلافي بزنزانة واحدة "11"

في إحدى الليالي سمعنا جلبة خارج غرفة السجن لحقها ضربات متلاحقة لإحكام قيد، بما ينبئ أن هناك سجيناً قادماً إلينا وربما يكون شخصية هامة وبينما كان السجناء في حالة ترقب لمعرفة من يكون القادم الجديد فتح باب السجن ودخل شخصاً كان يبدو عليه الإرهاق الشديد ويسير بخطوات مثقلة وجسد منحني ولا يستطيع أن يسند قامته وهي حالات كثيراً ما اعتدنا عليها لرفاق كثر كانوا يعودوا من غرف التحقيق منهاري الأجساد وخائرين القوى، بل أن بعض الحالات كانت تأتي محمولة داخل بطانيات بعد ليلة قاسية من التعذيب ويرمى بها دون إكتراث بين أقدام المساجين وهي غير قادرة على الوقوف وقد لا تسلم أحياناً من رفسات بعض المساجين...، ولكن السجين القادم تلك الليلة كان حالة مختلفة أنه الرفيق عبد الوهاب طربوش الشرجبي "عبد الودود طربوش" الذي تم القبض عليه بعد اجتيازه منطقة الحدود بين الشطرين في منطقة معبق حين كان قادماً من عدن في مهمة حزبية في محافظة تعز، وكان قد تم رصده وتتبعه منذ لحظة اجتيازه منطقة طور الباحة الجنوبية، باتجاه منطقة معبق الشمالية، وعندما شعر بمطاردة دورية حرس الحدود الشمالية، حاول القفز من السيارة التي كان يستقلها للتوغل داخل الشعاب والمناطق الجبلية مستغلاً حالة الظلام الكثيف ليلتها، ولكن بمجرد وصوله إلى الأرض شعر بألم شديد أسفل الظهر ووجد نفسه شبه عاجز عن الحركة بالسرعة التي كان يتوقعها فأدركه أفراد الدورية والقوا القبض عليه وتم اقتياده مباشرة إلى إدارة جهاز الأمن الوطني بتعز وتسليمه لمدير الجهاز ونائبه اللذان حاولا التعرف عليه وكشف حقيقة شخصيته بعد تهديده وتعنيفه ومن ثم تحويله إلى السجن وتقييده - وعبد الوهاب طربوش، وهذا اسمه الحقيقي، وكنا نعرفه قبل السجن باسمه الحركي "عبد الودود طربوش" كان أحد كبار المعلمين بالكلية الحربية بصنعاء، وعضواً قيادياً في الجناح العسكري لحزب الوحدة الشعبية اليمني "حوشي" وفر إلى عدن نتيجة لحملات المطاردات والاعتقالات التي طالت الضباط اليساريين في الجيش اليمني الشمالي، منذ أواخر الستينات وأشتدت بعد صعود علي عبدالله صالح ، لسدة السلطة عام 1978 -، ولتغير ملامحه عما كان عليه حين التقيته لمرة واحدة في عدن أواخر العام 1979، لم اتعرف عليه للوهلة الأولى، ولكن أحد الرفاق من أبناء صبر -لم اعد اتذكر من اسمه سوى " المحيا "- همس في أذني قائلاً هذا عبد الودود طربوش، فقلت له هل أنت متأكد؟! فقال نعم التقيته في عدن، قبل حوالي ستة أشهر تقريباً.

وفي مساء اليوم التالي استدعي عبد الودود للتحقيق ولم يعيدوه إلى غرفتنا ولكن تم إعادته أخر الليل منهكاً من شدة التعذيب إلى غرفة صغيرة مجاورة لباب غرفتنا لحجزه بصورة منفردة، وكنت أقوم يومياً بمساعدة من بعض الرفاق بتوفير السيجارة وتسليمها له عند خروجنا للحمام في الصباح، وفي إحدى الليالي وقف في مواجهة الطاقة الوحيدة في الغرفة وراح يترنم بأغنية: رسولي قم بلغ لي إشارة إلى عند المليح الحالي الزين... فاعتقدت حراسة السجن أنه يقوم بإرسال شفرة ربما تكون بينه وبين مجموعة أخرى خارج السجن تحاول تهريبه، وأعلنت الحراسة ما يشبه حالة الطوارئ طوال الليل إذ توزع الحراس بعضهم على باب الغرفة وبعضهم تحت الطاقة ومجموعة أخرى تمر على شكل دورية في محيط السجن.

وذات يوم همس لي عند الخروج للحمام قائلاً: صاحبك.. عندي جابوه الليلة، فقلت له من هو؟! قال: القيادي الناصري، عبد الملك المخلافي، فاستغليت الفرصة ودخلت إلى الغرفة وحيت عبد الملك مرحباً به، فقال ترحب بي وأنا مقيد.

قلت له: أصبحت القيود جزء من حياتنا في السجن وكنت أنا أيضاً مقيد.. وفي يوم أخر قال لي عبد الودود: نتناقش أنا وعبدالملك ونتفق حول كل القضايا ولا نختلف إلا في قضية واحدة وهي: أنا أقول أن التطور يسير وفقاً للفكر الماركسي، وهو يقول أنه يسير باتجاه الفكر الناصري.

وهذه الحالة ذكرتني بما كان قد قاله الزعيم السوفيتي "خورتشوف" للزعيم جمال عبد الناصر عندما التقيه في إحدى زياراته لموسكو: أنت تقول أنك تطبق النموذج العربي للاشتراكية ولا تطبق الاشتراكية العلمية....* وبعد حوالي أسبوعين فقط من اعتقال عبدالملك تم نقلهما معاً عبد الودود وعبد الملك إلى سجن الجهاز بصنعاء وبعد حوالي شهر وأحد فقط تم إطلاق سراحهما من صنعاء، ومعهما الرفيق بجاش عبد الواحد الكمالي "أحمد غلاب" الذي تم نقله إلى صنعاء بعد متابعة حثيثة من قبل أسرته، وكان ذلك سبباً في امتناع إدارة جهاز الأمن الوطني بتعز، عن نقل أي سجين أخر إلى سجن الجهاز بصنعاء وخاصة من تبقى من جماعة الإحدى عشر، حتى لا يتم إطلاقه.

 ____________

 

* وكأن الاشتراكية العلمية عند خروتشوف وصفة طبية جاهزة للتطبيق على كل المجتمعات والبيئات المختلفة ، غير مدرك أن الاشتراكية علماً كما يقول لينين بأن ماركس لم يفعل سوى أنه وضع الإطار العام للنظرية وحدد مناهجها وأدوات البحث والتحليل فيها. وعلى الاشتراكين كي لا يتخلفوا عن التطور أن يدفعوا بهذا العلم إلى الأمام فالاشتراكية العلمية ليست نموذج واحد وإنما هي نماذج متعددة فاشتراكية ألمانيا غير اشتراكية فرنسا،واشتراكية بريطانيا غير اشتراكية روسيا أو الصين، فالاشتراكية تكتسب تجاربها من خلال التطبيق في البيئات المختلفة ....

 

 # من مذكرات معتقل سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

الجمعة, 05 أيار 2017 20:05

أعترف ولا تعترف (10)

أول مسؤول أقابله في ما كان يسمى بجهاز الأمن الوطني بتعز كان ضابط استخبارات يدعى علي السعيدي وكان حينها نائباً لمدير جهاز الأمن الوطني بتعز - وعين بعد ثورة فبراير السلمية 2011 مديراً لأمن محافظة تعز. رداً على سؤال السعيدي، لماذا تحاربون الدولة؟ قلت نحن لا نحارب الدولة ولكن نقاوم السلطة الفاسدة ونظام التبعية الذي فرط بالسيادة الوطنية، وشعارنا: الوحدة لليمن، الديمقراطية للشعب، السيادة للوطن. بل ويشارك هذا النظام بخيانة القضايا العربية وأولها التآمر على الثورة الفلسطينية وخذلان المقاومة الوطنية اللبنانية في مواجهة الاجتياح الصهيوني للعاصمة "بيروت". وكنت يومها ما زلت تحت تأثير الصدمة بإجبار قوات الثورة الفلسطينية على الخروج من بيروت، وما أعقب ذلك الخروج من ارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا التي تعرض لها اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. على أيدي القوات الإسرائيلية وعملائها اللبنانيين في ظل صمت عربي مريب.

 وعلى الفور أمر بتقييدي والزج بي في زنزانة القبو الأرضي في معتقل "النيابة" التابع لجهاز الأمن الوطني آنذاك.

 وفي اليوم السادس من الاعتقال في زنزانة القبو الأرضي، طُلبتُ للتحقيق في شعبة مكافحة الشيوعية من قبل الضابط الجلاد محمد المقراني، ولأني كنت مؤمناً بنصيحة الرفيق "فهد" يوسف سلمان يوسف، أحد أبرز مؤسسي الحزب الشيوعي العراقي، والتي تدور حول كيفية التعامل مع المحققين وكنت قد قرأتها في كتابه: الشيوعية أقوى من الموت وأعلى من أعواد المشانق. ومضمونها أن "تعترف ولا تعترف" أي أن تعترف بما يعرفونه عنك، وتدافع عن قضيتك كما لو أنك في محكمة... ولا تعترف بما لا يعرفونه عنك وعن تنظيمك السري، وبالإضافة لمعرفتي المسبقة بما هو معروف عني كانت أسئلة التحقيق تكشف لي حقيقة ما يعرفونه عني وما لا يعرفونه، ومن هذا المنطلق بدأت بتطبيق نصيحة الرفيق "فهد" علاوة على أن سلوكيات وأساليب المحقق العنجهية كانت توحي لي بافتقاره لإمكانيات الاستدراج والحصول على المعلومات التي يريدها بدون اللجوء لاستخدام التعذيب الجسدي والنفسي الذي باشر باستخدامه من أول ليلة من ليالي التعذيب الطويلة التي امتدت على مدى أشهر متواصلة، وبعد كل جولة تحقيق كان يكتشف أنه لم يحصل سوى على بعض المعلومات التي يعرفها مسبقاً فيجن جنونه ويضطر لإعادة التحقيق من البداية ولثلاث مرات يقوم بتقطيع محاضر التحقيق، وكان في المرة الأخيرة وبعد أن عجز في الحصول على رسم للهيكل الهرمي "التنظيمي" لحزب الوحدة الشعبية اليمني "حوشي" قام الجلاد نفسه برسم هيكل افتراضي للحزب وقام بتعبئة بعض المربعات بمعلومات من عنده وترك بقية المربعات فارغة وطلب مني أن أقوم بإعادة رسم الهيكل كما هو وتملئة المربعات الفارغة وقمت بنقل الهيكل كما رسمه الجلاد بدون تعبئة المربعات الفارغة التي بقت كما هي فارغة، فاشتاط غضباً وبدأ بحفلة تعذيب طويلة لم تتوقف إلا مع طلوع الفجر تارة على صوت أغنية "نشوان للمرشدي" وتارة أخرى بقراءة فصول من كتاب "المادية التاريخية" كواحدة من المحاولات المتكررة لغسيل الدماغ.

 وبعد أن عجز الجلاد في الحصول على معلومات لتعبئة المربعات الفارغة حتى ولو كانت غير حقيقية - وتحت ضغط مطالب الإدارة برفع ملف التحقيق الذي طالت مدته لأكثر من خمسة أشهر -قرر في مساء الليلة التالية نقلي مع ملف التحقيق لمقابلة مدير الجهاز العقيد أحمد الأنسي، وعند مقابلة المدير الأنسي بادر الجلاد بالتوضيح بأن السجين قام برسم الهيكل الهرمي "التنظيمي" لحزب الوحدة الشعبية ولكنه ترك بعض المربعات فارغة ورفض تملئتها، بالمعلومات الصحيحة، وحينها سألني الأنسي، لماذا لم تقم باستكمال رسم الهيكل وتملئة الفراغات.؟! قلت له: المحقق هو من قام برسم الهيكل وأنا قمت بنقله كما رسمه هو فأنا لا أعرف هيكلاً هرمياً محدداً لحزب الوحدة الشعبية، ولكنني أعرف الهيكل الهرمي التنظيمي للحزب الاشتراكي اليمني، وحين التفت للمحقق بادره المحقق بالقول: يا فندم هذا الهيكل الذي رسمه صاحب جبل حبشي، فرد عليه: هناك فرق بين الذين ينشطون في المدينة والذين ينشطون بالريف، والتفت إليَّ قائلاً: خذ أوراقاً وقلماً وأكتب كل ما تعرفه. فرديت: لقد قلت كل ما أعرفه وليس لديَّ ما يمكن قوله. ولكنه أي الأنسي، لم ينس أن يخاطبني بما يشبه التبرؤ من مسؤولية دعم وتبني الجماعات الدينية قائلاً: بتمردكم اجبرتم الدولة على تبني تلك الجماعات ودعمها.

 وبعد العودة إلى غرفة التحقيق باشر الجلاد بحفلة تعذيب انتقامية حتى طلوع الفجر. وفي اليوم التالي توقف التحقيق ورفع الملف رسمياً لإدارة الجهاز، ولكن الجلاد قرر أن يفتح معنا (الرفيق أحمد غلاب وأنا) فصلاً جديداً من التعذيب النفسي بواسطة الإرهاق اليومي والحرمان من النوم، فقدم لي دفتراً مجلداً يحتوي على اسماء أعضاء الخلايا الأولى لمنظمة المقاومين الثوريين اليمنيين في شرعب، طالباً مني كتابة تعريف بخلفية كل عضو من أعضاء هذه الخلايا السرية، وعندما رفضت القيام بهذا العمل لعدم معرفتي بأي شخص منهم فأنا لم أكن عضواً في منظمة المقاومين، ولا أعرف أياً منهم معرفة كافية تؤهلني للحديث عنه وعن خلفياته، فقال: سآتيك بمن يعرفهم وما عليك سوى أن تقوم بالكتابة والتدوين، وأتى برجل مسن هو الحاج محمد هزاع من أبناء عزلة الأكروف شرعب السلام، وهذا الرجل حينها كان في الستينات من عمره وتعرض لتعذيب جسدي ونفسي بشع من قبل الجلاد إياه فقط لأنه والد لأثنين من الرفاق الدكتور سعيد محمد هزاع والذي كان يومها يدرس في أوروبا الشرقية، والرفيق الغائب / المغيب، محمد بن محمد هزاع "قرطم" والذي كان يومها في عدن، - ومن حينها لم يعد لأسرته التي ظلت تنتظر عودته وقد يكون والده قد لقي ربه وهو لا يعلم مصيره - ولأن الشيخ المسن الحاج محمد هزاع، - رحمه الله واسكنه فسيح جناته إن كان قد توفاه الله وهذا هو الأرجح ، أو يمنحه الصحة والعافية وطول العمر إن كان لا يزال على قيد الحياة - كان عضواً في لجنة الإصلاح الاجتماعي التي شكلتها الجبهة الوطنية الديمقراطية لحل النزاعات التي تنشئ بين السكان في المناطق التي كانت تسيطر عليها الجبهة . والرفيق عبدالله مهيوب طاهر "محمود" من عزلة الشريف شرعب السلام، وكان أحد القيادات الميدانية للحزب والجبهة في شرعب. فيما تم تكليف الرفيق بجاش عبد الواحد الكمالي "أحمد غلاب" بنقل البرنامجين السياسيين للجبهة الوطنية والحزب الاشتراكي اليمني، كنوع من الإرهاق والحرمان من النوم. وعلى الجانب الآخر كان الجلاد ومساعدوه يتعمدون استغلال الظروف النفسية لبعض الرفاق في المعتقل لوضعهم في مواجهة بعض رفاقهم في محاولة بائسة لحرق مراحل العودة وتمزيق الصلات الرفاقية، بالاعتماد على حالات سابقة ولكن محاولاتهم بائت بالفشل الذريع بفعل اليقظة والوعي الثوري العالي الذي كان يتمتع به معظم الرفاق في المعتقل وخصوصاً الشخصيات القيادية التي كان التركيز منصباً حولها.

 # من ذكريات معتقل سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

 

 في إحدى الليالي فتح باب السجن ودفع إلى الداخل بشاب كان يحمل في يدية أوراقاً مطوية مما أثار انتباه السجناء فكيف يتم إدخال سجين دون أن يؤخذ ما بحوزته من وثائق ومتعلقات كما جرت العادة مع كل سجين؟! وعند محاولة التعرف على هوية السجين الجديد قال أنه من منطقة صهبان مديرية السياني وكان طالباً في كلية الشرطة وحاول الفرار إلى عدن ووصل إلى منطقة طور الباحة واشترى من هناك المجلة التي كان يحملها بيده ولكن حرس الحدود الجنوبي القي القبض عليه وسلمه لنقطة حرس الحدود الشمالي الذين قاموا بنقله فوراً إلى سجن جهاز الأمن الوطني بتعز دون أن يقوموا بأخذ ما لديه سوى بطاقته الشخصية وما بحوزته من مال وعند الإطلاع عليها وجدنا أنها نشرة خاصة بالحزب الشيوعي السعودي وعلى الفور قمنا بإخفائها في حفرة خاصة سرية كانت في ركن الغرفة تحت الفراش الخاص بي، بدون أن يدرك السجين أننا قمنا بإخفائها وتم إقناعه بأننا قمنا بالتخلص منها إلى خارج غرفة السجن حتى لا تكون ذريعة لإدارة السجن عند اكتشافها لتنفيذ عقاب جماعي لكل السجناء، وكانت المجلة تضم عدد من الدراسات والمقالات التحليلية، منها دراسة عن المشروعات الاقتصادية ومشاريع البنية التحتية في السعودية ومقارنتها بحجم الأموال الباهظة المنفقة عليها كتبها علال الفاسي، ودراسة تحليلية عن الدور الأمريكي -الغربي في إشعال الحرب العراقية- الإيرانية وأهدافها في خلق المبررات للسيطرة على منابع النفط في منطقة الخليج والمنافذ البحرية العربية تحت ذريعة الخطر الإيراني، بعد أن فشلت المبررات السابقة عن الخطر الشيوعي الأحمر ونية الاتحاد السوفيتي السيطرة على منابع النفط في الخليج، وكنا جماعة من الرفاق يتظاهر أحدنا بالنوم تحت البطانية فيما يعمل البقية حلقة حوله حتى يتمكن من إخفاء المجلة ولا يكتشف أمرنا إذا ما فتح باب السجن فجأة من قبل أفراد الحراسة أو دوريات التفتيش المفاجئة التي كانت تتم من قبل إدارة السجن ما بين وقت وأخر.. وبعد أن ينتهي الواحد منا من القراءة يقوم بشرح ما استوعبه لبقية أعضاء المجموعة التي كانت تتكون من عدد من الرفاق ومنهم: حمود عبدالله غانم، محمد علي السيد، غلاب طاهر، الحاج عبد الرحمن أنعم، علي ناجي الحوباني، سعيد حسن القحيم، خالد محمد خالد باهر، شائف محمد مكرد، إسماعيل دحوة، أحمد حمود السلامي.

 

# من مذكرات معتقل سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز.

 

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

 في النصف الثاني من عام 1984، شملت الاعتقالات أيضا قيادات حزبية ناصرية، فبعد مطاردات وتعقب تم اعتقال القيادي الناصري عبد الحاج عبدالله قاسم الشرعبي "طارق" رحمه الله، في إحدى المنازل المستأجرة الخاصة بالتنظيم بمنطقة حوض الأشراف، وتم اقتياده إلى السجن برفقة الكادر الناصري مهيوب قائد العديني، - والذي كان يقوم بإدارة المنزل وتنفيذ أعمال الطباعة الخاصة بقيادة التنظيم - وفي حين تم إيداع القيادي الناصري "طارق" في زنزانة إنفرادية في معتقل الفرن تم إيداع العديني معنا في معتقل "النيابة" الغرفة العلوية والتي كانت مكتضة بعدد كبير من السجناء الاشتراكين ومعظمهم من أبناء شرعب وماوية والحشاء وصبر ومقبنة، والشمايتين ، وفي مساء نفس اليوم فتح باب غرفة السجن وتم إدخال شخصية ببدلة نظيفة وشعر مصفف ولآن الغرفة لم تعد تتسع لسجناء جدد تم إفساح مجال للقادم الجديد خلف باب الغرفة المغلق بإحكام إلى جانب أخر سجين دخل الغرفة "العديني" وبعد لحظات صمت سادت بين السجناء كما هي العادة مع قدوم كل زائر جديد حتى يتم التعرف على هويته فربما يكون مزروعاً من قبل إدارة السجن لمعرفة أسرار بعض السجناء التي يرفضون الإفصاح عنها في غرف التحقيق وجلسات التعذيب المتكررة والقاسية، ولحسن حظنا فقد كان القادم علينا هو عبدالله محمد صالح المقطري، أحد القيادات الناصرية، وتم اعتقاله عند باب المنزل الذي اعتقل فيه "طارق" والعديني، حيث كان المقطري قادماً من صنعاء للالتقاء بهما في نفس المنزل، وفي نفس اليوم الذي تم اعتقالهما فيه حيث كان المنزل قد وضع تحت المراقبة لمعرفة واعتقال من يترددون عليه ويقصدونه ولذلك وقع المقطري في المصيدة.

ولفترة ظل المقطري في مكانه خلف باب الغرفة، وكما هي عادة السجانين لمضايقة السجناء السياسيين قاموا بإدخال أحد المجانين إلى الغرفة التي كنا نحتجز فيها وفي إحدى الليالي أصيب المجنون بحالة إسهال شديد ففعلها على ثيابه وبعد ترجي للحراسة تم فتح باب الغرفة وسحب المجنون إلى الحمام وتنظيفه وتغيير ملابسه بملابس قدمها بعض السجناء وأعيد مرة أخرى إلى الغرفة، ولكنه فعلها مرة ثانية وثالثة فقمت بسحب الرفيق عبد الله المقطري إلى مؤخرة الغرفة وتقاسمت معه فراشي ومرقدي، إذ كنت أقدم سجين ممن تبقوا في تلك الغرفة، وللاستفادة من إمكانيات الرفيق مهيوب العديني إذ كان حافظا ومجوّداً للقرآن الكريم والثقافة الدينية العالية للرفيق المقطري، وكان من خريجي جامعة الكويت قررنا شراء مصحف تفسير الجلالين ونسخة من كتاب التجويد بطريقة سرية بالتعاون مع بعض الحراس الذين كانوا يبدون تعاونهم ونظمنا حلقة قراءة وتجويد ما بين صلاة المغرب والعشاء كل ليلة وبعد فترة وجيزة تم تبديل الحراسة بأخرى لاتبدي تعاطفاً مع السجناء فسمعونا ذات ليلة ونحن نقرأ القرآن ونجوّده فقاموا بمداهمة الغرفة ومصادرة المصحف وكتاب التجويد ولم نفلح باستعادتهما رغم المحاولات المتكررة.

 ومن السجناء الناصرين كان هناك السجين عبد الوكيل القرشي الذي كنت وإياه نتقاسم أعواد المشنقة في معظم ليالي التعذيب ولا أعرف أين صار مصيره بعد الخروج من المعتقل إذ أطلق سراحه قبل إطلاق سراحي بفترة طويلة.

 

# من مذكرات معتقل سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

 

خلال فترة الاعتقال في سجون الجهاز المركزي للأمن الوطني بتعز وعلى مدى أكثر من ثلاثين شهراً، كان الغذاء المقدم للسجناء من سلطات الاعتقال هو ثلاث كدم* - وهي كل ما يقدم للسجين الواحد في كل أربعة وعشرين ساعة مع الماء المتوفر في حنفية الحمام-، ولذلك لم يعتمد السجناء على هذه الوجبات الغذائية الهزيلة، ولا تكفي لأن يعيش عليها إنسان، ليوم كامل، بل كانوا يقومون بتنظيم ما يسمى "الحدرة" أي يقوم كل سجين -وخاصة الذين يحظون بزيارات دورية- بوضع مبلغ من المال الذي يأتيه ويخصص للغذاء -وخاصة وجبة الغداء- ويتم انتداب أحد السجناء لتولي هذه المهمة، وكنا نرسل لشراء وجبتي العشاء والفطور بشكل مستقل من المخبازة القريبة للسجن بواسطة أحد الحراس أو أن بعض الزوار يقومون بشراء الخبز والشاي من المخبازة نفسها وإيصاله عبر الحراسة، ومن الأشياء المحمودة أن صاحب المخبازة كان يقوم بلف الخبز بورق جريدة الأمل "ربما كان يتم ذلك بدون قصد" وهي الصحيفة الأسبوعية التي كانت تصدر حينها في صنعاء، منذ عام 1980، كصحيفة مُعبرة عن الجبهة الوطنية الديمقراطية، بموجب اتفاق ابرم بين قيادة الجبهة وسلطات نظام صنعاء، أثناء جولات الحوار السياسي التي جرت بين الطرفين، ولم يلتزم نظام صنعاء بأياً من نتائجها سوى إصدار صحيفة الأمل لتكون المقابل لصحيفة الصحوة الناطقة باسم التيار الإسلامي "جماعة الإخوان المسلمين" الحليف الفعلي للنظام بدون أعتراف رسمي؛ وكان صاحب الامتياز ورئيس التحرير لصحيفة الأمل، هو المناضل سعيد أحمد الجناحي، ويدير تحريرها علي محمد الصراري، وسكرتير التحرير محمد عبد الرحمن الجميل، ويساهم في تحريرها ويكتب فيها نخبة من مثقفي اليسار اليمني ، وكنا نحرص على الاحتفاظ بأوراق الصحيفة التي تصل إلينا ملفوفاً بها الخبز، ونخفيها عن أعين الحراس والعسس، إذ كان ممنوعاً على السجناء كل وسائل القراءة والإطلاع أو الاستماع، وكنا نقرأ كل ما هو مكتوب فيها، وكانت الصحيفة تنشر مقالات وكتابات فكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية ذات مضامين وأبعاد تقدمية وإنسانية معبرة عن توجهات ورؤى قوى اليسار اليمني واليسار عموماً، وكان من ضمن تلك الكتابات موضوعات متسلسلة عن العدالة الاجتماعية، وكانت تنشر باسم كاتب غير معروف هو إبراهيم المهدي، وعرفت فيما بعد أن هذا الكاتب المجهول، كان هو الرفيق الأستاذ علي عبد الفتاح العزعزي، (شفاه الله ومنحه الصحة والعافية واطال بعمره).

وكان من ضمن ما نشر في أحد أعداد الصحيفة ووصل إلينا في السجن مقالة رائعة لا زلت اتذكر عنوانها "عن مفهوم الاغتراب في الفكر الماركسي" للكاتب نبيل السروري، ولإعجابي الشديد بتلك المقالة وتأثري بأسلوب الكاتب احتفظت بهذا الاسم في ذاكرتي وبعد الخروج من المعتقل قمت بالبحث عنه وعند الالتحاق بجامعة صنعاء، في النصف الثاني من عام 1988، تعرفت واقعياً على الكاتب الرفيق المرحوم نبيل السروري، المتخرج حينها من قسم الرياضيات... بجامعة صنعاء، من خلال الزميل علوي حسن السقاف، الطالب حينها بالمستوى الرابع بقسم الفلسفة -إذ كنت أنا قد التحقت "حديثاً" بقسم علم الاجتماع، واخترت مواد التخصص الحر من قسم الفلسفة، وحينها قلت للرفيق نبيل السروري: عرفتك يا نبيل قبل أن أراك، لقد كنت رفيقي في المعتقل من خلال مقالتك في صحيفة الأمل، عن مفهوم الإغتراب في الفكر الماركسي.

ومن حينها جمعتني بنبيل وعلوي صداقة وزمالة ورفاقه لم ينفصم عراها إلا بموت نبيل يرحمه الله ، والذي كان موته المفاجئ من الفجائع الكبيرة في حياتي، وما تزال ذكراه حية في ذاكرتي على الدوام ، أما علوي ، فما يزال الصديق والرفيق والزميل القريب إلى القلب ،ويحتل مكانته المميزة .. لما يتحلى به من صفات وسجايا قلما أن وجدت في أحدٍ سواه.

هوامش

ـــــ

*(أقراص خبز صغيرة مدورة بشكل كروي، تقدم كجزء من الغذاء المقدم للجنود في المعسكرات وكانت تشعرنا بأننا بالفعل في معسكرٍ للاعتقال).

 

# من مذكرات معتقل سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز.

 

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

كان الجلاد "الأعرج" الذي يرأس شعبة مكافحة الشيوعية بجهاز الأمن الوطني بتعز يتعمد مع مساعديه، -عندما يعلقون السجين بطريقة "فروج كنتاكي"- ممارسة التعذيب باستخدام الهراوات والكيبلات الكهربائية على أجزاء متفرقة من الجسد المتكور واستخدام قوارير المشروبات الغازية الزجاجية لتفقد فقرات ظهر السجين -فقرة فقرة- ويتعمدون الضرب على الرقبة قاصدين الإضرار بالحبال البصرية للسجين وفي نفس الوقت يتعمدون تشغيل بعض الأغاني السياسية كأغنية نشوان للفنان محمد مرشد ناجي، كلمات الدكتور سلطان الصريمي، بالتزامن مع التعذيب، أو قراءة أجزاء من كتاب المادية التاريخية، كنوع من عمليات غسل الدماغ للسجين، علاوة على حرمان السجين من النوم بالتناوب بين الجلادين خلال فترات الليل والنهار.

* من مذكرات سجين سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز..

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

السبت, 25 آذار/مارس 2017 19:59

الغداء الذي تحول إلى عقاب جماعي "5"

كان الرفاق عادة يمازحون الرفيق أحمد غلاب "بجاش عبد الواحد الكمالي" وينادونه باسم "أبن بريطانيا" تشبيها لوالدته ذات الأملاك الكبيرة في عزلة الشُريف بشرعب السلام، ببريطانيا العظمى .

وذات يوم جاءت "بريطانيا" كعادتها في الزيارة الدورية لوحيدها الذي كان معتاداً على معتقلات الأمن الوطني بتعز، ويومها قرر الرفيق بجاش، - الذي كان قد تم تبديل أماكن الاعتقال بيني وبينه أثناء التحقيقات إذ تم إنزاله القبو الأرضي ونقلي إلى الغرفة العلوية - أن يقيم مأدبة غداء جماعية يجمع فيها سجناء من القبو الأرضي"الزنزانة" بسجناء من الغرفة العلوية "غرفة النيابة" ونسق مع الحراسة وأرسل أحد العساكر من غير المناوبين في الحراسة، لشراء متطلبات الغداء وتم انتداب الرفيق حمود فرحان الكباش ليقوم بعملية الطباخة في حوش السجن -وكان طباخاً ماهراً- وعندما حان وقت الغداء تم إخراج السجناء المدعوين للغداء من القبو "الزنزانة" والغرفة العلوية، وبعد الانتهاء من تناول وجبة الغداء تم الأمر بتبديل الحراسة وإضافة قيد لكل مدعو للغداء وإضافة مرود وقيد للرفيق بجاش بالإضافة إلى القيد والمرود اللذان كان مقيداً بهما من قبل، ولحسن حظي كنت يومها بلا قيد بعد أن تم فك القيد السابق الذي كان قد أحدث جروح عميقة فوق كاحل القدمين، -بعد الانتهاء من التحقيقات التي استمرت ثمانية أشهر متواصلة وإعادة التحقيق ثلاث مرات متتالية- وتم تقييدي بقيد أخر كانت حلقتيه الجانبيتان أوسع من حلقات القيد الأول وكنت اتمكن أثناء النوم من خلعه ووضعه بجانبي وعندما اسمع فتح باب السجن أسارع لإرتدائه حتى لا يكتشف أمري.

وعندما عرفت والدتي يرحمها الله بمكان اعتقالي وسُمح لها بالزيارات الدورية لي في المعتقل بعد مرور حوالي عشرة أشهر من تاريخ الاعتقال واستطاعت ان تقنع شاويش السجن بفك قيدي مقابل مبلغ مالي دفعته له، وبعد فترة ابلغ الوشاة مدير الجهاز بأن الشاويش قد فك قيدي، فأستدعي المدير الشاويش ووبخه وأمره بإعادة تقييدي مرة أخرى ونقلي إلى سجن الفرن لكوني وأحد من مجموعة الاحد عشر معتقلاً الذين تقرر التحفظ عليهم . (وهذا موضوع سيتم تناوله لاحقاً تحت عنوان خاص به).

* من مذكرات معتقل سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

كان قد بدأ بالتجاوب مع المحقق مبتدئاً بالحديث عن بياناته الشخصية وعندما سمعته يلفظ اسمه التفت نحوه فالاسم ليس غريباً عني فقد سمعته قبل ذلك، وإن كنت لا أعرف صاحبه تماماً - فقد كان من الرفاق الذين ينشطون في القطاع السري - ولكنه بعد نظرتي إليه بقصد التعرف على شخصيته صمت عن الكلام ورفض الإجابة عن الأسئلة التي لا تتعلق ببيانته الشخصية، فهاج الجلاد وزمجر وفرَّغ كل غضبه واحقاده نحوي معتقداً إنني حذرته ومنعته عن الإدلاء بمعلومات عن نشاطه الحزبي، وقام الجلاد واعوانه بتكبيلنا الأثنين كل على حدة والتعليق ما بين المكاتب باستخدام الطريقة المعروفة ب "فروج كنتاكي" وممارسة وجبة تعذيب قاسية بدأت بعد صلاة العشاء ولم تتوقف إلا عند آذان الفجر، واستمرت هذه الوجبة الليلية مع الرفيق، محمد دائل لمدة شهر كامل وهو يرفض الاعتراف بأي معلومات عن نشاطه الحزبي ، قبل أن يتمكن زملائه في هيئة التعاون الأهلي، بمديرية التعزية من متابعة قضيته وإطلاق سراحه، وانقاذه من أيدي الجلادين، فقد كان شخصية اجتماعية معروفة وعضو قيادي نشط في هيئة التعاون الأهلي بمديريته ، وكان مندهشاً جداً لما يحصل من تعذيب للسجناء...

وكلما التقيه الآن يتذكر بألم شديد معاناة تلك الليالي القاسية، ويثني على دور الرجل المسن المرحوم الشيخ حسن محسن، شيخ عزلة بني سبأ بشرعب السلام، الذي كان يستقبله كل ليلة عند عودته من غرفة التعذيب ويقوم بتدليك جسمه كاملاً بمادة الفكس التي كنا نستخدمها كمادة علاجية لإعادة تنشيط الجسم وتمرير الدماء إلى المناطق التي انقطعت عنها خلال فترات التعذيب اللإنساني، الذي كان يتعرض له معظم السجناء.

* من مذكرات معتقل سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز.

قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet

 

كنت معتقلاً في سجن "النيابة" وسجن "الفرن" التابعان لما كان يسمى بجهاز الأمن الوطني بتعز، المكان الأول عبارة عن فلة قديمة يحيطها سور حجري، وفيه قبو أرضي عبارة عن بدروم منعدم التهوية ولا تزيد مساحته عن 15 متراً مربعاً يحشر فيه أكثر من خمسة وعشرين سجيناً، تعلوه غرفة بنافذتين وحوض حديدي وماسورة مياه للشرب والتبول، مساحة الغرفة حوالي 3*5 أمتار يحشر فيها 36 سجيناً، وحماما خارجيا لا يسمح للسجناء باستخدامه سوى مرة واحدة في كل 24 ساعة.

أما التسمية الأخيرة للمكان الثاني "الفرن" فقد أطلقها السجناء أنفسهم على السجن الذي يقع تحت إدارة الجهاز القديم في المنطقة الواقعة فوق المستشفى الجمهوري وهو بدروم يتكون من عدد كبير من الزنازين الإنفرادية، وصالة كبيرة ينام فيها السجناء مكومين فوق بعضهم ولا يوجد فيه سوى حمام واحد وفتحة صغيرة للضوء والتهوية في الحمام نفسه، والبقاء في هذا المكان - الذي قضيت فيه أنا الثمانية الأشهر الأخيرة من فترة اعتقالي التي تزيد عن ثلاثين شهراً- مدمراً لحياة الإنسان إذ لا يضئ سوى بعمود كهرباء وحيد حوالي 20 شمعة والتهوية بواسطة مروحة وحيدة ومتهالكة وعندما تنطفي الكهرباء تتوقف المروحة عن الدوران ويمتلئ المكان برائحة كريهة منبعثة من الحمام الوحيد وتتحد مع الحرارة الشديدة في المكان، ورائحة العفونة المنبثة من الأجساد المصابة بالجروح الناجمة عن شدة التعذيب في غرف التحقيق، وترى الجدران والأبواب يسيل منها العرق كالمياه الجارية، وكثيراً ما كانت أجساد السجناء تتقرح وتنتشر فيها الدمامل والجروح المتقيحة، بسبب شدة الحرارة وإنعدام النظافة وغياب الرعاية الصحية، وذات مرة أصبت أنا بمغص كلوي شديد وتوقف البول نهائيا لمدة تزيد عن ثلاثة أيام ونتيجة إلحاح السجناء على الحراس وإدارة السجن بضرورة إسعافي للمستشفى أو توفير طبيب وعلاج في السجن، سمح نائب شاويش السجن -وكان ضابط شاب من المناطق الوسطى- لطبيب كان سجين معنا وهو من أبناء الصبيحة مديرية المضاربة محافظة لحج، اسمه طه ثابت هواش، لكتابة العلاج المطلوب بشرط أن يوفر السجين المريض قيمة العلاج، وقام الطبيب بكتابة العلاج ولأن الزيارات كانت ممنوعة عليَّ أثناء فترة التحقيق التي دامت ثمانية أشهر متواصلة بما ترافق معها من تعذيب جسدي ونفسي ، تطوع أحد التجار وكان سجيناً أيضاً بدفع قيمة العلاج واسمه محمد غالب سيف الأثوري، وعندما علم مدير الجهاز قام باستدعاء الطبيب وتهديده بقطع رأسه إن هو كرر هذا العمل بكتابة علاج لسجين أخر، وللأسف بعد خروجي من السجن حاولت البحث ولعدة سنوات عن هذا الطبيب الإنسان وعندما كدت أصل إليه علمت أنه قد رحل عن هذه الدنيا واختاره الله إلى جواره ولا أملك إلا أن ادعو له بالرحمة والمغفرة .

كان طه ثابت هواش. رحمه الله واسكنه فسيح جناته ، مساعد طبيب بارع وحاذق في مهنته، تخرج من المعهد الصحي بعدن وانتقل للعمل كمساعد طبيب في منطقة الزريقة الشمالية المحاددة لمنطقة المضاربة ورأس العارة الجنوبية، وجمعتني به صداقة حميمية في السجن وكان يتحسس ألآمي وجروحي التي أعود بها فجر كل ليلة من غرفة التعذيب.

 

* من مذكرات معتقل سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNet

الأربعاء, 15 آذار/مارس 2017 20:07

المناضل "الطفشال" حياة مثيرة للجدل!! (2)

في اليوم الأول لاعتقالي من قبل عملاء جهاز الأمن الوطني بتعز يوم الأثنين 29 أغسطس 1983،تم نقلي إلى قبو أرضي شبه مظلم بعد ضرب القيد بإحكام على أقدامي النحيلة، بمجرد فتح باب القبو رأيت أشخاصاً شبه عرايا وهم شاخصون إلى البوابة لمعرفة من يكون القادم الجديد، وكأنهم يتابعون مسلسلاً تلفزيونياً، وحينها انتابني شعور بالفزع الشديد عن كيفية التعايش مع المجانين في هذا القبو وليس في اليد حيلة !! دفعني السجان إلى الداخل بقوة وقام بإغلاق الباب بسرعة وهو يقول ضم مع أصحابك يابان أيري !! اقترب مني أحد الأشخاص منحنياً لطول قامته وانخفاض ارتفاع سقف القبو وكان شبه عاري إلا من سروال قصير يغطي العورة وهمس لي برفق لا تخف يا رفيق وبدأ لي الصوت لأول مرة مألوفاً، ومن خلال الضوء الخافت الذي يتسرب من فتحة صغيرة في جدار القبو الخارجي - لا يزيد قطرها عن 10*10 سم - تبينت وجهه فإذا به الرفيق "الطفشال" والذي قام بتجهيز مكان لي بجواره وجوار رفيق أخر كان يكبرناً في السن، يدعى "حسن خالد الكبش" -إن لم تخني الذاكرة- وليلتها لم أذق النوم حتى الصباح، فقد شعرت بضيق شديد في التنفس وظل نظري طوال الليل مصوباً إلى فتحة الضوء الصغيرة في جدار القبو. ولكن من هو هذا "الطفشال"؟! ولماذا يتواجد في هذا المكان المظلم والحار؟ الطفشال هو الرفيق عبدالله علي حميد الرعيني،  والطفشال، اسمه الحركي ، الذي كنا نعرفه به، وهو من مواليد قرية الكدشي - جبل الدرب عزلة الرعينة مديرية شرعب الرونة، كان أحد شباب اليمن الذين انخرطوا كفدائيين في صفوف الثورة الفلسطينية أثناء اغترابهم في السعودية أوائل سبعينيات القرن الماضي، وانتقل للتدرب في معسكرات الثورة الفلسطينية في ليبيا وتونس والجزائر ومصر وكان له مغامرات كثيرة عرضته للسجون في أكثر من مكان، وبعد عودته لليمن انخرط في صفوف الجبهة الوطنية الديمقراطية، في شرعب، وفي عام 1981 رشحته قيادة الجبهة الوطنية في المنطقة لدورة في عدن، وهناك قام بمهام نضالية متعددة منها المشاركة في نقل الإمدادات والتموين لمقاتلي الجبهة الوطنية "قوات الشعب الثورية" في المناطق الوسطى وشرعب، وفي النصف الثاني من عام 1983، تم استدراجه بالحيلة من قبل بعض عملاء النظام واعتقاله في مركز مديرية شرعب السلام، ولأنه نشيطاً وكثير المغامرات تحدى حراس السجن في تسلق جدار مبنى إدارة المديرية - ارتفاعه حوالي ثلاثة أدوار - حتى سطح المبنى فخاف المسؤولون من هروبه من سجن المديرية فأضافوا له قيداً أخر وتم نقله لسجن الأمن الوطني بتعز، وهناك تحدى مرة أخرى الحراس والسجناء الأخرين، من ينط مسافة تزيد عن عشرة أمتار دون أن يفتح قدميه، فأضاف الحراس له مروداً بالإضافة للقيدين وإدخاله القبو ، وعند استدعائه لمقابلة مدير جهاز الأمن، وأثناء وصوله أمام المبنى الرئيس للجهاز وجد أن حوالي 15 درجة تفصل بين الباحة العامة وبوابة المكتب وقدر صعوبة اجتيازها صعوداً على قدميه وهو مكبل بالقيود والمرود*، فوضع يدييه على أول درجة ونط دفعة واحدة حتى بوابة المكتب فذهل شاويش السجن الذي كان يرافقه وضباط وجنود الإدارة فقاموا بإبلاغ مخاوفهم لمدير الجهاز الذي أمر بإضافة قيداً ومروداً أخر للسجين . وأثناء التحقيقات معه انكر في بداية الأمر أي وضع قيادي له في قيادة الجبهة أو الحزب وعند قيام الجلادون بتعذيبه وتعليقه بطريقة "فروج كنتاكي" قال لهم انزلوني، من المعلق وأنا سأعترف بكل شيء ، وبدأ يسرد لهم قصصاً خيالية لا يقبلها العقل ولا المنطق والجلادون فرحون، بما يقول ويسرد ومنها أنه عضو مكتب سياسي في حزب الوحدة الشعبية وعندما كانوا يسألونه عن أعضاء المكتب السياسي السريين قال لهم أنه لا يحضر اجتماعات المكتب السياسي وإنما علاقته خطية رأساً بجار الله عمر، باعتباره قيادياً سرياً في قوات الشعب الثورية.. وعند اكتشافهم بعد فترة طويلة أنه ليس أكثر من عضو في خلية جبهوية، قرروا إرساله مع مجموعة كبيرة من السجناء السياسيين المنتمين للجبهة الوطنية إلى العراق للقتال ضد القوات الإيرانية وذهب إلى العراق وقاتل قتال الأبطال وبعد عودته لليمن عمل على ايجاد مشروع خاص به في قلع الأحجار وتكسيرها وبيعها وكان قد فتح ما يشبه المنجم في عرض الجبل لتتبع واستخراج الأنواع الجيدة من الأحجار وفجأة ذات يوم انهارت جوانب المقلع عليه ودفنته تحتها ليلقي حتفه فيه، وتكون أخر أيام حياته المثيرة للجدل.. يرحمك الله يا رفيق النضال والمعتقل ويسكنك فسيح جناته..

 * المرود هو سيخ من الحديد الصلب يصل طوله ما بين 40- 30 سم ملتصق من طرفيه بحلقتين من الحديد يتم اغلاقهما أسفل ساقي السجين ويمنع السجين من ضم قدميه أو ساقيه على بعضهما أثناء الجلوس أو النوم ويحد من الخطو السريع أثناء المشي .

* من مذكرات معتقل سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز.

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNet

ذات مساء في نهاية عام 1983 فوجئنا - أنا والرفيق أحمد غلاب، وكنا قد اتفقنا على انكار معرفة بعضنا في التحقيقات- بوجود الشيخ المرحوم عبد الوهاب أحمد قائد الكمالي شيخ عزلة الشريف بشرعب السلام وهو مكبل بالقيود في غرفة التحقيقات بشعبة مكافحة الشيوعية بجهاز الأمن الوطني بتعز وكان يرد على أسئلة المحقق بلغة عربية فصيحة بإنكار وجود مخربين/ شيوعيين في شرعب وإنما هناك حرب بين الدولة التي تتمركز كما قال: قواتها في عزلتي "عزلة الشريف" وبين أهالي بني وهبان الذين يتمركزون في عزلتهم، وفي محاولة من المحقق الجلاد لإدانة الشيخ عبد الوهاب بالتعاون مع الجبهة الوطنية أو المخربين الشيوعيين كما كان يحلو للجلاد تسميتهم لجأ للضغط على الرفيق "أحمد غلاب" وهو المرحوم بجاش عبد الواحد الكمالي لإجباره على الاعتراف بمشاركة الشيخ عبد الوهاب بتدبير عملية اغتيال الضابط الحميري ومرافقيه في منطقة القحيم بشرعب الرونة ولكن الرفيق بجاش وللأمانة التاريخية كان مناضلاً صلباً وخصماً شريفاً حين رفض الاعتراف بأن للشيخ عبدالوهاب أي علاقة بالجبهة الوطنية أو المشاركة بتدبير الكمائن أو العمليات العسكرية ضد قوات النظام وضباطه وعملائه رغم الخصومة الشديدة التي كانت بينهما مخيبا أمل الجلاد.. وفجأة يلتفت الشيخ عبد الوهاب الذي لم يكن قد رآني أو رأيته من قبل موجهاً كلامه إليَّ: أنت من بني أحمد عتيق ، فقلت له لا ولكنهم أخوالي ، فقال إذن أنت أبن الصوفي، صاحب المخلاف فقلت له نعم. ومن يومها عرفت كم كان هذا الشيخ كبيراً رغم كثرة القصص التي سمعتها عن قسوته الشديدة مع بعض اقربائه ومنهم أبن شقيقته الرفيق أحمد غلاب، ولكنه كان واثقاً كما يبدو أن أبن شقيقته مثله لا يقبل الوشاية بخصمه.

 

* من مذكرات معتقل سياسي في سجون الأمن الوطني بتعز.

 

قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية

للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة

@aleshterakiNe

 

 

الوحدة والديمقراطية

احتلت قضيتا الوحدة والديمقراطية حيزا واسعا في فكر وفعل الشهيد جار الله عمر ، فكتب محللا العلاقة الجدلية بين الوحدة والديمقراطية ، وكان حريصا منذ البداية على تأكيد موقفه الواعي من ربط الوحدة بالديمقراطية ، وذلك حين أشار إلى أنه لم يكن مع الوحدة " كغاية تطلب لذاتها ، دون مراعاة المضمون الذي ينبغي أن تكون عليه ، والوظيفة التي تؤديها، .."  داعيا في هذا السياق " لامتلاك تصور ناضج يجمع بين مسألتين : الأولى شكل الوحدة كإطار لجمع شمل اليمنيين ، وتحقيق مطلبهم الوطني في وجود الكيان الموحد ، والثانية : أن تكون الوحدة وسيلة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي ولتحقيق الديمقراطية وتعميمها في أوساط السكان .. وبإنجاز هاتين المسألتين ، سوف تأخذ الوحدة أفقها التاريخي التقدمي .. وستشكل أساسا حقيقيا للنهوض الحضاري ."  ، وكان الشهيد جار الله يعتقد جازما " أن الوحدة الحقيقية التي يمكن لها أن تبقى وتترسخ ، هي الوحدة التي ستشكل نقله حضارية في حياة المجتمع اليمني ، والتي ستحتفظ بمنجزات ومكاسب الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر .."

ويعزو جار الله التأخر في إنجاز مهمة الوحدة لما أطلق عليه " مأزق الديمقراطية " مما أدى لتأخر البديل الديمقراطي كثيرا ، وفي مأزق غياب البديل الديمقراطي يشير إلى " نقطتين محوريتين أخرتا تحقيق الوحدة اليمنية :

الأولى : عدم تعزيز الاطروحات عن الوحدة بمضمون ديمقراطي ، بممارسة الديمقراطية نفسها ....

الثانية : ان انعدام الديمقراطية أدى إلى استبعاد الجماهير عن المشاركة في النشاطات الوحدوية ، ولم تتشكل قوة جماهيرية ضاغطة باتجاه الوحدة ، .. "   ، وكان يرى إن تنفيذ برنامج وحدوي واقعي عملي متكامل يتطلب " الاقرار بالديمقراطية التي تعني الاقرار بحقوق الإنسان ، وحرية الأحزاب الوطنية ، وتحقيق المواطنة المتساوية لجميع فئات السكان ." 

الوحدة والتعددية

وإذا كان جار الله قد بدأ مبكرا - وتحديدا منذ العام 1982-  بإدارة نقاش حول التعددية الحزبية باعتبارها فكرة وحدوية بالدرجة الأولى ولأنها ستكون أساسا للتحالف ومدخلا لإعادة رسم خارطة المواقف السياسية والاجتماعية المختلفة على الساحة الوطنية .. وإحداث تحولات تاريخية كبيرة . ، فإنه قد خاض نضالا دؤوبا من أجل إقناع رفاقه في الحزب الاشتراكي اليمني ، بفكرة التعددية الحزبية ، شارحا الأهمية الكبيرة في أن يسبق النظام في الجنوب إلى إعلانها ، معتبرا أن ذلك سيقوي ويعزز المشروع الوطني الديمقراطي على مستوى الساحة اليمنية كلها ، ودعي الحزب الاشتراكي اليمني إلى التنسيق مع أطراف الحركة الوطنية الديمقراطية الأخرى والعمل من أجل قيام اليمن الديمقراطي الموحد ..  ،ولم يتوقف دوره النضالي هذا بمجرد قيام الوحدة ، بل استمر حتى بعد حرب صيف 1994 ، الظالمة ضد الجنوب والحزب الاشتراكي اليمني ، ففي أخر كلمة القاها في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الثالث لحزب التجمع اليمني للإصلاح وقبل تنفيذ جريمة اغتياله بدقائق كان يؤكد على أن وطننا اليمني قد مرت عليه أحداث متتالية منذ تحقيق الوحدة اليمنية ،داعيا لضرورة الاستفادة من تجارب الماضي واستخلاص العبر من أحداثه ، مشيرا إلى أن الحزب الاشتراكي اليمني قد قام بتقويم مسيرته ، مذكَّرا بأهم العبر ذات الصلة بالأوضاع القائمة حينها وهي كالتالي :

أولا : إن الديمقراطية ضرورية لأي حزب كي يتجنب الصراعات الداخلية كما هي ضرورية لتجنيب الأوطان آثار التشظي والتفتت وويلات العنف والحروب الأهلية .

ثانيا : إن الديمقراطية منظومة متكاملة لا تتجزأ أساسها المواطنة المتساوية واحترام العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين وصيانة الحريات والحقوق الأساسية دونما تمييز لأي سبب كان والقبول بالتعددية الفكرية والسياسية وعدم الاكتفاء من الديمقراطية بالتسمية ومظاهر الزينة الخارجية .

ثالثا : إن جمهور المواطنين يحتاج على الدوام إلى تأمين حد أدنى من المساواة في الفرص لتأمين لقمة العيش وقدرا من العدالة والخدمات الاجتماعية المتاحة للجميع .

رابعا : إن تأمين السيادة الوطنية يقتضي توازن المصالح بين الفئات الاجتماعية والمناطق المختلفة للبلاد بهدف سد الثغرات التي يمكن للقوى الخارجية المعادية النفاذ منها للانتقاص من هذه السيادة .

خامسا : إن تقوية النظام السياسي للبلاد يفترض وجود معارضة قوية مستندة إلى مجتمع زاخر بالحراك والفعالية والمنظمات الأهلية المستقلة بعيدا عن السيطرة الرسمية وبالصحافة الحرة المؤثرة والإبداع الحر ولا شك أن قيام اللقاء المشترك يشكل خطوة على هذا الطريق بعد أن أصبح اليوم إحدى حقائق الحياة السياسية في اليمن .

سادسا : إن التجربة الديمقراطية في اليمن قد بلغت درجة من الركود والشيخوخة المبكرة وهي تحتاج إلى إصلاح سياسي واسع وشجاع حتى تعود إلى شبابها ، كما أن اليمن بحاجة إلى مجلس نواب يمثل اليمن بكل فئاتها الاجتماعية ومصالحها المختلفة ويضم بين صفوفه خيرة العناصر والقيادات الاجتماعية والسياسية والعلمية في البلاد ، مجلس نواب يشبه اليمن بتنوعه وعظمته ووحدته وتعدد تياراته الفكرية والسياسية .

الوحدة والدولة  

وفيما كان جار الله يرى في الوحدة مشروعا ديمقراطيا موجها ضد الموروثات التقليدية كالطائفية والقبلية والمناطقية وضد كافة النزعات المتخلفة ، فإنه كان يأمل فيها أن تعمل على اقامة أسس الدولة العصرية القائمة على العقد الاجتماعي ، الدولة الديمقراطية التي تحقق المواطنة المتساوية ، وتعترف بتعدد الأحزاب وتعدد المشارب الثقافية ، وتعبر عن إرادة الأغلبية الشعبية وتسهر على مصالح المجتمع بشكل عام وهي لا تستطيع أن تحقق ذلك مالم تكن دولة مؤسسات وليست دولة عصبيات ومراكز قوى متنفذة أو أفراد ، دولة تقوم على مبدأ الاختيار الحر ، والمشاركة الوطنية وتقديم الأفضليات ، وليس على مبدأ القوة .

الوحدة ومكاسب الثورة

 كعادته لم يبن جار الله أفكاره ومواقفه السياسية على الأحلام أو الإرادوية الشخصية ، بقدر ما كان يضع القضايا موضع التناول وضعا تاريخيا ملموسا ولذلك  فإنه عند تناوله لقضية الوحدة ومكاسب ثورة 14 أكتوبر، لم ينس أن يتساءل وبصورة استشرافية عن " مدى ومقدرة واستعداد القوى الوطنية الحية في الشمال ( في النظام وخارجه ) لأخذ خطوات متقدمة تتجاوز آثار النكوص الذي حدث في الماضي ، وإقصاء أية هواجس أو تطلعات بأن الوحدة ستقود إلى التخلي عن الثورة والمكاسب الاجتماعية والحقوقية والدستورية لثورة 14 أكتوبر، مؤكدا أن الوحدة ليست بديلا للتقدم ، ولا يمكن أن تشكل الغاء للمكاسب التقدمية ، وبقدر ما هي نقلة نوعية إلى الأمام، فإنه لا يمكن القبول بالعودة إلى ما قبل قيام ثورة 26 سبتمبر ولا إلى المراحل التي سادها التراجع مثل مرحلة انقلاب 5 نوفمبر ، لأن هذه المرحلة ليست مثالا للدولة اليمنية القادمة ، ولا تصلح لأن تكون كذلك ." 

النتيجة التي حذر منها جار الله

للأسف الشديد فإن المخاوف التي حذر منها جار الله ودعا لتجنبها فقد حصلت بكل تفاصيلها ، إذ شنت قوى انقلاب 5 نوفمبر حربها الظالمة الهمجية ضد الوحدة والديمقراطية وضد الدولة اليمنية . وعندما تصبح الدولة مهددة يعني ذلك سقوط الفكرة من أيدي حاميلها .. أي فشل التجربة السياسية للمجموعات المكونة لإدارة الشأن العام .. وعندما تصبح عطالة الدولة أمر ممكن أو بديهي .. تكون الجماعة الحاكمة للشأن العام  قد قطعت علاقتها بالزمن وهذا يعني موت الدولة ببطلان وظيفتها التي تقوم على الإنتاج الدائم والمستمر والسّريع وبدقة وتوازن للتعامل مع كلّ مستجدّ من ابتكار أو حاجة والرضوخ الدائم لتوالد الأجيال المستدامة بحاجاتها وتطلّعاتها ..  وهكذا أصبحت أسباب الاضطراب في الهوية الوطنية أمرا مقدسا لدى البعض ولذلك غدت مسألة الوحدة الوطنية اليوم عدوا وليست غاية سامية كما ظلت تروج لها الأوساط الحاكمة حين قالت وصدقت نفسها أنها عمدت الوحدة بالدم ..

وحين " تصبح التعابير والمفردات لا تدلّل على ذاتها تكون المعرفة في خطر شديد وبصبح المواطن العاقل غريبا أو معتديا .. وهذا ما قد ينبّئ  بالكثير من الخراب والدمار والقتل والذبح لأنّنا عندما نتهاون بالمعايير الناظمة لوجودنا الوطني تختل ّ الموازين وتضطرب الهوية الوطنية .. وكلّ اضطراب بالهوية الوطنية يؤدي إلى حرب أهلية تبدأ على ما نراه الآن من تعطيل للدولة واستهانة بالزمن وبالإنتاج واستخفافا بعقول الناس والتنظير بكلّ اتجاه .. وهذا تؤكده ممارسات المكوّنات الحاكمة .. وفي كلّ المواضيع .. من السيادة إلى الدستور إلى السياسة والاقتصاد والمؤسسات إلى الأمن السياسي والغذائي والعسكري والفكري والبيئي والإنساني .."  

الخاتمة

إن أكثر ما استرعى انتباهي وأنا أطالع الجزء اليسير مما توفر لي من التراث الفكري والسياسي للشهيد جار الله عمر هو منهجيته العلمية وأدواته التحليلية التي أجاد استخدامها وتمكنه من خلالها التوصل إلى نتائج واستخلاصات  نهائية عادة ما كان يبني عليها مواقفه الفكرية والسياسية المعلنة .

وأخيرا اتمنى من كل أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني وخاصة جيل الشباب والمثقفين منهم أن يتمثلوا النهج والسلوك النضالي للشهيد جار الله عمر ، وبالذات اتباع طرائقه المميزة في التحليل والاستنتاج،  مستفيدين  من المنهج التاريخي العياني ،الذي أجاد الشهيد التعامل معه ، وهو منهج يتعامل مع االظواهر الاجتماعية من حيث مراحلها ومستوياتها المختلفة المتمثلة في : النشوء والتطور والمآل ، ومدى تأثيرها وتأثرها مع ما حولها من الظواهر والوقائع والأحداث .  

*ورقة عمل قدمها خلال الندوة التي اقامها القطاع الطلابي للحزبي الاشتراكي اليمني  في الذكرة الثانية عشرة لاغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني جار الله عمر.

 

 

 

يعرّف التراث الماركسي مفهوم الطبقة انطلاقا من موقع العناصر الاجتماعية في نظام الانتاج ، والذي يرى بالتالي ان ثمة عددا من الطبقات بقدر ما هنالك من نماذج اساسية للمواقع . وبالرغم من البساطة الظاهرية للتعريف الماركسي فان صعوبات خطيرة تبرز حالما نضعه موضع التطبيق .

اذا حددنا المواقع في نظام الانتاج انطلاقا من " علاقات الانتاج " فإننا نميز بسهولة في مجتمعات القرن التاسع عشر طبقة من الرأسماليين وطبقة من البروليتاريين أو في المجتمعات الاقطاعية طبقة من الملاك العقاريين وطبقة المزارعين  " الفلاحين " إلا ان موقع بقية العناصر الاجتماعية في نظام التصنيف هذا يكون غير واضح. ولما كان ماركس واعيا لهذه الصعوبات فقد اوصى ضمنا ان عدد الطبقات الذي يمكننا تمييزه بشكل مفيد يتوقف على المشكلة التي نطرحها على انفسنا. لذلك فهو يميز بين ثلاث طبقات في كتاب رأس المال.. وطبقتين في البيان الشيوعي ، وسبع طبقات في كتاب الصراعات الطبقية في فرنسا. ففي كتاب راس المال ،وهو مؤلف اقتصادي لم يكن يستطيع إلا ان يأخذ في الحسبان التمييز بين النماذج الاصلية الثلاثة للعناصر التي يمّيز بينها الاقتصاد الكلاسيكي تبعا لطبيعة المداخيل التي تملكها هذه العناصر : الريع العقاري بالنسبة للملاك العقاريين والأرباح بالنسبة للمقاولين الرأسماليين والأجر بالنسبة " للشغيلة " ، هذه التمييزات تفرض نفسها مع الاقتصاد الكلاسيكي في مواجهة تصنيفات اخرى مثل التصنيف المستوحى من النزعة الفيزيوقراطية لدى تورغو ( طبقة المزارعين الطبقة " المنتجة " طبقة " الحرفيين " او الطبقة "المأجورة " وطبقة " الملاك " او الطبقة " الجاهزة " اي الجاهزة لتحمل مهام الخدمة العامة) . اما في البيان الشيوعي وهو مؤلف في النظرية السياسية فان الصورة المستعملة من قبل ماركس تتميز بالثنائية .  والسبب في ذلك بسيط .  كان ماركس يطمح للبرهنة على ان صراع الطبقات هو محرك التاريخ. وبتعبير أخر ان التغيّر الاجتماعي هو نتاج التناقض بين الطبقات.  وفي كتاب صراع الطبقات وهو مؤلف تاريخي. كان المقصود وصف وضع ملموس في تعقده.  ولهذا السبب كانت الطبقات التي ميزها ماركس أكثر عددا .

 في الواقع ان ما نسميه احيانا المفهوم الماركسي للطبقات لا يتعلق بنظرية محددة تماما ولكن بمجموعة من النظريات يجمع بينها مبدأ صراع الطبقات ، ولكنها تختلف الواحدة عن الاخرى فيما يتعلق بمعايير التمييز بين الطبقات وبعدد الطبقات الواجب اعتماده. إن بعض الماركسيين الجدد فقط يقدمون توزيع المنافع مثل السلطة والدخل والمكانة الاجتماعية على انها ثنائية ، بالضرورة ، تضع طبقة تسمى " مهيمنة " بمواجهة طبقة يقال انها "مهيمن عليها".

الأربعاء, 10 أيلول/سبتمبر 2014 17:06

لماذا وكيف يغير الاشتراكيون تفكيرهم ؟!

