سند نجاد :رغم الرحيل المبكر ستظل روحك معنا

الأحد, 16 آذار/مارس 2014 23:07
قيم الموضوع
(1 تصويت)

من الطبيعي أن ينسى المرء من يقابله صدفة ولمرة واحدة لكن من غير الطبيعي أن تتحول هذه الصدفة إلى علاقة حميمية بعد سنوات طويلة من الغياب والقطيعة .. كانت هذه حالتي ورفيقي الراحل سند عبد الله نجاد الشاعر المبدع ، والمثقف الموقف والمناضل اليساري الخارج من رحم القبيلة المتمرد على عاداتها وتقاليدها العتيقة ، القادم من أعماق سنحان معقل السلطة العسكرية إلى قلعة الثورة والحرية ، عدن المدينة ألمدنية حاضنة الفكر والفن والثقافة الإنسانية ، رافضا كل مغريات ومفاتن السلطة الفاسدة ، حاملا راية الحرية والتقدم والسلام مرددا بصوته العذب مع رفاقه أغنية الصمود والثورة:

يا جبل عيبان وأرتل وحده

يا نقم من فوق صنعاء المدينة

مرت السبعين وإحنا نناضل

وانتصرنا والعزائم قوية

الصدفة لا تأتي غير مرة واحدة ، لكنها كما يبدو خالفت ناموسها حين جمعتنا سند وأنا للمرة الثانية ، في ظلال شجرة الشعر والأدب في ساحة كلية الآداب والعلوم ألإنسانية بجامعة صنعاء  لنبدأ مرحلة طويلة من النضال في سبيل الحرية والسلام والديمقراطية فقد جمعتنا الضرورة في نشاط مشترك لم يخلو من مواقف تمازجت فيها لحظات التباين أحيانا بمواقف التفاهم والتوحد والانسجام دوما .

بداية أجدني مضطرا للاعتراف بعدم إلمامي بكل تفاصيل حياة ونضال وكفاح شخصية أدبية وطنية كبيرة بحجم " سند عبد الله "،ولا حتى بكل المواقف التي جمعتنا معا ، سند هذا الشاعر والكاتب والمثقف الموسوعي والسياسي صاحب النكتة ألحاضرة والتعليقات اللاذعة ، هذا المناضل اليساري الصلب الذي استطاع بحنكته النضالية ، وبما امتلكه من روح الفداء والتضحية ، التي ورثها عن والده الشهيد عبد الله نجاد ، أن يواصل توسيع فتحة الضؤ  في جدار الوعي التقليدي القبلي المحصن بكل التابوهات المحرمة.. منطلقا بطموحه الوطني لتحقيق أولى مداميك حلمه وحلم والده الشهيد عبد الله نجاد الذي اغتالته يد الغدر والخيانة، عقب خروجه من سجن القلعة مباشرة ،كان هذا الحلم مشروعهما الفكري الثقافي المشترك " دار نجاد للطباعة والنشر.." ولبساطة سند وتواضعه وكرمه وصفه الزميل فتحي أبو النصر بـ " المديونير .. الذي لا تفارقه الضحكة النابعة تماما من القلب العاشق للسخاء ولمحبة الإنسان .."

وإذا كنت قد رافقت الفقيد سند عبد الله ، في بعض محطاته النضالية ، فلا شك أن هناك محطات أخرى كثيرة لم أطلع عليها في سفر نضاله الطويل رغم سنوات عمره القصير .. لكنني عرفته قائدا مبادرا ومناضلا حاضرافي ساحة العمل الجماهيري والحزبي فقد كان عضوا في اللجنة المركزية لاتحاد الشبيبة الديمقراطية " أشدي " قبل الوحدة واللجنة المركزية لاتحاد الشباب الاشتراكي اليمني الديمقراطي " أشيد" بعد الوحدة وسكرتيرا لمنظمة أمانة العاصمة في حين كنت أنا عضوا في قيادة المنظمة وأحد القيادات الطلابية في جامعة صنعاء كما ترافقنا معا في قيادة منظمة الحزب في أمانة العاصمة في فترة لاحقة حيث كان الفقيد "سند " يشغل منصب السكرتير الثاني للمنظمة بالإضافة إلى عضويته في اللجنة المركزية للحزب فيما كنت أنا أيضا سكرتيرا لدائرة الإعلام والثقافة خلال الفترة 2000- 2002 حيث كان الفقيد يتميز بالحزم والحماس والصرامة في النقاشات الحزبية وكعادته كان مبادرا في طرح وتقديم الأراء والمقترحات التي من شأنها تطوير العمل الحزبي والارتقاء به دوما إلى الأفضل، وللأمانة التاريخية فقد شكل الفقيد سند مع الرفيق الفقيد أيضا عبد الله عبد الملك ثنائيا رائعا في قيادة المنظمة خلال تلك الفترة .