 

يعاني الاشتراكيون اليمنيون اضطرابا في التفكير فحتى سنوات مضت كانت الماركسية اللينينية تعتبر أساسا مكينا للنظرية الثورية لديهم ؛ أما الآن فيرتفع في كل مكان أصوات تقول بأن هذه الأفكار قد شاخت . و لكن على كل من يعلن عن نفسه أنه اشتراكي – ديمقراطي، ويعتز بالتعبير عن مواقفه كاشتراكي يتعين عليه أن يحدد موقفه الفكري بدقه.

إننا كاشتراكيين نقف كليا على أرضية نظرية كارل ماركس التي قال عنها لينين بأنها " حولت للمرة الأولى الاشتراكية من طوباوية ( أحلام ) إلى علم مبني على أسس ثابتة ورسمت الطريق الذي ينبغي السير فيه مع تطور هذا العلم باستمرار ومع دراسته وتعميق تفاصيله." ولكل علم موضوعه الذي يبحث فيه ومناهجه التي تستخدم في هذا البحث ،وبهذا الصدد يشير لينين إلى أن الماركسية " كشفت كنه الاقتصاد الرأسمالي وبينت كيف يتجه تطور الرأسمالية إلى زحزحة الإنتاج الصغير من قبل الإنتاج الكبير ، وكيف يخلق (الإنتاج الرأسمالي )الظروف والشروط التي تجعل من الممكن والضروري بناء المجتمع على أساس اشتراكي . " ويضيف لينين قائلا  " أن الاشتراكية العلمية علمتنا أن  نرى وراء ستار العادات المتأصلة والدسائس السياسية والقوانين العويصة والتعاليم المعقدة قصدا وعمدا، النضال الطبقي، النضال بين مختلف أصناف المستغِلين ( بكسر الغين )  وبين سواد المستغَلين ( بفتح الغين ) ، وأوضحت مهمة الحزب الاشتراكي الثوري الحقيقية. "

ومع كل ذلك فليس هناك من يقول أن الاشتراكية نظرية مطلقة أو أنها قدمت إجابات مكتملة ونهائية عن القضايا التي ناقشتها ، فالحقائق الاشتراكية هي حقائق علمية ، دائما ما تكون نسبية وغير مطلقة أو نهائية ، كما أنها تقع في المستقبل وليس في الماضي ، ولو أن الاشتراكية الماركسية قالت بغير ذلك لأصبحت عقيدة دينية مقدسة ( جامدة ) لا يجوز المساس بها أي (دغما ). وبهذا الصدد يقول لينين أيضا :" فنحن لا نعتبر نظرية ماركس شيئا كاملا لا يجوز المساس به ؛ بل اننا مقتنعون على العكس ، بأنها لم تفعل غير أن وضعت حجر الزاوية لذلك العلم الذي يترتب على الاشتراكيين أن يدفعوه إلى الأبعد في جميع الاتجاهات ، إذا شاءوا ألا يتأخروا عن موكب الحياة ." ونحن نعتقد أنه من الضروري أن يدرس الاشتراكيون العرب واليمنيون على وجه الخصوص ويطوروا النظرية الاشتراكية  بصورة مستقلة لأن النظرية لا تعطي سوى موضوعات توجيهية عامة ، فالاشتراكية طبقت مثلا في روسيا أو الاتحاد السوفيتي (سابقا ) على غير ما طبقت في الصين ، وطبقت في كوبا على غير ما طبقت في يوغسلافيا ، وطبقت في مصر على غير ما طبقت في اليمن الديمقراطية (سابقا )...الخ.

إن نضال جماهير الأحزاب الاشتراكية  يجب أن ينقسم إلى نضال اقتصادي من أجل تحسين الوضع المعيشي لجماهير الحزب الاشتراكي وجماهير الشعب الكادحة ومن أجل تأمين القاعدة ألاجتماعية ، ونضال سياسي من أجل الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة في السلطة السياسية لجميع فئات الشعب الكادحة والمستبعدة.

ومن أجل أن تنجح وتتقدم حركة الحزب الاشتراكي الديمقراطية الثورية ، سيكون من واجب أعضاء الحزب والقادة منهم على وجه الخصوص أن يثقفوا أنفسهم ذاتيا أكثر فأكثر في جميع المسائل النظرية والتطبيقية وأن يتخلصوا أكثر فأكثر من العبارات التقليدية المستعارة من العقيدة القديمة ، وأن يأخذوا دائما بعين الاعتبار أن الاشتراكية ، مذ غدت علما تتطلب أن تعامل كما يعامل العلم أي تتطلب أن تدرس وفقا لموضوعاتها ومناهجها المحددة . والوعي الذي يكتسب بهذا الشكل ويزداد وضوحا ، ينبغي أن ينشر بين الجماهير الحزبية والعمالية بهمة مضاعفة ومستمرة ، كما ينبغي أن يزداد على الدوام تماسك صفوف منظمات الحزب والمنظمات النقابية .

إن سؤال ( ما العمل ؟!) الذي يُطرح اليوم بإلحاح أمام الاشتراكيين اليمنيين ليس المقصود منه اختيار السبيل ( كما كان الحال في أواخر العقد السابع وأوائل العقد الثامن من القرن الماضي ) بل المقصود به اليوم أن نعرف أي خطوات عملية يتعين علينا كاشتراكين أن نخطوها في السبيل المعروف .. المقصود هو اختيار منهج وخطة النشاط العملي . ولابد من الاعتراف بأن هذه المسألة المتعلقة بطابع النضال ووسائله الأساسية بالنسبة لحزب عملي لا تزال معلقة عندنا ، ولا تزال تثير خلافات جدية – وإن كانت غير معلنة – ولكنها تدل على تقلقل واضطراب في الأفكار يُوسف لهما . ونحن  نؤمن بأنه : " إذا تغيرت الأحوال أو الظروف خلال 24 ساعة فإنه يجب علينا أن نغير تكتيكنا خلال 24 ساعة ." .

إن الجذور العميقة لنوعية تفكير الشخص تتداخل مع هوىته فإذا قال أحدهم عن نفسه أنه من دعاة الحفاظ على البيئة ، أو ذي توجه محافظ ، أو مدرس ، فإنه يصف شيئا أكثر مما يعتقده أو يقدره -  إنه  يصف  هويته . ولذلك عندما ينتقد غيره ما يقوله ،فإنه يعتبر هذا النقد هجوم عليه شخصيا .. على تصوره لذاته . وفي الحالات المتطرفة ، قد تزيد صراعات الهوية من حدت هذا الهجوم ، وتصل به لدرجة الحرب .

إن البشر لا يستطيعون تجاوز هذه النوعية من التفكير في العادة ؛ فهم إما أن يواصلوا الحرب وإما أن يرضوا بحل وسط غير قائم على أساس قوي ،  ولذلك السبب يواجه الناس الكثير جدا من الطرق المسدودة والمحبطة ، ومع ذلك فإن المشكلة لا تكمن في الغالب في استحقاقات وجدارة " الطرف " الذي ننتمي إليه بقدر ما تكمن في نوعية تفكيرنا .

إن نمط أو أسلوب التفكير الذي نتبعه يؤثر على الطريقة التي نتصرف بها . إنه مثل خارطة تساعدنا على تحديد التوجه الذي نريد الذهاب فيه ؛ فالخارطة التي نراها تحدد لنا ما تفعله وما نفعله يحدد النتائج التي نحصل عليها . ولذلك ، فإذا حدث تغيير في نماذجنا أو أساليبنا الفكرية ؛ فسوف تتغير سلوكياتنا ، وبالتالي النتائج المترتبة على هذه السلوكيات .

 

يجادل الكثير - ممن يعرفون أنفسهم بأنهم اشتراكيون وبصورة أوسع يقدمون أنفسهم كممثلين للفكر اليساري ومدافعين عنه وناطقين باسمه – منكرين أن يكون نضال الفلاحين اليمنين الذين انتفضوا ضد الجرعة السعرية المتعلقة بتحرير اسعار المشتقات النفطية يخوضون نضالا طبقيا بالمفهوم الماركسي، ولكن كيف تعرف الماركسية النضال الطبقي ؟

في رده على سؤال  ما هو النضال الطبقي ؟ فهذا هو فلاديمير إيلتش لينين ، قائد ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمىى في روسيا عام 1917، وأحد أبرز المفكرين الاشتراكيين الذين أضافوا إضافات علمية – نظرية وعملية - نوعية للنظرية الماركسية ، يقول عن النضال الطبقي : "أنه نضال قسم من الشعب ضد قسم آخر ، نضال جماهير الرعاع والمظلومين والشغيلة ضد اصحاب الامتيازات والظالمين والطفيليين ، نضال العمال الاجراء أو البروليتاريين ضد المالكين أو البرجوازية . ان هذا النضال الكبير كان موجودا دائما وهو ما يزال قائما الآن أيضا في الأرياف الروسية ، رغم ان ليس

 الجميع يستشفونه ، ويدركون مغزاه . في عهد القنانة ، كان سواد الفلاحين يناضلون ضد ظالميهم ، ضد طبقة الملاكين العقاريين ، الذين كانت تحميهم حكومة القيصر وتدافع عنهم وتدعمهم . ولم يكن بوسع الفلاحين أن يتحدوا في ذلك العهد لأنهم كانوا غارقين في لجة الجهل إلى ما فوق رؤوسهم ولم يكن لهم أنصار ولا إخوان بين عمال المدن ، ولكنهم كانوا مع ذلك يناضلون ، كما يعرفون وكما كان بوسعهم . وما كانوا يخشون قط الاضطهادات الوحشية من جانب الحكومة ، وما كان الذعر يدبّ في نفوسهم من جراء العقوبات وإطلاق الرصاص ؛ وكانوا لا يصدِّقون الكهنة الذين يبذلون قصارى

 جهدهم لتبيان أن الكتاب المقدّس يؤيد القنانة وأن الله جعل منها أمرا مشروعا ( هكذا على وجه الضبط كان يتحدث المطران فيلاريت في ذلك العهد !)؛ كان الفلاحون ينتفضون هنا وهناك، فاضطرت الحكومة إلى التراجع في آخر الأمر، خوفا من انتفاضة عامة يقوم بها الفلاحون جميعهم.

وأُلغيت القنانة ، ولكنها لم تُلغ تماما . فظل الفلاحون محرومين من الحقوق و( يعاملون كــ ) فئة دنيا ، تسحقها الضرائب، فئة سوداء تتخبط بين براثن العبودية الاقطاعية . ولذا لا يزال الفلاحون في هيجان ، يتحركون ساعين وراء حرية كاملة ، حقيقية .

ولكن بعد الغاء القنانة ، ظهر نضال طبقي جديد ، هو نضال البروليتاريا ضد البرجوازية . فقد تكاثرت الثروات، وبني العديد من الخطوط الحديدية والمصانع الضخمة، وغدت المدن أكثر ازدحاما بالسكان وأكثر رفاهية وثراء، غير أن عددا ضئيلا جدا من الناس كان يستأثر بهذه الثروات (بينما ) الشعب يزداد فقرا وخرابا ويعاني المجاعة، ويمضي يشتعل عند الآخرين. فشنّ عمال المدن نضالا جديدا، كبيرا، هو نضال جميع الفقراء ضد الأغنياء."

وعن موقف المثقفين الشعبين وكيف يفهمون نضال الجماهير؟! يقول : لينين " في خطابات المثقفين الشعبيين ، ولا سميا الاشتراكيون منهم ، أي (انتهازيي الشعبية ) يتم التمييز بين خطين ، الأول هو خط الدفاع الصادق عن مصالح جماهير الفلاحين والكادحين ، ففي هذا المجال تُحدث خطاباتهم ،انطباعا اضعف إلى ما لايقاس له من انطباع خطابات الفلاحين ( الذين لا يتعاطون السياسة ) ؛ أما الخط الثاني فيتميز  ببعض من الروح (الكاديتي ) ،أي  شيء من تفاهة المثقفين وضيق أفقهم ، وهو الادعاء بوجهة نظر الدولة . وغني عن البيان فإنه يتبدى عندهم مذهب خلافا لما هو عليه الحال عند

 الفلاحين، فهم لا يناضلون بدافع الحاجات والبلايا المدركة مباشرة ، بل  يناضلون بدافع مذهب معين ، بدافع نظام من الآراء التي تعطي عن مضمون النضال صورة مشوهه ".

 

من الطبيعي أن ينسى المرء من يقابله صدفة ولمرة واحدة لكن من غير الطبيعي أن تتحول هذه الصدفة إلى علاقة حميمية بعد سنوات طويلة من الغياب والقطيعة .. كانت هذه حالتي ورفيقي الراحل سند عبد الله نجاد الشاعر المبدع ، والمثقف الموقف والمناضل اليساري الخارج من رحم القبيلة المتمرد على عاداتها وتقاليدها العتيقة ، القادم من أعماق سنحان معقل السلطة العسكرية إلى قلعة الثورة والحرية ، عدن المدينة ألمدنية حاضنة الفكر والفن والثقافة الإنسانية ، رافضا كل مغريات ومفاتن السلطة الفاسدة ، حاملا راية الحرية والتقدم والسلام مرددا بصوته العذب مع رفاقه أغنية الصمود والثورة:

يا جبل عيبان وأرتل وحده

يا نقم من فوق صنعاء المدينة

مرت السبعين وإحنا نناضل

وانتصرنا والعزائم قوية

الصدفة لا تأتي غير مرة واحدة ، لكنها كما يبدو خالفت ناموسها حين جمعتنا سند وأنا للمرة الثانية ، في ظلال شجرة الشعر والأدب في ساحة كلية الآداب والعلوم ألإنسانية بجامعة صنعاء  لنبدأ مرحلة طويلة من النضال في سبيل الحرية والسلام والديمقراطية فقد جمعتنا الضرورة في نشاط مشترك لم يخلو من مواقف تمازجت فيها لحظات التباين أحيانا بمواقف التفاهم والتوحد والانسجام دوما .

بداية أجدني مضطرا للاعتراف بعدم إلمامي بكل تفاصيل حياة ونضال وكفاح شخصية أدبية وطنية كبيرة بحجم " سند عبد الله "،ولا حتى بكل المواقف التي جمعتنا معا ، سند هذا الشاعر والكاتب والمثقف الموسوعي والسياسي صاحب النكتة ألحاضرة والتعليقات اللاذعة ، هذا المناضل اليساري الصلب الذي استطاع بحنكته النضالية ، وبما امتلكه من روح الفداء والتضحية ، التي ورثها عن والده الشهيد عبد الله نجاد ، أن يواصل توسيع فتحة الضؤ  في جدار الوعي التقليدي القبلي المحصن بكل التابوهات المحرمة.. منطلقا بطموحه الوطني لتحقيق أولى مداميك حلمه وحلم والده الشهيد عبد الله نجاد الذي اغتالته يد الغدر والخيانة، عقب خروجه من سجن القلعة مباشرة ،كان هذا الحلم مشروعهما الفكري الثقافي المشترك " دار نجاد للطباعة والنشر.." ولبساطة سند وتواضعه وكرمه وصفه الزميل فتحي أبو النصر بـ " المديونير .. الذي لا تفارقه الضحكة النابعة تماما من القلب العاشق للسخاء ولمحبة الإنسان .."

وإذا كنت قد رافقت الفقيد سند عبد الله ، في بعض محطاته النضالية ، فلا شك أن هناك محطات أخرى كثيرة لم أطلع عليها في سفر نضاله الطويل رغم سنوات عمره القصير .. لكنني عرفته قائدا مبادرا ومناضلا حاضرافي ساحة العمل الجماهيري والحزبي فقد كان عضوا في اللجنة المركزية لاتحاد الشبيبة الديمقراطية " أشدي " قبل الوحدة واللجنة المركزية لاتحاد الشباب الاشتراكي اليمني الديمقراطي " أشيد" بعد الوحدة وسكرتيرا لمنظمة أمانة العاصمة في حين كنت أنا عضوا في قيادة المنظمة وأحد القيادات الطلابية في جامعة صنعاء كما ترافقنا معا في قيادة منظمة الحزب في أمانة العاصمة في فترة لاحقة حيث كان الفقيد "سند " يشغل منصب السكرتير الثاني للمنظمة بالإضافة إلى عضويته في اللجنة المركزية للحزب فيما كنت أنا أيضا سكرتيرا لدائرة الإعلام والثقافة خلال الفترة 2000- 2002 حيث كان الفقيد يتميز بالحزم والحماس والصرامة في النقاشات الحزبية وكعادته كان مبادرا في طرح وتقديم الأراء والمقترحات التي من شأنها تطوير العمل الحزبي والارتقاء به دوما إلى الأفضل، وللأمانة التاريخية فقد شكل الفقيد سند مع الرفيق الفقيد أيضا عبد الله عبد الملك ثنائيا رائعا في قيادة المنظمة خلال تلك الفترة .

ومن المواقف الرائعة للفقيد سند عبد الله ، التزامه بواجباته الحزبية مهما كانت الظروف عصيبة فعند انتقاله أثناء حرب صيف 1994 ليعيش متخفيا في مزرعته الخاصة بتهامة ، حرص على التواصل مع الرفاق في محافظة الحديدة ونجح حينها في تشكيل منظمة حزبية في محيط المزرعة، وعند عودته إلى صنعاء مرة أخرى شارك بفاعلية كبرى في إعادة ترتيب الأوضاع الحزبية في أمانة العاصمة تمهيدا لانعقاد أول اجتماع للجنة المركزية بعد حرب 1994 الظالمة .

 للفقيد سند عبد الله بالإضافة لمواقفه النضالية وتضحياته الجسيمة في سبيل انتصار القضية الوطنية مواقف إنسانية نبيلة تجاه رفاقه والمواطنين عامة ،  فثلما كان قلقا على حياة الزميل منصور هائل ، أثناء مرضه ، كان قلقا أيضا على حياة  أحد أبناء شرعب ( يعمل سباكا ) عندما تعرض هذا العامل لحادث مروري في سيارة أحد أقارب الفقيد سند على خط ( صنعاء – ارتل )، حينها قام الفقيد سند باسعاف المصاب إلى المستشفى ألألماني ولحرصه على حياة هذا العامل الذي أصيب بضربة في مؤخرة الرأس افقدته القدرة على النطق ، بادر سند بدفع الف دور مقدما بالإضافة إلى وضع سيارته – المرسيدس - لدى إدارة المستشفى ، للتعجيل بإجراء العملية الجراحية للمصاب قبل أن يقوم بالتواصل معي لمساعدته للبحث عن أسرة المصاب بالحادثة كما ظل الفقيد سند ،يتردد على المستشفى يوميا،دافعا قيمة العلاج وتكاليف العمليات وغرفة العناية المركزة ومصاريف المرافقين للمريض حتى خروجه من المستشفى ، مواصلا التزامه اليومي بنقل المصاب إلى مركز العلاج الطبيعي وإعادته للمنزل مع دفع تكاليف العلاج ومصاريف المرافق ، رافضا الحديث عن إخراج السيارة المحتجزة بإدارة المرور على خلفية الحادث - مع قدرته على فعل ذلك -  إلا بعد أن يشفى المصاب من إصابته ، التزاما بمبادئه وقيمه الإنسانية ووفاء وتقديرا منه لرفاقه من أبناء شرعب .. وبرغم الخسارة المادية الباهضة التي تحملها سند وكنت شاهد عليها إلا أنه كان سعيدا جدا بتعرفه على شخصية جديدة من أبناء شرعب كما كان يقول لي وهو القاضي عبد اللطيف الحميري ، الذي أعجب الفقيد سند بشخصيته الوطنية ومواقفه الإنسانية النبيلة .

سند عبد الله نجاد هذا المناضل العنيد الذي لم يستطع أن ينال من إرادته القمع والتكبيل والتنكيل الجماعي به وبأسرته أو اغتيال والده الشهيد .. كما لم تغريه السلطة التي لم ير فيها سوى " سيل يجرف أخلاق الناس إلى بالوعة الأنا – الذات – دافعا فقاعاتها المنتنة لتطفو على كل شيء " أو تستهويه " الطريق إلى المجد والثروة عبر لصوصية قارحة قد تختلف عن لصوصية (الحكام) ولكنها شبيهتها في المحصلة ..." لكن هذا المناضل الوفي لقيمه ومبادئه الثورية خذلته انتهازية بعض رفاقه وسلبية البعض الآخر فقرر الانسحاب بصمت منكفئا على ذاته شأنه شأن الكثير من رفاقه ، مفضلا الاهتمام بشؤونه الخاصة وشؤون أسرته .غير أن هذا الزاهد المتصوف في محراب الثورة الوفي لقيمها الوطنية والإنسانية لم ينس أو يتنكر يوما ما لعلاقاته الرفاقية وصداقاته القديمة .. بل ظل وفيا لهما حتى أخر نفس في حياته .. فطوبى لقبر أنت اليوم نزيله .. ورغم رحيلك المبكر عن ساحاتنا فستظل روحك معنا ونحن نردد معا قولك :

ما زلت في كل بيت

حديث المساء

وبُنَّ الصباحات

والأغنية

وما زلت فارسنا المنتظر

 

فلك الرحمة يا سند يا من  فقدنا فيك سندنا ...