ومن المواقف الرائعة للفقيد سند عبد الله ، التزامه بواجباته الحزبية مهما كانت الظروف عصيبة فعند انتقاله أثناء حرب صيف 1994 ليعيش متخفيا في مزرعته الخاصة بتهامة ، حرص على التواصل مع الرفاق في محافظة الحديدة ونجح حينها في تشكيل منظمة حزبية في محيط المزرعة، وعند عودته إلى صنعاء مرة أخرى شارك بفاعلية كبرى في إعادة ترتيب الأوضاع الحزبية في أمانة العاصمة تمهيدا لانعقاد أول اجتماع للجنة المركزية بعد حرب 1994 الظالمة .

 للفقيد سند عبد الله بالإضافة لمواقفه النضالية وتضحياته الجسيمة في سبيل انتصار القضية الوطنية مواقف إنسانية نبيلة تجاه رفاقه والمواطنين عامة ،  فثلما كان قلقا على حياة الزميل منصور هائل ، أثناء مرضه ، كان قلقا أيضا على حياة  أحد أبناء شرعب ( يعمل سباكا ) عندما تعرض هذا العامل لحادث مروري في سيارة أحد أقارب الفقيد سند على خط ( صنعاء – ارتل )، حينها قام الفقيد سند باسعاف المصاب إلى المستشفى ألألماني ولحرصه على حياة هذا العامل الذي أصيب بضربة في مؤخرة الرأس افقدته القدرة على النطق ، بادر سند بدفع الف دور مقدما بالإضافة إلى وضع سيارته – المرسيدس - لدى إدارة المستشفى ، للتعجيل بإجراء العملية الجراحية للمصاب قبل أن يقوم بالتواصل معي لمساعدته للبحث عن أسرة المصاب بالحادثة كما ظل الفقيد سند ،يتردد على المستشفى يوميا،دافعا قيمة العلاج وتكاليف العمليات وغرفة العناية المركزة ومصاريف المرافقين للمريض حتى خروجه من المستشفى ، مواصلا التزامه اليومي بنقل المصاب إلى مركز العلاج الطبيعي وإعادته للمنزل مع دفع تكاليف العلاج ومصاريف المرافق ، رافضا الحديث عن إخراج السيارة المحتجزة بإدارة المرور على خلفية الحادث - مع قدرته على فعل ذلك -  إلا بعد أن يشفى المصاب من إصابته ، التزاما بمبادئه وقيمه الإنسانية ووفاء وتقديرا منه لرفاقه من أبناء شرعب .. وبرغم الخسارة المادية الباهضة التي تحملها سند وكنت شاهد عليها إلا أنه كان سعيدا جدا بتعرفه على شخصية جديدة من أبناء شرعب كما كان يقول لي وهو القاضي عبد اللطيف الحميري ، الذي أعجب الفقيد سند بشخصيته الوطنية ومواقفه الإنسانية النبيلة .

سند عبد الله نجاد هذا المناضل العنيد الذي لم يستطع أن ينال من إرادته القمع والتكبيل والتنكيل الجماعي به وبأسرته أو اغتيال والده الشهيد .. كما لم تغريه السلطة التي لم ير فيها سوى " سيل يجرف أخلاق الناس إلى بالوعة الأنا – الذات – دافعا فقاعاتها المنتنة لتطفو على كل شيء " أو تستهويه " الطريق إلى المجد والثروة عبر لصوصية قارحة قد تختلف عن لصوصية (الحكام) ولكنها شبيهتها في المحصلة ..." لكن هذا المناضل الوفي لقيمه ومبادئه الثورية خذلته انتهازية بعض رفاقه وسلبية البعض الآخر فقرر الانسحاب بصمت منكفئا على ذاته شأنه شأن الكثير من رفاقه ، مفضلا الاهتمام بشؤونه الخاصة وشؤون أسرته .غير أن هذا الزاهد المتصوف في محراب الثورة الوفي لقيمها الوطنية والإنسانية لم ينس أو يتنكر يوما ما لعلاقاته الرفاقية وصداقاته القديمة .. بل ظل وفيا لهما حتى أخر نفس في حياته .. فطوبى لقبر أنت اليوم نزيله .. ورغم رحيلك المبكر عن ساحاتنا فستظل روحك معنا ونحن نردد معا قولك :

ما زلت في كل بيت

حديث المساء

وبُنَّ الصباحات

والأغنية

وما زلت فارسنا المنتظر

 

فلك الرحمة يا سند يا من  فقدنا فيك سندنا ...

 

قراءة 2399 مرات

رأيك في الموضوع

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة